الفقر ظاهرة اقتصادية اجتماعية اثرت علي الوطن العربي ..دراسة يكتبها الدكتور عادل عامر  

مقدمة  

الفقر ظاهرة عالمية عرفتها وتعرفها كل شعوب الأرض، وقد لا تخلو منها دولة من الدول، ولا مدينة من المدن. تنخر في خلايا المجتمعات فتساهم في خلق الكثير من الآفات: سوء التغذية، الأمراض، والجهل. وأصبح ممكنًا قياس هذه الظاهرة، وأصبحنا نضع تعاريف للفقر، والفقر المدقع، وخط الفقر، والفقر الأدنى، والفقر الأعلى، ومع هذا هل هناك مفهوم ومقياس واحد للفقر؟ ولخط الفقر؟ أي هل الفقر في السودان يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقر في إسرائيل أم في كندا؟ أو في الولايات المتحدة الأميركية؟  

 أو أن ذلك قد يختلف من دولة إلى دولة ثانية؟ ما هي العوامل التي تساهم في عملية الفقر في دول عربية؟ ما هي آثار الفقر؟ وما هي بعض الحلول المقترحة للخروج من هذا المأزق الكبير المتنامي؟  

بداية نود أن نشير إلى أن متوسط دخل الفرد في إسرائيل يوازي مجموع دخل الفرد في عشر دول عربية ويزيد (3280 دولاراً)  

ولكن هل هذا يعني أن كل الاسرائيليين أغنياء، ولا يوجد في إسرائيل فقراء؟! هل هذا يعني أن كل أفراد المجتمعات العربية في الدول العشر المذكورة آنفًا هم فقراء، وهل تفتقد هذه المجتمعات إلى مواطنين متوسطي الحال، أو مواطنين أغنياء.  

لن نقف عند القضية التقنية، أي لن نبحث بمقاييس خط الفقر، والفقر الأعلى، وفجوة الفقر، أو عند قياس مستويات المعيشة، وتصنيف الأسر والسكان، ما يهمُّنا هو عرض بعض أوجه هذه الظاهرة وآثارها، أي علاقتها بالمرض، والجهل، والجوع.  

إن موضوع الفقر متشعب جداً، ذلك أنه حين تريد الكتابة في الفقر تجد نفسك ملزماً الكتابة في الاقتصاد وفي الاجتماع، في الناتج المحلي، في السكان، في البطالة، في العمالة، في الأمية، في الصحة، في الدَين العام، في الموازنة العامة، باختصار، لا يوجد ميدان إلا ونجد أنفسنا ملزمين خوض غماره إذا أردنا أن نوفِّيَ الموضوع حقه. في هذا البحث سنتناول نقاطًا محددة.  

ما هو مفهوم الفقر؟ ما حجمه في دول عربية ودول غربية؟ ماهي بعض أسبابه؟ ماهي بعض آثاره؟ وما هي بعض الحلول المقترحة؟  

أولاً: مفهوم الفقر  

تعرّف المنظمات الدولية الفقر على “أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، وكل ما يعدُّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة”. واتسع هذا المفهوم واصبح أكثر شمولاً خصوصاً بعد قمة كوبنهاغن العام 2006 التي شدَّدت على أهمية حصول الفرد على الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتأمين بيئة سليمة، وفرص المشاركة الديمقراطية في اتخاذ القرارات في جوانب الحياة المدنية. كان المرء يعتبر فقيراً إذا كان دخله لا يستطيع أن يؤمن له الإنفاق الكافي لتأمين الحد الأدنى من حاجاته الغذائية، وأصبح الإنسان اليوم يُنعت بالفقير إذا كان غير قادر على تأمين مجموعة من الحاجات من بينها الغذاء الصحيح والسكن والملبس والطبابة والاستشفاء والصرف الصحي والمياه النقية للاستهلاك البشري،  

 وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد الأسرة، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، وتلبية الواجبات الاجتماعية. وبشكل عام، إن البلد الذي دخل الفرد فيه دون الدولارين يعتبر في حالة فقر كبير، ومن كان دخل الفرد فيه على حدود الدولار الواحد يكون ملامساً عتبة الفقر المدقع.  

