كلية الآداب بجامعة قناة السويس تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة

كتبت / أ.د. أحلام الحسن رئيس القسم الثقافي

تحت رعاية معالي أ.د. أحمد زكى رئيس جامعة قناة السويس بالإسماعيلية تحتفل كلية الآداب بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة وتستعد لاستقبال الطلاب وتتمنى لهم عامًا سعيدًا وموفّقًا صرح بذلك سعادة أ.د. عادل السعدني عميد  الكلية متمنّيًا للطلاب ولمصرَ ولشعب مصرَ وللقوات المسلحة بالجيش المصري ولسيادة رئيس الجمهورية دوام الرفعة والسمو .

 غياب يغتربُ..قصيدة للشاعرة العراقية : اعتماد حياوى

 الغياب يورقني

اتناثر كأحجار الأبد

بدويٍّ مجلجلٍ لا يهدأ

يفتح لليأس باباً عتيقاً

هاجت به الريح

غائرة في عمق خيالي

صائتة بصمت

مجروح

إيه يا قلبي

 كيف مللتني

وتركتني على أعتاب القوافي

أُقْتَلُ؟

وما نفعُ نجواك والتمني؟

أعدني اليّ

أعدْ ليّ حُطامي

فلم يبقَ مني سوى

ماضٍ يمضي

هو دليلي و بروقي

في عتمة دربي القديم

فبي اغتراب غريب

لحلمٍ إنتهينا وأمسينا غرباء

بغياب غريب..!

دعني

أيُّها الغياب

فقد استفاقتْ روحي

-تلهجُ محدثةً طيفه

فأحيا حلمي

وكينونتي الموغلة

في حضورك

فلا اغتراب

كغيابه

” صَفَقنا  اﻷيادي ” ..احدث قصائد أميرة الشعر العربى أ.د أحلام الحسن

جريحٌ أنا في مهادي جريحٌ

وهل من دواءٍ يداوي الجروحْ

ومستقبلٌ ضائعٌ  في حياتي

قليلُ  المزايا ضعيفُ الطّموحْ

وأيدي الغريبِ  تعدّت  مقامًا

تُصيبُ  الفؤادَ وتُدمي القروحْ

بأحجارِ  حقدٍ  ترامت  بداري

زجاجاتُ  رملٍ  علينا  جموحْ

قضيبُ  الحديدِ  بهِ قد رُمينا

بعزّ  النّهارِ  جهارًا  وضُوحْ

رماحًا  تلتها  بقصدٍ  أثيمٍ

بأيدي عدوّ ٍ  يُجيدُ  الرّموح

بُلينا   بحالٍ   وكظمٍ   مريرٍ

وضعفٍ  وقهرٍ  فأين  النّزوحْ

وقد طالَ وضعُ  الدّخيلِ استناسًا

بليلٍ  عبوسٍ  علينا جَنوحْ

كقمحٍ  بوسط الرّحى كم طُحنّا

خُبزنا  وكُنّا  طعامَ  الصّبوحْ

مع العاصفاتِ  تداعت حقوقٌ

بسودِ  الرّياحِ  دُخانًا  تفوحْ

زمانُ الخطايا عصيبٌ  كئيبٌ

أطاحَ  العزيزَ  وهدّ  الصّروحْ

وضعنا  القطيعَ  بوادي الذّئابِ

وعشبًا  طلبنا  لهُ  بالسّفوحْ

فلمّا  رجعنا  فما من  قَطِيعٍ

فكلُّ  الذّئابِ  أكُولٌ  كشوحْ

وتلك السّفوحُ  فلا عُشبَ فيها

أتاها  الجرادُ  بجوعٍ  لحوحْ

 وكفًّا  بكفّ ٍ صَفَقنا  اﻷيادي

دموعًا على المهدِ صبًّا  تنوحْ

ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء

بحرُ المتقارب المقصور

ء 7-10-2021

الجيش المصري ..جيش الكنانة وجيش المهمات الصعبة..  بقلم الباحث والكاتب العراقى /عايد الطائي

لعل الكثير لم يتبحر أو يلج في سبر أغوار التاريخ أو يبحث في بطون أمهات الكتب عن واحدا من أقوى الجيوش في العالم ، ألا وهو الجيش المصري المهيب ، لما يمتلكه من خبرات متراكمة متجذرة في تجاربه الهائلة المعتادة أو فرضتها بعض الظروف الطارئة خارجيا وداخليا .

