الكاتبة نـهـيـلة حـنـان تكتب عن : صـرخـات الـرحـيـل

 

الـمـشـاعـر الـصـادقـة لا تولـد من عـبـث و رحـيـلـي هو الآخـر لـيـس مـن عـبـث، أصـبـحـت تؤذيـنـي تـلـك الـمسـافـات الـتـي تـقـع ما بـيـن الحـضـور و الـغياب، مـا بـيـن عـيـون رقـيـبة و أفـواه مـكـيدة أبـحـر فـي مـوجات من الألـم تأخدنـي مـداً و تـعـيدنـي جـزراً عـلى أوثار مـن الإحـتراق و الأشـواق، وددت حـقاً لو أن الأبـيـض و الأسـود إجـتـمعا لأول مرة عـلى هـيـئـتنا نحـن، لكننا كأي نـزيلا حـرب أنـهـكتنـا الخـسارات ولـم يفز أيٌّ مـنا، قاتلنا بـشـرف ولـكن الـشـرفاء أيضاً يـخسـرون مـعـاركـهم، لـيشهد الله بأن قـلـبي إمـتلأ بـحبك عن آخـره و ليشهد قـلبك بأنـي أعـيش الأن أكـثـر لـحظات إنـكساري و تـهمشي و أنا الـتي مـا إسـتعصـى عـليها يـوماً توديـع أحد، و لـكنك كنت و ستظل إستثنـائي الأكـبر، أشـعر الآن برغبة جامـحـة لـضـمك إلى صـدري ضـمـة أخـيرة أسـتنـشق مـعـها عـطرك بـعمـق لـيكون أخـر شـيء تـبـقـى لـي مـنـك، أسـتلقـي بـين أحـضانـك و أسـتلذ هـنـاك الـبـقاء، أداعب جـدائل شـعـرك الأسـود و أشـتـم فيه عـطر الإنتـشاء، أنهل مـن تضاريس وجـهـك حد الإرتـواء قاسـية هـذه اللحـظات الـتي يـمتلأ فـيـها القـلب بكـلمات لا تـصوغهـا الحـروف وفجأة تـنسـكب دمـوعك لـيس مواسـاة لألمك بل فراراً مـن نـيران دواخـلـك، حـتـى لو شـاءت بـنا الأقـدار و حتـى لو حـال بـيـننا ألـف حال سـنلتقي، سترانـي فـي غـفلتك حـلم و ستـراني في وحـشتك أنـس، قد تجمـعنا أمـنـية أو حـتى خـيال لـكننا سنـعيش نـشوة اللـقاء مـهما أبـعدتنـا الـمسافات و رمـتنا بأسـهمها الظـروف أكـتـب لك  وأنـا مـيـتة، لا تأخد مـنـي كـلمة الـموت بـمعنـاهـا الـحرفـي لا عـليك بالجـسد فـهو مـازال صـامدا ضـد الـفـناء، كـيف له أن يحيـا و هو يصـارع بـقائـه بـين أهـدابـه، فلم  تـكن يـومـاً جـزء مـنـي بل كـنت كـامـلي و مـكـملـي، صـبري و صابـري، صـمتـي و صـمـودي، مـسـكنـي و سـكينـتي، روحـي و راحـتي، مأمنـي و مـوطـني، فمن أين لـي الأن بوطـن بـعد غـيابـك يـأويـني، كـيف لنا تحطـيم قـيود الـمسافات كـيف لنا تحـطيم سلاسل المـستحيل والغوص في اللامسـتحيل لطالمـا جـعلت من عـيـنيك نـوراً أهتـدي به في ظـلمات حـزني، الأن كـيف سأستر عورة قلبـي حـين يشـتاقك، الزمـن لا يرحم من يـعزم على الرحـيل، فالبعـض يرحل في صمت كـالنسيم و البعض يرحـل في صخـب كالـحروب، أما أنـا سأرحـل و أتـرك فـي الـقـلب جـرحاً و في الـعين دمـعة و فـي الحـلق غـصـة و فـي الروح وجـعـاً، نهـوى الـرحيـل حين تـنتهي كـل حـلول الـبقاء فـبعض الرحيل نـختاره والبـعض الآخر نـجـبر علـيه، لكن سـيكون هذا الـرحيل الـى مـواطن اللقـاء لا الى الـهجران و الـضياع، سنـلتقي قبل أن أصبح عـجـوزا شـمطاء أنهكها إنـتظار حـبيـبها و أضاعت عـمرها خـلف زجـاج الـنافذة وهي تقرأ رسـائل عـشق أتـت من أرض الـدمار و الخراب، قبل أن أصبح ضعـيفة البـصر لأنـني أريد أن أرى خـلايا خـدودك تـبتسم بعد أن تنـقسم و تتشـقق، أريد و يا ليث إرادتـي تكفي أن أتـحسس ذقـنك الـمـهمل بكـفي، من قـال أن العـناية تزيد الأشياء جـمالاً ذقـنك أجـمل وهو مـهمل