اعتبر البنك الدولي أن الدول التي يقل معدل دخل الفرد السنوي فيها عن 600 دولار أميركي، دولاً فقيرة، ثم خفض هذه القيمة إلى 400 دولار أو ما يوازيها من العملات الأخرى العام 1992. وثمة دول أخرى، دخل الفرد فيها أقل بكثير من 300 دولار أميركي سنوياً، وهي بهذه الحالة  تعتبر دولاً في حالة فقر مدقع. وعندما تمَّ إدخال عناصر أخرى إلى جانب موضوع الدخل، تتعلَّق برفاه الإنسان نتبيَّن أن دولاً عظمى متوسط دخل الفرد فيها مرتفع جداً، ومع هذا، يلامس الفقر فيها الملايين من أبنائها (الولايات المتحدة الأميركية).  

لقد ارتفع عدد الدول الأقل نمواً (نادي الفقراء) من 25 دولة العام 1971 إلى 48 دولة العام 1999، وأصبح اليوم 86 دولة. والملفت أن حوالى 3 مليارات شخص في العالم يعيشون على أقل من دولارٍ واحد يومياً. إن عدد الفقراء في الدول العربية كان بين 90 و100 مليون نسمة العام 1992 أي بين 34 و38% من عدد السكان. ويظهر أنه كلما ارتفع سعر النفط كلما ازداد عدد الفقراء.  

ويعود تصنيف خط الفقر إلى المعايير المتبعة في البلد نفسه. ففي أوروبا مثلاً إذا كان دخل الفرد أقل من 55% من دخل المواطنين المتوسطي الحال يعتبر مواطناً فقيراً. ولنأخذ نموذجاً عن الفقر في هولندا حيث يعتبر فقيراً من لم يتمكَّن من الحصول على المال الكافي لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً مثل الطعام والملبس والمسكن بما في ذلك الماء والطاقة. فعلى سبيل المثال في نهاية العام 2005 أصدر المكتب الهولندي للتخطيط الثقافي والاجتماعي والمكتب المركزي الإحصائي إنذاراً مشتركاً بأن هناك ما نسبته أكثر من 10% من سكان هولندا كانوا مضطرين إلى العيش على “دخل منخفض”،  

ولا تشمل السلع الكمالية مثل شراء المساكن الخاصة، والسفر لقضاء الإجازات والكحول والتبغ. ويعتبر تقرير جديد صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأطفال (يونيسف)، بريطانيا أسوأ مكان في رفاهة الأطفال بين الدول المتقدمة لنشأة الأطفال. وذكرت سكاي نيوز الأربعاء في 15 أيلول/سبتمبر 2007 أن يونيسف قالت: إن أطفال بريطانيا هم الأكثر تعسًا وفقرًا، والأقل صحة، والأشد إهمالاً في الدول الإحدى والعشرين الأغنى في العالم،  

 لتأتي في ذيل قائمة من 40 مؤشراً مختلفاً لرفاهية الطفل. طبقاً لتقرير يونيسف الصادر تحت عنوان ” فقر الطفل في المنظور: نظرة عامة على حالة الطفل في الدول الغنية”، فإن بريطانيا تتخلَّف عن الدول الصناعية من حيث الفقر النسبي والحرمان وجودة علاقة الأطفال بالآباء ونظرائهم، وصحة الطفل وسلامته، والسلوك والتعرض للمخاطر، وإحساس الصغار أنفسهم بالخير. وعلى الرغم من المستوى العالي في جودة التعليم، فإن بريطانيا مازالت في قاع كل المعايير الأخرى، لتأتي بذلك في مؤخرة الدول الإحدى والعشرين.  

 وهذه هي أول دراسة تجريها يونيسف عن رفاه الطفل في العالم  المتقدِّم، وهي تمثل ضربة قوية للحكومة البريطانية والتي جعلت من أهدافها الرئيسة تقليل فقر الطفل إلى النصف بحلول العام 2010.  

