ليلى وحكاية الألف ليلة وليلة ..الجزء الرابع ..بقلم : عبدالباري المالكي

رنّ جرس الهاتف فرفعتُ سماعته …

– ألو … تفضلوا .

– الو ..نحن من مكتب إدارة الشركة  التي تعمل به  .

– أهلاً وسهلاً … هل حدث شيء ؟

– أستاذ … إرتأت الشركة أن تنقل خدماتك الى فرع البصرة .

– حقاً … لماذا ؟

– أرجوك … عليك ان تكون في البصرة مطلع الأسبوع المقبل .

أقفل المتحدث السماعة …وانتهى الامر بهذه العجالة …

كانت هذه صدمة كبيرة بالنسبة لي … كيف لي ان أنتقل الى فرع البصرة لنفس المصنع ، وليلى تعيش في قلبي وتسكن في سويدائه …كيف لي ان أترك ليلى في بغداد وأرحل بعيداً عن عينيها .

ليست عيناها هو ما يهمني فحسب ، بل إن كل مافيها يعنيني كثيراً ، إذ  لم تكن عيناها الجميلتان إلا مدخلاً لكل شيء فيها ، لكل جزء فيها ، بل لكل خلية فيها .

إذ  لا عينين واسعتين كعينيها ، ولا أنف مدبباً كأنفها  ، ولا وجنتين أشد تورداً من وجنتيها،  ولا شفتين أندى من شفتيها ، ولا حاجبين قطّ أدق من حاجبيها  .

كل شيء فيها جميل ، وكل شيء فيها ينادي بالرقة ، وكل شيء فيها يصرخ بالأناقة والسموّ .

ربطتها الوردية ، وسترتها الخضراء ، وقميصها الأبيض ، بل كل تفاصيل ملابسها تعجبني وتثير بي كل كلمات الغرام .

ليس هناك امرأة أجمل من ليلى ولو اجتمعت كل الليلات قبالتها ، حسْنُ ليلاي يغلب كل ليلى في هذه الأرض ، وأناقتها تفوق أناقة كل ليلى ، ورقتها لاشبيه لها ، وصمتها الشفيف يوحي بأنها أعفّ نساء الأرض وأطهرهن على الإطلاق .

رحت أصرخ بما أمكنتني قدرتي …

ليلى … أعشقكِ عشق الأرض للمطر …

ليلى أعشقكِ عشق الظامئ  الى نبع غدير .

ليلى أنتِ كل ماتبقى لديّ .

لاتغادريني ياليلى لإني حينها سأجنّ أو أموت .

وهنا توقفت قليلاً عن الصراخ وخطر لي في نفسي ان أتصل بليلى وأخبرها بما جرى  .

قلت في خاطري إنها ستموت ألماً وكمداً بكل تأكيد .

…………………………………………………………..

حين دخلت ليلى البيت وجدت والديها بانتظارها وهما يلومانها على تأخيرها، إذ كانت معي في المقهى وهما لايعلمان …

قال الأب :- ليلى اين كنتِ ياابنتي ؟ لقد تأخرتِ .

ليلى:- في السوق ياأبي … ماالأمر ؟

الأم :- لقد انتظرناكِ كثيراً ياليلى .

ليلى :- مالأمر ..؟ هل ثمة شيء لاأعرفه ؟

الأم:- نعم ..هناك مفاجأة جميلة لكِ ياليلى .

ليلى:- وماهي هذه المفاجاة ؟

الأم :- إنه أحمد … جاء يخطبكِ هو وأهله ، لكنكِ تأخرتِ فذهب بعد أن أعطيناه الموافقة المبدأية .

ليلى:- ماذا !؟؟ أحمد يخطبني !! انا لن أتزوج الآن ياأمي وانت تعلمين ذلك .

الاب :- لماذا ياابنتي ؟

ليلى :- أبتي أرجوك ..اتركا الأمر الآن …لست بمزاج جيد للحديث عن الزواج  …

الأم :- الأمر ليس بمزاجكِ ، إنه شاب لطيف وعنده كل المؤهلات ، إنه طبيب رائع ، ولديه من الأموال ماتتمناه كل فتاة ، ولديه مستشفى خاص به وأكثر من بيت ، ماذا تريدين أكثر من ذلك ؟

ليلى :- أريد قلبي .

الأب :- ماذا تعنين ؟

ليلى :- قلبي هو من يختار  شريك حياتي … وانتما  تعلمان ذلك جيداً .

