الدكتور عادل عامر يكتب عن : التسامح وقبول الثقافات الأخرى

 

الرغبة بالتسامح والتعايش والتعددية وقبول الثقافات الأخرى، تقود الشعوب المختلفة في الفكر والدين والثقافة إلى التفاهم واحترام القيم والمبادئ الإنسانية؛ في سبيل بناء الجسور بين الثقافات والحضارات المختلفة. هذا فضلاً عن أنّها تغني القيم الدينية السامية والفطرة الإنسانية السليمة،  

والتي هي بالأساس الشرط الضروري لنبذ التعصب والحروب ومحاربة الجهل، وصولاً إلى مجتمعات بشرية متوازنة، متحابة، تستبدل سياسة العنف والتطرف بأهداف إنسانية عظيمة، تحقّق للإنسان الرفاهية التي لا مكان لهما في بيئة ضعيفة وضائعة.  

الاختلاف هو مشهد من مشاهد الحياة اليومية، لذلك نحتاج إلى التسامح، لكي لا يتحول الاختلاف إلى تباعد بين النفوس، وزرع الأحقاد، والنزاعات، لابد من التسامح حتى يصبح الاختلاف رحمة بين الناس، ويضفي على حياة الناس متعة العيش.  

إذ إن إشاعة أجواء السلم والتسامح، والقبول بالآخر وجوداً ورأياً، هي السلاح الفعال في القضاء على ظاهرة العنف البشري. وعليه يجب الانتقال من فكرة الاختلاف الذي يقتضي العنف من خلال تفعيل مفهوم التسامح بشكل عملي إلى جعله مشروعا للتعارف والاعتراف الاختلاف ليس سبباً للجفاء والتباعد والتباين في وجهات النظر، لا يلغي الجوامع المشتركة بين بني الإنسان، وتعدد الاجتهادات ليس مدعاة للنبذ والنفي، وإنما كل هذا يؤسس للانخراط في مشروع التعارف والفهم المتبادل.  

التّسامح مفهوم يعني العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصّغائر والسُّموّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية، والتّسامح كمفهوم أخلاقيّ اجتماعيّ دعا إليه كافّة الرّسل والأنبياء والمصلحين؛ لما له من دور وأهميّة كبرى في تحقيق وحدة، وتضامن، وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصّراعات بين الأفراد والجماعات، والتّسامح يعني احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين، وهو ركيزة أساسيّة لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحريات الإنسانيّة العامة.  

التسـامح بأنه: موقـف ايجـابي متفهم مـن العقائد والأفكـار، يسـمح بتعايش الـرؤى والاتجاهات المختلفة بعيداً عن الاحتراب والإقصاء على أساس شرعية الآخر المختلف سياسياً، دينياً،. وحرية التعبير عن آرائه وعقيدته  

وعليه فإن التسامح يعني قبول واحترام وتقدير التنوع الثري لثقافات عالمنا، وأنماطه التعبيرية المختلفة، وطرق تحقيق كينونتنـا الإنسـانية، فهـو تناسق في الاخـتلاف، وهـو ليس واجـب أخلاقـي فقـط، بل وواجـب سياسـي وحقوقي أيضـا، وهـو فضيلة تعمـل على إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، وهو ليس مجرد إقرار، ولا مجرد تنازل أو تجاوز، بل هو موقف فعال مدعوم بالاعتراف بـالحقوق العالميـة للإنسـان، والحريـات الأساسـية للآخـرين.  

لـذلك لا يتحقـق التسـامح إلا بـاحترام حريـة الآخـر، وطـرق تفكـيره وسلوكه، وآرائه السياسية والدينية. لأن الفكر نفسه يتم التعبير عنه في الواقع، عبر ممارسات وسلوكيات تتعلق بإقرار حرية المعتقد للإنسان الفرد والآخرين، وتفعيل التباين في الرأي والثقافـة والفكـر والمعرفة  

إن السلام بمفهومه السلمي هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كل إنسان يعيش على هذه الأرض، فالسلام يشمل أمور المسلمين في جميع مناحي الحياة ويشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإن وجد السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحريّة والمحبة والمودة بين الشعوب.  

وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، عدة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، مما يشكل للمسلمين قانوناً دولياً يسيرون عليه، وهذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتحقق السلام تظهر في المساواة بين الشعوب بعضها البعض، فالإسلام يُقرِّر أنَّ الناسَ، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم، ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية   ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلا بالتقوى  

كما أن الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب إلا للضرورة وإقامة العدل والإنصاف، ودفع الظلم، من القواعد الأساسية لتحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات، فلا يعتدي أحدٌ على حق أحدٍ، ولا يظلم أحدٌ أحدًا، فالإسلام يسعى دائما إلى استقرار الأمة الإسلامية، كما يسعى إلى استقرار علاقات المسلمين بالأمم الأخرى.  

إن أثر الإسلام في تحقيق السلام العالمي يتجلى في تعزيز التعايش السلمي وإشاعة التراحم بين الناس ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره، وكذلك في نشر ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات لمواجهة المشكلات وتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية وتعزيز جهود المؤسسات الدينية والثقافية في ذلك.  