من المنطلقات السالفة يمكن القول إنه لا يوجد مقياس واحد للفقر في الدول، ذلك أنه إذا أخذنا دولاراً واحداً كمعيار للفقر المدقع في الدول العربية، فإن نسبة الفقراء في الدول العربية لن تتجاوز 2.5 % أو  3.5%، ويبدو هذا الأمر غير مقنع، كما أنه يوجِّه رسالة مضلِّلة مفادها أن مكافحة الفقر ليست من أولويات التنمية في المنطقة العربية، إضافة إلى أن هذا المقياس “لا يصلح لتقييم وضع الفقر في معظم البلدان العربية ذات مستوى التنمية والدخل المرتفع أو المتوسط”  

. ولو احتسبنا الفقر وفق معيار من لا يحصل على الدولارين في اليوم، فإن نسبة السكان الفقراء تصل إلى 31.5%.المهم الذي لا يقبل الشك، أن الفقر مرتبط ارتباطاً أساسياً بتوافر المال الضروري لتأمين الحاجات الإنسانية، لأن توافره يبعد عن الانسان العوز، والتشرُّد والارتهان لإرادة الآخرين. فإذا ما تأمَّن المال فإنه يساهم في تحرير الإنسان من ضغوطات الحياة، ويتمكَّن بالتالي من تملك القدرة على التحكم بمقدرات حياته.  

ثانياً: حجم الفقر في دول عربية ودول غربية  

قبل عرض حجم الفقر في دول عربية وغربية نجد من المفيد الإشارة إلى الفقر في أهم أقاليم العالم علماً أن بعض الأرقام قد يكون متضاربًا مع أرقام أخرى موجودة في الدراسة. بأن الفقر في منطقة جنوب آسيا يشكل نسبة 77.8% من مجمل السكان العام 2002، وتأتي أيضاً منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي حيث تمثِّل النسبة الكبرى الثانية، ومجمل عدد الفقراء في هاتين المنطقتين مليار و849 مليون نسمة .  

كنا نتمنَّى لو وضعت أوروبا منفصلة عن آسيا الوسطى كي نتبيَّن فعلاً الحجم الحقيقي للفقراء فيها، أما وقد جمعت مع آسيا فقد ضاع المجال لمعرفة حقيقة الوضع في آسيا بأكملها لأن الفقر يظهر أن أغلبه يتمركز في آسيا،  

 ويظهر أنه لو أضفنا إلى المجموعتين السابقتين، الشرق الأوسط ووسط آسيا، لتبيَّن أن آسيا قد حوت لوحدها أكثر من ملياري فقير. على الرغم من أن أرقام الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية، وفي إحصاءات أخرى، أظهرت أن عدد الفقراء تجاوز 100 مليون فقير، علماً بأن الجدول يعطينا فكرة عن أن عدد الفقراء الذين يحصلون على أقل من دولارين يزيد على 2 مليار وستمائة ألف فقير.  

لا شك أن مكافحة الفقر هي قضية ملحة، ذلك أنه بالإضافة إلى بعدها الأخلاقي والإنساني ، فإنها أحد السبل للانطلاق إلى حياة واعدة أكثر رخاء وأمنا، والخلاص منها هو أحد سبلنا لخلق مجتمع أكثر نماء وتقدم، وبالتالي فإن محاولة الخلاص منه تعتبر عملية جد موضوعية ، ويمكننا ذكر مختلف الطرق اللازمة لذلك فيما يلي:  

–   تصحيح الخلل الفظيع في توزيع الثروة الوطنية،  وتحمل النخبة الثرية مسؤوليتها في تنمية مجتمعاتها بتشغيل رؤوس الاموال في بلدانها عوض توظيفها في الخارج  

–   خلق عمالة جيدة المردود.  

–  تحول المجتمع العربي والإسلامي من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج.  

–   قيام الدولة بتنظيم ودعم الموارد البشرية والإعانات الاجتماعية على أحسن وجه.  

–   إصلاح كافة التشريعات والسياسات والإجراءات التي تساهم في التعاون الاقتصادي بين الوطن العربي والإسلامي،  وتحقيق وحدة اقتصادية بين البلدان العربية والإسلامية  

–   لا يمكن لأي مشروع جدي بين الدول العربية والإسلامية مواجهة ظاهرة الفقر أن يكتب له النجاح،  إذا لم يتم التطرق في المرحلة الأولى لكل قطر على حدى،  ثم بعد ذلك يتم تبني أفكار موحدة من خلال استخلاص النتائج،  حيث أن أسباب الفقر ليست متماثلة في كل قطر.  