الأم :- تقصدين ذلك الرجل .. (جعفراً)  !؟  ذلك الرجل الفقير ؟ ذو النشأة البيئية الشعبية جداً !!  هههه ، هو لايملك بيتاً ، ولا سيارة ، إنه موظف بسيط !! أليس هو ياليلى ؟

ليلى :- أماه … أرجوكِ ، الرجل لايعاب بقلة ماله ولا ببيئته ، بل يعاب بشخصيته .

الأم :- ليلى …اسمعيني …قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ، إنتهى الأمر وانسي جعفراً ذاك ، سيأتي أحمد مع أهله الأسبوع القادم وننجز كل شيء .

ليلى :- لن يحدث ياأمي اي شيء من هذا .

دخلت ليلى غرفتها وهي تبكي بدموع حارة جداً وقد أحست أن انفاسها بدأت تتصاعد شيئاً فشيئاً ، وان الدنيا ضاقت عليها رغم سعتها ، وأنها لا تستطيع أن تكف عن البكاء ، بل ولا تقدر على غير النحيب .

بدأت تذرع غرفتها جيئةً وذهاباً من هول ماحدث اليوم ، فجأة تذكرت ذلك الدرويش  وما أخبرهما به اليوم عند المقهى ، تذكرت كل كلمة قالها لهما وهي ترتجف من كل ماتتذكره ، تذكرت ماقاله هذا العراف عن زجاجة العطر وفألها السيء

:- ياالله … أحقاً أن السبب هو زجاجة العطر هذه ؟ مستحيل ذلك .

وكيف لجماد مثل هذه الزجاجة ان يفعل مايفعله بقدرنا ومصائرنا …لا أصدق .

فكرت ليلى أن تتصل بي وتخبرني بكل ماجرى لها مع أبويها ، لكنها تأنت قليلاً وخشيت أن تقتلني بهذا الخبر السيء الصادم .

بدأت تحدث نفسها ماذا تفعل أمام إصرار أبويها بالزواج من رجل لاتحبه ولاتأنفه حتى ، وكيف لها  أن تخبرني بهذا الخبر وبأي طريقة يمكن ان تقوله لي ، بل  بأي فؤاد ميت حينها سأجابه هذا الخبر القاتل .

عبدالباري قام بالإرسال اليوم، الساعة 4:40 ص

اتصلتُ  بحبيبتي ليلى لأعلمها عن كتاب أمر نقلي الى البصرة ، وخشيت أن هذا الخبر سيصدمها جداً ، وقلت في نفسي

:- ربما ستتالم جداً من هذا ، بل ربما ستموت .

وفعلاً اتصلت بها لأبلغها عن ما ارتأت إدارة المصنع أن تفعله ، لكنها لم تجب ..كانت خائفة جداً ، من كل شيء .

بعد أيام جاء احمد وأهله لخطبة ليلى ، ولما رفضت ليلى هذه الخطبة ، أصر والداها على ذلك بشكل كبير جداً واتفقا مع أحمد وأهله على المهر المعجّل والمؤجل الكبيرين اللذين لن أقدر على مثليهما ابداً ، واتفقوا على كل صغيرة وكبيرة وكأنّ الأمر لا يخص ليلى ، انتهى الأمر بهذه السرعة التي لن يصدقها أحد …

بنفس ذلك اليوم اتصلت ُ بليلى مرة أخرى …

:- ليلى حبيبتي … هناك خبر سيء أريد ان أخبركِ به ، لكن لاأعلم كيف أخبركِ به ؟

ليلى:- ماالأمر ياجعفر ؟

:- لقد نقلوني ياليلى الى البصرة ، مارأيكِ ؟

هنا … كنتُ أظنها ستصرخ عالياً رافضة أمر النقل هذا ، طالبة مني أن أفعل المستحيل لكي لا أبتعد عنها خطوة واحدة .

لكنّ جوابها كان مخيباً للآمال … إذ قالت :-

الله يوفقك َ بالمكان الذي انت تختاره .

:- ماذاااااا   !؟؟  بهذه البساطة يا ليلى تجيبينني ؟

دمعت عينا ليلى ، ثم اغرورقت عيناها بالدموع ، وقد خنقتها العبرة ، ولم تستطع إكمال حديثها معي ، لقد هربت سريعاً ، ولم تعد تكلمني لحظتها ، وقد أحسست ُ بذلك ، لكني اردت كلمة منها واحدة تطمئنني عليَّ انا ، غير أنها اكتفت بالاصغاء الى ماأقوله أنا فقط .