شـظـايا ذكراك سـتبقـى مـحفـوظة، سأتذكرها و أنا أحـتسـي ربـما كـوباً مـن اليـأس لعلـه يـنهي كـل شيء، ولعـله يـهون على قـلبي الـمحتضر سـكرات مـوته، أمـواج من الأحـزان تصـهـل في دمـي و على وتـر الألم تعزف الـوحدة أجـمل ألـحانـها، فلا أنـت بالـقرب الذي يـزيل الـشوق و لا أنـت بالـبعد الذي يقـطع الأمـل،  المرأة التـي حـلقت بك فـوق السـحاب و رفـعت من قـدرك أمـام الناظريـن الـيوم ذاقـت مـرارة الـعذاب، يـؤسفـني فعلا مـا آل إليه قـلبـي الذي صـنـته طـويلاً كـما يؤسـفني أنـه لا فرصـة بـيـننا لتوضيح مـا يوجد داخـل جب الـغموض،  نـفرت من رغـد الـحياة و طيـبها و حـضنت حـزني في حنـايا أضلعـي، أنهـكتني الـحروف وهـي تعدو بإتـجاهـك وقـع حوافـرها يـدوس عـلى أطراف قـلبـي و يا وجعة هذا الـقلب بك كـلمـا لاح طـيفك، أما صهيل وجعـك في الـصدر لا يتـوقف و لا يهـدأ ولا يـستكين، فما بال طيـفك يأبـى أن يـفارق و ما بال الـوجع ضيـف ثـقيل يـأبـى أن يـغادر، يغرس حـوافره فـي تربـة رحـم القلب و يرتشف ملح أدمـعي و يـكبر حتـى تختنـق الشهقة ولا تجد لها طريـقا فـي لجة ظـلام غـيـابك، كيف لـقريحـتي أن تـصنع من حروف الـشوق قـصيدة وهي تـستقي نـورها من نور وجـهك، وكيف للجة النـهار أن تـصنع حلة للـعناق الـموعود من غـير خـيوط الـسكيـنة و الـتي هي بـنت الليـل الـملتهب، حـتما سنـلتقي وإذ لم يـكن فـي هذه الـحياة الـملعونة فـسوف يكون فـي الـحياة الأخـرى، حيث لا شـفاه تتكلم بل قـلوب تـدق و لا أجساد تتعـانق بل أرواح تـنصـهر، سيكون علـى صعـيد سـحابة بيـضاء مستلقين على أثـير الـمشاعر، أجـل سنعـبر حاجز الـخوف اللـذيذ مـستقلين قارب اللـوعة لنـصل لجـزيرة الـحب المـنتظرة، عـلمونا فـي الكـتاتـيب صـغاراً أن نحب الـحياة بـوجهيها الـكـئيب و المبتهج، بـدمعتها الـنازلة من ضيم الأقدار و إبتسامتها المـرسومة على شـفاه العاشـيـقين، بـيأسها الـغادر و أملها الـغاوي، بـجبروتها الـعاصف و دفـئـها المنـساب

لكنك لطالما  تحججت بالقدر ولم أرضـى أن أخـبرك أنه نحـن من نـصنع عسل أقدارنا، لطالما فضلت أن أُنخَان ولا أَخون  أن أَنـخدِع ولا أخدع وهذا ما حصل، أتمنى لو عاد بنا الـزمن قـليلاً الى الـوراء حيث كـانت الرسـائل تـأتي مـكتوبة فهي كانت ستأتي مـحـملة بـرائحة الـمحبوب متـعطرة بعـطره وقـد خطتها أنـاملـه، تأتي متوشحة بروح ذلك الـغالي، الأن علمت عندما قال نزار لـمحبوبته ” بعض الهوى لا يقبلُ التـأجيلا ” كان يعلم أن الحـب كالقهوة لا يـسـتساغ طعمه بـارداً.

 

الدكتور عادل عامر يكتب عن :مصر تتحدى الفساد

أن آفة الفساد تُعد أحد المعوقات الرئيسية في طريق التقدم وتحقيق التنمية المستدامة والتطلعات المشروعة لشعوب القارة الأفريقية. وأوضح الرئيس السيسي أن الجهود المصرية المبذولة في هذا السياق لم تنعزل عن الجهود الدولية في مكافحة تلك الظاهرة، حيث تلتزم مصر بمعايير ونظم المحاسبة والمراجعة الدولية وفقاً لأعلى المتطلبات، كما انضمت إلى الاتفاقيات الأممية والأفريقية والعربية ذات الصلة. لما تم وضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد كانت الدولة  تستهدف من خلالها  وضع أهداف وسياسات تكفل محاصرته وتفعيل ثقافة مجتمعية رافضة له من خلال مرحلتين:

 الأولى (٢٠١٤-٢٠١٨)          والثانية (٢٠١٩-٢٠٢٢)

مما عزز ثقة الأمم المتحدة في إسناد تنظيم المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد الذى سيقام في ديسمبر ٢٠٢١م لجمهورية مصر العربية بحضور ١٨٦ دولة .

لان هذه الاستراتيجية حققت نتائج إيجابية من خلال تطوير البنية التشريعية الداعمة لمكافحة الفساد مثل قانون الخدمة المدنية وقانون الاستثمار وقانون مكافحة الجريمة المنظمة والإتجار في البشر ، وتعديل بعض القوانين مثل قانون الهيئات الدولية وإضافة بعض الجرائم مثل النقد الأجنبي لاختصاصات هيئة الرقابة الإدارية، إنشاء الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد التي تدرب بها عدد كبير من المصريين وغير المصريين على سبل مكافحة الفساد مع أهمية زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الوقاية من الفساد ومكافحته من خلال تفعيل دور الأنشطة الطلابية وإعداد المنهج الدراسي للجامعات تحت عنوان ” حقوق الإنسان ومكافحة الفساد” وتنظيم حملات إعلامية وإعلانية لرفع الوعى بأهمية منع الفساد ومكافحته.