–   محاولة القضاء على التبعية الاقتصادية من طرف الدول العربية والإسلامية، للدول المتقدمة(من خلال الهيئات المالية والنقدية الدولية)، وذلك باضطلاع الدول المنتجة للنفط والقادرة على تأسيس صندوق نقد عربي وإسلامي، يقوم بالمساعدة في توفير القروض للأقطار العربية الفقير، ضمن أرباح منخفضة وشروط يسيرة، شريطة أن لا تضيع تلك الأموال في عمليات النهب والفساد وأن تتجه بإشراف الدولة المانحة لعمليات تنموية حقيقية.  

–   تشجيع الصادرات الشيء الذي يساهم في زيادة حجم العمالة والعوائد النقدية.  

–   يجب أن تولي الحكومات اهتماما خاصا للقطاع غير المنظم وللزراعة، وتوفير التمويل اللازم لذلك.  

–  عدم تبني حلول لا تتماشى مع تقاليد البلدان العربية، والإسلامية.  

–   يجب أن تعمل الدول على تشجيع العمالة من خلال سن القوانين الخاصة بالحد الادنى للأجور وامتصاص كل قوة العمل المتوفرة،  وبالتالي تطبيق برامج وسياسات عمالة فعالة.  

*كاتب الدراسة

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

المعلمون لم يصرفوا الزيادات والوزارة تخصم 2% من قيمة الزيادة

قررت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، خصم 2% من قيمة الزيادة التى اقرها محلسى مجلسى الوزراء والنواب خلال السنة الماضية 2020، للمعلمين، وذلك من اجل مشروع إنشاء صندوق للرعاية المالية والاجتماعية للمعلمين ومعاونيهم، وذلك بدء من اول شهر يناير الجارى.
ومن المقرر ان يحصل كل معلم على زيادة فى البدل بنسبة 50%، خلال الشهر الجارى على اساسى 2020، بالاضافة الى الحوافز الاخرى، مثل حافز الاداء والذى يصل لمعلم مساعد الى 185 جنيها، بينما يصرف معلم كبير 140 جنيها.
اما بالنسبة للمكافآت والتى تصل الى 155 جنيها لمعلم كبير، بينما يقوم معلم مساعد بصرف 65 جنيها.
وفيما يلى نستعرض  الحوافز لمعلم كبير حيث يقوم بصرف حافز اداء 140 جنيها وبدل معلم 180 جنيها ومكافأة 155 جنيها ليصل مجموع ما يتقاضاه فى اخر شهر يناير الى 475 جنيها.
اما بالنسبة لمعلم مساعد فيحصل على حافز أداء 185 جنيها، وبدل معلم 75 جنيها، والمكافأة 65 جنيها ليصل مجموع ما يقوم بصرفه خلال نهاية هذا الشهر الى 325 جنيها.
وجدير بالذكر هناك مشروع القانون أيضا على إنشاء صندوق للرعاية المالية والاجتماعية للمعلمين ومعاونيهم. وأشار وزير المالية إلى أن الصندوق سيحصل على دعم مالي لمرة واحدة بقيمة نصف مليار جنيه من الخزانة العامة للدولة، بواقع 250 مليون جنيه هذا العام و250 مليون جنيه أخرى خلال العام المالي المقبل. وستشمل مصادر تمويل الصندوق أيضا تحصيل 2% من قيمة الزيادة المقترحة في بدل المعلم وحافز الاداء ومكافأة الامتحانات وحافز الإدارة المدرسية خلال العام المالي الجاري، و5% من قيمة مجموعات التقوية بالمدارس، و5% من رسم ترخيص مزاولة المهن التعليمية، و5% من مقابل الأنشطة والخدمات التعليمية المقررة سنويا، و5% من رسوم تراخيص إنشاء وتشغيل المدارس الخاصة، وعائد استثمار أموال الصندوق، وأي تبرعات أو هبات يقبلها مجلس الإدارة.
المصدر: وسائل اعلام مصرية