:- ليلى … لماذا تسكتين ، هل تريدينني ان انتقل ؟ وأكون بعيداً عنك ِ ؟ ليلى استحلفك بالله كلميني ، ليلى ياابنة قلبي …

يامن تعيشين في سويدائه ليل نهار ، يامن صنعتُ لكِ عرشاً بين أوردتي وشراييني ، يامن زرعتُ  جذوركِ في شغاف قلبي ،  يامن رسمتُ  صورتكِ بكل إتقان في جدار قلبي ، يامن خلقتكِ قصيدة في حبة قلبي ، قولي لي ولو كلمة واحدة

ولاتسكتي ..

بالله عليكِ لاتسكتي ياليلى …

وفي اللحظة التي كنت انتظر منها طمأنة معشوقة لمعشوقها ، وفي الوقت الذي كنت أرقب شفتيها من وراء سماعة التلفون عسى أن تقول لي ما يشرح صدري ، ولو بكلمة أسفٍ عليّ ، فوجئتُ بها تقول :- اسمعني ياجعفر … ارجوك ، انا لستُ باقيةً معك ايضاً  .

:- ماالأمر ياليلى ؟ اخبريني …

:- إنها زجاجة العطر التي فرقتنا صدقاً ياجعفر ، وماقاله العراف كان حقيقة وحادثاً لا محال  .

:- زجاجة العطر …!؟  اذن اكسريها ياليلى .

:- ليتني استطيع …

:- وماالذي يمنعكِ عن كسرها ياليلى إنها زهيدة الثمن وصغيرة الحجم .

:- بل هي غالية المعنى في قلبي ، مايمنعني من كسرها أنها هدية منك ياجعفر … ولاشيء أغلى منكَ في قلبي .

الدكتور قاسم محسن يهدى مجموعة من مؤلفاته الفنية إلى المكتبة الثقافية بالعراق

كتبت :ساهرة رشيد

تصوير : عامر اسماعيل

أهدى الدكتور قاسم محسن مجموعة من مؤلفاته الفنية إلى المكتبة الثقافية في مركز الدراسات والبحوث في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، وحملت الكتب العناوين التالية:- (ذاكرة اللون فائق حسن)،تحدد العمل في هذا الكتاب بتوثيق الأعمال الفنية وقد تكون من ( ٣٦٥) صفحة إيماناً من المؤلف بأن الفنان لم يمر يوما من أيام السنة إلا وكان يرسم فيه إذ، حمل في ثناياه أكثر من (٥٠٠) صورة، للرسم والنحت وبعض الاحتفالات الفنية الأخرى للفنان فائق حسن المنجزة بين عامي (١٩٣٥- ١٩٩٢) وتحليل أكثر من (٢١ ) عينة من مختلف رسوماته المتنوعة الأساليب وبعض رسومات الفنانين الأوربيين بطريقة منهجية وفق المعايير الأكاديمية، التي أخذها المؤلف من سجل الفنان فائق حسن الشخصي ومن منزله.

أما الكتاب الثاني فقد حمل عنوان (جواد سليم والبحث عن الهوية) وحرص المؤلف على توثيق أعمال الفنان جواد سليم لمناسبة مرور الذكرى الستون لرحيله، وتعد الهوية من المفاهيم التي تشكلت على البحث الفني الجمالي، حيث عدها مصدر إشاري  لصورة الفن بعلاقته بالوجود الاجتماعي والتاريخي للأمة.ولفكرة الهوية تمركز تعتمده الأبحاث المشرقية أو مايسمى في علم الجغرافيا السياسية بدول العالم الثالث لاسيما عندما يسود شعورا بذوبان هويتها في أتون العولمة.

من خلال هذا الكتاب الذي يقدم جواد سليم نكشف ان الهوية العراقية ضاغطة على فن التشكيل على الرغم من ما يعد تأثيراً أوروبيا أو (أنكلوسكسوني) ف (سليم ) ومن جاوره أو أتى من بعده من فناني التشكيل أنتجت إبداعات جمالية بكل ما يملكون من طاقاتهم الحداثوية، ولاسيما في تحقيق مرموزات عراقية بكل تلك الروحية التي تتسم بها بلاد الرافدين.

