المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :المنافقون فى الأرض. ..!؟

 كان لى زميل -رحمه الله- يشغل وظيفة مرموقة وكان قد هجر الريف وأقام بالقاهرة وبات قريبا من صنع القرار ..

وشاهدت عليه تغيرات عجيبة

إذ بات مبتسما فى مواقف لاتستلزم ،

بسيطا فى مدخله ومخرجه غير وقاف عند صعب ،

سهل الرأى يميل حيث مال السلطان حتى ولو كان دون ثوابته التى كان عليها ابان وجوده فى ( القرية )…!!؟

وفى لقاء واجهته بما تغير لديه… ..!؟

فقال : الم تشاهد فيلم أرض النفاق…!؟

قلت : لا

فقال : يجب ان تشاهده…!

وكان يعقب نصيحته تلك بضحكات تلفت المارة…!؟

ولاننى لم أشاهد هذا الفيلم حتى الآن. ..

فاننى أعتقد انه يعبر عن حالته وآخرين ……..!! ؟

نعم بات القرب من صنع القرار والسلطان يتطلب مواصفات مغايرة لمبادئ وثوابت وأخلاق النبلاء…

فإذا قال فهو الفصل

 وان أشار فهو المعلم

وان أقترح فهو الخبير

لا أحد يعارضه باعتباره حكيم فى كل شيئ…!

هكذا يجب

 وهكذا ينبغى ان يكون من يتعامل معه….!

فقلت حتما سنصنع بهذا ( مستبد )وسنفشل جميعا إذا ما تركنا مثل هذا…؟!

وقطعا بطانة من المنافقين

هم أرباب حلو اللسان….!؟

ظرفاء المجالس….! ؟

وحتما ستضيع الحقيقة

 التى يجب ان تكون محل اجتهاد الخبراء ،

 وسيجبن البعض عن الجهر بالحق

بل وسيهرب النبلاء من تلك الساحة …….!؟

نعم سادتى فكلما ضاقت حرية الرائ

فلنعلم أن النفاق قد ساد.!

واذا جبن البعض عن قول الحق فلنعلم أيضا ان النفاق قد زاد…!

وإذا بات الاطراء للسفاسف عنوان فلنعلم ان النفاق قد بات أرض خصبةللانبات. ..!

فمن المعلوم ان 《الحق 》

هو [الجد ]

بل هو

[الصراط المستقيم]

باعتباره

 [العروة الوثقى]

فلنحذر سادتى المنافقون

فهم خراب البلاد والعباد..!؟

بل وتخلف لانظير له…!؟

الدكتور عادل عامر يكتب عن : الأمن الاجتماعي

تعاني البشرية مِن موجات الخوف والجوع ونقص في الثمرات والأنفس بسبب الصراعات الدامية التي تغطي رقعة الكرة الأرضية، الأمر الذي يدفع بالقائمين على شؤون الناس من حكومات وأجهزة أمنية ومؤسسات المجتمع المدني إلى التفكير بصورة جدية لإعادة صياغة الأمن بكافة أبعاده والعمل بحماس لوضع منظومة للأمن الاجتماعي يكفل كل الجوانب الأمنية التي يحتاجها الفرد في مجتمعه. أمنه على نفسه من الأخطار المحدقة به..

وأمنه على ماله من اللصوص وشركات السطو والاحتكار، وأمنه على عائلته وأبنائه وبناته مِن الثقافات المستوردة والمعلبة بأشكال مغرية.

وأمنه الغذائي، بمواجهة عوامل التخريب الاقتصادي ومكافحة البطالة المستشرية. هكذا أصبح الأمن الاجتماعي الهاجس الأكبر في حياة كل فرد يعيش في المجتمعات البشرية سواء كانت المجتمعات المتطورة اقتصاديا، أو المجتمعات المتخلفة، فالحاجة إلى الأمن بمفهومه الأوسع يشمل جميع بني البشر الذين يعانون من المخاوف المتعددة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والخوف من المستقبل أيضا.

وقد قامت المجتمعات ممثلة بالسلطات السياسية والاجتماعية والدينية بوضع جملة إجراءات وبرامج وخطط سياسية واجتماعية وثقافية تستهدف توفير الأمن الشامل الذي يحيط بالفرد والمجتمع.

وليست هذهِ الإجراءات والخطط سوى جزء مِن الأمن الاجتماعي حيث لابد من تحقيق أقصى تنمية لقدرات الإنسان في المجتمع لتحقيق أقصى قدر مِن الرفاهية في إطار مِن الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية.

هذا بالضبط ما نقصده بالأمن الاجتماعي، فهو من جانب خطط وإجراءات تضعها السلطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إضافة إلى انّ تفجير الطاقات المخبئة في داخل الإنسان للحصول على أكبر قدر من الناتج الذي ينعكس بدوره على رفاهية المجتمع واستقراره.

المجتمعات التي تعيش أمناً حقيقياً هي مجتمعات ناضجة وقادرة على تخطي الصعوبات التي تواجه التنمية والتطور، وأن تصل برحلتها المتواصلة نحو التحول إلى المشاركة الحقيقية في صنع التاريخ الحضاري للبشرية، ويبقى الأمن هو الحاضن الأكبر لنجاح كل جهود تقوم بها الدول من أجل الارتقاء والتطور.. وهناك العديد من مفاهيم الأمن،

 فهناك الأمن السياسي، والأمن الاقتصادي، والأمن الصحي، والأمن المالي، والأمن الغذائي، إلى آخر تلك الأنواع والتي حين تتحقق معاً، يتحقق الأمن الاجتماعي للفرد. في كثير من الأحيان يختلط المفهوم بين الأمن والأمان، فالأمن هو التخلص من المخاطر التي تهدد السلامة العامة. ويعتبر الأمن مسؤولية اجتماعية تقتضي المحافظة على سلامة أفراد المجتمع وقدرة أفراد المجتمع على حماية أنفسهم وغيرهم، مما يوفر لهم بيئة مجتمعية مستقرة، تبني علاقات متماسكة داخل نسيج اجتماعي واحد.