  إن أقدم إشارة لتأسيس الجيش المصري كانت مابين 3500 – 3200 قبل الميلاد ، إذ كان يتألف من المصريين فقط ولم يكن يضم أي عنصر أجنبي أو مايسمون المرتزقة ، لهذا كان لصيقا بأرضه محبا لشعبه مدافعا لا مهاجما في معظم الحروب أو المعارك .

  ذُكر الجيش المصري أبان ذكر الجيوش القديمة ومنها البابلية والآشورية والحيثية والميتانية وزمن اليونان والرومان وبيزنطة والدولة الأيوبية والدولة الفاطمية ودولة المماليك والدولة العثمانية وأبان الإحتلال الفرنسي وحروب ال 1956 و 1967 و 1970 و1973 حين خاض العديد من الحروب مع الدول التي أرادت النيل من بلاد مصر وشعبها الأبي.

  في هذا المقال وددت الإشارة الى هذا الجيش حين فرض وجوده كقوة عظمى لايستهان بها وأمام جميع جيوش العالم وبلا إستثناء وبالخصوص في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر  الذي جعل التجنيد إلزاميا ووسع صنوفه وتنوع تسليحه وزيادة عديده وأقام المصانع العسكرية وأرسى مباديء الولاء التام للوطن والشعب والحفاظ عليهما والدفاع عنهما حيثما تتطلب الحاجة لذلك .

  ونتيجة لذلك ولوجود قيادات محنكة وخبيرة ومجربة وذات تاريخ متراكم تمكن من إستعادة أجزاء محتلة من أرض مصر وبقوة وسواعد جنوده الإبطال وكان آخرها إستعادته لأجزاء كبيرة من سيناء ومن الأراضي التي أحتلتها ” إسرائيل ” في حروب سابقة، الأمر الذي تسبب في إذعانها للإتفاق مع مصر سنة 1979 م لتوقيع إتفاقية سلام وكان ذلك في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والتي قيل أنها السبب في إغتياله من قبل المعارضين لها .

 كما حافظ الجيش المصري على رباطة جأشه وصلابته وتطوير مهاراته وفي كل الصنوف القتالية آليا وتكنولوجيا وفكريا وميدانيا للأفراد والمجموعات والحضائر والفصائل والسرايا والأفواج والألوية والفرق والفيالق كل حسب تخصصها القتالي جوا وبرا وبحرا، فضلا عن القوات الصاروخية المتنوعة وخلال عهدي الرئيس الراحل محمد حسني مبارك والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي .

   تحية لمصر العزيزة أرض الكنانة المباركة ولشعبها الأبي النقي البهي الطيب الكريم ولجيشها الباسل المغوار .

**كاتب المقال

كاتب وباحث فى الآثار

جمهورية العراق

ليلى … وحكاية الألف ليلة ..الفصل الرابع عشر ..بقلم : عبدالباري المالكي

بعد شهرٍ تقريباً … صاحبت حرارتي المرتفعة بعض الأعراض النفسية التي انتابتني بعدئذٍ ، والتي ولّدت شكوكاً لدى والديّ بسلامة عقلي ، وإصابتي بالجنون .

فخلال تلك الفترة …  كانت هيئتي وتصرفاتي اليومية تثير القلق لدى أهلي الذين كانوا لا يتورّعون عن إبداء شكوكهم سرّاً وعلانية  ، إذ كانوا يرجّحون أنّ طائفاً من الجنون قد مسّني ، ولم يفصل عن يقينهم هذا سوى أن يتأكدوا من ذلك بدليل جليّ .

إذ أصبحتُ أشعثَ الشعر وطويله ، كثَ اللحية ، غير مهندَم بملابسي ، فضلاً عن أنها جدّ ممزقة ، غير آبهٍ بشيء من ذلك القبيل ، مغايراً لِمَا كنتُ عليه في السابق .

وإضافة إلى ملبسي ، كان مأكلي ومشربي كذلك .

إذ لم أكن أطعم إلا القليل ، حتى إني أفوّّت طعام وجبة أو وجبتين على معدتي كل يوم ، ولا أشرب إلا ما يسد رمقي ،

رغماً عني ، لأني لا أشعر بشهية الأكل  .

كنتُ حينئذٍ قليل النوم ، سارح الفكر ، صامتاً على كل حال ، وإن تكلمتُ فإنما أكلّم ليلى في نفسي فحسب .

ثم إني كنتُ لا أنفكّ عن كتابة رسائلي لمعشوقتي ليلى ، الواحدة تلو الأخرى ، دون أن أشعر بقليلِ كللٍ ، ولا بطفيفِ مَللِ ، إذ كان يُخيَّل إليّ أني أرسلها عن طريق هدهدٍ خاص يلقي كتابي إليها كل يوم وكل ليلة ، كما كان يفعل  هدهد سليمان عليه السلام لبلقيس ملكة سبأ  .

وفي خضمّ تلك الأمور التي أحاطتني ، لم أكن أعبأ بقلق والديّ عليّ ، بل لم أكن أدري بما يرون مني ، ولا ما يسمعونه .

غير أن تلك الساعة كانت هي الحد الفاصل بين شكوكِ أبويَّ ويقينِهم .

ففي تلك الساعة … دخلت ليلى عليّ وأنا في غرفتي دون سابق إنذار ودون أن تطرق الباب ، في اللحظة التي كنتُ أتمنى زيارتها لي بفارغ الصبر .

وحين رأيتها … قمتُ لها إجلالاً ، وانحنيتُ لها إكباراً ، فمثل ليلى يجب على مثلي أن يقوم وينحني ، وأن يستقبلها كما يستقبل الأمراء نظائرهم .

وكنت  أغضّ البصر عنها كما يغضّ العامة أبصارَهم عن أميرتهم  حين تجوز بين الصفوف ، فأجلستها قبالتي كما يجلس الوافدون ، ورحتُ أرحب بها ، وأسألها عن حالها ، وأسترق منها نظرات العشق التي أذابتني بين يديها .

وكما هي عادة المستقبِلين … أعددت لها طعاماً وشراباً خاصينِ بأرباب الجلال والجمال ، ولم أسبقها في لقمةٍ حتى تمدّ يدها هي ، ولم أشرب من كأس حتى تشرب هي .

وتوالت أحاديثنا … وتطرقنا الى عشق لم يُخبَر به أحد ، ولم يُبتلَ به أحد بمثل ما ابتلِينا به نحن

بعدها توالت ضحكاتنا وقهقهاتنا التي كانت ترجمة حية وصادقة  لأعيننا ، وما يجول في أفئدتنا

وفي ذلك الوقت … ونحن في أشد حالاتِنا رومانسيةً ، وساعاتِنا حميميةً … دخل والداي بغتةً الى الغرفة وكأنهما كانا يراقبانني عن كثب ، فيشاهدان ما أفعل ، ويسمعان ما أقول .

لم تستطع أمي أن تكتم صرخة عالية أطلقتها ، وسقط أبي على ركبتيه جاثياً وهو ينوء برقبته من الذهول والحيرة . وحين رأيتُ ذلك المشهد الذي هما فيه ، أشفقتُ عليهما جداً لما رأيتُ ما بهما من شدَهٍ ، فسألتهما أن يدنوا منا ويسلّما على ليلى التي طويَت القفار لأجلي ، لكني حينها أشفقتُ على نفسي أضعافاً مضاعفة ، إذ عرفتُ أن لا وجود لليلى معي في غرفتي ، وإنما كان وهماً محضاً بدأتُ أعيشه من فرط ولَهي بها ، وبالقدر الذي حزنتُ فيه  على والديّ ، كنتُ بنفس القدر قد تيقنتُ أنني قد جننتُ لا محالة .

إحتضنتني أمي بكل قوة ، وهي تذرف الدموع بلا توقف ، وأبي كان يعيش حالة انهيار لا مثيل لها بسبب جنون ابنه الوحيد الذي انتظره لسنواتٍ كي يشبّ بين أبناء المحلة ، فيزفّه الى عروسه بيديه .

ولقد رأيته يلطم على رأسه وهو يقول :-  الآن قد تيقنّا من جنون يوسف .

لا أستطيع أن أصف لكم — أيها السادة — تلك الساعة التي تيقّن فيها والداي من جنوني ، وهما يحاولان أخذي الى أحد الأطباء النفسيين … كما لا يسعني أن أصف لكم أيضاً حالة الخوف التي اعترتني من أن قد أساق بعد ذلك الى مشفى المجانين ، فتنقطع بي السبل عن رؤية معشوقتي الأبدية ليلى ، لاسيّما أن والديّ وجدوا رسائلي تحت وسادتي ، وهي التي ظننتُ أني قد أرسلتها الى ليلاي بأجنحة الطير الساربة كل نهار وليلة . فأجهشت أمي بالبكاء ، وعلا نحيبها وهي تقرأ إحدى تلك الرسائل على مسمع أبي الذي لم يعد يعرف طريقاً للخلاص مما أنا وهو فيه :-

(أميرتي النبيلة …

ولقد أرسلتُ إليك ِ رسلاً تترى …

فمنهم من أوجزَ فأبلَغ ، ومنهم من اجتهدَ ففصَّل ،

ومنهم من ألقى كتابي وتولّى ، ومنهم من جثا على ركبتيه وانتظر .

فما كان من أمركِ إلّا أن قابلتِهم بالصمت ، وازدريتِهم باللّمز ، وكأنّي ما أرسلتُهم إليكِ  ، ولا كتباً ألقيتُ عليكِ ، ولا بأحرفي إيّاكِ عنيتُ ، فلمّا طال بقاؤهم بين يديكِ من دون طائل ، وزاد مكوثهم في مجلسكِ من  غير نائل ،  همّوا بالعودة مسرعين ، يخبّون الصحراء خبّاً ، ويستهدون بأنجمها شرقاً وغرباً ، فلما علمتُ بقدومهم ، استقبلتُهم على أبواب مدينتي شوق الظامئ لقطرةِ مطر ،  تعجّلاً منّي  لمعرفة جوابكِ ، وأمَلاً  عندي في ريحِ ثيابكِ ، ولقد أذهلَني أنّهم جميعاً عادوا خالي الوِفاض .

والسلام …)

في اليوم التالي كان لنا موعد ضربه لي أبي مع طبيب نفسي حاذق في شارع (المغرب) في بغداد .

إنتظرتُ مع أمي في صالة العيادة ، ودخل أبي بمفرده غرفة الطبيب ، وقد أخبره عني كل شيء ، على أملٍ منه أن يمنحني الطبيب جرعة دواء ، تعيد لي سابق عقلي الذي ضاع .

بعد فترة قصيرة … أدخلوني على الطبيب .. فأجلسني هو على السرير الخاص بالمريض بكل احترام ، وجلس قبالتي …

قال لي الطبيب :- إذن … أنت تعشق ليلى … فدعني أسألك أيها العاشق  ، لماذا عشقتها الى هذه الدرجة من الهيام ؟

قلت :- ياسيدي … لأنها ليلى … ومثل ليلى لا تتكرر في دهرٍ مرتين .

قال :-  ألم يكن بالإمكان أن تعشق امراةً غيرها ؟ لاسيّما أنها  هجرتكَ ياولدي .

قلت :-  ياسيدي … إن ليلى هي جميع النساء ، فلا امرأة تكون دون أن يكون فيها من سحرها شيء ، ولا لها أن تطيب دون أن يكون لها من عطرها عبَق .

قال :- وهل تعشقكَ هي ؟

قلت :- لم يعد مهماً أن تعشقني هي أو لا  …

نعم ياسيدي … كنتُ في ما مضى أسأل نفسي وأصحاب الحكمة والخبرة عن عشقها لي ، وكنتُ أمضي سنواتي بالحيرة والخوف ،  إذ كنتُ أفتش عن برهان يريحني ، ويطيّب خاطري ، ولم أحصل على جواب مقنع ،  ، حتى تغلغل عشقها في دمي ، ونفذ في كل جزيئاتي ، فلم أعد قادراً على أن أتقي عشقها ، ولا أن أتنحى عنه قيد أنملة .

قال :- يبدو أنك عاشق لا كغيركَ من الرجال ، دفقتَ عشقاً .

ولا هي كغيرها من النساء تجلّت حسناً .

فكما يبرع الصائغ في صياغة قلادةٍ ما ، فقد برعت الحياةُ في جمالها ، وأبدعت في عشقكَ .

قلت :- صدقتَ ياسيدي ، لقد خامرت أزهار الربيع قلبها ،   وعاشر نور القمر وجهها ،  وصاحبت قطرات المطر روحها ، فطهرت هي بأشعة الشمس ، حتى إذا بلغت مبلغها من النضج ، إشرأبّ لها عنقي رجاءَ الوصول الى ذلك النبل والطهر الذي فيها .

قال :- إن الأشواق لترتوي من حسنها ، فتنبت في قلبك النبيل ،  فإذا سقطت قطرة من تلك الأشواق في نبعٍ ما  ،  إنفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، من حيث تدري ومن حيث لا تدري .

قلت : – وكيف لا يكون ذلك ياسيدي …؟

فليلى لا تغيب عن ناظريّ ، فأينما أولِّ وجهي في هذا الفضاء الوسيع فثمّةَ تجليات لها فيه .

قال متعجباً : – تجليات لها  ؟

قلت :- نعم … تجلّياتها في كل زاوية من زوايا هذا العالم … في سمائه ونجومها ، في شجره وأوراقها ، في أبحره وأمواجها، في أرضه وباطنها ، في ناره وأوارها ، في النفس وأسرارها ، والطيور وأعشاشها ، والعصافير وزقزقاتها ، بل هي في كل حجرٍ ومدر .