الدكتور عادل عامر  يكتب عن :العنف النفسي للمرأة  

أن الأسباب العديدة للعنف ضد المرأة يخلف وراءه مشاكل نفسية كبيرة، ويكون من نتيجته حقد المرأة على الذكور، ويبدأ من مشاكلها مع شقيقها والتي شعرت بتفرقة عنصرية في المنزل وهذا الأمر يؤثر تأثيرا سلبيا في المرأة ويصنع تراكمات كثيرة،  

ثم تمر الفتاة بمرحلة أخرى هي مرحلة العمل والتي تزداد معها المعاناة اليومية بين نظرة رئيس العمل لها، ناهيك عن الأطماع التي من حولها بخلاف التدرج الوظيفي وهنا تصطدم الفتاة بشكل آخر من العنف في المعاملات بين أخلاقها وأخلاق الآخرين،  

من هنا يجب أن تفرغ الفتاة الطاقة السلبية التي بداخلها التي تمت عن طريق العنف ولو دخلت الحياة الزوجية بهذا الشكل تكون الكارثة. رغم الجهد الرئيس الذي تُقرّه الأديان والمذاهب الإنسانية في تأكيد الرحمة والرأفة والرفق بين بني الإنسان، ورغم حجم الأضرار التي تكبدتها الإنسانية جرّاء اعتماد العنف كأداة للتخاطب والتمحور، ورغم أنَّ أي إنجاز بشري يتوقف على دعائم الاستقرار والسلام والألفة.. رغم هذا وذاك ما زالت البشرية تدفع ضرائب باهظة من أمنها واستقرارها جرّاء اعتماد العنف كوسيلة للحياة.  

إنَّ رواسب المنهج الهمجي العدواني ما زالت عالقة في أذهان وسلوكيات البعض منّا في التعاطي والحياة وذلك على أرضية منهج العنف المضاد للآخر والفاقد للسماحة والرحمة، وإنها مشكلة قديمة جديدة لا تلبث أن تستقر في ساحتنا الإنسانية كل حين لتصادر أمننا الإنساني وتقدمنا البشري، فرغم التطورات الهائلة في الذهن والفعل الإنساني بما يلائم المدنية والتحضّر إلاّ أنه ما زلنا نشهد سيادة منهج العنف في تعاطي بني البشر وبالذات تجاه الكائنات الوديعة كالمرأة، وإنه توظيف مقيت ذلك الذي يوظّف مصاديق القوة لديه ليُحيلها إلى تجبّر وسيطرة من خلال العنف القسري المُمارس ضد الأضعف.  

أن الفترة الأخيرة في مصر شهدت تطورا كبيرا فيما يخص التصدي للعنف ضد المرأة في عدة قوانين، كان آخرها قانون التحرش والذي فرض سرية معلومات في جريمة التحرش ومعاقبة من يدلي بأي معلومات تكشف شخصيتها، ورغم ذلك تواجه مشاكل عدة في الإبلاغ عن واقعة التحرش، مثل انعدام الشهود ورفضهم الذهاب معها إلى أقسام الشرطة، بخلاف نظرة المجتمع، أيضا هناك مشكلة كبيرة خاصة بالتشريعات المتعلقة بالعنف الأسري  

 ورغم أن هذه التشريعات في باطنها حماية المرأة من العنف إلا أن المشكلة تبقى في التطبيق العملي لإثبات التعدي، والسبب في ذلك أن المشكلة تقع داخل الأسرة وهذا الأمر يصعب فيه إثبات جريمة التعدي من قبل الزوج وهذا الأمر يصعب على المرأة التي تم التعدي عليها إثباته لمعاقبة الزوج، ناهيك عن الصعوبات التي تواجهها في النيابات وأقسام الشرطة للإبلاغ عن واقعة الضرب، لكن فيما يخص جريمة الاغتصاب والتعدي على المرأة، فإن القانون الجنائي في هذا الشق يضع عقوبات رادعة تصل إلي الإعدام في مثل هذه الجرائم يضع حلولا لوقف نزيف هذه الجرائم. أن هناك تشريعات كثيرة في الدول العربية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، لكن تكمن المشكلة في التطبيق العملي لهذه التشريعات، ورغم ذلك فإن تأثير المشرع للقانون كونه رجلا يشكل عقبة كبيرة في سن القوانين الخاصة بالعنف ضد المرأة، فهو يتأثر بالبيئة التي تحيط به ومن ثم نجد هناك خللا في عدد من القوانين الخاصة بالعنف ضدها، خصوصا الجرائم التي تتم داخل الأسرة، فدائما ما يكون في ذهن المشرع «ذكوريته»  