أما الأمان، فهو عبارة عن الشعور الداخلي بالراحة والاطمئنان بين أفراد المجتمع، مما يشكل مجتمعاً قادراً على العطاء والقيام بكافة أشكال الأنشطة الحياتية اليومية، بمعزل عن الفساد والخوف والقلق، ولكي نحقق درجات عالية من الأمن الاجتماعي، علينا بالتعايش السلمي بين كافة مكونات المجتمع، وقبول الآخر واحترام مكوناته الفكرية والعقائدية، مما يؤكد على تحقيق الشعور بالأمن والأمان معاً.

الاطمئنان وعدم الخوف والاستقرار في نواحي الحياة وأساسياتها من صحة واقتصاد وغيرها، من عناصر الأمن الاجتماعي، هي حجر الزاوية في نجاح التنمية الشاملة للمجتمعات. فالأمن الاجتماعي يحقق تنظيم الحياة الاجتماعية للأفراد والمجتمعات، ونشر العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، وتوطيد أواصر الترابط الاجتماعي، وتعميق حب الانتماء للوطن والهوية الوطنية، وكلما كانت الدول تعمل على تطبيق القوانين التي تحمي الأفراد والمجتمعات على أرض الواقع، وتحقيق جوانب الأمن الاجتماعي الأخرى، كالأمن الاقتصادي والصحي وغيرها،

سنكون حققنا الهدف الرئيسي للأمن الاجتماعي، الذي نصبو له، وهو استقرار المجتمع وزيادة قدرته على تقديم الخدمات لأفراده وتحسين مستويات معيشتهم، مما يوضح مدى أهميه الأمن الاجتماعي في بناء مجتمع متطور ومتكامل،

فينعكس على تحقيق أمن سياسي قوي يقود الدولة إلى مكانة دولية كبيرة من خلال اقتصاد مؤثر، وقوة مجتمعية، واستقرار يؤدي إلى مشاركة الحضارة المصرية الحديثة في التطور التكنولوجي والمعرفي للحضارة البشرية

نحن اليوم، نعيش عالماً متشابكاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم بدور كبير في الحراك الفكري للأفراد والمجتمعات، قد تنعكس بالسلب أحياناً على المجتمع، بتمزيق النسيج المجتمعي، والإصابة بتغيرات صعب علاجها، ما لم ندركها في الوقت المناسب. فعندما يتفشى الفكر السلبي، يصبح من الصعب جداً إعادة العقل إلى الصواب.

ولأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت واحدة من أهم وسائل الإعلام، كان لابد من الانتباه لنظرية حارس البوابة، حيث يرى عالم النفس النمساوي «كيرت ليوين» أن الرسالة الإعلامية في رحلتها من المصدر،

حتى تصل إلى الجمهور المستهدف، تمر ببوابات الحراسة، يتم قبلها اتخاذ قرارات ما إذا كانت الرسالة سوف تنتقل بالشكل والمحتوى نفسه، أو إدخال تعديلات. فحارس البوابة هو الذي يحدد نوعية الرسالة وهدفها وقوة تأثيرها على المجتمع، وهنا حارس البوابة يمثل الجهة الإعلامية التي تعمل على نشر الخبر والمعرفة للمجتمع.

ونحن مع شبكات التواصل الاجتماعي، أمام إعلام جديد من دون قيود أو حواجز، يلغي السيطرة ويجعل القائم بالاتصال هو الذي يقرر اتجاه وهدف الرسالة، فهو ينقل رسالته الإعلامية، ويبث من خلالها ما يريد تحقيقه، فأصبحت المجتمعات مخاطبة بشكل مباشر، وكل صاحب صوت مؤثر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح حارساً للبوابة، والسؤال يفرض نفسه: هل نضمن أمانة كل حراس البوابات؟

وهنا يبدأ الأمن الاجتماعي في الدخول في حالة من الفوضى الفكرية والإخبارية والإعلامية، ولكي نحافظ على الأمن المجتمعي لابد من توفير بيئة مجتمعية واعية قادرة على إدراك المخاطر التي من الممكن أن تؤدي إلى شرخ في النسيج المجتمعي.

 فلابد من اتباع سبل وطرق وإجراءات للمحافظة على تماسك الأمن المجتمعي، لأنه هو ركيزته الأساسية لنحافظ على الأمن السياسي. ولن يكون ذلك إلا من خلال الحفاظ على الترابط والتماسك والوعي المجتمعي من الداخل، وعدم قبول اختراقه من خلال هذه الرسائل المحملة بكثير من الزيف، من خلال تقوية قدرة الأفراد، وخاصة الأطفال والشباب،

 على التمييز ما بين الزيف والحقيقة، والعمل على تأسيس الأبناء على أسس نفسية ومجتمعية معرفية صلبة ترتبط بصورة وثيقة بهويتنا الثقافية والاجتماعية، لكي تستمر عمليه التنمية والتطور والإنتاج على جميع الصُّعد، لتحقيق الريادة الحضارية للمجتمع المصري  ، ولنرتقي بمجتمعاتنا وأجيالنا القادمة.