إن للسلام العالمي شأناً عظيماً في الإسلام، فما كان أمراً شخصياً ولا هدفاً قومياً او وطنياً بل كان عالميا وشموليا، فالسلام هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً  فالمولى عز وجل، عندما خلق البشر لم يخلقهم ليتعادوا أو يتناحروا ويستعبد بعضهم بعضاً وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضا، فالإسلام يدعو الى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم ممن يعيشون على هذه الأرض.   إن هناك دوافع عديدة لتزايد الاهتمام بدعوات التسامح في المنطقة العربية، وهو ما توضحه النقاط التالية:  

1- اتساع رقعة الصراعات المسلحة: والتي برزت جليًا في المنطقة العربية بعد التحولات الثورية في عام 2011، ومع اشتعال النزاعات حدث تجاهل للحياة البشرية، الأمر الذي تطلب جهودًا لتعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب. إذ أطلقت الأمم المتحدة حملة “معًا لتعزيز التسامح”، وهى حملة عالمية تهدف إلى الحد من المواقف السلبية تجاه اللاجئين والمهاجرين وتعزيز التكافل الاجتماعي بين الدول والمجتمعات المضيفة واللاجئين والمهاجرين على حد سواء.  

2- تجاوز الاحتقانات الداخلية: تتزايد هذه الاحتقانات نتيجة تعثر إدارة التعددية المذهبية والدينية في الدول العربية ذات الانقسامات المجتمعية. فما تمر به المنطقة من أزمات، تستدعي إبراز أهمية السلام ضد الحرب، والتسامح في مواجهة التطرف، والتفاهم في مواجهة التنازع. ولعل موجة الصراعات الراهنة تعبر عن حاجز الكراهية بين فئات وطوائف مختلفة داخل الدولة العربية الواحدة.  

3- تعزيز قدرة التصدي على نزعات التطرف: التي تنميها تنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة تستخدم عباءة الدين لترويج أفكارها المدمرة. ولعل ذلك يفسر التصريحات الصادرة عن وزراء خارجية وإعلام دول المقاطعة العربية لقطر، في توقيتات مختلفة، بعدم التسامح مع الدور التخريبي لقطر، بعد تدخلها في الشئون الداخلية للدول العربية، والتهديدات المترتبة على السياسات القطرية للأمن القومي العربي.  

4- تأسيس جسور بين الجنسيات المقيمة على أراضي الدولة: وهو ما ينطبق جليًا على دولة الإمارات التي تحتضن ما يقرب من 200 جنسية، إذ تشير القيادات بالدولة إلى عدم السماح بالكراهية فيها، وعدم القبول بأي شكل من أشكال التمييز بين الأشخاص المقيمين عليها. فثقافة التسامح ليست وليدة اليوم في مجتمع الإمارات، بل هي ثقافة سائدة تعكس ترسيخ قيم التعددية، والقبول بالآخر، فكريًا وثقافيًا وطائفيًا ودينيًا.  

5- تكوين قنوات مؤسسية للتواصل مع العالم الخارجي: تنطلق جائزة محمد بن راشد للسلام العالمية من التعاليم الإسلامية السمحة، وتتجلى فيها معاني التسامح والاعتدال، فضلاً عن دورها في تأسيس قنوات للتواصل مع الشعوب كافة والدخول في شراكات مع المؤسسات الثقافية المعنية في العالم لنشر مبادئ الوئام وقيم التسامح بين الأجيال، وعقد المؤتمرات الدولية، تحقيقًا للسلام العالمي.  

وعلى ضوء ما ذكر اعلاه، فأن مفهوم التسامح يرتبط ارتباطاً عميقاً بمفهوم السلام فالسلام هو لازمة طبيعية لمفهوم التسامح فإذا كان السلام هو غياب الحرب وجود الامن فان هذا يعني وجود التسامح كضرورة حيوية لمفهوم السلام.  

 وهذا يعني في نهاية المطاف ان التسامح والسلام هما مفهوم واحد بوجهين متشابهين الى حد كبير. فالعنف هو نقيض التسامح، وذلك لان التسامح هو التصور الذي يتنافى مع اي ممارسة للعنف والتسلط والعدوان.  

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

 مصطفى منيغ يكتب عن:التَّطبيع للتطبُّع طابع

بِيرِْلِيَه يهودية مغربية زاد من حسنها الطبيعي بذخ ما ترتديه من لندن ، وما تتعطَّر به من “باريس” الغالي الثمن ، وما تحمله حقيبة فوق ذراعها الأيمن ، من صانع ماهر في “روما” لجلدها وَدَّن ، وقبعة من “مكسيكو” قِشّها المذهب شَعْرُها الأشقر بها تَلَدَّن ، والمنديل الحريري المطوق جيدها من “القصر الكبير” مَنْ لمَسَه هَدَن  ، وما احتضنتها باقة ورد مقدمة إليّ (مسبوقة بكلمات لحنين ذكرى عطرة أقرب بل أحَنّ ،  لحظة اللقاء المفاجئ المفعم بدفء ماضي لا يُقارَن) من “برشلونة” ذات المقام بالعظمة وغزارة التاريخ المجيد مُلَوَّن .

ليست الغرابة مُخَفّفَة وحدة الغربة وحسب بل توطئة مقبولة لإبعاد البَوْن، بين الطاغي كحرمان، والمقبل كأمل منطلقه الأمان، إن كانت شكلاً لإنسانية الإنسان تُفرِح، ومضموناً باسترجاع متعة تائهة من زمان تَقْتَرِح.