قال :-  فأين تجد وجهها ؟

قلت :- إني أنظر الى السماء فأجدها مرآة لوجهها ، وأرى القمر تجلٍّياً لنور ذلك الوجه ، حتى كأن النجوم قد تناثرت كحبات لؤلؤ على جيدها فانعكست أنوارها على  جميع الكائنات وهي ترى ذلك الانعكاس بكل تجلٍّ .

قال :- وأين تجد شفتيها ؟

قلت:- أراها متجلّية في  ورود الأقحوان بألوانها المتعددة .

قال :- وأين تجد أجفانها؟

قلت :- متجلّية في أزهار البنفسج .

قال :- ووجنتيها ؟

قلت:- متجلّيةً في حمرة الشفق .

قال :- وخصلات شعرها ؟

قلت :- أراها متجلّية في سنابل القمح الصفراء .

قال :- وبراءتها ؟

قلت :- في أزهار الياسمين البيضاء .

قال :- ومَيسها ؟

قلت:- متجلّياً في الظباء  .

قال :- وغنجها ؟

قلت :- متجلّياً في تبختر الطاووس .

قال :- وأين تجد نرجسيتها ؟

قلت :- متجلّيةً في أزهار النرجس  .

قال :- إذن شغلتكَ ليلى بأثيرها عن كل الآفاق ؟

قلت :- نعم ياسيدي … فما رأيتُ الشمس إلا تجلّياً لروحها المتوهجة ، وما وجدتُ نسيمَ الهواء إلا تجلّياً لشفافيتها ،

والمطرَ إلا تجلّياً لندى شفتيها ، والسحاب إلا تجلّياً لما تضمره من خير للناس ومحبة ، ثم إن جريان الأنهار هو الآخر تجلٍّ لهدوئها .

قال:- وماذا جنيتَ من هذه التجلّيات أنتَ ؟

قلت :- رأيتُ وجهها في  الفجر ، فأخذتُ منه بريقاً ما لا يخبو فيه فؤادي ، ووجدتُ شبابها في الربيع الأخضر ، وقد أخذتُ منه وهجاً ما لا أشيخ به أبداً ، وقد حوّطني عشقها من كل جانب فمنحتني هي منه ما أروي به ذاتي مادمتُ حياً ، فكأنّ النار المضطرمة انعكاس لعشقها .

ولا أكذبكَ ياسيدي … لو أخبرتكَ أن الذهب المصفى قد تكوّنَ من معدنها الأصيل ، والفضة قد صيغت من نقائها ، حتى هالني من أمرها مالم أتمكن من تفسير ولا تأويل مفاتنها .

قال : – حسبكَ ياولدي … فقد أخذت ليلى منك كل مأخذٍ ،  واستوت على فؤادك كالقصاب حين يستوي على جسد ذبيحته لينحرها وهي مستسلمة لسكّينه .

قلت : – نعم ياسيدي ، لقد استوت ليلى على قلبي وكل جوارحي ، واستوت على روحي وجسدي ، فلا حيلة لي منها ، ولا طاقة لي عنها .

قال :- أي فؤاد ذلك الذي تضمه بين أضلاعكَ حتى أهالكَ الى جمرة من الفحم ناطقة ؟

قلت : –  لا مناص لي من الفرار .

قال :- فمتى تهجع ياولدي ؟

قلت :- إني أجد هجيعي من الخيالات المستحيلة عليّ ، خلاف أولئك العشاق الذين  يجدون هجيعهم خيالاتٍ  ممكنة ، حتى أصبحتُ وأمسيتُ لا أرى سوى ليلى ، فلا سِنة تأخذني حتى يزورني طيفها ، ولا كرى ينتابني حتى يفيقني صوتها ، فما لي من نصيب من الرقاد ، سوى الأرق والسهاد ، حتى أُحِلْتُ الى إهابٍ متفحم لا يضمّ إلا أضلاعاً متجمرة .

قال :- ياولدي … ليتني أملك بساط الريح ، فأستقلّه ، فيمضي بي سريعاً كالبرق الى ليلى ، فآتي بها إليك ، تنعم بما فيها من جمال ،  وتتلذذ منها بالأجمل .

قلت :- إنها عندي مثل قطعة ماسٍ ، لا شيءَ فيها أجمل من شيء .

قال :-  أهي رسالتك الفريدة العارفة بأسرار كلماتكَ ؟

قلت :- نعم … فما رسائلي المكتوبة تلك إلا مجرد دواة تُخَط في قرطاس .

قال :-  فما أظنها — ياولدي — إلا أنها  قد حكمت على قلبكَ بالشقاء ما حيِيَ ، وعقلكَ بالجنون مادام ، وجسدكَ بالفناء مابقيَ .