ويأتي بعد ذلك دور الدولة فى تحقيق هذا الأمن فى شكله الثلاثى ، هذا الدور يتمثل فى أن على الدولة :

1 – أنْ تقوم بتوفير فرص العمل المناسبة لكل شخص بالأجر المناسب تحقيقاً لمبدأ التوازن بين الدخول وأسعار السلع ، لا سيما أنّ هذا العمل يمنع صاحبه من التسول والسرقة والسطو على الآخرين .. .. الخ ، فإنْ لم تستطع الدولة ذلك فعلى أغنياء المجتمع لا سيما رجال الأعمال أنْ يضطلعوا بهذا الدور تخفيفاً عن الدولة.

      ومنْ ثمّ يقرر بعض العلماء المحدثين عن ذلك بقوله: ” إنّ المجتمع مسئول عن توفير العمل المناسب لهذا الشخص إنْ كان متبطلا، والأجر المناسب إنْ كان عاملاً والضمانات إنْ عجز عن العمل ، أو أصيب فيه أو توفى وترك أولاداً كما قال ( أنا أولى بكل مسلم من نفسه من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا – يعنى أولاداً ضائعين لصغرهم – فإلىّ وعلىّ  فهذا ضمان اجتماعى ، ومنْ ثمّ يقول سيدنا أبو ذر : (  عجبت لمن لا يجد القوت فى بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه) ،

 وكان الإمام محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة : كان فى درس مع طلابه وتلاميذه . وجاءته جارية وقالت له : سيدتى تقول لك لقد فنى الدقيق فقال لها : قاتلك الله لقد أضعت من رأسي أربعين مسألة كنت أعددتها للمدارسة مع الطلاب ) فهذا يدل على أنّ الإنسان بطبيعته لا بد أنْ يطمئن على رزقه ،

ومنْ ثمّ فإنّ المجتمع عليه أيضاً مسئولية مساعدة كل واحد أنْ يعمل وهذه مسئولية فرضها الإسلام: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته . فالأمير الذى على الناس راع ومسئول عنهم ) ، وبالتالى فإنّ الإمام الذى ولاه الله المسئولية على الناس يجب عليه ذلك ، بحيث يوفر لهم بأجهزة الدولة الموجودة  ما ينبغى له من أمور المعيشة كل حسب ما يستطيعه ” .

      هذا إذا كان قادراً على العمل ، أما إذا كان غير قادر عليه بأنْ كان عاجزاً أياً كان نوع العجز لدى الشخص طالما أنه يمنعه عن العمل، فحينئذ تكفل الدولة والقادرين فيها حاجات هذا الشخص ومَنْ يعول حتى يتحقق الأمن الاجتماعى بالنسبة له ،

 وذلك من خلال طرق أخرى كالتضامن الاجتماعى عن طريق ميزانية الدولة المخصصة لذلك، أوعن طريق الزكاة والصدقات .. الخ  وكما سيأتى فى هذا افرع والفروع القادمة .

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

محكم دولي معتمد

وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

الغرائبية وجنون النص … في رواية شوقي كريم ( ثغيب )..بقلم : محمود خيون ..الجزء الأول

بعد أن أنهيت قراءتي لرواية(ثغيب ) للمبدع شوقي كريم حسن تذكرت ماله المفكر والكاتب منير ابراهيم تايه في معرض إجابته على سؤال:- ما الكتاب الذي قرأته ومايزال ماثلا في الذاكرة؟!..

يدفع بي السؤال إلى ركام من العناوين والاسماء، لكن عند رواية( الساعة الخامسة والعشرون ) للكاتب الروماني قسطنطين جيور جيو، كونها تدفع إلى الكثير من الأسئلة حول مصير الإنسان المعاصر المنسي في الذل والحروب…ولعل( الساعة الخامسة والعشرون ) أحد أكثر الأعمال السردية الباعثة على أسئلة حول المصير المأساوي للانسان.. فالقراءة ليست فقط غوصا في عالم إفتراضي إنما هي نحت في الصخر بحثا عن القضية التي تقبع في ثنايا الأحداث، كثيرا من الروايات يتلاشى حضورها من الذاكرة بمرور الأيام وتصبح إستعادة اجوائها صعبة…وربما شبه مستحيلة، وقليل منها يدفع الذاكرة بختمه الأبدي، ومن ذلك القليل النادر رواية( الساعة الخامسة والعشرون ) ..ويشير الباحث إلى أن مايجعل من الأدب جزءا من الحياة، أنه حافظ للتراث موثق للحاضر، وفي نفس الوقت يتوقع المستقبل ويتنبأ بأحداثه، فالادب ليس مجرد قصص رومانسية وتخيلات غير واقعية…في أحداث روايتنا هذه توثيقا لتأريخ لم تكتبه الصور ولم تسجله الأفلام ولا أقلام المؤرخين، لكنه يجوب بنا في قلب أحداث مروعة ويدخلنا في مناطق موغلة السرية والخطورة….تجعلنا ندرك معنى الحياة فوق خطوط النار وفي قلب آتون الموت….أن هذه الرواية حية، مازالت نابضة كألم عميق، في قلوب كل من عاشوا الحروب ومازالوا لأنها عرت الوجه الحيواني للروح الإنسانية أنها فوضى العقل والعاطفة، والمناهج المضللة والنواميس الجوفاء….ويذكر الكاتب منير تايه بقول الفيلسوف الفرنسي جابريل مارسيل، لا أظن أن من اليسر إيجاد عمل فني أكثر تعبيرا عن الوضع المريع الذي تجد الإنسانية نفسها غارقة فيه اليوم مثل رواية( الساعة الخامسة والعشرون ).. 