… في الجلسة الأولى  أخبرتني عن وصولها من “تل أبيب” ، لزيارة عمل لها في “مدريد” ، قبل مواصلة الرحلة إلى المغرب ، وتحديداً إلى مدينة “القصر الكبير” حيث تنوي اعادة بناء منزل أسرتها والاستقرار لما تبقَّى من عمرها داخله كمغربية متمتعة بكامل حقوقها كسائر المغاربة لا فرق بينهم إطلاقاً ، وستكون سعيدة إن رافقتها لتحقيق مثل الرغبة إذ تعلم بحبِّي الشديد لمدينة اعتبرتُها لمدة أن مقامي الأخير في الدنيا سيكون بين ربوعها ، إلى وقت غيَّرتُ فيه الرؤيا / الرجاء ، لأسباب حان الوقت لذكرها بما تستحق من تفاصيل ، خاصة وقد أصبحت مقرّ مرحلة أسوأ منها لن تكون ولن تتكرر أبدا .

حضرت من “تل أبيب” عاصمة دولة تنتسب إليها كيهودية بعقلها ، أما القلب لم يفارق خفقانه المغرب كأب حنون كما تدَّعِي ، ومكان مقدّس ترتبط به ولن تتخلى عنه أبدا ، مثل الآلاف من اليهود المغاربة المنتشرين على تخصصات ومناصب منها السامية عبر مجموع إسرائيل بما فيها العاصمة التي تركتْها تعيش حُلماً تتمنى أن لا تبدّده وقائع تتحسس حدوثها مع سنة 2021 المتضمّنة شؤماً لم يعد همساً مُتبادلاً في جل الأمكنة هناك ، بل هاجساً مًعاشاً يحتّم على جل المعنيين به، الشروع في هجرة معاكسة والمغرب هدفاً محسوماً في الموضوع لعدة اعتبارات منها : الإبقاء على الخيط الرفيع الموصل تيار التعاطف المتجدّد بينه واليهود عبر عصور موغلة في القدم ، ذاك التعاطف الرامي للحفاظ على خط الرّجعة متى ضاقت بعم الأوضاع أينما تواجدوا، ومثل القناعة لا تتأثر إطلاقا بالعامل السياسي مهما كانت البرامج المعتمدة في الموضوع من طرف بضع جهات حاملات شعارات ظرفية خدمة لانتخابات برلمانية أو محلية ، إذ عمق الارتباط مُلحق بما يترتَّب عليه من التزامات موقف متبادل قلباً وقالباً بين كافة اليهود المغاربة والمؤسسة الملكية مباشرة بغير وسيط بينهما ، وبالتالي الارتباط قائم على  حق التمتّع الموروث بمِلكِية العقار تلك المِلكية المقدسة التي لا يمكن إنكار تسلسل مقامها على نمط غير قابل للتغيير بغير موجب حق يُكتسب عن طريق العدالة ، ولليهود المغاربة الباع الطويل في مثل الأمور ورثوه أباً عن جد لحد الساعة ، ممَّا يشجعهم على العودة في اطمئنان تام . (يتبع)    

الدكتور عادل عامر يكتب عن : الاستراتيجية التطبيعية للكيان الصهيوني 

  

يظل الاتجاه الحقيقي للتاريخ غير معروف تماماً، سوى للمنجمين والدجالين، ومثبطي الهمم، وسوس الأمم وتجار وسماسرة أو طلائع الاستعمار ودعائم الاستبداد. فنحن نعيش في عالم معقد وغير يقيني وهناك دائماً في التاريخ شيء يمكنك التعلم منه. والأمور ليست بالسوء الذي تبدو عليه دائماً، إن نظرنا إليها متسلحين بإيماننا ودورنا وإمكاناتنا.  

فلا يمكن لقارئ حقيقي للتاريخ، ومتابع واع لنفوس الأجيال الجديدة من العرب، أن يتكهن أية نتيجة يمكن أن ينتهي إليها وضع الضياع الحالي، فلحظتنا الراهنة في ضوء أحداث الماضي واستشراف المستقبل مفتوحة على كل الاحتمالات، فيمكن للبعض أن يقول أن منطقتنا تدخل الآن في شتاء عاصف طويل،  نتحالف فيه مع عدونا الصهيوني، وعلينا أن نعزي أنفسنا في عروبتنا وإسلامنا ومستقبلنا.  

لكن على الضفة الأخرى، حيث يسكن الأمل في سجلات التاريخ، صوت عاقل يقول لنا: إن السنوات القادمة، ولاشك، تحمل من تباشير الخير لأمتنا الكثير، فمد الحرية، الذي بدأ يعلو منذ سنوات ست مضت؛ ولم يبلغ مداه بعد ليذهب بالزبد الذي ران على سطح المشهد السياسي، مستمر لم يزده الاستبداد إلا إصراراً على تجاوز الفشل والتخبط الذي رافقه، وسيحمل في الأجل القريب تباشير ربيع يكشف قساوة هذا الشتاء الكالح.  

وحسب كل عربي مؤمن بعروبته وإسلامه وعراقة تاريخه وحضارته، أن نذكره ببعض العلامات الأبرز على ذلك في زماننا: فتحت الضغط الهائل للأنظمة القمعية ولد الربيع العربي. وفي كل مرحلة كانت ريح التطبيع الهوج تهب على مجتمعاتنا العربية، كانت مصدات الأمة وانتفاضات المرابطين في فلسطين ومظاهرات الغضب العربي والإسلامي تعيدها إلى حيث أتت خاسرة.  

ومسيرات العودة وصيحات الغضب على القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ورفض السلطة الفلسطينية صفقة القرن والرفض العربي الشعبي لهذا الكيان ، كلها تؤكد أننا قادرون على مقاومة التطبيع والمطبعين. وكل ما يبذله الكيان الصهيوني من محاولات لتغيير الوعي العربي لم تنتج سوى خضوع الحكومات وبعض الأفراد له، لكن جسم الأمة الرئيسي مازال رافضاً لهذا الكيان السرطاني، ولا يحتاج سوى استراتيجية واقعية تفعل طاقات الأمة لمقاومته والانتصار عليه.  

