الأرشيف اليومي : 8 مارس، 2021
بالصور.. ندوة بـ”مكتبة مصر العامة” لمناقشة مؤلفات “إنجي الحسيني”
الدكتور عادل عامر يكتب عن : دور العمل الاهلي في مصر
يعتبر العمل الأهلي في مصر من الأعمال العظيمة التي تركت بصماتها على كثير من مناحي الحياة في مصر، وكانت تسهم في مؤازرة جهود الدولة في تلبية الاحتياجات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. إن القانون الجديد لتنظيم العمل الأهلي 149 لسنة 2019 فرصة جيدة لإعادة تنظيم عمل هذا القطاع بشكل يُسهم في عملية التنمية المستدامة من خلال شراكة حقيقية ومؤسسية مع مؤسسات الدولة، تقوم على المشاركة في صنع السياسات العامة منذ مراحلها الأولى
إن بناء الدولة الوطنية القادرة على مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها يستدعى تطوير علاقات صحية بين المجتمع السياسي (السلطة) وبين المجتمع المدني أو الأهلي (المواطنين) حيث يجب أن تتميز الأدوار بينهما بوضوح واحترام، ويجب العمل بجهد ودأب على تعزيز المواطنين الذين يرمز لهم برأس المال الاجتماعي الذى يمثل 40% من رأس المال المطلوب لتحقيق التنمية،
وتعتبر المنظمات الأهلية هي العمود الفقري لتعزيز رأس المال الاجتماعي وتشكيل مناخ يتبنى قيمة المواطنة ويكون لدى مؤسسات المجتمع المدني حرية العمل في المجال العام بإبداع وجرأه في تناول القضايا ومواجهة التحديات الهامة للمجتمع دون خوف أو تملق أو محاباة، كما أن المجتمع المدني يجب أن يعمل في إطار ضوابط الصالح العام في المجتمع ولا يخضع إلى الصالح الخاص..
إن بناء الدولة القومية في هذا الاتجاه يسهم في تبنى أن يكون له دور أساسي في بناء الدولة الحديثة، لذا نرى أهمية دور المنظمات الأهلية في بناء الدولة القومية وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة باعتبار أن هذه المنظمات شريك فاعل وعمود أساسي مع أجهزة الدولة في مواجهة التحديات والقضايا الأساسية التي تواجهه الدولة
لعبت الجمعيات الأهلية في مصر دورًا رعائيًا كبيرًا منذ نشأتها، تطور بتطورها. فالعمل الخيري كان أحد الأهداف الرئيسة للجمعيات الأهلية في مصر تاريخيًا منذ نشأة الجمعية الخيرية الإسلامية 1878 وجمعية المساعي الخيرية القبطية 1881 وحتى يومنا هذا.
اهم مزايا القانون الاهلي
– توحيد الجهات المنوط بها الإشراف على مؤسسات المجتمع المدني في جهة إدارية واحدة.
– إلزام الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على مؤسسات المجتمع المدني، بإنشاء قاعدة للبيانات تقيد فيها جميع مؤسسات المجتمع المدني وأنشطتها وبرامجها ومصادر تمويلها.
– للجهة الإدارية التصريح للأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية المصرية أو منهما معا بإطلاق أو تنفيذ مبادرة أو حملة لتنفيذ نشاط معين من أنشطة العمل الأهلي المصرح للجمعيات بتنفيذها وفقاً لأحكام هذا القانون. – بما لا يجاوز نسبه 25% من عدد الأعضاء، يحق لغير المصريين ممن لهم إقامة قانونية دائمة أو مؤقتة في مصر، الاشتراك في عضوية الجمعيات أو مجالس إدارتها.
– للوزير المختص الترخيص لأي من الجاليات الأجنبية في مصر إنشاء جمعية تعنى بشئون أعضائها، بشرط المعاملة بالمثل.
– بناءً على ترخيص الوزير المختص، بعد تقديم طلب، يجوز للجمعيات فتح فروع لها خارج جمهورية مصر العربية، وفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
– بناء على ترخيص من الجهة الإدارية، للجمعيات أو لغيرها تخصيص أماكن لإيواء الأطفال والمسنين والمرضى بأمراض مزمنة وغيرهم من المحتاجين إلى الرعاية الاجتماعية والأشخاص ذوي الإعاقة.