هكذا إذن ننظر إلى أدب شوقي كريم حسن في كل ما يكتب، فهو كل مرة  يسترجع ذلك الواقع المأساوي الذي عاشه بكل ما يحمله قسوة وشغف في العيش وفي كل شيء…وهو الوحيد من الكتاب إستطاع أن يمزج بين أسلوب التداعي( الفلاش باك ) العودة إلى الماضي وبين أسلوب المونولوج والمونتاج، وتلك عملية ليست باليسيرة وتحتاج إلى دراية وحبكة فنية وحرفية ونباهة…فهو يعيد أيام العسكرية والقهر الروحي والعيش بين الصرائف والبيوتات الطينية الغافية على ضفاف نهر مدينته في الجنوب…عشقه الخفي الممنوع وخوفه من عيون المخبرين وهي تلاحق خطواته بحذر وريبة…ويمتد ذلك الخوف حتى يشرئب كأفعى داخل نفسه المعذبة والمثقلة بعشرات الأماني الضائعات وحشود من أحلام السنين التي بعثرتها يد الزمان واودعتها في مهب الريح… وهاهي روحه تنحب مثل امرأة مهجورة غادرتها نظرات المعجبين وطوى الدهر مفاتن جسدها وقوامها الممشوق كجذع النخل الباسق وهي تردد( مات جبر الواضح…مات الذي ما بخل علي وما أخفى عني شيئا…مات الذي كان يسد شكرية وحشة الليل، يأخذها إلى صدره، حاكيا لها ما لا يخطر على بال أحد، يضع ضفيرتيها المدهونتين بالحناء والمسك عند منابت صدره الكث مثل زرازير لا تجيد الحراك، مات جبر الواضح، وهو يلهث خلف مخاوف أيامه، شكرية من يبقى لك إذا  ما غدرت  بي الدنيا كعادتها دوما…)..

وهنا تتجدد عند شوقي حالة الهستيريه والجنون الذي عاشه من قبله مارك توين الأميركي الضائع وزميله همبرت همبرت، فهو في هذا المقطع يناجي ” شكرية ” وكانما يتحدث لها عن نهاية حتمية يراها تلوح في الأفق ويبرهن لها ذلك بالتأكيد ( إذا ما غدرت بي الدنيا كعادتعا دوما…)..وكأنه صار وكيلا رسميا لتلقي مصائب الدنيا بعد أن طوحت به رياحها المسمومة ونالت من كبريائه وشموخه الذي كان يراه يداس بالأقدام عند سواتر ترابية وحشود من الجنود وأكياس التراب وهي  تحيط بالخنادق التي صارت ملاذا آمنا للفئران والافاعي والحشرات من كل نوع….

لقد فاقت عبقرية الكاتب شوقي كريم حسن كل تصور في رسم ما يريد قوله بفرشة فنان ماهر، يخط لوحاته الزيتية من دموع ودماء الفقراء وسرابيل احلامهم الوردية التي لونها الزمن بذرات الغبار واحاطها بألوان الخيبة والخسران…وبنفس الصوت المبحوح يعاود ليكمل حديثه إلى ” شكرية ” ( إلى أين تتجهين ومن يطرق بابك بعدي، من يسحب ذيل الليل بعيدا عن طراوة روحك التي ما عرفت غيري…شكرية اعرف اني لام اوهامي وهمومي وراحل… بدأت أرى كل من غادرنا يقفون هناك ملوحين، وجوه كدره نسيت ملامحها وأخرى أعرفها، ملتاعة، تنوح أيامها الأمر من الصبير، شكرية ليلك القادم وحدة وسواد ونواح.. !!)…

أن مثل هذا التداعي الصريح لرجل ميت أو أنه يحتضر بين يدي( ملك الموت ) لهو دليل واضح لحجم المعاناة النفسية والاختلاجات المكبوتة لدى الكاتب نفسه فأراد لها أن تكون من نصيب أبطال روايته ويعيشوا نفس المعاناة، ويتبين لنا أنه أراد أن يلعب لعبة ماكرة في لصق جميع مشاهد الضيم والقهر بشخوصه الاساسين( شكرية وجبر )…وترك الخيار للقاريء والدارس والباحث والناقد لأن يتفقوا على رأي محدد لتحديد مسارات الرواية وخفاياها وطريقة كتابتها بمثل هذا الأسلوب الجديد في الكتابة والذي نجح فيه ماركيز في أغلب رواياته.. واوجزت الباحثة والكاتبة( فاطمة الفلاحي ) ..حياة غابرييل خوسيه ماركيز بالقول…من عرفوني وانا في الرابعة من عمري، يقولون أنني كنت شاحبا ومستغرقا في التأمل، وإنني لم أكن اتكلم إلا لاروي هذيانات٣،ولكن حكاياتي في معظمها٣،كانت أحداثا بسيطة من الحياة اليومية اجعلها انا اكثر جاذبية بتفاصيل متخيلة، لكي يصغي إلي الكبار،  وكانت افضل مصادر إلهامي هي الأحاديث التي يتبادلها الكبار أمامي لانهم يظنون أنني لا أفهمها، لكن الأمر كان خلاف ذلك، فقد كنت امتصعا مثل اسفنجة وافككها إلى أجزاء، واقلبها لكي أخفي الأصل، وعندها ارويها للاشخاص أنفسهم الذين رووها تتملكهم الحيرة للتوافق الغريب بين ما أقوله وما يفكرون فيه  )…