نحو استراتيجية شعبية عربية لمقاومة التطبيع  

فمن خلال تفعيل الامكانات والطاقات العربية والإسلامية والإنسانية، عبر تسلحنا بخطة استراتيجية للكفاح الشعبي العربي الإسلامي، المنظم طويل النفس والشامل في جميع ميادين النزال مع الصهيونية ومن يطبعون معها، تقوم على دراسة الوضع العربي والإسلامي والعالمي، والوعي بتضاريس الاستراتيجية التطبيعية للكيان الصهيوني ورصد موضوعي لأهدافها، ومواقفه المحتملة تجاهها.  

وعبر تنويعة من الآليات، يقوم بها كيان جماعي اختصاصي عربي إسلامي شعبي غير حزبي، يمكننا تحويل ميادين التطبيع الحالية إلى ميادين مقاومة ورفض له، وبناء وعي جديد للأمة يمكننا من تحقيق النصر في معركتنا ضده، تكون بداية طريق نحو تحرير فلسطين.  

أولاً: جوهر الاستراتيجية  

1-أن نؤمن بعقولنا قبل قلوبنا أن حقوقنا في فلسطين غير قابلة للمساومة، وأننا قادرون على استرجاعها، ومطالبون ديناً وعروبة أن نعمل من أجل ذلك. وأن الخيار الذي تقدمه لنا الولايات المتحدة في ما يسمى صفقة القرن، ليس قدراً محتوماً علينا الرضوخ له.  

2-وأن الحق والعدل، هما جوهر استراتيجية مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني. فمقاومة التطبيع، واجب ديني وقومي وإنساني حتى تعود الأرض لأصحابها ويتحقق العدل لأبنائها، وتظل الثروات العربية ملكاً لشعوب العرب لا للكيان الغاصب أو داعميه الأمريكان ومن يساندونهم.  

3-وأن تحرير فلسطين، يبدأ من تحرير كل العواصم العربية من التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومن التبعية لراعيه الأمريكي.  

ثانياً: أسس الاستراتيجية  

1-مسألة التطبيع داخلة في خيارات الأمة، وليست داخلة في ضرورات الأنظمة. ونحن نسلم للأنظمة أن تفاوض، ولكن لها أن تفاوض في حدود الضرورة وليس خارج حدود الضرورة…ومن حقنا بل من واجبنا أن نجعل تلك الاتفاقات من دون مضمون  

2-فضح صورة وأسس التسوية السياسيّة الخاطئة للحكومات العربية التي تقوم على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبيان الصورة العادلة التي من شأنها أن تقودنا إلى تحقيق حالة العدل، الذي يعني دولة فلسطينية والقدس عاصمة لها وعودة اللاجئين، وتفكيك العقيدة الصهيونية.  

3-المقومات والإمكانات التي يمتلكها  الصوت الشعبي العربي والإسلامي الرافض للتطبيع، هي القادرة على التصدي لمحاولات التطبيع بكافة أشكاله المباشرة وغير المباشرة، من خلال التركيز على العمل الشعبي وتحويل الشعب العربي كله إلى مصدات للتطبيع.  

4- رفض احتكار أي فصيل أو نظام سياسي فلسطيني أو عربي أو إسلامي للمقاومة أو احتكار التحدث باسمها. وبذلِ كل الجهود لرأب الصدع في البيت الفلسطيني، وإنهاء الانقسام لحماية القدس والقضية الفلسطينية في ظل مخاطر التهويد والتطبيع التي تهددها.  

ثالثاً: آليات الاستراتيجية  

ا-آليات سياسية  

1-الحصول على المساعدة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية من الدول العربية والإسلامية الرافضة للتطبيع، من خلال إنشاء الكيان المطلوب وتدعيم حركة المقاومة بداخلها.  

2-إنشاء وتفعيل لجان شعبيه لمناهضه التطبيع والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني العربية والإسلامية الرافضة للتطبيع داخل كل بلداننا العربية والإسلامية لتفعيل المقاطعة واستمرارها.  

3- ترميم الروابط والعلاقات بين الفلسطينيين والشعوب العربية، واستغلال كافة الأدوات الممكنة لجعل التواصل مستمراً بين الفلسطينيين وباقي الشعوب العربية من خلال كافة المناسبات السياسية.  

ب-آليات اقتصادية  

1-تفعيل المقاطعة الشعبية للشركات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والحركات السياسية والشخصيات التي تدعم الكيان الصهيوني.  

2- مقاطعة كافة المنتجات الصهيونية، والشركات التي تعاونه والتي تبيع منتجاتها  في الدول العربية، والبحث عن بدائل في دول ترفض التطبيع،  وتشجيع الصناعة العربية لخلق بدائل لها.  

3-استغلال قوة الدين والقومية العربية في تحويل الصراع مع الكيان الصهيوني الى المستوى الاجتماعي والثقافي، وإخراج الشعوب العربية من طور القوة الكامنة الرافضة للتطبيع  إلى طور الإمكان والتحقيق العملي، من خلال البذل والإنفاق في وقف عربي كبير لمواجهة التطبيع، يسهم فيه كل عربي رافض للتطبيع، وتمنيته بشكل دائم ومبتكر حتى لا تتوقف لنقص التمويل،.  

ج-آليات رياضية  

1-استغلال كافة المناسبات الرياضية للتذكير بالقضية والمقاطعة والتبرع لفلسطين بكل السبل الممكنة.  