وحمل الكتاب الثالث عنوان (الروحانية في فن الرسم الإسلامي)  وتحدث الباحث في هذا الكتاب عن الفن الإسلامي باعتباره منبرا حضاريا يملك مقوماته الجمالية التي تجعل منه فنا مميزا بهويته ويستند إلى مرجعيات وثوابت تمنحه سمتي الخصوصية الثبات، فهو تعبير عن أمة بكل تطلعاتها السماوية والروحية والأخلاقية وهناك الكثير من المقولات والدراسات التي تنحاز بصورة غير موضوعية إلى الخطاب الجمالي البصري الإسلامي دون فحص أساسيات الفن الإسلامي بمعالجاته الحدسية التخيلية والروحانية كمفهوم وتطبيقاته في الفن الإسلامي.

وتعد هذه المجموعة من الكتب الفنية ، والتي ستسهم بإثراء المكتبة .

الشاعر جاسم آل حمد الجياشي ..رثـاء بطعـم المديـح .. بقلم / حسين عجيل الساعدي

(من فم الشاعر تولد اللغة، ومن اللغة تولد كل الأشياء)

                     الفيلسوف اليوناني

                          أفلاطون

أستذكر في مقالتي هذه، شاعرنا الراحل (جاسم آل حمد الجياشي)، الذي غادرنا مبكراً، وأستذكر معه الإبداع والتجديد. قد تعجز الكلمات في التعبير عن الحزن الذي سكن قلوبنا بفقدانه. ذهب وذهبت معه أنتظارات كثيرة، كغيره من الشعراء والمبدعين الذين توقف نبضهم بعد أن نثروا إبداعهم من حولنا.

أكتب هذه المقدمة وأكررها مراراً، في محاولة تقمص دور الناقد الذي يكتب عن (شاعر وشعره)، خشية الوصول إلى النقطة، التي أجد نفسي في مواجهة مع الحقيقة وأنا أنعي وأرثي صديقاً لي، يغيب في غفلة عنا، فالإحساس الطاغي بوفاته وخسارته مضاعفة مرتين، كونه أنساناً وصديقاً أولاً، وشاعراً مبدعاً ثانياً. لكن العزاء، كل العزاء، وبما يليق به، أنه زرع في كل أرض من خلال مؤسسته الثقافية (مؤسسة أنكمدو العربي للثقافة والأدب) أصدقاء ومحبين له كثر.

كان (الجياشي) واحداً من الأصوات الشعرية المتميزة في الشعر العراقي المعاصر، فهو مغايراً ومختلفاً في مسيرته الإبداعية التي تكللت بالأبتكار والتجديد في قصيدة النثر على مستوى الشكل والمضمون، وأحدث أضافة في تطوير الحداثة الشعرية في النص الشعري، فشعره نقلة نوعية في عالم الشعر شكلاً ومضموناً. فهو شاعراً منتجاً مبدعاً، ترك لنا ميراثاً من الشعر والنثر.

فقدنا (الجياشي) كقامة فكرية وثقافية وأدبية وشعرية، على مستوى الإبداع، لكن كلماته باقية، في ذاكرة الأدب والشعر. كان “رحمه الله” مثالاً للخلق الرفيع والفكر النير، لم يدخر جهداً في إثراء الواقع الثقافي والأدبي العراقي والعربي، أثراه بروحية الإنسان المفكر ورؤية الشاعر المبدع.

لا أريد أن أرثيه، لأن طقوس الرثاء تتراجع أمام (الجياشي)، فالرثاء لا يليق به، بل يليق به المديح لخصاله العديدة، فـ(الشعراء لا يموتون)، فهم كنخيل العراق الباسق. وإذا أردنا أن نتحدث عنه، ينبغي التحدث عن دماثة خلقه، ولطفه وكياسته، فكانت هذه الصفات بارزة وطاغية على شخصيته، وجزءاً أصيلاً منها.

لقد أطل علينا من صومعته الأدبية المتخندق بها منذ سنين (مؤسسة أنكمدو العربي للثقافة والأدب وتفرعاتها)، وأطلالته اليومية على المشهد الثقافي والأدبي العراقي والعربي المتفاعل معه، وهو المتميز والمتألق به.