التي تتحكم فيه، حيث يعتبر أن هذا الحق لا تستحقه المرأة لأنها ناقصة عقل ودين وبالتالي تستخدم هذا الحق في غير موضعه والدليل على ذلك قانون الطفل في مصر وهو ما يحدد سن الطفولة حتى 18 عاما، فإذا قام أحد الشباب وعمره 17 عاما بالتعدي على طفلة واغتصابها يحاكم أمام محكمة الطفل أي عقل يقول ذلك وهنا تتم معاملته كطفل، بينما هو يعي جيدا ما فعله من جرم، وأن قانون الطفل وضع لحماية الأطفال لا لحماية هؤلاء.  

إن هناك أشكالا عديدة للعنف، هناك عنف مباشر عن طريق العلاقة الأسرية سواء كان زوجا أو أبا أو أخا، وهذا نتيجة أسباب مختلفة منها أسباب اقتصادية للزوج والتي تولد حالة من الهموم التي ينتج عنها اللجوء إلى الطرف الضعيف للتنفيس وإخراج الكبت والضغط النفسي عن طريق العنف ضد الزوجة، أيضا هناك الشك الذي يولد العنف ضد الزوجة، وهناك عنف مجتمعي يمارس ضد المرأة منذ الولادة، عن طريق موروث ذكوري يتم من خلاله تمييز الرجل على المرأة. أن هناك عنفا آخر يمارس ضد المرأة في المجتمعات العربية وهو أن المرأة لا ترث من أبيها. ناهيك عن التنمر ضد النساء فيما يخص الملبس، وهذا الأمر فرض على البعض التدخل في شؤون المرأة عن طريق فرض ملابس بعينها أو طريقة مشي أو الحجر على آرائها.  

أشكال عديدة  

العنف ضد المرأة بأن له أشكالا عديدة ووسائل متعددة، والسبب في ذلك انعدام الوعي والثقافة في هذه المناطق في معاملة المرأة بصفة عامة، حيث يبدأ التنمر الذي يسبب تشوهات نفسية لديها والتي تنتج عن طريق التفرقة العنصرية بين الذكر والأنثى،  

وبالتالي عندما تصل المرأة إلى مرحلة الزواج أو الأمومة تكون قد مرت بعمليات عنف كبيرة منذ ولادتها عن طريق التمييز من خلال الموروث الثقافي الذي يؤكد على حب الذكور وإنجابها، وبغض إنجاب البنات. يُتخذ العنف وسيلة لإخضاع المرأة لتحقيق أغراض فردية أو جماعية شخصية أو رسمية،  

 والواقع يُشير إلى تعرض كثرة من النساء لصنوف محددة من العنف بسبب هويتهُنَّ الجنسية أو بسبب أصلهن العرقي والطائفي أو مستواهُنَّ الثقافي والاقتصادي أو انتمائهُنَّ الفكري والسياسي، وخلال الحروب والصراعات المسلحة  

كثيراً ما يُستخدم العنف ضد المرأة باعتباره سلاحاً في الحرب بهدف تجريد المرأة من آدميتها واضطهاد الطائفة أو الطبقة أو الدولة التي تنتمي إليها، أما النّساء اللاتي ينـزحن عن ديارهن فراراً من العنف أو الصراع أو يرحلن بحثاً عن أمانٍ وحياةٍ أفضل فكثيراً ما يجدن أنفسهم عرضة لخطر الاعتداء أو الاستغلال بلا أدنى رحمة أو حماية. إنَّ محاربة العنف- كحالة إنسانية وظاهرة اجتماعية – عملية متكاملة تتآزر فيها أنظمة التشريع القانوني والحماية القضائية والثقافة الاجتماعية النوعية والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي الديمقراطي، فعلى أجهزة الدولة والمجتمع المدني بمؤسساته الفاعلة العمل المتكامل لاستئصال العنف من خلال المشاريع التحديثية الفكرية والتربوية السياسية والاقتصادية، وهنا يجب إيجاد وحدة تصور موضوعي متقدم لوضع المرأة الإنساني والوطني، والعمل لضمان سيادة الاختيارات الإيجابية للمرأة في أدوارها الحياتية، وتنمية المكتسبات النوعية التي تكتسبها المرأة في ميادين الحياة وبالذات التعليمية والتربوية.  