2-دعوة الفرق الرياضية الفلسطينية، ودعمها في كل ميادين تنافسها وجعلها فرصة للتعريف بصمود الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة ومقدار ما يعانيه من ظلم تحت الاحتلال الصهيوني.  

د-آليات إعلامية وفنية  

1-إنشاء مواقع الكترونية لمناهضه التطبيع والتعريف بمخاطره. وابتكار حملات في مواقع التواصل الاجتماعي العربية وبلغات مختلفة تهدف إلى إضفاء شرعية دينية وقومية وحياتية وجودية على الاهتمام بالقضية الفلسطينية ومقاطعة الكيان الصهيوني. ولفضح حقيقة الكيان الصهيوني، وضرورة مقاطعته، ومقاطعة المطبعين معه.  

2-تصوير الصراع العربي الصهيوني، ضمن العناوين الرئيسية على الشاشات الرافضة للتطبيع عربياً وإسلامياً ودولياً، عبر توظيف المحاورين المحترفين لبيان أهداف التطبيع الخبيثة في تصفية القضية الفلسطينية ونهب ثروات العرب.  

ه-آليات فكرية بحثية  

بناء مرصد معرفي عربي، وتخصيص فرق بحثية عربية تدرس:  

1-تاريخ التطبيع واستراتيجية الكيان الصهيوني وداعميه وتاريخ حملات المقاطعة في الوطن العربي وحملات المقاطعة دوليًا من أجل الاستفادة من خبراتها والبناء عليها.  

2-الخطوط العريضة للاستراتيجية الإسرائيلية المضادة لحركة المقاطعة، وكيف استفادت من المناخ الدولي والقصور الفلسطيني والتفكك والضعف العربي في اختراق الحكومات وبعض الأفراد والمؤسسات العربية والتطبيع معها، من أجل تطوير استراتيجية مضادة لها.  

3- كيفية تحقيق قدر من الانسجام بين الموقفين الشعبي والرسمي من التطبيع، يوقف الهرولة العربية نحو إنشاء علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الدولة اليهودية، وتغيير معادلة القوة على جانبي الحكومات والمعارضة، لأن حقبة التسوية ستمتد  ولا بد من التعامل معها بطرق مبتكرة.  

4-إعداد مادة دراسية باسم القدس وفلسطين، تتوخى تربية الأجيال الجديدة على الانتماء لفلسطين والقدس لجميع المراحل السنية، وتحويلها إلى دراما فنية وخصوصاً للأطفال والناشئة، وتطوير شخصيات روائية وكرتونية تجذب الناشئة العربية، تعبر عن الواقع الفلسطيني والعربي الرافض للتطبيع.  

5-مناقشة كيفية التواصل مع أهل فلسطين وجهاً لوجه، حتى يتعرف العرب على معاناة إخوانهم ويتشجع الفلسطينيون لوجود إخوانهم معهم في قلب معركتهم مع الكيان الصهيوني، وهنا يجب فتح الباب لمناقشة واسعة لكيفية ذهاب العرب إلى فلسطين المحتلة  دون الوقوع في التطبيع السياسي الاقتصادي مع العدو الصهيوني.  

6-كيفية بناء مناهج لتغيير الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، واقتراح خطة التحرك ضد العدو الصهيوني لمقاطعته عالمياً في ظل بيئة دولية : جانب منها معادي لحقوق الفلسطينيين، جانب آخر يتبنى الرؤية الصهيونية للصراع لنجاح الكيان في فرض تلك الرؤية أو توافقها مع معتقدات هذا الجانب مثل المسيحيين الصهاينة.  

و-آليات دينية وقومية  

1-استغلال كافة المناسبات الدينية والقومية، للتذكير بخطورة التطبيع على وجود أمتنا العربية والإسلامية.  

2-الاستفادة من مواقف المؤسسات الدينية الرافضة للتطبيع لدعم استراتيجية مقاطعة التطبيع، من خلال الفتاوى والبيانات والتوعية عبر منابر الدعوة المختلفة، والدعوة للتبرع بالمال ووقف الأوقاف. واستعادة دور الأزهر الشريف والكيانات الإسلامية الفاعلة الشبيهة لتقوية الحركة.  

ي-آليات قانونية دولية  

1-حشد المجتمع الدولي المدني الرافض لسياسات الكيان الصهيوني العدوانية ضد الشعب لعربي الفلسطيني، من خلال حركة المقاطعة الدولية. وتوحيد كل الجهود العربية والفلسطينية والإسلامية الرافضة للتطبيع في كل دول العالم. مثل الحملة الأميركية من أجل الحقوق الفلسطينيّة، والصوت اليهودي من أجل السلام، وحركات مقاومة التطبيع في الدول الإسلامية مثل ماليزيا وغيرها.  

 أهم العوامل المؤدية لنجاح استراتيجية قاطعة التطبيع  

1- لن تنجح دون قيادة المثقفين والدعاة العرب، وقيامهم ببذل النفس والنفيس في سبيل إنجاحها بالدعوة العملية والإنفاق مما في أيديهم، حتى يقدموا القدوة الحقيقية للشعوب حتى تضحي بكل ما تملك لتحرير فلسطين.  

2- استحداث وقفية اقتصادية باسم فلسطين، تكون مهمتها الأولى والدائمة تفعيل استراتيجية مقاومة التطبيع.  