“الجياشي” شاعر (رهين المحبسين) القلق والعزلة، فالعزلة عنده طريقة لاكتشاف الذات، لإنها على حد قول نيتشه (ضرورية لأتساع الذات وأمتلائها، فالعزلة تشفي أدواءها وتشد عزائمها). وبها أبتعد عن فوضى المجتمع، وعمقت لديه الرؤية الشعرية والإبداعية وأنضجت مستواه الأدبي والفكري، فلا عجب أن الشاعر (الجياشي) أدمن العزلة، عاش بعيداً عن الأضواء، فهو الغائب بشخصه والحاضر بنصه، الذي دشن به هويته الشعرية، يتأمل ذاته في الكتابة الشعرية، وحرص كل الحرص على عزلته، فهي عنده حاجة نفسية ملحة كحاجة الماء والهواء.

عرفته منذ أكثر من أربع سنوات ولكن لم التقيه إلأ مرة واحدة، جمعني بالشاعر الراحل عالم (الفيس بوك) الأفتراضي، حتى التقيته في شتاء هذا العام في بغداد قادماً من محافظته (السماوة)، بحضور الأستاذ الناقد (محمد شنشل الربيعي)، كان حضوره الى بغداد لغرض أجراء بعض الفحوصات الطبية، نتيجة أصابته بمرض السرطان في حنجرته.

كانت لي أتصالات عبر الهاتف طيلة هذه السنوات، تكاد أن تكون أسبوعية، وكنا نطيل الحديث في شؤون وشجون الواقع الشعري والأدبي بشقيه العراقي والعربي، فما أرى منه إلأ ذلك الأديب المتمرس والشاعر المبدع والناقد الثاقب المتميز بطروحاته وأرائه.

كان (الجياشي) شاعراً مبدعاً، كتب نصوص لها عمقها الفلسفي والشعري، تحملنا الى فضاءات الأبداع والتفكير، شاعر أحترم قلمه وأحترم قارئه. تمتع بطاقة أبداعية وثقافية نابعة من فكر أصيل وصادق. وكان مفكراً وأديباً وشاعراً وناقداً مشاكساً متمرداً عنيداً، لا يخشى لومة لائم، ومدافعاً عن قناعاته وأرائه، وصريحاً لا يساوم، صافي الذهن في التزامه الوطني، فهو ابن هذه الأرض الحزينة وهذا الوطن الجريح الذي فقد بوصلته. عاش أغلب حياته في المنافي، نتيجة أنضوائه السياسي والأيديولوجي في صفوف اليسار (الحزب الشيوعي)، الذي تركه لاحقاً، بسبب خلاف سياسي، أعاد على أثره النظر في كل طروحاته ورؤاه الفكرية والأيديولوجية والعقائدية، متبنياً منظومة فكرية، مع أيمانه ببعض الطروحات الماركسية، لذا نراه يرفض الظلم في كل حين، لأن نفسه تأبى إلا العيش بعزة وكرامة، لا يعرف المساومة ولا المهادنة، يحمل قضية وطن وهموم شعب، يؤمن بالإنسان وسعيه من أجل الحرية وكرامة العيش.

الشاعر (الجياشي) يجسد خطاباً قلقاً، مرتبطاً أرتباطاً كلياً بالوطن ممزوجاً بالمشاعر الوطنية التي تنم عن قلقاً وجودياً ووطنياً. كان يقرأ على مسامعنا مزاميره، فيقدم نموذجاً شعرياً منزلقاً عن الداخل العراقي، منحه رؤية وجودية لحاضره من خلال ما يمتلك من وعي أبداعي ومعرفي. فهو يربط بين حالة الأنكسار ومرارة اللحظة التي يمر بها العراق. كان أحد أصحاب المشاعل الوهاجة التي تنير الدرب نحو الهدف الصحيح لخروج العراق من النفق المظلم. كونه نموذجاً للحلم الذي ظل يسعى له طوال عمره.

كان يميل في مجمل أعماله الشعرية إلى نزعة التغيير والتجديد، وأستطاع أن يترك بصمته في مكتبة الشعر من خلال أصداره عدة دواوين مهمة ومؤثرة، واجتهاده وسعيه في تطوير ذائقته الشعرية وثقافته الذاتية، التي لم تتوقف حتى قبل وفاته بأيام قليلة جداً.