وانا أرى أن هذا الحال ينطبق على كاتبنا شوقي كريم

في اسلوبه وتداعيه للاحداث واختياره لشخوصه والغرائبية في كتاباته وتنقلاته السردية التي لم نألفها عند أي من الكتاب، صحيح أنه من الذين كان للحكاية والاسطورة التأثير الواضح على معالم البناء الفني للرواية والقصة لديه إلا أن الأفكار تتشعب وتأخذ مسارات واسعة في بعض الأحيان.. مثلما كان ماركيز يرسم معالم مدينته( ماكدندو) ..رسم شوقي كريم معالم مدينته ( الغراف ).وضواحيها وصولا إلى المدينة الخالدة الناصرية…( ماكوندو هي المدينة التي اعتاد ماركيز بناءها بكل ما يحمل في قلبه من ذكريات الطفولة وبيت النمل وحكايات الجدة، والموتى الأحياء، وبالنبرة ذاتها التي كانت تحكي بها الجدة الحكايات.. تحدث ماركيز عن الحرب والعنف وضياع المباديء وسط الثورات الدامية والخلافات الايدلوجية التي كانت تفتك ببلاد..هذه القرية المعزولة في أميركا الجنوبية( ماكوندو) تجري فيها أحداث غريبة غير واقعية لكنها تنخرط في سياق طبيعي ضمن الرواية دون إستهجان من شخوصها ومن هذه الأحداث، عودة الأرواح بأجسادها إلى الحياة مرة أخرى مصرة على التعلق بأماكنها ومقتنياتها )…

ومما تقدم فأن ما ورد من أفكار وحكايات تتطابق من الناحية السيكولوجية والتشابه وتوارد الخواطر والأفكار وتوافقاتها من خلال حوارات شكرية وطيف جبر الميت في تداعيات غير مسبوقة ( مات جبر الواضح، استنجدت شكرية بالفراغ، الذي عرفت أبعاده ومزاياه…)..ثم يجيء نداءها المبحوح( تعالوا ساعدوني.. مات فجأة  ،بعد أن وضع رأسي في حجره، واوصاني بأن لا احزن لأنه ذاهب من أجل ترتيب مكان عيشنا الجديد…كان مبتسما برضا على غير عادته، همس مازحا….شكرية إذا شفت هناك حور عين جميلة ربما اتزوجها وانساك…!)..،

في هذا المقطع وغيره برع الكاتب شوقي كريم في عملية مزج الواقع والخيال والماضي بالحاضر..او حضور الغائب بعد غيبته، وهي عملية تكاد ترقى إلى مستوى كبير في البناء الفني للروية وهي قدرة لايمتلكها إلا النادر من الكتاب..وأن عملية التلاعب بانسيابية السرد وتسلسله من خلال دخول عوامل التداعي ليس بالشيء الهين ويتطلب مهارة كبيرة وحرفية عالية الدقة..

عرفت شوقي كريم بأنه من أكثر المتحمسين إلى عملية اجترار الماضي بكل مايحمله من مرارة وقسوة وألم وحزن وارباك نفسي وعقلي يشده إلى تلك القرية في أحضان الجنوب وهي تغفو على أحزان الناس وحسرات الثكلى والأرامل وهن يتلمسن برودة الفراش حين يخلو من دفء الرجل الغائب ….

أقول ليس باستطاعة أي ناقد أو باحث أن يقف عند حدود واضحة في إعطاء رواية ” ثغيب” حقها من الدراسة والتحليل فهي ملحمة كبرى امتزج فيها صوت الكاهن مع أصوات خافتة تصدر من أفواه يمزقها الجفاف شكرية وجبر وميري.. 

وانا أقف مع رأي الباحث والناقد الكبير فاضل ثامر حين وصف ” ثغيب” بأنها بحاجة إلى قاريء من نوع خاص يمتلك معرفة بتأريخ الحضارات العراقية القديمة فضلا عن تأريخ العراق السياسي وتناسل اشكال الاستبداد والقمع والعنف فيه…

الدكتور عادل عامر يكتب عن : الاقتصاد الأخضر ودوره في حماية البيئة ومكافحة التلوث

ظهر الاقتصاد الأخضر استجابة لأزمات متعددة، ويهدف الى تحقيق تنمية اقتصادية عن طريق مشاريع صديقة للبيئة وباستخدام تكنولوجيات جديدة في مجال الطاقات المتجددة والنظيفة، ويدعو إلى خضرنة القطاعات القائمة وتغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة، مما يولد فرص عمل جديدة تعمل على الحد من الفقر، إلى جانب تقليل كثافة استخدام الطاقة واستهلاك الموارد وإنتاجها، 

وفي هذا الاطار تسعى الدول الى وضع تصور لإطلاق اقتصاد مبني على استراتيجية الانتقال الى اقتصاد أخضر، مع الأخذ بعين الاعتبار أربعة محاور أساسية: أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري الذي أصبحت مخزوناته مهددة بالنضوب، والأزمة الاقتصادية وتوظيف الاستثمارات الخضراء كوسيلة للإنعاش الاقتصادي، وسياسات التخفيف من انبعاث غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، والقناعة القوية لبعض الدول بضرورة وضع نموذج جديد للتنمية المستدامة المرتكزة على تغيير سلوكيات المستهلك والنماذج التسويقية الحالية. 

إن الناظر في هذا النمط الاقتصادي الآخذ في التنامي والانتشار يمكنه أن يكتشف، ومن دون كبير جهد، أنه لا يعمل فقط على تحسين الظروف والشروط البيئية والاقتصادية والاجتماعية الحالية، وإنما هو يضع نصب عينيه حق الأجيال المقبلة في الموارد الطبيعية، وفي الثروات والخيرات التي يتمتع بها هذا الكوكب. 