3-التركيز على عامة الشعب العربي: المرأة والفلاح والعامل والطالب، وتخصيصهم بخطاب شعبي بسيط مركز حول قضية فلسطين وخطورة التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأنهم عماد نجاح أي استراتيجية عربية لمقاومة التطبيع 

التطبيع، يكون مع الكيانات الطبيعية، أما الكيانات المصطنعة العدوانية فلا سبيل للتطبيع معها؛ إلا من خلال تفكيك عدوانيتها وكشف زيف اصطناعها ووظيفيتها، وهوما يعني في الأخير زوالها واندثارها. وقد أثبت التاريخ والتحليل العلمي المعرفي أن مواجهة المشروع الصهيوني للتطبيع ممكنة، على الرغم من التطبيع الحكومي. وأن ما ينقص أمتنا العربية، هو استراتيجية واقعية للتعامل مع التطبيع، تبدأ من الإيمان بقدرتنا على مقاومته، ولن تنتهي إلا بتحرير فلسطين من هذا الكيان الغاصب.  

لكن هذه الاستراتيجية تواجه العديد من التحديات الواجب التعامل معها حتى يمكن أن تتحقق، ومن أهم هذه التحديات: كيف يمكن تنشيط حملات مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني في ظل موجة تطبيع الأنظمة التي تتعامل بقسوة بالغة مع المعارضين للتطبيع؟  

وكيف يمكن فهم والاستفادة من الأدوات والآليات والأدوار التي استخدمها الصهاينة في دوائر التأثير وتكوين الرأي العام وصنع القرار الدولي والعربي والإسلامي للترويج للتطبيع وتحقيقه واقعاً؟  

وما هي الأدوات التي يمكن إبداعها لتقدم حلولاً وأدوات للشعوب العربية، اليوم، للجهاد بكافة أشكاله لمقاومة التطبيع، ولاستدامة وجود القضية في قلوب وعقول ناشئة الأمة وأجيالها الجديدة؟ وكيف يمكن تكوين حلف شعبي عربي مضاد للحلف الحكومي العربي المتساوق مع السياسات الإسرائيلية، يعمل على كشف محاولات قلب القضية والترويج لسلام عربي إسرائيلي على حساب فلسطين، وكشف زيوف التطبيع وفوائده التي تروج الآن؟  

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن :المغاربةُ … ربِ السجنُ أحبَ إلي مما يدعونني إليه 

         

ليس دفاعاً عن الجريمة، ولا وقوفاً مع الباطل، ولا تأييداً للخطأ، ولا تحليلاً للحرام وتشريعاً للخيانة، فما وقعت فيه الحكومة المغربية ورئيسها جريمةٌ لا تغتفر، وكبيرةٌ لا يسكت عنها، وفعلٌ مدانٌ يجب أن يستنكر، وخطيئة فاحشة ينبغي أن تتوب عنها وتتبرأ منها، وخيانةٌ قوميةٌ وردةٌ إسلاميةٌ بكل المعايير القومية والدينية، وما كان لرجلٍ قضى جُلَ عمره محباً لفلسطين وأهلها، ومدافعاً عنها ومؤيداً لشعبها، ومضحياً في سبيلها ومتحدثاً باسمها، أن يسقط في حمأة الاعتراف، وأن يقبل بوبيئة الاستقبال، وأن يجلس إلى جانب المحتل الغاصب، ويقبل بالابتسام له ومصافحته، وهو الذي يدرك أن الاعتراف به كفرٌ وردةٌ، وأن الاجتماع معه خيانةٌ وتفريطٌ، والقبول بالتطبيع معه خذلانٌ للشعب الفلسطيني وتخلي عنه.

 

كما لا فرق هنا بين تطبيعٍ وآخر، وجريمةٍ وأخرى، فالاعتراف بالعدو خيانة، والتطبيع معه جريمة، واستقباله معرةٌ، والجلوس معه تنازل، والترحاب به مهانةٌ، والإصغاء إليه مذلة، والتوقيع معه هزيمةٌ وانكسارٌ، والاتفاق معه خزيٌ وخسارةٌ وآخرته حسرةٌ وندامةٌ، أياً كان مرتكب هذا الفعل الفاضح والسلوك الشائن، سواء كان إسلامياً أو قومياً، علمانياً أو متديناً، حزباً أو جماعةً، ملكاً أو رئيساً، ونحن أتباعُ نبيٍ كريمٍ ورسولٍ صادقٍ أمين، قال يوماً عليه الصلاة والسلام “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”، فلا سكوت في ديننا على شريفٍ إذا أجرم، ولا صمت على عزيزٍ إن أخطأ، ولا دفاع عن حاكمٍ إن طَبَّعَ، ولا خوف من سلطانٍ إن خان وفرط.

 

لكن ما لا ينبغي أن ننساه أن جُلَّ الشعب المغربي بكل أحزابه ومكوناته، ونقاباته وتجمعاته، ونخبه وشخصياته، يرفضون التطبيع ويجرمونه، ويحبون الشعب الفلسطيني ويؤيدونه، ويعادون الاحتلال الإسرائيلي ويقاومونه، وفي المقدمة منهم أبناء حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأتباع حركة التوحيد والإصلاح الأم، الذين لا يدخرون جهداً في الدفاع عن فلسطين ونصرتها، وتأييدها والوقوف معها، وقد هالهم جميعاً ما حدث، وأغضبهم كثيراً ما قامت به حكومتهم، فما سكتوا أبداً عما وقع، ولا دافعوا عمن صافح واستقبل، أو شارك ووقع، بل شجبوا واستنكروا، وأدانوا ورفضوا، واعتبروا أن ما حدث سقطة سياسية وجريمة قومية وخيانة دينية، ما كان لرئيس الحكومة أن يقدم عليها أو أن يقبل بها، وقد كان حرياً به أن يتأسى بنبي الله يوسف عليه السلام إذ قال “قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ“.