أن أبرز ما تركه الشاعر (الجياشي) هو كسر حاجز اللغة، فهو القادر على أن يخترق حجب اللغة ويفجرها داخل النص، وتسخير إمكانياتها والتلاعب بتراكيبها، وأقتحام المسكوت عنه،

مما يمنح نصوصه خصوصية شعرية تجعله يتميز عن غيره. فهو يحفر في اللغة، لغرض الغوص في ثنايا خياله وإعادة تشكيل النص وصياغة صوره الشعرية، عبر تكثيف للغة والأفكار والإنزياحات والاقتصاد بها، فتنفتح على فضاءات جمالية وشعرية وفكرية واسعة، باحثاً عن الحقيقة في اللاوعي.

ان الخزين المعرفي للشاعر (الجياشي) مرده الى أمرين أساسيين لا ثالث لهما؛ العملية التراكمية المثخنة بالقراءات التي شكلت مداركه الأولى في صياغة كينونته الذاتية. والأمر الأخر التجربة العميقة المتنوعة في أحداثها الفكرية والنفسية، المختزنة في ذاته، نحتت أثارها في تضاريس لا وعيه، ولم تكن في غالبها خاضعة لهذا اللاوعي، بل هي نتاج حالة قسرية.

كذلك، نصوصه في تراكيبها هي حالة من (التداعي الحر) لأفكاره وأنفعالاته، يفصح بها عن ذاته، بلغة (حلم فوضوي)، وهذه حالة (ميتاشعرية).

أن الرحلة الشعرية لنصوص الشاعر (الجياشي) لم تأتي من خلال ترف شعري مريح بل فيها من المعاناة والجهد المبذول الذي ينسجم مع إبداعه في نسج نص شعري يستحق التوقف عنده. الذي يجعل الآخر المتلقي والمتأمل في نصوصه هو الدقة في إستخدام العلامة الرقمية التي تحدث تناغم بين الكلمة والحركة الرقمية في المكان والمعنى. فعند قراءة نصاً شعرياً لـ(الجياشي)، نرى ترابطاً ذهنياً ووجدانياً بين المتلقي وسياق النص. فوجود العلامات لم يكن أعتباطياً أو عشوائياً كما يستخدمها البعض وكأنها زخرفة جمالية للنص لا معنى لها، بل هي قصدية حداثوية واعية لطبيعة وغرض العلامة السيميائية المنسجمة مع طبيعة وحداثة النص، فهي دلالة يعنيها الشاعر ويقصدها. فـ(الجياشي) يستدرج علامة الترقيم لنصه الشعري لغرض توظيفها لخدمة الرؤية الإبداعية لديه، والتعامل معها كدلالة لغوية وبصرية تعكس دلالات ووظائف جديدة.

فالشاعر (الجياشي) في ورشة عمل فنية وأبداعية يريد بها إعادة تشكيل النص في إطار جديد ومغاير. فيجعل للنص قراءات وتأويلات متعددة

، يخترق بها حدود وقواعد المدارس الشعرية، التي دأب الشعراء على أن لا يغادروها حتى أمست مسلمات شعرية يتم النظر اليها بقدسية لايمكن المساس بها. فنصوصه الحديثة منفتحة على رؤى فلسفية وتشكيلية وفكرية، فيجب أن نفهم ضرورة التحديث الذي قام به، من خلال فهم الدافع الفني الذي أنطلق منه في تحديث الشكل وتفعيل محتواه بعيداً عن التناقض مع المضمون.

(الجياشي) في رؤيته الشعرية يطرح أشكالية كونية تبتدئ من اللفظة التي هي البذرة الأولى للغة وتنتهي بالحياة، فهو يبحث عن وسائل وتراكيب تضاف إلى النص تنحى منحى لغوياً تتسع الحياة، أعطاء للغة قوة إيحائية تمكنه أن يجعل من علامات الترقيم والعلامات الرياضية معادل موضوعي. البعض يستخدم هذه العلامات، كشكل بصري، أما (الجياشي) يستخدم كل علامة بقصدية ويوظف المعنى المراد منها أو تكون خادمة للمعنى.

هل هناك من كتب في هذا النوع من النصوص؟ هناك من إستخدم هذا الشكل ومحتوياته ولكن دون قصد، إلا للإثارة والزخرفة، فلا توظيف عقلي أو ذهني في أستخدامها، وإنما للزخرفة اللفظية ليس إلا، فهناك من وضع أرقاماً وظفها بصرياً وليس علمياً ولا تؤدي أي غرض. فلو قمنا برفعها من نصوصهم سنجد النصوص مكتملة ولن تحتاجها، فوجودها وعدم وجودها سيان، بينما النص عند (الجياشي) لو تم حذف علاماته سنجده مبتوراً.