– إلزام الجمعيات بفتح حساب بنكي في أحد البنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزي.
– منح الجمعيات الحق في تلقي الأموال النقدية من داخل الجمهورية من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو منظمات أجنبية غير حكومية مصرح لها بالعمل داخل مصر.
– السماح لكل من وجه الدعوة للجمهور لجمع التبرعات النقدية والعينية بخلاف مؤسسات المجتمع المدني التصرف في هذه التبرعات بعد الحصول على تصريح بذلك من الجهة الإدارية.
– يحق قبول وتلقي الأموال والمنح والهبات من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو أجنبية من خارج البلاد أو من أشخاص طبيعية أو اعتبارية أجنبية من داخل البلاد، بعد إخطار الجهة الإدارية وعدم اعتراضها خلال المدة المحددة، وتعتبر موافقة إذا انقضت المدة.
– إلزام الجمعية بالنزاهة والشفافية والإفصاح والإعلان عن مصادر تمويلها وإتباع قواعد الحوكمة والإدارة الرشيد على أن يتم الإنفاق في الأغراض المخصصة لها، ولها أن تستثمر فائض إيراداتها على نحو يضمن لها الحصول على مورد مالي ملائم أو أن تعيد توظيفها في مشروعاتها الإنتاجية والخدمية لدعم أنشطتها. – يجوز للجمعية تأسيس أو المساهمة في تأسيس شركات وصناديق استثمار خيرية ترتبط بأنشطتها وبما يحقق الاستثمار الآمن لها، واستثمار العائد لتحقيق الاستدامة المالية لأنشطة الجمعية.
– للوزير المختص التصريح للمنظمات الأجنبية غير الحكومية بممارسة نشاط أو أكثر من أنشطة الجمعيات والمؤسسـات الأهلية الخاضعة لأحكام القانون المرافق وفقا للقواعد المقررة فيه لمدة محددة يحددها الوزير في ذات التصريح. ونصت المادة “17”من القانون على: مع عدم الإخلال بأية مزايا منصوص عليها فى قانون أخر، تتمتع الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات المنشأة وفقاً لأحكام هذا القانون بالمزايا الآتية:
1- الإعفاء من رسوم التسجيل والقيد التى يقع عبء أدائها على الجمعية فى جميع أنواع العقود التى تكون طرفاً فيها كعقود الملكية أو الرهن أو الحقوق العينية الأخرى وكذلك من رسوم التصديق على التوقيعات. 2- الإعفاء من ضرائب ورسوم الدمغة المفروضة حالياً والتى تفرض مستقبلاً على جميع العقود والتوكيلات والمحررات والأوراق المطبوعة والسجلات وغيرها والتي يقع عبؤها على الجمعية.
3- إعفاء العقارات المبنية المملوكة للجمعية من جميع الضرائب العقارية، على أن يقتصر حق الجمعية فى تملك العقارات، على العقارات التى تمكنها من تحقيق أغراضها فحسب ولا يسمح لها بتغيير النشاط إلا بموافقة الوزير المختص.
4- اعتبار التبرعات التي تقدم للجمعيات تكليفاً على دخل المتبرع بما لا يزيد على (10%) من صافى دخله.
5- الاعفاء من الضرائب الجمركية والرسوم الأخرى المفروضة على ما تستورده من عدد وآلات وأجهزة ولوازم إنتاج وسيارات، وكذا ما تتلقاه من هدايا ومعونات من الخارج، وذلك بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير المختص وعرض وزير المالية، وبشرط أن تكون هذه الأشياء لازمة لنشاطها الأساسي.
ويحظر التصرف في الأشياء المعمرة منها التي تحدد بقرار من الوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية، وذلك قبل مرور خمس سنوات ما لم تسدد عنها الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة عليها.
6- أن تعامل بشأن استهلاك المياه والكهرباء والغاز الطبيعي معاملة الاستهلاك المنزلي بشرط استصدار شهادة من الوزارة المختصة بعدم ممارسة نشاط تجارى.
