يشير الخطابُ السرديّ لرواية ” وكان أمرًا مقضيّا ” إلى دلالاتٍ لروائيّ ٍ وكاتبٍ ذي انعطافةٍ دينيّةٍ رحبة، وذي بلاغةٍ منهجيّةٍ رفيعة المستوى وثقافةٍ واسعة الخطوات اﻷدبية تخاطب المتلقّي بكلّ هدوءٍ كالهدوء الذي يسبق العاصفة ! وبالتدريج تشتد رياحها العاتية عبر أحداث الرواية المثيرة، ومع إختلاف السياقات والتراكيب ، وتعدد الاتجاهات للرواية المتشعبة الفصول كان هناك رابطٌ خفيٌّ يشير لشدّ بعضها ببعض يستنطق بنية السّرد الروائي الممتع، وحدسيّة الفكرة، في حالةٍ من الفرّ والكرّ ! فتراهُ بين القلب والعقل في حالةٍ من الانتقال السريع عبر زمن الحدث وأخيلة المؤلف وأحداث الرواية؛ ليخوض القارئ فيها تجربةً من أصعب تجارب القارئ بالانقياد اللا شعوري خلف أحداث الرواية، بعيدًا عن سلطان الغفوة والغفلة سابحًا على شطوط الرواية شطًّا شطّا، في انفتاحيةٍ ذهنيّةٍ على أدقّ وأصغر تفاصيل الرواية، فتجتمع لديه القابلية النفسية والعقلية لمتابعة قراءة الرواية وعبر أحداثها المثيرة للغاية، والتي تُخفي في نهاياتها المزيد من التساؤلات لدى القارئ والمزيد من محاولات البحث والتنبيش عن خفاياها .
فهناك صراعاتُ الماضي المؤلم، وهناك اﻷحداث الآنيّة المعاصرة المحمّلة بأثقال المهام لشخصيات الرواية، وهناك المستقبل المعتم المجهول الذي ينتظرهم، وهناك القليل من البسمات والتي سرعانَ ما يداهمها إعصارٌ مدمّرٌ جالبًا معه زفرات اﻷحداث الحارقة التي سطرتها الرواية .
ويلاحظ في الرواية براعة الكاتب في الوقوف على عتبات النّصّ الروائي، ورسم المواقع الاستراتيجية للعمل الأدبي الروائي المتميز، والمشبّع بالدّلالات
التعريفية والبعيدة عن الرمزية في عملية تطويرٍ وتسخيرٍ بارعةٍ للسرديات الروائية عبر محطاتٍ وعتباتٍ عدّة سيراها القارئ الكريم في بطن الرواية غاص فيها المؤلف لأعمق اللجج التي كان حصادها :
• تضحياتٌ وإيثار لزوجةٍ صالحة.
• إقطاعٌ وظلمٌ للفلاحين.
• ثورةٌ رافضةٌ للملكية .
• إنبثاق عصر الجمهورية.
• مناهضة أهلُ المصالح للنظام الجمهوري.
• جبروت العشيرة وتقاليدها العمياء .
• عقدٌ نفسيةٌ وتمرّدٌ على طاعة الله.
• حياة أرملةٍ تائهة واستهتارٌ إنسانيٌّ وأخلاقي .
• جعجعاتٌ فكريةٌ وتناقضاتٌ في المواقف .
• صراعٌ عرقيٌّ تاريخيٌّ وديني .
• نبذ الحروب والعرقية ، والمطالبة بإصلاح الوضع حقنًا للدماء والنفوس .
• ” قحطان ” الحلقة اﻷصعبُ في الرواية ، والضحية الكبرى والحدث المؤلم للقارئ ، إنّه البحث عن الذات، بعد صدمة تلك الأم المتبنية له واعترافها بالحقيقة المرة دون أن تفكّر فيما سيحلّ به من دمارٍ نفسيّ ٍ واجتماعيّ ٍ وعذاباتٍ تهدّ شخصيته الشابة الطموحة ومستقبله الذي بناه بجهده وتعبه ليصل إلى ما وصل إليه من المكانة العلمية .
أترك للقارئ الكريم بقية التفاصيل الكلية لهذه الرواية المؤلمة والمثيرة ففيها الدروس والعِبر بما فيه الكفاية لعملية إصلاحٍ إجتماعيةٍ لظواهر سلبيةٍ باتت تهدّد مجتماعتنا وأجيالنا أهداها لنا قلم روائيّ ٍ وأديبٍ بارزٍ من أكبر اهتماماته كرامة الإنسان .
الزمان المصرى 