أن الأسلوبية الشعرية للشاعر (الجياشي) يصفها الناقد العربي المغربي الدكتور (المصطفى بلعوام) في قراءاته لنصوصه أنها (مغامرة “ذات” في اللغة وما دون اللغة لإخراج الشعر من سلطة الملفوظ اللغوي عليه، إنها مقامرة في عالم شعرية التعبير الذي لا يتحدد في وجوده باللفظة أو المفردة). فهو يعمل على تفكيك العناصر الداخلية للنص ثم إعادة تركيبها من خلال أعتماد الرموز الرياضية والأشكال الهندسية التعبيرية.

كتب عن تجربة المرحوم (الجياشي) الناقد العربي المغربي (صالح هشام) يقول: (وانت سيدي لا تقل أهمية عن الشعراء الذين أخذوا على عاتقهم تجديد القصيدة الشعرية … وأرى استاذي جاسم ان التجربة التي تخوضها تستوجب منا التشجيع والتصفيق، لأنك كانت لك الجرأة على المغامرة كما قال استاذي مصطفى بلعوام). لـ(إنك تجمع الخيال والتناقض والمنطق، فتجد نفسك تشتغل خارج المنطق، وما (مغامرة الابداع) إلا اعتماد على جمع مالا يجمع، والتأليف بين المختلف ولعل هذه الخاصية هي التي تخص هذا الشاعر أو ذاك دون غيره). “التجربة الإبداعية، المغامرة في شعر جاسم ال حمد الجياشي/ انطباعات نقدية، بقلم/ صالح هشام”.

أنه يكتب وفق منهج عربي خالص لايعتمد باي شكل من الأشكال المناهج الغربية ويصلح فيه العمل على جميع النصوص التي تتوفر فيها التراكمية السببية وهي كثيرة ولكن كتابها لايعلمون. يقول (الجياشي) عن تراكميته السببية:(اؤمن بوجود قانون عام يسير اشتغالات المعرفة وتراكميتها سببياً، وأنا اؤمن بالتشظي السببي حر الحراك والأختيار والتشكل لكنه يبقَ يشكل تراكماً سببياً معرفياً).

وهذا ما ركز عليه في تراكميته السببية وأشتغاله عليها والذي أصطلح عليها بـ(التراكمية السببية الأيجابية)، أما السلبي منها يقول عنه (هو ما يحصل لنا من ركود وأتكاء على ماضٍ نشتغل على جهوزيته لتطبيقه على واقع ومستقبل، دون الأخذ بعين الأعتبار، التشظي الأيجابي والأنشطار السلبي والأختيار).

كان (الجياشي) في مواجهة وجودية مع الموت ووجعه الجسدي والروحي والفكري والفلسفي، ولقطته الأخيرة في حياته. قال الفيلسوف الألماني (شوبنهاور) ذات مرة: (حتّام نصبر على الألم الذي لا ينتهي؟ متى نتدرع بالشجاعة الكافية فنعترف بأن حب الحياة اكذوبة، وأن أعظم نعيم للناس جميعا هو الموت؟). فكان الموت عنده خياراً يلتقي به، بعد أن خاض صراعاً مريراً مع المرض، وبعد أن قال كلمته الأخيره كاملة. فكان نصه (طواف /ــ في حضرة الموت..!) أخر ما كتبه وهو سياحة مع الموت الذي كان حضوره واسعاً في نصوص عديدة من شعره وبأشكال مختلفة.

طواف /ــ في حضرة الموت..!

كأني الآن ..

في مكانٍ/ــفسيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــح

فسيحٍ جداً /ــ تَشكَلتْ ملامِحهُ

من نقطة فُضُوليةٍ/ـ؟!

تَشظت دونَ نذير

ممسكاً بضفائرِ الريح

حيث البدايات الوعرة /ـــ ؟!

أنا /ــ والريح صنوان

نرتدي الورد الأبيض أكفاناً

في مواسم النواح !

حيث لا حدود

فاصلة بين الوان الوجوهِ !

كل ما حولي مباح

لا شيء يصد بصيرتي وبصري /ــ بلا عنوان

أسيح في الأمكنة

أتدحرج في الزمن المُتاح

كبائع حلوى/ــ للفراشات القتيلة/ــ ؟!

وأشلاء الطيور /ــ النحيلة !