وقد بدأت كثير من الجمعيات التي تأسست بدافع العمل الخيري في العقود الأخيرة تغير من رؤيتها وتتجه إلى العمل التنموي أو تجمع بين الاثنين بدرجة أو بأخرى. وعلى أية حال، فإن الفكر التنموي الحديث يعول على دور فاعل للجمعيات الأهلية في التنمية في إطار شراكة مؤسسية مع الدولة والقطاع الخاص. وفى هذا الإطار يصبح السؤال المحوري الذي يطرح نفسه، إذا كنا نبحث عن هذا الدور الفاعل والمؤثر، والذى تمت الإشارة إليه بوضوح في رؤية مصر 2030،
وجدير بالذكر أن هذه الجمعيات تعمل في الغالب من خلال شبكة من الجمعيات القاعدية الصغيرة والمتوسطة، كما أنها تتمتع بمصادر تمويل متنوعة ومتدفقة سواء من الداخل عبر تبرعات رجال الأعمال والزكاة أو عبر التمويل من جهات مانحة دولية سواء حكومية أو غير حكومية.
وفي إطار السعي للتفكير في مستقبل الدور التنموي للجمعيات الأهلية عبر الشراكة مع الدولة لابد من النظرة النقدية لمنهجية الجمعيات الأهلية الكبيرة والتي تقدم خدماتها سواء الخيرية والرعائية أو التنموية في محافظات متعددة. والحقيقة أن أهمية ذلك ليس مرتبط بطبيعة النشاط من عدمه ولكنه مرتبط بقدرات هذه الجمعيات وامتداد تأثيرها والذى يجعلها تُمثل تيارًا رئيسًا في العمل الأهلي في مصر، يصبغ ما حوله بصبغته. ويمكن الإشارة إلى مؤشرات ذلك كالتالي:
اتساع النطاق الجغرافي لنشاط هذه الجمعيات ليشمل عدد من المحافظات مع تركيز أكبر على محافظات الوجه القبلي وهى المحافظات الأكثر فقرًا.
الموارد المالية الضخمة لهذه الجمعيات سواء كانت تبرعات داخلية من أفراد أو رجال أعمال أو منح من منظمات دولية وجهات مانحة حكومية وغير حكومية.
والتي تتمثل في وضع الأجندة تحديد الأولويات مرورًا بالتخطيط ثم التنفيذ وأخيرًا المتابعة والتقييم. إن النجاح في الوصول لمثل هذه الصيغة كفيل بإحداث ديمقراطية حقيقية في عملية صنع السياسة شريطة أن يكون الإطار المؤسسي للشراكة مفتوح لكل من يريد المشاركة، وأن يتم وضع معايير موضوعية لتشكيل مثل هذه الأطر المؤسسية للشراكة.
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :الحوار لازال قائم وايضا الامل …!
الدكتور عادل عامر يكتب عن : نشر ثقافة التسامح والحوار مع الآخر
إن قوة المؤسسة والإعلامية بوسائلها المختلفة تكمن بمدى تأثيرها في نفوس المتلقين وفقا لما سنته الشريعة السماوية السمحاء، وهذا ما دفع الباحث إلى تسليط الأضواء على الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام العراقية تحديدا في نشر ثقافة التسامح واللاعنف بين أطياف وشرائح المجتمع كافة.
إن التاريخ الإنساني عبر الزمن حافل بالإبداعات المعرفية التي انعكست معطياتها على إبداعات الفكر الإنساني، وقد ساهمت تلك الابداعات بصورة جلية في إنتاج تحولات نوعية عن طريق التقدم والتنوع والتطور الحضاري والفكر الإنساني .
عصفت بالمجتمع العربي جملة من الأزمات والتحولات على مر تاريخه السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي … وما نتج عن هذه الأزمات من تداعيات أثرت سلبا على بنية المجتمع العربي عامة والشخصية العربية بشكل خاص ،
فأظهرت الأيديولوجيات المعادية هذا المجتمع وهذه الشخصية عبر وسائل الاعلام المختلفة أنها شخصية عصبية وانفعالية وذات مزاج حاد وغير مرنة والتي أصبحت لغزا للباحثين والمهتمين بدراسة الشخصية من أجل التعرف على ماهيتها التي تنطوي أصلا على طرفي نقيض بين الصلابة واللين .
إن دور المؤسسة الاعلامية في الواقع هو نشر الحقيقة دون تزييف ومن أبرز هذه الحقائق هو نشر ثقافة التسامح والحوار مع الآخر في حالة ظهور الأزمات والصراعات داخل المجتمع الواحد من التصدي لكل ما يمكن يؤدي بالمجتمع إلى حالة من التصدع والانحلال .