كما لابد من اعتماد سياسة التنمية البشرية الشاملة لصياغة إنسان نوعي قادر على الوعي والإنتاج والتناغم والتعايش والتطور المستمر، وهي مهمة مجتمعية وطنية تتطلب إبداع البرامج والمشاريع الشاملة التي تلحظ كافة عوامل التنمية على تنوع مصاديقها السياسية والاقتصادية والحضارية، إنَّ أي تطوّر تنموي سيُساعد في تخطي العقبات التي تواجه المرأة في مسيرتها الإنسانية والوطنية.  

كما أنَّ للتوعية النّسوية دور جوهري في التصدي للعنف، إذ لابد من معرفة المرأة لحقوقها الإنسانية والوطنية وكيفية الدفاع عنها وعدم التسامح والتهاون والسكوت على سلب هذه الحقوق، وصناعة كيان واع ومستقل لوجودها الإنساني وشخصيتها المعنوية، وعلى فاعليات المجتمع النّسوي مسؤولية إبداع مؤسسات مدنية جادة وهادفة للدفاع عن المرأة وصيانة وجودها وحقوقها.  

كما أنَّ للنُخب الدينية والفكرية والسياسية الواعية أهمية حاسمة في صناعة حياة تقوم على قيم التسامح والأمن والسلام، وفي هذا الإطار يجب التنديد العلني بالعنف الذي تتعرض له المرأة والإصغاء للنساء والوقوف معهنَّ لنيل حقوقهنّ، ويجب أيضاً مواجهة المسؤولين إذا ما تقاعسوا عن منع أعمال العنف ضد المرأة ومعاقبة مرتكبيها وإنصاف ضحاياها، ورفض الأفكار والتقاليد التي تحط من شأن المرأة وتنتقص من آدميتها ودورها ووظيفتها. وأيضاً لا مناص من العمل على توافر البنى التحتية لنمو المرأة وتطورها الذاتي كقيام المؤسسات التعليمية والتثقيفية والتأهيلية الحديثة التي تساعد على شرح وتبسيط الموضوعات سواء كانت موضوعات تربوية أو صحية أو اجتماعية أو سياسية لضمان تقدمها السريع.  

كما لابد من فاعلية نسوية صوب تشكيل مؤسسات مدنية لحفظ كيانها الإنساني والوطني، ولابد وأن تقوم هذه المؤسسات على العمل الجمعي والمعتمد على نتائج البحث العلمي وعلى الدراسات الميدانية حتى تتمكن الجمعيات والمؤسسات النسوية من الانخراط الواقعي في بودقة المجتمع المدني الحارس للديمقراطية وحقوق الإنسان.  

وللإعلام دور كبير في صناعة ثقافة متطورة تجاه المرأة كوجود ورسالة ودور إنساني ووطني، وعليه يقع مسؤولية مضاعفة لخلق ثقافة الرفق والرحمة في العلائق الإنسانية الخاصة والعامة، فعلى وسائل الإعلام المتنوعة اعتماد سياسة بنّاءة تجاه المرأة وإقصائية لثقافة العنف المُمارس ضدها، فعلى سبيل المثال يجب الابتعاد عن الصورة النمطية المُعطاة للمرأة إعلامياً بأنها ذات عقلية دونية أو كيدية تآمرية أو قشرية غير جادة، كما يتطلب الأمر الابتعاد عن البرامج الإعلامية التي تتعامل محتوياتها مع حل المشاكل الإنسانية والخلافات العائلية بالعنف والقسوة والقوة.. والتركيز على حل المسائل الخلافية داخل المحيط الإنساني والأسري بالتفاهم والمنطق والأسلوب العلمي والأخلاقي الرفيع.  