والزهورٍ الهزيلة

لمْ تُنحر بعدُ /ــ لمْ تُمسْ

خَنقتها عن بًعدٍ

رياح الرذيلة /ــ ؟!

يلاحقني ظلي/ــ يلاحقنــــــــــــــــــــــــــــــــــــي

يلاحقني /ــ وأسئلة كبرى .. ـــــــــــــــــــــــــــ ؟؟؟

فخطاب الموت في شعر (الجياشي) له ميزة تختلف عما تناوله الشعراء، فهو لايهاب الموت، ولايخشى قدومه وأقترابه منه، على الرغم من قناعته بحتمية الموت، وأنه أمر لا مفر منه، لا بد أن يتجرعه الانسان، شاء ام أبى، فلا سبيل الى الهرب منه، ولا ينجو منه أحد، فهو يصرح لي هكذا أثناء الحديث معه حول مرضه الذي مات فيه، فيظهر شجاعة وشدة بأس.

ترك (الجياشي) بصماته على تجربة شعرية غنية، ومسيرة إبداعية ونضالية. يقول ما يريد، وما يدور في ذهنه من منظور معرفي، يوظف الشعر كجزء داخلي من تجربته، للتعبير عن قضايا الإنسان المختلفة. فالشاعر لا يكون شاعراً إلأ أن يكون إنساناً، مرتبطاً أرتباطاً وثيقاً بقضايا الناس. فإذا كان الشعر (يعمل على تنسيق أحزان العالم، لكن كثيراً ما يرتبك أمام الموت) حسب قول هاوسمان، ذلك ــ الموت ــ الهاجس الوجودي والحقيقة المطلقة الذي لا يمكن الهروب منه، الذي شكل واقع يومي مأساوي في العراق. وموت الشاعر (الجياشي) تجسيد لهذه المأساة.

وأخيراً لا يسعني إلا أن أدعو لروح الفقيد بالرحمة والغفران، وأقول له: أيها الأديب والشاعر لا أقول لك وداعاً، لأنك باق في الوجدان، ولكنك ترجلت أيها الفارس بعد أن قدمت كل ما تستطيع، وأنرت الدرب للآخرين لمواصلة السير. رحمك الله أيها الفقيد الغالي، نم وأنت قرير العين بما قدمت وأنجزت.

نائب رئيس جامعة المنصورة يتفقد المراحل النهائية لتجديد وتطوير مباني مدينة الزهراء للطالبات

كتب حسين الحانوتي

تنفيذا لخطة جامعة المنصورة الشاملة لتطوير وتحديث مختلف مباني المدن الجامعية تفقد السيد أ.د/ محمد عطية البيومي نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب اليوم الثلاثاء الموافق 8 يونيو 2021م المراحل النهائية لاستلام مباني مدينة الزهراء للطالبات وذلك تمهيدا لبدء تشغيلهم والذى يتيح أماكن إضافية للسكن بالمدن الجامعية.

شملت فعاليات الزيارة كل من مبنى حسين حماد ويتكون من 104غرفة مخصصة لسكن للطالبات وغرف إدارية وقاعات للمذاكرة ومشاهدة التلفزيون بالإضافة لتجهيز الدور الأرضي للطلاب ذوى الاحتياجات الخاصة.

كما تفقد مبنى أسماء بنت أبى بكر ويتكون من 108 غرفة مخصصة لسكن للطالبات وغرف إدارية وقاعات للمذاكرة ومشاهدة التلفزيون كما يتضمن المبنى تجهيز مركز لياقة بدنية وساونا بالدور الأول.

 تمت فعاليات الزيارة بحضور كلاً من الساده: أ/محمد عبد اللطيف أمين الجامعة المساعد لشئون التعليم والطلاب أ/محمد أبو النصر مدير عام المدن الجامعية م / علاء محمد مدير عام الادارة الهندسية.

المتدين الجاهل..بقلم : صالح الجبرى

لم يسبق لفيلسوف ان قتل رجل دين .

 كثيرا من رجال الدين  قاموا بقتل الفلاسفه.

الله ليس قيصرا ولم يرسل قاتلا يقتل لاجل الاعتراف به.

فلوكان كذالك لارسل الحجاج بن يوسف الثقفي رسولا له ولم يرسل انبياء الرحمه .

هناك متدينين اثناء فريضة الصوم يبحثون عن  المفطر ليعاقبوه.

ولا يبحثون عن الجائع ليطعموه

العقول السيئه لا تستوعب النية الحسنه .