إن تكنولوجيا الاتصال ووسائل الإعلام في مجتمع اليوم ينظر إليها على أنها نهر عظيم يغذي الأرض التي ينساب عليها من خلال تنفيذها للرسالة الملقاة على عاتقها دون انحرف أو تحيز، وفي أغلب الأحيان يجد الإعلام أرضا خصبة وبيئة ملائمة تمكنه من تحقيق أهدافه
. ووفق آلية معينة تعمل وسائل الإعلام وبشكل خاص التلفزيون (شاغل الدنيا والعصر) كما يصفه أغلب المفكرين فهو يحدث تغييراً تراكمياً عبر الزمن إذ يؤدي فيما بعد إلى جعله حقيقة واقعة لابد من الاعتراف والتسليم بها. وصولاً إلى دور المؤسسة الإعلامية في نشر ثقافة التسامح .
وعبر وسائلها المتعددة كونها ذات تأثير فعال ومباشر على عموم البناء الاجتماعي في سياق عملية الاتصال والتواصل والتأثير والتأثر. وثقافة التسامح تعني ثقافة التعايش السلمي والتشارك المبنية على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية والسلام والتضامن، وهي ثقافة ترفض العنف وتعمل لتثبيت الوقاية من النزاعات في منابعها وحل المشكلات عن طريق الحوار والتضامن
والمفاهيم الأخرى لثقافة السلام يكون الهدف الأساس هو أن يعيش العالم بمختلف ثقافاته في جو من التسامح والوحدة، وبما أن السلام هو هدف الأديان السماوية وهو مفهوم لدى كل فرد من أفراد المجتمع، فلابد من المطالبة به ولابد من وجوده في المجتمع وإتاحة الفرصة لكل فرد أن يبذل مجهوداً من أجل السلام والتعايش السلمي، بما في ذلك تلك الإدارة الأهلية التي تدير شؤون المجتمع ولها القدرات في تنشيط فكر التربية والسلام في المجتمع والجوانب الحياتية المختلفة.
ومن ناحية ثالثة يعرف مفهوم اللاعنف اجتماعيا على أنه ضرب من ضروب الوعي الاجتماعي والثقافي الذي يجعل الفرد يعترف بحقه وحق الآخرين عليه. وهو استراتيجية اجتماعية سياسية في آن واحد تنبذ استخدام العنف من أجل تحقيق أهداف أو من أجل تحقيق تغيير سياسي
والتسامح هو كلمه متداولة تستخدم للإشارة إلى الممارسات الجماعية أو الفردية تقضي بنبذ التطرف أو ثقافة السلام هي الغاية التي ينبغي الوصول إليها بأن يكون السلام من الثقافة العامة للناس، وذلك لأن الثقافة هي أسلوب الحياة السائد، في أي مجتمع بشري وهي التي تميز المجتمع البشري عن المجتمعات الحيوانية. وأن ثقافة السلام مرتبطة إلى حد كبير بالتعرف على مصادر العنف وإزالة أسبابه فملكة الحوار والإصلاح لا يعنى فقط الديمقراطية والتعديلات لاحقة كل من يعتقد أو يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها الآخر.
فالتصور الأول ينطلق من أن السلوك الأخلاقي لا يرمي إلى مجرد ضبط العلاقات الإنسانية بحسب مدونة إجرائية تضمن لهم العدل والتكافؤ، بل يهدف إلى غاية أسمى هي تحقيق رغبة الإنسان الطبيعية في العيش السعيد والحياة الفاضلة. ومن هنا القول بتماهي الخير (أي الأخلاق) والقيمة الأسمى (أي السعادة). فأرسطو يعرف الخير في كتابه (الأخلاق النيماخوية) بأنه ما يبحث عنه البشر، وما يشكل غاية قصوى لأفعال الناس: (أنه ما تنزع إليه الأشياء أجمعها). ولكن إذا كانت الخيرات متعددة، فما هو الخير الأسمى؟
يجيب أرسطو بالقول: إنه السعادة، لأنها الخير المطلق المطلوب لذاته، فهو الغاية القصوى للإنسان.