يقودنا هذا الاقتصاد إلى أنواع مختلفة من المسؤولية؛ مثل: المسؤولية الاجتماعية، البيئية، والأخلاقية كذلك؛ فهو يحرص على الموارد الطبيعية الموجودة على كوكب الأرض، كما أنه يهدف للحفاظ على المجتمعات، ومحاولة تحسين الظروف الاجتماعية لأكبر قدر من الفئات والطوائف المجتمعية، بالإضافة إلى أنه ليس من الأخلاقي إنهاك كوكب الأرض، واستنزاف موارده، وإيصالنا إلى حافة الهاوية في خاتمة المطاف. 

ولا تقتصر مزايا الاقتصاد الأخضر على تلك التي ذُكرت أعلاه، ولكنه يمكن أن يساعد في توفير الكثير من الفرص في مجالات جديدة، والقضاء على البطالة، وهو الأمر الذي ينصب في صميم المسؤولية الاجتماعية. 

لا يرتبط الاقتصاد الأخضر بالتنمية المستدامة فحسب، بل هو مرتبط، وعلى نحو وثيق بمفهوم آخر مقارب لهذا المفهوم هو التنمية الخضراء؛ بما يعني أنه يعتمد، وبشكل أساسي، على احترام البيئة، والعمل على الترشيد، قدر الإمكان، في استهلاك مواردها. 

إن هذا النمط الاقتصادي هو محاولة إعادة تصويب وموضعه الأنشطة الاقتصادية المختلفة لتكون أكثر مساندة للبيئة والتنمية الاجتماعية؛ بحيث تُمهّد الطريق للتنمية المستدامة. 

ووفقًا لذلك، فإنه يمكن القول إن الاقتصاد الأخضر، الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن، لا يقود الخطى صوب التنمية المستدامة فحسب، وإنما يساهم، وبشكل أساسي، في رفاهية الإنسان وتحسين معيشته وشروط حياته. 

فهو، من جهة، يقلل من نسب التلوث الموجودة في البيئة، والتي تتسبب فيها أنواع الاقتصادات الأخرى، ويعمل على خلق بيئات ومجتمعات أكثر نظافة وأقل تلوثًا، بل إنه يعمل، كذلك، على خلق مجتمعات أقل تعرضًا للمخاطر المختلفة والتي ليس أقلها ندرة الموارد الإيكولوجية/البيئية. 

لابد من من الاهتمام بمفهوم الاقتصاد الاخضر لتخضير القطاع الزراعى , ودعم سبل المعيشة فى الريف ودمج سياسات الحد من الفقر فى استراتيجيات التنمية ,وتكيف تكنولوجيا الزراعة الجديدة للتخفيف من الاثار الناجمة عن تغير المناخ , 

وتعزيز شراكات التنمية , لمواجه التحديات البيئية المعاصرة كاتصحر , وازالة الغابات , والزحف العمرانى غير المستدام , وتاكل التربة , وفقدان التنوع البيولوجى , ويتطلب ذلك تكوين فهم مشترك للنمو الأخضر وتطوير نموذج نظرى بشان ذلك , فضلا عن تطوير مجموعة من المؤشرات التى تغطى الجوانب الاقتصادية و البيئية والرفاهية الاجتماعية , فتخضير قطاع الزراعة يهدف فى الأساس الى  : 

– استعادة وتعزيز خصوبة التربة عن طريق زيادة استخدام مدخلات طبيعية ومستدامة من المغذيات المنتجة , وتناوب المحاصيل المتنوعة , فضلا عن تكامل الثروة الحيوانية والمحاصيل. 

– الحد من تلف وخسارة المواد الغذائية عبر التوسع في استخدام عمليات وتجهيزات تخزين ما بعد الحصاد . 

– الحد من المبيدات الكيميائية ومبيدات الأعشاب من خلال تنفيذ الممارسات البيولوجية المتكاملة لإدارة الأعشاب الضارة والآفات , والزراعة العضوية , وإعادة التشجير لتنقية الهواء لكن أعتقد أن واحدة من أهم التوصيات كانت دعوة القطاع الخاص إلى تبني مبادرات تنموية في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات، 

وتشجيع الأفراد على الإسهام في حماية البيئة عبر الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية. فالمسؤولية الاجتماعية للشركات لم تعد عملا تطوعياً كما يظن البعض، بل هي واجب والتزام أخلاقي واجتماعي واقتصادي أمام المجتمع، ودعم القطاع الخاص لجهود حماية البيئة من شأنه أن يساعد في قطع شوط كبير في هذا المضمار، ويرفد الجهود الحكومية بمزيد من العمل الجاد. 

إننا وفي ظل ما يُعانيه الكوكب من تغير مناخي بسبب الاحتباس الحراري الناتج عن الغازات الدفيئة بسبب سلوكيات الإنسان والنتائج السلبية عن النمو الصناعي في العالم، بتنا في أمس الحاجة الى تبني تطبيقات الاقتصاد الأخضر ودعم جهود إنشاء المشروعات الصديقة للبيئة، حتى نضمن حياة آمنة لأولادنا في المستقبل. 

إذا يبقى مفهوم الاقتصاد الأخضر لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، من ناحية مفاهيمية، محدوداً جداً. ولكنه برنامج استثماري (شاملاً مقترحات مفيدة للظروف السياسية)- إذا ما تمّ تطبيقه- سيجعل إجمالي الدخل الوطني الكوني أكثر اخضراراً وأقل كربوناً وأكثر تفعيلاً للموارد الطبيعية، وهو، مع كل هذه النقائص، شيء مرحب به. 