 

أقرأ على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، ويصلني على حساباتي الشخصية، عشرات المساهمات المغربية الأصيلة، من عامتهم الصادقة ومن أتباع حزب العدالة والتنمية، ومن أبناء حركة التوحيد والإصلاح، ومن شبيبة الحزب الذين شاركتهم ملتقياتهم السنوية أكثر من مرةٍ، تدين ما حدث وترفضه، وتصب جام غضبها على الرجل الذي أحبته وأجلته، رغم أنها تعلم صدقه وإخلاصه، وصفاءه وشفافيته، ووضوحه وصراحته، وحبه لفلسطين ودفاعه عنها، إلا أنهم ما كانوا يتوقعون منه هذا الفعل، ولا كانوا يأملون منه هذا السلوك، بل كانوا يتوقعون منه إعلان البراءة من الجريمة، ورفض المشاركة فيها، ومقاطعة الوفد الصهيوني القادم والامتناع عن استقباله والترحاب به، بل كانوا يفضلون استقالته وحكومته، وتخليه عن منصبه وعودته إلى قاعدته الشعبية وحاضنته الوطنية.

 

أسمع من أعضاء الحزب الذي يرأسه سعد الدين العثماني من يقول “حجم الغضب من رئيس الحكومة هو علامة حياةٍ في المجتمع المغربي”، وغيره يرى الموت على الحق شهادة “لموتٌ في طاعةٍ خيرٌ من العيش في معصيةٍ”، وآخرون يشعرون بالحياء والخجل مما قام به رئيس حكومتهم، فخاطبوا الشعب الفلسطيني قائلين “عذراً لكل دمٍ أريق ظلماً في فلسطين الحبيبة، وعذراً لكل الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال البغيض، وعذراً لكل المقاومين البواسل ولشعب فلسطين الحر الأبي”، وآخرون يستنهضون شهداء الشعب المغربي وحراس المسجد الأقصى من أبنائه، أنهم لن يخونوا دماءهم، ولن يفرطوا في الأمانة التي ضحوا بحياتهم من أجلها، وقد انداحت الجماهير المغربية في مختلف المدن، وتنادت بحشودٍ كبيرةٍ إلى الساحات والميادين، ترفض التطبيع وتدين الاتفاقية، وتدعو إلى شطبها وعدم الالتزام بها.

 

يعلو صوت المغاربة المقاومين للعدو الصهيوني، المعارضين للتطبيع والمحاربين لكل محاولات الاختراق، يخاطبون الشعب الفلسطيني بكل صدقٍ وشفافية، أننا كنا ورئيسنا معكم وسنبقى، نؤيدكم ونحبكم، ونقف معكم وننصركم، فلا تشطبوا سجلنا المشرف بكلمة، ولا تنسوا تاريخنا الناصع في سورة غضبٍ، وتذكروا أننا لا نقبل بما حدث، ولن نسكت عنه ولن نستمر فيه، ولكن لا تنجروا إلى ما يريده العدو ويتمناه، فهو يتطلع إلى سلخ الشعب المغربي عن عمقه العربي وقضيته القومية الكبرى فلسطين، وهو المغتاظ من مقاطعتنا، والمتأذي من مواقفنا، والغاضب من دعمنا وإسنادنا لكم، فلا تفرحوه بالوقيعة بيننا، فنحن من كبوتنا سننهض، ومن سقطتنا سنقف، وإلى سابق موقفنا سنعود.

 

تتعالى أصوات المغاربة الذين نحب ونجل، والذين نعرف صدق مواقفهم وثبات كلمتهم، يطالبون كل وطنيٍ فلسطيني وحرٍ عربي، أن يكونوا معهم في هذه المحنة، وأن يقفوا إلى جانبهم في هذه الفتنة، وألا يعينوا شياطين الجن والإنس عليهم، وألا يتهموهم بالخيانة والردة، فالصادق يؤازر من يحب في محنته، والمخلص يساعده في مصيبته، وليس أشد محنةٍ علينا مما لاقينا، وأسوأ في مسيرتنا مما صنعنا، ولن تكون خاتمتنا خيانة ونهايتنا تفريط، وستكون هناك مفاصلة بين الحق والباطل، ولا شيء حقٌ كالقضية الفلسطينية، ولا شيء باطلٌ كالكيان الصهيوني، ولكن صبراً فما حدث وإن كان إرادةً ملكيةً، فإن أيدينا فيه لن تلوث، وسجلنا به لن يُسَّوَدَ، وإن غداً لناظره قريب.

 

نعم إنني أصدق الشعب المغربي وأثق في مواقفه، وأعتقد أنه سيبرأ إلى الله عز وجل والأمة العربية والإسلامية مما حدث، وستكون له كلمته الفصل وبيانه الحسم، ومن سبق بالصدق سيعود، ومن كان فيه الخير سيلحق، هذا أملنا في المغرب الحبيب وشعبه، فاللهم لا تخيب أملنا فيه وأعد إلينا الثقة فيهم، فإنهم والله رجالٌ في الحق، صُدُقٌ في الحربِ وصُبُرٌ عند اللقاء.