وهنا يأتي  دور هيئة الرقابة الإدارية في امتداد متابعة سير العمل بالقطاع الخاص وتذليل مشكلاته بالإضافة إلى المعاونة في اختيار المرشحين للوظائف القيادية في الدولة.  ومن ناحية اخري جاء دور  المرأة المصرية في مكافحة الفساد التي أثبتت عبر التاريخ التزامها ونزاهتها، وهى شريك أساسي في مكافحة الفساد. ،

 أثبتت عبر التاريخ التزامها ونزاهتها وريادتها في مجال اكتساب الحقوق والحريات والمواطنة الكاملة، ولطالما كانت شريكا أساسيا وفعالا في مكافحة الفساد، وكانت ولا تزال الداعم الأول لاستقرار الدولة المصرية وتقدمها. أن المرأة هي الأكثر تأثرا بنتائج الفساد في أي مجتمع، خاصة في مجال تقديم الخدمات، باعتبار إنها التي يقع على كاهلها المسئولية الكبرى لرعاية الأسرة وطلب الخدمات من صحة وتعليم وغيرها. أن مصر تحظى بإرادة سياسية حاسمة في دعمها للمرأة المصرية، وعازمة على المضي بجدية في تفعيل كل ما من شأنه تمكينها وتأهيلها للعب دورها باستحقاق، في تنمية وإعلاء شأن الوطن، وهناك علاقة إيجابية بين تمكين المرأة والمضي قدماً لمكافحة الفساد. أن الفساد يعد أحد أكبر المعوقات أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وترتبط مكافحته ارتباطاً طردياً مع التنمية والاستثمار والإصلاح الاقتصادي ونهضة المجتمع بشكل عام.

 أن الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة، دعا إلى تكثيف العمل على التقليل في معدل الفساد، كجزء أساسي من الجهود الرامية إلى بناء مجتمعات سليمة وشاملة.

أن مصر تعد من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وكانت سباقة في دعم أجهزة إنفاذ القانون ومكافحة الفساد، من خلال أجهزتها ومؤسساتها وعلى رأسها هيئة الرقابة الإدارية، التي تمثل مصر في تنفيذ الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد.

اثبتت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي  التي تؤكد إيمان الإرادة السياسية المصرية بمكانة وقدرات ونزاهة المرأة، إن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وحماية تعزيز حقوقها هي عناصر تمثل ركائز أساسية لضمان نهضة المجتمعات الإنسانية ولتحقيق التنمية المستدامة ولا يمكن أن يتم تعزيز وحماية حقوق الإنسان بشكل كامل دون حماية حقوق المرأة وتمكينها، بما يتفق مع ما جاء في المواثيق الدولية ذات الصلة”.

ويأتي إيمان الإرادة السياسية بالمرأة لم يقف عند حد الكلمات، لكن تمت ترجمته في واقع ملموس، حيث اشتمل الدستور المصري 2014 على أكثر من 20 مادة تؤكد ما تحظى به المرأة المصرية من دعم وتقدير لمكانتها وقدراتها، وتم إعلان عام 2017 عام المرأة المصرية في سابقة هي الأولى من نوعها.

أن المرأة في البرلمان شغلت نسبة 25%، وفى الحكومة 25%، وفى منصب نائب الوزير إلى 27%، وفى المجالس المحلية القادمة إلى 25%، وفى منصب نائب محافظ وصلت إلى 31% أن مصر انضمت لاتفاقية مكافحة الفساد إيمانا بضرورة مكافحة الفساد والتعاون الدولي في هذا الاتجاه.

 وزعم أن توجيهات عبدالفتاح السيسي تشدد على دعم الدولة المدنية الديمقراطية ومكافحة الفساد. وأضاف أن حكومته تنطلق من إرادة سياسية واضحة لمكافحة الفساد باعتبار ذلك عنصرا أساسيا لتحقيق التنمية المستدامة ودعم حقوق الإنسان. أن مصر قطعت شوطاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة في مجال مكافحة الفساد بمختلف صوره. أن مصر اهتمت بإجراء البحوث والدراسات واستطلاعات الرأي بهدف تعقب أسباب الفساد والوقوف على قياسات حقيقية له”. أن الاهتمام المصري بهذا الشأن اكتسب وضعية خاصة في ضوء التأكيد الدستوري على مبدأ التزام الدولة بمكافحة الفساد، وفرض التزام الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً للحفاظ على المال العام وتحقيقاً لحسن إدارته وتنظيم الاستفادة منه لصالح الشعب بالمقام الأول فقد سن وتفعيل التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد بشتى أنماطه باعتباره أحد أبرز العقبات الحقيقية لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، فضلاً عن إنشاء كلٍ من اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد، والأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد. مع ضرورة تكاتف جهود الجميع بشكل منسق في المجالات السياسية والتشريعية والقضائية والرقابية لمكافحة آفة الفساد التي تنخر في اقتصاديات الدول، ونشر الوعي بمفهومها وبيان أخطارها وآثارها،

ويعد ارتفاع مؤشر الفساد في أي مجتمع دالة على تدني الرقابة الحكومية، وضعف القانون، وغياب التشريعات، وقد ينشط الفساد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي بما يلغي مبدأ العدالة، وتكافؤ الفرص، والجدارة، والكفاءة، والنزاهة، في شغل الوظائف العامة

مظاهر الفساد: من أبرز مظاهر الفساد المنتشرة في العالم العربي – وهي متشابهة ومتداخلة

• الرشوة: أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل مخالف لأصول المهنة، وهي منتشرة في كثير من الدول الغربية والدول النامية.

• المحسوبية: أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص؛ مثل: حزب أو عائلة أو منطقة، دون أن يكونوا مستحقين لها، وهي منتشرة في الدول العربية بشكل عام.

• المحاباة: أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة، بغير حق للحصول على مصالح معيَّنة.

• الواسطة: أي التدخل لصالح فرد ما أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة؛ مثل: تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء رغم كونه غير كفء، وهي منتشرة كثيرًا في العالم العربي.

• نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق بشكل سري تحت مسميات مختلفة.

• الابتزاز: أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.

• غسيل الأموال: هي عملية إخفاء المصدر غير القانوني لهذه الأموال وتحويلها أو دمجها في الاقتصاد المشروع.

وقد أظهر التقرير الأخير الذي نشرته منظمة الشفافية العالمية التي تتخذ من العاصمة الألمانية برلين مقرًّا لها – أن جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والبالغ عددها 21 دولة، لا تزال تحافظ على ترتيبها في سلم الفساد العالمي. وجاءت نتائج معظم الدول العربية في المؤشر مخيِّبة للآمال، حيث حصلت على تقدير متوسط 35 درجة من درجات المؤشر البالغة 100 درجة، حيث تمثل هذه النتائج تحذيرًا من إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة. يظل الفساد بشتى أطيافه أحد معاول الهدم التي تواجه عمليات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ولهذا فأحسن وسيلة لمحاربة الفساد هو أن تكون هنالك خطة استراتيجية شاملة لإعادة العدل بمختلف صوره في المجتمع من القمة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القمة، وإنهاء الظلم وأشكال الاستغلال في كل المجتمعات من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة. 

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

محكم دولي معتمد

وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

 الدكتور مصطفى منيغ يكتب عن :سنَة المِياه الأَسِنَة

سنةٌ جديدةُ تطلُّ على الدنيا الفانِية ، أسوأ مِن سابقتها الحالية ، بعدَ ثمانية عشرة من أيَّامها الباقية ، تتضاعف خلالها المشاكل بين دول عُظمَى أقواها المالية ، تطال استثمارات مباحة على الغشِّ كانت مبنيَّة ، بآليات لا تناسب هشاشة البنيات التحتية ، في بلاد متخلِّفة طغت على أركانها حلول الترقيعات السياسية ، غير المراعية لتحديات الأعوام القليلة الآتية ، مَن ابتسمَ  انتظاراً لمَقْدَمِها المفعم بالرفاهية ، البارحة على صحة توقعاتها بَكَى بما فوق وجوه الوُجهاء جارِية ،  أمّا اليوم عمَّ التجهم حتّى يأسَه لعلامات استباقية عن اضطراباتها المخيفة بمصائبها الاستثنائية ، وغداً تجفُّ (بسبب مجريات واقعها الملموس) في مَآقِِيهِ الدموع حينما يعوّضها الأنين المُتَعالََى من صدور شبيهة صدره عارية ، كشف الازدحام عن حاجة أصحابها بالملايين لضرورة الحصول (كأضعف الإيمان) على وَجْبَةِ غذاءٍ واحدة وإن كانت للمعيشة العادية غير كافية .

لبنان بلا حكومة تتقلَّب على ظروف قاسية ، موردها ممَّا تقتات به مستورد حيث بقيت لها بين أقطار بعيدة جالية ، تتقاسم مع حالها آخر نَفَسٍ تستنشقه قبل انتشار ضباب بارود حربٍ في الأفق بادية ، بعدها وللوضوح قبل التوضيح لا وجود ممكن لطوائف ولا قِوَى جنوبية ، بل وضعية لا تقيم أي وزن للمعتقدات الدينية ، في اختيار مناصب التدبير ذي النفوذ العالية ، إلا ما تفرضه تلك المتدخّلة الأجنبية ، المالكة السيف والطعام وفكرة معاداة ديمقراطية أوصلت لبنان جوهرة الشرق الانتحار الطوعي ملقية بجمالها وقدّها الإستراتيجي بين أمواج (أطماع متعددة الجنسيات)  طاغية . فعلى حكام آخر عهد متمسك بأحلام وردية لأمل لم يعد مناسبا لشق طريق العودة لنفس المناوشات المنتهية بالإبقاء على الوضعية كما كانت انتظارا لحل نهائي يضبط الأمور وفق ما يرضاه الفرقاء وما أكثرهم اتفقوا أن لا يتفقوا ، على هؤلاء الحكام مراعاة حق الوطن عليهم بالكفّ عن ابتداع الشقاق بين مناصريهم بمصارحة الجميع أن لبنان دخل مرحلة الإنعاش وإن ضاع ، الجميع من فوقه ضاع ، وهُم أَدْرَي بالقِرْشِ إذا جاع ، وإن الرّاعي عن دفع الرواتب امتنع ، وإن تقررَّ الإجهاز على أرضهم لملْئِها بمن ضاقت عليهم أرضهم شَرَعَ وشَرَّع . هؤلاء الحكام وفيهم العقلاء ، ومَن لا جنسية لديه سوى اللبنانية ، ومن تُحَرّك الوطنية الصادقة ، ضميره للمشاركة في عملية الإنقاذ الشامل ، بعدم ركوب عِناد مؤدّي لا محالة ، لما لا يُحمد عقباه، المهم اللحاق بالوقت قبل انتهائه مع أواسط السنة المقبلة ، وللشعب اللبناني العظيم واسع النظر .

العراق مِن غير المُجدي أن يتعرض لما حسِبه أصعب فراق، بين وحدة ترابه الأصلية وما يصبح دونها مجرَّد مُلحق . من الممكن استرجاع عافيته بالكامل ولو ضحّى بما في شرايين شرفائه يُهْرَق ، ثابتاً على ذكراه لمَّا كانت بغداده محطَّة عِلمٍ ومِثالَ حضارة ووفرةَ أرزاق ، وغيرها من شقيقاتها مدنِ فخرِ عِمار ، ومقام أخيار، و حصون لا تُقهر ،عن جدارة واستحقاق ، لن يهدأ للسنة المضافة لأزمته بأزمة عاتية تأتي على ما تبقى فيه من استقرار ، كالخشب إن أُهمِل حتى سكنه السوس  فاستحلوا أصاحبه الحال لغضب أصابهم من تاركي الأغراب حتى نُزِعوه بالمكائد عن أبواب ظل حراسها مدافعين عن حرمة البلد حتى أصبحوا أجسادا جوفاء محنطين بأبشع الهزائم مجرد تماثيل مقامة تسخر منها أقوام حتى من داخل الوطن ، التابعين لولاء الدافعة بثمن يسجع على أبشع الفتن ، الفاسحة المجال في مرحلة معيَّنة لتشجيع الأمريكان ، على تقديم أنجع هدية لمن يحافظ على خراب ما خُرّب لغاية تبديد تعلُّق العراقيين بعراق هو العراق ، من هؤلاء المشتتين على الأمل واليأس ، والحسرة والندم ، والتحمّل والقنوط ، أكانوا في داخلٍ (لغاية السنة المقبلة أيضا) غير آمن ، أو خارجٍ مع ضيوفه منهم (حتى الآن وما يليها من أزمان) متضامن . وللشعب العراقي الهُمام واسع النظر.

الدكتور عادل عامر يكتب عن :  الإبداع النسوي في مواجهة العنف 

 

كانت المرأة العربية المسلمة ومنذ القدم ترزح تحت وطأة قدم العقلية الذكورية التي سيطرت وتسيطر عليها، باعتبارها كائنًا ضعيفًا؛ فهي في مفهوم هذه العقلية المستبدة ناقصة عقل ودين. من هنا تمامًا، تنطلق مأساة هذه المرأة المسكينة التي سكنت لاوعي هذه العقلية المنغلقة، والمستمدة سيطرتها من سلطتيها الدينية والسياسية، سكنت في اللاوعي الذكوري بهاتين الصفتين الأساسيتين: نقصان العقل ونقصان الدين.  

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار المعنى الحقيقي لهاتين الصفتين؛ فإنّنا سندرك مباشرة مدى خطورة هذا الحكم الجائر الصادر في حقّها ظلمًا، فهو بالأساس يسلبها أهم ما يميز الإنسان، وهو العقل الذي يفكّر من خلاله والدين الذي يمنحه السند الوجودي ليكون.  

بهذا الحكم، ضربت المرأة العربية المسلمة في الصميم، لتظل حبيسة سجن اسمه الجسد الذي يمنح الذكر المتعة والخلف، وحبيسة دور بائس يتمثل في خدمته.  

ولأن المرأة ليست كذلك حتى وإن كانت أميّة، فإنها قاومت استبداد تلك العقلية الدكتاتورية التي حرمتها من أهم معاني الوجود المتمثل في الحرّيّة، قاومته بالحيلة.  

فكانت شهرزاد من النساء اللائي خلّد التاريخ حيلتها، لتقاوم السلطة وحدّ السيف في آن، ولم يكن أمامها من حيلة إلاّ أحبولة السرد والحكاية المشوّقة، والتي سلبت عقل شهريار/ الذكر والسلطان فأنقذت حياتها، وسجلت في التاريخ اسمها بأحرف غليظة، لتؤكد للعالم بأسره أنّها ذات عقل وحكمة.  

ويزخر تاريخ العرب المسلمين بأسماء نساء فنّدن صحّة ذلك الحكم الجائر بأن شاركن الخلفاء والسلاطين السلطة، حتى وإن كان ذلك في الكواليس ومن وراء حجاب.  

كما خلّد التاريخ أسماء نساء كثيرات كذّبن تلك المقولة بقولهن الشعر، مثل الخنساء وولاّدة بنت المستكفي وغيرهن، كما تسجل كتب عديدة تراثية مثل الأغاني وغيرها حكايات وطرائف شتى تروي ذكاء النساء، بل دهاءهن غالبًا في التعامل مع السلطة الذكورية التي لا يعنيها من المرأة إلاّ جسدها.  

أثناء الفترات التي عاشت خلالها البلدان العربية المسلمة تحت وطأة الاستعمار الغربي، أكدت المرأة في أغلب البلاد العربية قدرتها الفكرية العالية وإرادتها الفولاذية للمساهمة في النضال من أجل تحرير بلادها؛ ولعلنا هنا لا نستطيع أن نتجاوز ذكر المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد أو الفلسطينية دلال المغربي..  

ولما نالت هذه البلدان استقلالها هبّت على وضعية المرأة رياح مواتية وبقوى متفاوتة من بلد إلى آخر، لتساعد المرأة على إثبات وجودها والتأكيد على أنها ليست كما اتهمت ناقصة عقل ودين، وتمثلت تلك الرياح في وجود زعماء مختلفين من مفكرين وساسة مثل الطاهر الحداد والحبيب بورقيبة في تونس وقاسم أمين وجمال عبد الناصر في مصر وعبد الكريم قاسم في العراق وغيرهم ممن آمنوا بأنه لا تطور ولا تقدم للمجتمعات العربية المسلمة إلا بتعليم المرأة وبعث الحياة في نصف المجتمع الذي شلّته العادات البائسة والتقاليد البالية بتهمة باطلة، وهي أنّها ناقصة عقل ودين.  

خلال النصف الثاني من القرن العشرين، نستطيع أن نقول إن المرأة العربية المسلمة التي تحرّرت من عقالها، فغادرت سجنها إلى رحاب المدارس والكلّيات، لتجنّح بعدها وتطير محلقة في سماء الحرية والعمل والإبداع في شتى المجالات، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة بين بلاد وأخرى وبين منطقة وأخرى.  

هذه الفترة التي يمكن أن نعتبرها الآن فترة ذهبية في تاريخ تحرّر هذه المرأة منحت لهذا العالم العربي المسلم نجمات في شتى المجالات، ونكتفي بذكر أم كلثوم وفيروز في الغناء، ومي زيادة ونازك الملائكة وفدوى طوقان في الشعر، وغادة السمان وبنت الشاطئ في الرواية والبحث، وفاتن حمامة وسعاد حسني في التمثيل، وغيرهن كثيرات، مثل أوّل طبيبة عربية، وهي التونسية توحيده بالشيخ…  

وفي الوقت الذي اعتقدنا فيه، أن المرأة بدأت تخطو بثبات في طريق تحرّرها ليس فقط في تونس والمغرب وسوريا ولبنان ومصر والعراق، بل وحتى في بلدان الخليج العربي الذي لحق متأخرًا مقارنة ببقية البلاد العربية المسلمة، تمامًا أثناء هذه اللحظات التي بدأ خلالها يعلو صوت المرأة على الركح وعبر الشاشات ومن خلال المصدح والكتب والمجلات والصحف، في تمام هذه اللحظات هبّت “عواصف” ثورات الربيع العربي عاتية على مجتمعاتنا، فاختلّت الموازين وتزعزع كل شيء، وإذا بالمرأة العربية تتراجع إلى الوراء، وتخسر كل المسافة التي ربحتها خلال ما يفوق نصف القرن، لتجد نفسها في المواجهة انطلاقًا من وضعية أسوأ من الصفر وفي ظروف اجتماعية وثقافية وأخلاقية مهتزة من ناحية لكن بإمكانيات أكثر فاعلية وقوّة والمتمثلة في أنها متعلّمة ومثقفة إلى حدّ ما.  

وهنا يطرح السؤال الأهمّ كيف لهذه المرأة المتعلمة والمثقفة، والتي تذوّقت طعم الحريّة أن تقاوم هذا المدّ من التخلف والرجعية الذي هجم متنكرًا تحت أقنعة الديمقراطية والدين، ليصنع الفوضى والحروب ويستهدفها هي تحديدًا وبنفس التهمة الجائرة: “نقصان العقل والدين”؟!  

إنّ المرأة الكاتبة، الواعية، المثقفة، الوطنية وحدها القادرة على خوض مغامرة الكتابة والإبداع الشاقة والخطيرة، لتواصل مسيرة التحرّر التي انطلقت بعد استقلال البلدان العربية المسلمة من الاستعمار الجغرافي بفضل نضال الرجل بالسلاح والمقاومة. والآن بات دور المرأة هذه أهمّ وأخطر بما أنّ الاستعمار الحديث للبلدان العربية المسلمة جاء عن طريق الثورة الرقمية التي جعلت أخطر الأفكار تدخل إلى بيت أي مواطن، وربّما بل الأكيد بمساعدته لتفتكّ منه ابنه أو ابنته وتجنده أو تجنّدها ضدّ عائلتها، وهنا تجسدت الحرب العالمية الثالثة في شكلها الإلكتروني الاتصالي الذي حول العالم إلى قرية حقيقية يقع التحكّم في أحداثها عن بعد.  

هنا تحديدًا، يكمن دور المرأة عمومًا لحماية أبنائها من الاستعمار الفكري الذي يحرّض أفراد العائلة الواحدة ضد بعضهم البعض بإحداث الفرقة الدينية أو الأيديولوجية أو العرقية أو غيرها من أسباب الفُرقة والفتنة التي دمّرت شعوبنا.  

أما دور الكاتبة المثقفة، فيتمثل في توعية تلك الأم ّالتي ليس لها من الثقافة والوعي لتعي خفايا الأحداث، وفي توعية جيل من الشباب الذي خسر تعليمه أو ثقته أو مكانته في مجتمعاتنا التي ترزح تحت سياط الفقر والبطالة، وهي من أغنى البلدان بثرواتها المنهوبة. ذلك هو دور المرأة المثقفة والكاتبة وعلى خطورته التي تصل إلى حد التهديد بالقتل، فإنّ هذه الأخيرة لم ولن تتراجع عن أداء دورها هذا لإنقاذ وطنها.  

المرأة الكاتبة والسلطة الدينية والسياسية  

مما لا شك ولا جدال فيه، أنّ علاقة العداء بين المرأة المبدعة وهاتين السلطتين قديمة قدم التاريخ. فالعقلية الذكورية المستبدة لم تسمح للمرأة المتهمة بأنّها ناقصة عقل ودين بالمشاركة في مجالها.  

ولأن صورة المرأة الكاتبة المبدعة في العقلية الذكورية هي صورة امرأة متشبهة بالرجل، باعتبارها خرجت عن القطيع النسوي بما أنّها تجرأت ومارست الفعل الذي لا يجرؤ عليه سوى الرجال، وهو فعل الإبداع الذي يتطلب عقلًا وفكرًا.  

هذه الصورة تخيف العقلية الذكورية وترعبها لذلك تسارع بتهميش مشروعها الإبداعي والفكري واتهامها بأن رجلًا يقف وراء إبداعها إن كان متميزًا أو استغلالها والاستهزاء منها، إن كان مشروعها الإبداعي هزيلًا.  

أما الحقيقة، فتتمثل في أنّ صورة المرأة الكاتبة الواعية والمبدعة تخيف السلطة السياسية، لذلك ظلّت المناصب السياسية حكرًا على الرجال في البلاد العربية وحتى إن ساهمت نساء قليلات، فذلك بفضل العلاقات الشخصية وليس بفضل الجدارة.  

وعلى الرغم من مساهمة العديد من النساء في تونس ومصر وسوريا وليبيا في بداية ثورات الربيع العربي – وقد اعتقدن في جديتها – إلاّ أنّهن عند نيل المناصب لم نشاهد عددًا كبيرًا من هؤلاء النسوة على كراسي السلطة ! وهنا نتأكد من الحصار الذي تضربه العقلية الذكورية حول عقل المرأة؛ لأنها تهابه وتهاب قدراته، لأنها تدرك مكامن قوّته ومنها يقع غلق الأبواب أمام طموحها السياسي.  

أمّا السلطة الدينية، فهي موصدة تمامًا في وجه المرأة المفكرة تحديدًا، والتي تبحث في المسألة الدينية في كل البلاد المسلمة دون استثناء ولا أدل على ذلك من إهدار دم كل من تجرأت على البحث في مسائل خلافية دينية، وأعود هنا لذكر التونسية ألفة يوسف التي نالت دكتوراه دولة حول موضوع “تعدد المعاني في القرآن”، والتي قدمت مجموعة كبيرة من الكتب في مسائل تخص الحجاب والميراث وعديد القضايا التي لم تحسم بعد. كما أذكر العراقية وفاء سلطان التي ناقشت وتناقش تلك المسائل الخلافية في الإسلام، والتي أهدر دمها هي الأخرى. الأمثلة كثيرة، حيث ترفض فيها السلطة الدينية دخول المرأة المفكرة ميدان البحث الديني، باعتبارها ناقصة عقل ودين.  

ختامًا  

بعد كل الجهود التي قامت بها المرأة العربية المسلمة، وبعد كل ما حققته من منجزات على مستوى القوانين وعلى مستوى الحضور الثقافي والإبداعي في كثير من البلاد العربية المسلمة، غير أنّ إعصار الربيع الأسود هبّ على هذه البلاد، فدمرها على جميع المستويات وأعادها إلى عصور ما قبل الاستقلال. وكانت وضعية المرأة هي الأكثر تضررًا، حيث تراجع حضورها الاجتماعي، وأعيدت إلى سجونها المختلفة، ومنها سجن الحجاب وسجن التقاليد وسجن الجهل والأمية.  

وهنا يتوجّب على المرأة الكاتبة المثقفة الواعية أن تضاعف من جهود نضالها، لتوعية هذه المرأة العربية المسلمة التي أعادوها إلى دور الضحية المعذّبة والمعنّفة، لأن المرأة الكاتبة وحدها تمثل حزام أمان لأوطاننا المحتلة بشكل أو بآخر من غزاة افتراضين وآخرين خونة.  

النساء في سطور القانون والشرائج أن الحداثة الرقمية تحولت إلى سمة للجانب الأهم والأكثر محورية وحيوية في حياتنا اليوم، رغم وجود عدم تسليم كامل بذلك، حيث لا تزال هناك مواقع للإنتاج الفني والإبداعي تقع خارج هذا التوصيف لأسباب كثيرة تتصل غالبًا بالتفاوت بين المجتمعات من حيث التطور والقدرة على امتلاك التكنولوجيا، كما تتصل بموقف من هذا المنظور الثقافي الجديد عند بعض منتجي الثقافة والإبداع داخل المجتمعات المتقدمة نفسها.  

أن السمة المميزة للدراسات النسوية الأدبية ما بعد الاستعمارية هي التزامها بتحليل التاريخ والخصوصية الاجتماعية، وهدفها ربط تحليلات النصوص الأدبية بالعلاقات الاجتماعية الأوسع، وشملت مجالات العمل الرئيسة في الدراسات الأدبية ما بعد الاستعمارية الطرق التي تعمل بها السلطة من خلال اللغة والثقافة الأدبية لتشكيل المعاني والقيم والذاتيات والهويات، وسعى هذا العمل الأفضل إلى الحفاظ على علاقات القوة بين الجندر، والطبقة، والعرق في الإطار، ورؤيتها كما هي دائمًا مرتبطة بشكل متكامل، وقد انتقل جزء من النقد الأدبي والثقافي النسوي الأكثر ابتكارًا في ما بعد الاستعمار في اتجاه ما يمكن تسميته بالتاريخ الثقافي، وهذا ينطوي على قراءة النصوص الخيالية جنبًا إلى جنب مع النصوص والأشكال والممارسات الثقافية الأخرى فيما يتعلق بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع.  

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

 الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب من بيروت عن :  وجهاتُ نظرٍ إسرائيلية تجاه التطبيعِ مع الأنظمةِ العربيةِ 

        

قد لا يكون الإسرائيليون جميعاً سعداء بهرولة الأنظمة العربية الرسمية تجاههم، وإقبالهم عليهم واعترافهم بهم، رغم أنه كان حلمهم القديم، وأمنيتهم المستحيلة، التي تمناها قادتهم التاريخيون، وعمل من أجلها سياسيوهم الكبار، وخطط لها رؤساء حكوماتهم جميعاً، إذ كانوا يأملون تشريع كيانهم، وتأمين حدودهم، وسلامة مستوطنيهم، وكسب اعتراف الجوار بهم، وتطبيع العلاقات معهم، وتبادل السفراء بينهم، وإقامة أسواق تجارية مشتركة معهم، وتبادل الخبرات والتنسيق معهم في مختلف المجالات، الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والقانونية والقضائية وغيرها، ليكون كيانهم جزءاً طبيعياً من المنطقة جغرافياً وسكانياً، فلا يكون غريباً شاذاً، ولا منبوذاً مكروهاً، ولا معزولاً محاصراً، ولا معادياً مُحَارَبَاً. 

 

إلا أنهم لا يتفقون على رأيٍ واحدٍ تجاه هذه الموجة المتصاعدة، التي تبدو فيها الأنظمة العربية تتسارع وتتنافس، وتجاهر وتعترف، وتعارض إرادة شعوبها وتقهرهم، ففي الوقت الذي يظهر فيه بعضهم سعادةً بالغة وسروراً كبيراً باعتراف بعض الدول العربية بهم، وانفتاحهم عليهم، وتعاونهم معهم، وفتح أجواء بلادهم لهم، فإن فريقاً آخر لا يرى فيما يجري نفعاً أو فائدة، ولا يشعر بأن للتهافت العربي والتسارع الرسمي نحو الاعتراف بشرعية وجود كيانهم في هذا الوقت بالذات إيجابياتٍ تذكر، ويسوقون على مواقفهم أدلةً وبراهين، ويعززونها بالشواهد والحقائق، ويدعون حكومة كيانهم إلى الأخذ بها وعدم إهمالها وإغفالها.

 

يرى بعضهم أن كيانهم “إسرائيل” أصبح من القوة والردع، والقدرة والتفوق، والاستقرار والثبات، ما يجعلها في مأمنٍ من كل دول الجوار العربية المصنفة دولاً معادية، فلا تهدد أمنها دولة، ولا يقوى نظامٌ على التحرش بها أو الإضرار بمصالحها، مخافة رد الفعل القاسي والعنيف، الذي يترجمه جيشهم غاراتٍ انتقامية وردود فعلٍ تأديبية، تطال أدق الأهداف وأبعدها، وأكثرها خطورةً وحساسيةً، مما يجعل الأنظمة تفكر ألف مرةٍ قبل الإقدام على أي خطوةٍ من شأنها إثارة غضب إسرائيل، أو دفعها للرد المباشر أو غير المباشر، ولعل كثير منها يحارب التنظيمات الفلسطينية، ويرفض منحها أي تسهيلاتٍ في بلادها، خوفاً من ردود الفعل الأمريكية والإسرائيلية التي تراقب كل التحركات الخارجية لقادة الفصائل الفلسطينية فيها.

 

وفي الوقت نفسه فإن كل دول المنطقة ضعيفة وغير قادرة، ومهزوزة وغير مستقرة، وتعاني من اضطراباتٍ داخلية، وصراعاتٍ مسلحةٍ متعددةٍ الأطراف، وتشغلها قضاياها الداخلية وهمومها الوطنية عن أي قضيةٍ أخرى، وهي تعرف أن أي محاولة للمساس بأمن إسرائيل قد يسقطها ويفقدها استقرار أنظمتها، في الوقت الذي لا تقف شعوبها معها أو تدافع عنها، مما يدفع هذا الفريق للتساؤل، ما الذي يجبر الحكومة الإسرائيلية على تقديم تنازلاتٍ لدولٍ فاشلةٍ وأنظمةٍ ضعيفةٍ ساقطةٍ، أو يبني معها مستقبلٍ لن يدوم، ويوقع معها اتفاقياتٍ تخدمهم أكثر مما تعود بالنفع على كيانهم.

 

كما أن الأنظمة التي تهرول وتوقع، وتعترف وتطبع، في أغلبها دولٌ غير سيادية، وعديمة القرار الحر المستقل وإن بدت أنها مستقلة، فهي تخضع لنفوذ دولٍ أخرى، وتخضع لضغوطٍ أنظمةٍ أقوى، ويعاني بعضها من آثار الحصار وضغوط العقوبات الاقتصادية، وهي أنظمة قمعية وغير ديمقراطية، وديكتاتورية لا تحترم حقوق الإنسان، وتمارس قهراً على شعوبها لا يوصف، وظلماً واضطهاداً لمواطنيها لا يقبل، وتحرمهم من خيرات بلادهم، وتتسبب في فقرهم، وتساهم في خلق بيئات متطرفةٍ وتجمعاتٍ محرومةٍ متشددةٍ.

 

 ويرى آخرون أن هذه الأنظمة تتطلع جميعها لحل مشاكلها الخاصة، وتجاوز أزماتها الوطنية، وتعتقد أن الاعتراف بإسرائيل يخدمها وينفعها، ويدفع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية للتعامل معها، ومساعدتها والنهوض بأوضاعها، فبعضها يسعى إلى رفع الحصار والتخلص من العقوبات، وإزالة اسم بلادها من قوائم الإرهاب، أو الاعتراف بسيادة بلادها على إقليمٍ من أرضها مختلفٍ عليه، أو حمايتها من تغول الدول الجارة، أو يضمن لها استقرار أنظمتها وتسهيل انتقال السلطات إليها، وغيرها تخشى من الحراكات الشعبية وانتفاضات المواطنين المتكررة، واحتمالات سقوطها أو الانقلاب عليها.

 

بعض غير الراضين عن هذه الاتفاقيات نسبياً، يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى عقد اتفاقيات سلامٍ مع الدول العربية المركزية، التي تشكل إلى جانب مصر ثقلاً حقيقياً، وتغير مواقفها في مسار الصراع في المنطقة، وتستطيع أن تفرض السلام فيها، كسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية، مع عدم استبعاد الجزائر أو الاستخفاف بالسودان، فهذه الدول محورية وأساسية، ولها دور كبير في رسم سياسات المنطقة، وكان لجيوشها أدوار حقيقية في الحروب، كما أن لها دوراً كبيراً في تمويل المنظمات الفلسطينية، أو إيوائها وفتح مراكز تدريبة ومقراتٍ قياديةٍ لها.

 

لكن المعارضين جميعاً والساخطين على الاتفاقيات الموقعة رغم منافع بعضها لكيانهم، وإيجابيات آثارها على المنطقة ونتائجها على الصراع المستحكم في منطقة الشرق الأوسط، لا يرون قيمة لكل هذه الاتفاقيات في المستقبل القريب والبعيد، ما لم تجد إسرائيل والأطراف العربية كلها، بالاتفاق مع الفلسطينيين وضمانة الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، حلاً يرضي الفلسطينيين ويحقق بعض أحلامهم، فهذه الاتفاقيات لا تسكت الشعوب، ولا تسكن الحروب، ولا تطفئ جمرها الكبير، الذي وإن خبا نارها حيناً فإنه سيعود ويتقد من جديد.

 

حينها ستعود إسرائيل من جديدٍ إلى دوامة العنف ومربع الاستهداف، وستعاني مرةً أخرى من شرعية الوجود، وأزمة القبول، وفقدان الأمن وعودة المنطقة إلى مربعات الصراع الأولى، التي لن تعرف النهاية ما لم يعلن الفلسطينيون أنهم وصلوا فعلاً إلى النهاية التي يريدون، وقبلوا بالنتيجة التي إليها يتطلعون، ولعل هؤلاء وإن كانوا هم العدو، إلا أنهم يستطيعون قراءة عقل المواطن العربي جيداً، ويعرفون عقيدة الفلسطيني أكثر، ويدركون عناده وإصراره على حقه، وإن بقي وحيداً يقاتل، وصمد في مواجهة عدوه دون عونٍ من غيره، فما بالكم وشعوب الأمة كلها معه، تؤيده وتنصره، وتؤمن بحقه وتقف معه.

*كاتب المقال

أستاذ جامعى

كاتب صحفى فلسطينى