يعمل الاقتصاد الأخضر على تعزيز التكيّف مع المخاطر والضغوط البيئية، كما يُساعد على الحدّ من الفقر، فهو يزيد من إمكانية وصول المجتمعات إلى بيئة آمنة ونظيفة، كما أنّه يُعزّز الأمن البشري عن طريق الحدّ من النزاعات المتعلقة بالحصول على الأرض والغذاء والماء، وغيرها من الموارد الطبيعية، وبالتالي تحسين نوعية الموارد الطبيعية، .. 

الاقتصاد الأخضر إلى أنه بمجرد التخلص من الشركات المعادية لهذا النمط الاقتصادي ونشر الصناعات النظيفة الصديقة للبيئة، وإحلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية كجزء أصيل من حياتنا اليومية، فإن الاقتصاد العالمي سيختلف وسنتخلص من الاقتصاد البني التقليدي مرة وإلى الأبد وبلا عودة .. لكن المعطيات على الأرض لا تدعم ذلك”. 

ويضيف “فالفريق الحكومي الدولي المعني بالتغيير الحراري يقول: يجب علينا خفض الانبعاثات الكربونية الراهنة إلى النصف بحلول عام 2030 لتكون لدينا فرصة للحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وتحقيق ذلك محل شك، فعدد سكان الكرة الأرضية في ازدياد ونصيب الفرد من الدخل العالمي ينمو بنحو 2 في المائة سنويا، 

 ما يعني مزيدا من الاستهلاك للموارد ومزيدا من الانبعاثات الكربونية، والطاقة المتجددة لا تمثل حاليا سوى 10 في المائة من الطاقة العالمية، وستصل إلى 30 في المائة فقط بحلول منتصف القرن ، ولإحداث تغير حقيقي في المناخ فالمطلوب أن تكون الطاقة المتجددة 60 في المائة من الطاقة العالمية عام 2050 وهذا مستبعد”. 

ويؤكد أن الحديث عن النجاحات التي حققتها أوروبا في مجال الحد من الانبعاث الكربونية صحيح لكن السبب أن أوروبا نقلت مصانعها إلى آسيا ونقلت التلوث إلى هناك. 

هناك مقاربتين في تعريف الاقتصاد الأخضر. الأولى تعتمد على الآثار، حيث تعتبر الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية خضراء كلما كانت غير ملوثة للمناخ والمجال الجغرافي حولها، أو كانت تقتصد في استعمال الموارد الأولية والطاقية. أما المقاربة الثانية في تعريف الاقتصاد الأخضر فهي تعتمد على الأهداف، حيث يعتبر نشاط إنتاجي ما أخضرا كلما كان هدفه حماية البيئة. 

إلا أن هذا التعريف يعتبر محدودا بالنظر إلى الأبعاد الشمولية التي صار الاقتصاد الأخضر يتخذها اليوم. فهو ليس مقاربة تقنية تعتمد على ضبط نسب التلوث والانبعاثات المضرة بالمناخ والتربة والماء، بل تتجاوزها إلى رؤية شاملة لأهداف الفاعلين الاقتصاديين وأدوارهم الاجتماعية ونظم الحكامة على المستوى الدولي. 

وهنا تتداخل المفاهيم والإشكالات، حيث لا يمكن فصل الشق الاقتصادي والإنتاجي عن أبعاده الاجتماعية والمناخية، خاصة إذا وضعت هذه الإشكالية الكونية، إشكالية المناخ والبيئة، في إطار المفاوضات الدولية، التي يتمايز فيها طرفين أساسيين، الدول المتقدمة التي أنتجت التلوث البيئي بعد أن حققت نهضتها الصناعية والاقتصادية، والدول السائرة في طريق النمو والتي تعتبر ضحية للتلوث البيئي، حيث يطرح السؤال الكبير : من عليه اليوم أداء فاتورة التلوث والتحول إلى الاقتصاد الأخضر ؟ 

فالتحدي يبقى إذن في الموازنة بين هذه الإكراهات، على أن الهدف ليس هو معاقبة الدول المتقدمة بل في إقناعها بضرورة تحملها مسؤولية أكبر في حماية المناخ. كما أن الهدف هو ليس في إعطاء رخصة للدول النامية للإمعان في شتى الأنشطة الإنتاجية المضرة بالمناخ بالنظر إلى كونها لم تكن شريكة في جرائم البيئة التي عرفها العالم منذ النهضة الصناعية. 

وهنا يمكن تلخيص التحديات المطروحة إلى مستويين. المستوى الأول يتعلق بكيفية خلق التوازن بين رغبة الدول المتقدمة في الحفاظ على رفاهيتها مع خفض مستوى بصمتها المناخية وبين تطلع الدول النامية إلى رفع رفاهيتها ولكن دون الرفع من مستوى بصمتها المناخية. 

أما التحدي الثاني فهو يعود بنا إلى الهدف العام الذي يقود اليوم جهود حماية البيئة كما حدده تقرير اللجنة الدولية للبيئة والتنمية لسنة 1987 وهو “الاستجابة لحاجيات الحاضر، دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على الاستجابة لحاجياتهم”. 

من الواضح إذن أن تحديات المناخ تتعلق بالحاضر والمستقبل من حيث ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من التلوث البيئي والمناخي والتحول إلى الاقتصاد الأخضر في العالم من جهة، وضرورة تحمل تكلفة آثار هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والبيئية بالنسبة للدول النامية من جهة أخرى. 