 

بيروت في 24/12/2020

  مصطفى منيغ يكتب عن :يهودية مغربية واسمها بِيرِلِيَهْ

عودة لاَحَت لِمَا مَضَى ، من عَمُرٍ  كلّما قََضَى ، فيما ذِكْرُها انْقََضَى ، لاَزَمَتْهُ بقية بما أَتَت يَتَرَاضىَ ، وجاذبية زُرْقِ العينين لتَحْيْينِ ما تَمَضَّى ، وسماع صوتٍ من سنين لم ينقطع عن مسمعي مثل حلو صَدَى ، كي لا يُغَيِّبَ اشتياقي رغم طول مَدَى ، لِمَعْنِيَةٍ ما تَجَرَّأْتُ على مَحوِ أيامها بدافعٍ عن الأمرِ يَتغاضَى ،  من مذكرة لا أفسحُ المجال لغيري تَفَحُّص مَتاع كنز براءة طفولة في حي لازال يقاوم زمناً على مقامه القانوني المشروع كرّسَ بممتلكاته التّلف والعبث والفوْضَى .  فكما عن اللؤلؤ الصَّدْف تَشَظَّى ، تجدَّد اللقاء بيننا فَحَظِيَ كُل منا بما  أََحْظَََى ، نزهة حنين أحضرَتها من “مكسيكو” إلى “برشلونة” لاسترجاع قصة طفل في السادسة من عمره عاشر طفلة تقاسما ثمرة ،  كعهدِ وِصالٍ دائمٍ مهما في الدنيا عَمَّرَا ، على السراء والمُرَّة ، ببراءة لا تَعي غير المَبيت كل في فراشه على أمل اللقاء كل غد بمزيد ارتباط بينهما متى ندت الأحاسيس النبيلة عليه  حَضَرَ ، لم يدركا بعد ما الأديان  ولا عن عادات معتنقي هذا وتلك  أية فكرة ، فقط اليد في اليد والانطلاق للتعلُّم في مثل المدرسة  كأنهما من أسرتين في واحدة  لبعضهما البعض متجاورة ، و الحقيقة داخل منزلهما هو مسلم الأب والأم وهي يهودية الوالدين لكل منهما جذور وأصل وسمعة مُشَرِّفة  ، بينما في الخارج اثنان في حياة بما تريد ملتحمة  ، لها عالم خاص بلغة لا يتقن سواهما فهم المنطوق بها كشعور صامت يرفع بهما إلى خَلْقٍ مختلف يمشي على الأرض ويسبح في السماء لا حدود تفصل بينهما مهما اتجها نحو بداية الدرب في”الديوان” كحارة ، لأشهر حديقة في “القصر الكبير” المدينة . لم يكن حباً سطحياً بل ألفة لا ادري كيف نشأت بيننا في ذاك الوقت المبكر من سننا وسط حرص تربية التعليمات القاسية ، محورها العَصَا لمن عليها تَعَصَّى بغير شفقة ، في بيئة الناس فيها صنفان “المَظْهَرُ” لدي البعض مُهِمٌّ للغاية ، ولَدَى أقليّة “الجوهر” أَهَمّ درجة ، مَتَى كان الأول يخفي حقيقة نفاق مقصود بتصرف مُريب التوقُّف كالحركة ، والثاني تبرز من أقواله كأفعاله صدق أحوال وصفاء نية ونقاء ضمير ووضوح هدف واجتهاد بالمشروعية ، منذ صلاة الفجر إلى صلاة العشاء وما بين الخمس ذي المواقيت الشرعية ، مِن تصريف الحلال بالحلال في عمل يَعُول بوارداته المالية ، ما على ذمّته من أفراد يرعاهم كنفسه ويحافظ عليهم محافظته على أغلى ما يملك برقة ولطف وحنان ومسؤولية لها حرمتها العالية .

… مرت الأيام في رتابةٍ كما خطَّط لها الاستعمار الإسباني داخل مدينة لا ينقص للمسلمين فيها “زوايا” برواد لا يفوِّتون مناسبة دينية إلا واحتفلوا بها بما تستوجب من تقديس عملاً بوصايا السلف الصالح ومشياً على هدى الفقهاء الأجلاء المتوافدين من “فأس” خاصة لميزة “القصر الكبير” المحتضن أولياء لا زالت أضرحتهم مصانة ، لدى الأهالي المتوارثة بينهم شيمة توقير بركاتهم  منذ عقود في القِدم ضاربة ، والتي فيها لليهود أكثر من كنيس يقيمون فيها صلواتهم ومنها صلاة الرعية خلال أيام ثلاث السبت والخميس والاثنين ، ومقام ضريح لأشهر حاخام في العالم “ربى يهودا الجبلي” دفين ساحة سيدي  بلعباس . أرادها الاحتلال الإسباني رتيبة بعيون أذنابه المنتشرين بقوت يومهم كأجرة ، المتطور لحصول بعضهم على قطع أرضية ، سبيل خدماتهم المُقدَّمة المرتبطة بتشديد الخناق على أسر بدأت تعي محاسن الخروج من مرحلة العبودية ، إلى التحرر لم يُستثنى اليهودية منها المشاركة المسلمة نفس الهدف على خلفية الاخلاص للوطن الضامن حقوق جنسيتهم القانونية جميعا ، طبعا لو كان في مدينة القصر الكبير مهتمين بمثل المواضيع التاريخية عن تكوين علمي لما كاد يضيع تراث ثمين جاعل لحقائق تؤكد أن المغرب في مثل المدن العريقة ، كان ولا يزال متشبثاً بسماحة تعايش أصيل بين حضارات امتزجت فوق أرض طاهرة ، لا مكان فوقها لحاقد أو كاره أو محارب لحقوق البشر مهما كانت مشاربهم السياسية ، أو معتقداتهم العقائدية ، أو أفكارهم المعبرة عن تحمل المسؤولية ، انطلاقاً من مفهومها الأخلاقي الموضوعي المنطقي الصرف ، مهما كانت الشوائب تظلُّ عنها بعيدة . (يتبع)