بيد أن السعادة ليست مفهوماً ذاتياً أو نفسياً، وليست رغبة أو منفعة، إنها حسب تعريف أرسطو (تحقيق الفضيلة)، ليس بمعنى التزام قاعدة قانونية أو ضوابط إجرائية، بل الانسجام مع الطبيعة الإنسانية ذاتها، أي السعي لتحقيق السلوك الذي يضمن اكتمال وتحقق الإنسان. وإذا كان للأخلاق مدونة سلوكية، إلا أنها ليست قانونية ضاغطة، فالأساس فيها هو المثل والغايات القصوى.
أما التصور الكانتي، فيستبدل أخلاق السعادة بأخلاق الواجب، والتصور الغائي للسلوك الأخلاقي بالتصور الإجرائي له، ومن ذلك يبلور الخلفية الفلسفية للتصورات القانونية الحديثة القائمة على مفهوم (استقلالية الذات) في مواجهة التصور الأنطولوجي للطبيعة الإنسانية (أي القول بطبيعة إنسانية مطلقة ومكتملة على السلوك الأخلاقي أن ينسجم معها. ففي كتابه (أسس متيافزيقا الأخلاق) يحدد الفعل الأخلاقي بأنه ما ينسجم مع (القانون الأخلاقي) أي (الواجب)، وهذا يعني ذلك أن مصدر الفعل الأخلاقي ليس مدى تلاؤمه مع غائياتنا أو سعادتنا ولا مصالحنا بل مع المقوم الكوني لإنسانيتنا كما يترجم في واجبات شاملة تتخذ شكل قوانين ملزمة موضوعية وغير ذاتية. وهكذا تفضي التصورات الكانتية إلى نتيجتين هامتين، لهما أثر حاسم في الفكر القانوني والسياسي الحديث والمعاصر:
أولاهما: إناطة الفاعلية الأخلاقية بالقوانين، التي أصبحت لها استقلاليتها عن دائرة الحكم، ومن هنا فكرة استقلالية السلطة القضائية في جهاز الدولة الحديثة.
فالقوانين من هذا المنظور هي مدونات إجرائية تعبر عن الجانب القيمي المتعلق بالمجال العام، إنها أكثر من تشريعات، بل تتسع لتشمل جوانب مختلفة ومتنوعة من الحياة الأخلاقية للأفراد.
ثانيهما: بناء الشرعية السياسية على المقوم الأخلاقي بمفهومه الحديث أي الحرية بصفتها إرادة ذاتية تنزع للكونية وذلك بإقامة مؤسسات كلية.
إن هذا التصور الأخلاقي بالمفهوم الحديث (التعبير عن الحرية إجرائيا في قوانين كلية) هو الأساس النظري والمرجعي لنظرية العقد الاجتماعي ومن الواضح أنه يرتكز على مصادر تناسب أخلاق الواجب مع التشريعات المدنية، ويتأسس على مرجعية العقل بصفته إطار الكونية الإنسانية.
فما أراده جون رولز هو إعادة الاعتبار للتصورات الإجرائية الشمولية للقيم من دون اللجوء إلى مقوماتها الميتافيزيقية. ولذا فإنه لا يقدم نظرية العدالة التوزيعية كفلسفة أخلاقية بل يعدها نظرية سياسية لا تطمح إلى بلورة أسس جوهرية للفعل الأخلاقي، وإنما تكتفي بالكشف عن المبادئ الناظمة للعدالة داخل مجتمع تعددي جيد التنظيم، تتصارع فيه وتتعايش مختلف تصورات الخير الجماعي
فرولز ينطلق في نظريته للعدالة من تعريف المجتمع بصفته (نسق التعاون الاجتماعي القائم على الإنصاف). ولفكرة التعاون ثلاث خصائص أساسية هي: أنه نمطٌ من الترابط تحكمه قواعد وإجراءات دقيقة يقبلها الجميع، يضمن الإنصاف بين المتشاركين بما يقوم عليه من تكافؤ في الحقوق والفوائد، يتضمن فكرة الفائدة العقلانية التي تختلف عن المنافع الفردية الضيقة.
ومن هنا يصبح هدف نظرية العدالة هو تحديد صيغ التعاون الاجتماعي الضامنة للإنصاف وذك بتعيين الحقوق والواجبات الأساسية التي تضعها المؤسسات السياسية والاجتماعية مع تحديد نمط وضوابط تقسيم المنافع المترتبة على التعاون الاجتماعي.
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان