إنها لإحدى سخريات الدنيا التى نحياها أن يكون أحب الناس إلينا هم في الغالب أشد إثارة لنا من أعدائنا ..وعيت تلك الحقيقة حين كنت أتحدث مؤخرا مع شاب يافع على إثر وفاة والده ،كان مما حيره أن أباه وأمه لم يوفقا فيما يبدو إلى حسن المعاشرة ،وكان يحس فى قرارة نفسه أن كليهما كان يحب صاحبه ،بيد أن أظهر ما بقى فى ذاكرته من حياة والديه هو ما كا ن يقوم بينهما من نقار.
هذا الحديث دفعني إلى التفكير :أننا لا نستطيع أن نحتمل الثقلاء ومن لا نحب من الناس بأن نضمر لهم الحيطة وأن نعاملهم بأدب ،بيد أنه قد يحدث كثيرا فى حياة الأخذ والعطاء التي تجمع بين الناس ،أن نغضب أو نذهل لملاحظة عارضة أو موقف يقفه إزاءنا واحد ممن نحب،وليس وسيلة سهلة لدفع هذا الأذى من عزيز لدينا ،ولذلك كثيرا ما يشوه جمال العلاقات التى ينبغي ان تكون قوية عميقة ذلك الاحتكاك الطفيف ،وما ذلك إلا من جراء هذه الخلطة الدانية.
ولعل من بعض السبب أننا نترك أدق أسباب المواءمة بين النفسيين للمصادقات ؛فنحن نتقبل الشدائد الطارئة كأن لا محيص عنها ،ونواجهها كلما قامت بحل مؤقت ،ربما كان لجاجة تافهة أو جهامة وعبوسا .ولكنه لا ينبغى أن تتعرض العلاقات الحالية للسعادة لمثل هذه الأزمات المتكررة ،فإن معاشرة من لا نطيق ان نستغنى عنهم من الناس تقتضى تدبيرا موضوعا يتقى به المرء ما ينتاب عواطفه ،ويستديم به اسباب الوفاق .
ومن الخير أن نواجه الصعاب حين تقوم ولا ندعها تستفحل دون أن نوليها عنايتنا ،فلطالما شجرت متاعب فى شأن مسائل بعينها مرة بعد مرة ،لأننا لا نسوى الأمور حين تسوء لأول مرة .
إن مسائل سوء التفاهم الخطيرة يجب أن تفض لوقتها لئلا تعظم وتستفحل وتكمن أصولها في عواطفنا .
الزمان المصرى 