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

لبابة السر – – رواية شوقى كريم حسن ..بقلم :عبد الهادي الزعر

( كل شعوب الارض تبكى موتاها لفترة وجيزة إلا السومريين سكان الدلتا ، لا زالوا يبكون إلاههم دموزى معتقدين انه يمكن استعادته بالبكاء )

لبابة السر : مغامرة موفقة نحو سردٍ جديد صاغه المؤلف الحاذق شوقى كريم حسن بشعرية رصينة هدفها البحث الجاد لتوث يق مشاهد حية ضاعت بين منحنيات ماضٍ سحيق لم نرى من سموقه وسطوته سوى النزر القليل ، وحاضرٍ مكفهر لم تجنى منه الاجيال المتعاقبة سوى الفزع والنكد

استفاد من تقنية التغريب والإيهام فالتعبير حسب تعليل النقاد ( ثوب المعنى والاسلوب نسيجيه ) وقد شاع هذا النمط فى ملحمة جلجامش ( بالاخص ) فى الفصل الخاص بالطوفان عندما قدم – اتو نبشتم – البطل البابلى القرابين والبخور الى الاّلهة بعد خروجه سالما من – الفلك – فتنسمت الاّلهة شذاها وفرحت بطيبها –

والساميون الذين دفعتهم الصحراء القاسية الى ضفاف دجلة والفرات هم اكثر حباً من مجاوريهم السومريين سكنة الاهوار وقد اعتقدوا ان الرافدين ينبعان من مصدر واحد ولهذا صوارهما ( بالكأس الفوارة ) (*)

والسارد العليم يقص بحكمةٍ بالغةٍ وببطأ – – خوفاً من تناسى بعض الاحداث وأن صغرت ! واضعاً امامه حضارات العراق الاكدية والسومرية والبابلية ينتقى منها مايشاء معرجا بذكاء على مقاربات واقعية تلامس تاريخ بلده المنظور منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921 حتى سقوط الصنم فى 2003 ولكن من طرف خفى معتمدا على التورية والمغايرة اللفضية الخلاقة وهو يعلم تماماً ان ماضينا لايشبه حاضرنا –

لبابة السر لم تخضع لتجنيس بعينه فهى جامعة لكل الاجناس السردية ( عمل مفتوح ) رغم انحيازها للتاريخ السومرى عززها بتقنيات الاضافة والنأى والحذف والتناسل والانشطار والتوالد اسباب جعلتها عصية على ( التأطير ) ارادها ان تكون متمردة لاتقبل- الاحتباس – فى قالب معد سلفاً –

انا على يقين ان التجريب له الباع الواسع فى هذه الرواية صاغها فى مشغله القصصى وصرف فيها زمناً غير يسير –

( لايمكن فصل حضارة وادى الرافدين عن تاريخ الشرق الادنى ” سوريا – لبنان – الاردن – فلسطين كما الجزيرة العربية فهى وحدة جغرافية واحدة )

أخضع الرواية للتبديل والازاحة والتحوير وكما هو معروف عنه فأنه يتمثل بأبتكار طرائق واساليب جديدة لأنماط القص الفنى ( كما عرفته ) بالرغم من ان حيثيات الدال والمدلول والفونيم تندرج تحت يافطة — الميتا لغة — كما سماها رولان بارت –

لو قرأت لبابة السر فى تأنى لوجدتها وهى تتنبأ بالعنف والاستبداد وكل صنوف القمع المستشرى هذه الايام بأساليب طغت عليها الصنعة غلفها بالغموض –

يحرك شخوصه وفق منحى خيالى افتراضى كما كان الكهنة يحركون اتباعهم منذ زمن الملك ( لوكال ) يوم كانت المسمارية علامات دالة على الكلمات (*)

( القصب ذهبى الرؤوس

سيقان مالك الحزين الطويلة كأنها قصب متحرك

وجزر الماء المتناثرة – جبايش –

ترحب بمن يستعمرها )

يفتخر الجنوبى المتأخر بأن اهل سوق الشيوخ وقلعة سكر والشطرة لهم التأثير البالغ فى سيطرتهم على نهر دجلة حينما كانوا يقطعون امدادات الانكليز ويحطمون بواخرهم العسكرية المسلحة من بغداد الى البصرة فقد رفضوا الاحتلال البريطانى جملة وتفصيلا –

( يرى بعض الباحثين ان قصة الحوت وبقاء يونس فى جوفها ثلاثة ايام تذكرنا بأختفاء هرقل فى جوف – تيامت – ثلاثة ايام ايضا قبل ان يشق طريقه الى الخارج وتلك القصتين مستعارتان من صورة ايقونية كانت شائعة فى سوريا واّسيا الصغرى يظهر فيها مردوخ منتصرا على تيامت اّلهة المياه المالحة وكذلك كان ملك بابل ممثل مردوخ يغيب عددا من الايام للقتال )

اعتمد فى بناءها الروائى على الخيال الجامح مستعيناً بمبدأ — الميتا سرد — متخذا من الرقم الطينية

(شوقيا ) كأسمه المعلن ليجعله بمنزلة الاّلهة او كأنه سارق النار بريثميوس او ( هو الذى رأى) افتتاحية الملحمة الخالدة –

اعلنت المصادر الموثوقة ان حضارة العراق الاساسية اول ظهورها فى اريدو قبل الميلاد بخمسة اّلاف سنة وهى تمثل اول استيطان سامى ، بعدها ظهرت كيش بجوار بابل –

تحياتى لصديقى شوقى كريم

(*) حضارة وادى الرافدين بين السومريين والساميين د- احمد سوسه –

(*) مجلة بين النهرين العدد 26 الصادرة فى 1979