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

الدكتور مصطفى منيغ يكتب عن :العراق ضاق بما ذاق

لا حَلَّ مع تضخُّم العلَّة ، ولا سِلْمَ إجتماعي مع سيطرة قِلََّّة ، تطلع على الأغلبية كل يوم بحيلة ، الزمن ليس بعابر يجرُّ معه النكبة المذمومة من كل مِِلَّة ، وينتهي الأمر بزوال بؤر أحلك مشكلة ، والمكان ليس بنكرة ميسور طمسه بمؤامرات كثيرة أو قليلة ، ليتسنَّى مَن يقود تخطيط  تقسيم جغرافية منطقة الشرق الأوسط نصفين أولهما الظاهر للعيان من القائم حتى توقيت ينهي مرحلة (مَن التمويه المدروس بدهاء لا يستعجل النتائج المُحققة بدقة) طويلة ، وثانيهما الخفي المتقدم باستبدال نُظم محلية شبه مُسَيطرة بأخرى أكثر ملاءمة مع رغبات شعوب المنطقة الشاملة الخليج العربي وسوريا ولبنان واليمن كشطر أول تتبعها أشواط متتالية ، على أن يكون العراق محور التحرك الرهيب بتحولات تكشف عن ذلك مؤشرات مضبوطة على ترتيبات موضوعة بعناية عالية . منها وجود حكومة عاجزة تماما على اقامة أي اصلاح سياسي متبوع بآخر اقتصادي في نفس الوقت ، كذلك توسيع رقعة التعصب الطائفي ، وأيضاً اتخاذ دين مُعيّن مطية لولاء لا معنى له إلا تكريس فرقة وخيمة العواقب وسط الشعب ، تُسَخَر عند الحاجة للإرتباك لتعقيد التحكّم المرتبط بإعادة المياه لمجاريها ، بل إحالة ما يمكن القيام به لدولة ، قد تكون من ضمن المنخرطين المباشرين في حلف يواجه ما سيحدث بضم ما يمكن ضمه من أراضي الغير .

… عيب على العرب رؤية العراق ينهار، وحرام تركه مع مشاكل يوما بيوم عليه تتكاثر، بعده هل سيحمل تاريخهم نفس القدر من الافتخار؟؟؟، أم نسوا بسرعة من حَمَى لعهود ما كانت في قواحل مقاماتهم من ديار ؟؟؟، أم الحاضر انقلاب على حضارة دفاع الجار عن حق الجار ، والاكتفاء ببلاغات تنديد تُسمع مع الشروق وتتبدّد أخر النهار، بلا تفسير لمعنى تَخلّى مقصود يختم تضامن إخوة اللغة الواحدة كمدخل ليعمّ الجميع تدريجياً الاندثار .

 إنه العراق منارة العرب إن فقدت نورها عمت في ذاك الشرق المضطرب الأبصار، وعمّت رعشة الخوف من آتٍ يطحن الكبار، طحن مَن لتخطيط القضاء عليهم لا يختار ، طبعاً يعلمون يقيناً ما يرمز له العراق من عزة للعرب وليس بواسطة ما يُرَوَّج من أخبار ، ومع ذلك يفضّلون عدم التدخّل لمؤامرات تُحاك ضد “لبنان” واليمن في تخمين يظنون أنهم بانتصار الشيطان سيصبحون في مَأْمَنٍ وهم غافلون إذ البركان لحظة الانفجار ، لا يفرّق بين أبيض أو أسمر ، حممه  المُحرقة تلاحق حتى الراكضين عبر أي منحدر ،

… حاول “الكاظمي” جمع الانتباه لوحدة تواجه ما يحوم حول العراق من خطر ، لكن تعنّت مَن طغوا داخل الوطن مقتهم أكبر، فضّلوا التبعيّة بالقوة وليس التمسك ببعض الأفكار ، لمُحرّكٍ المفروض أن يصلح أحوال محرّكيه داخل بلدهم قبل أي بلد آخر ، لكن الشعور بالعظمة والتشبّث بالاستعلاء على الغير استغلالاً لظروف تُحاسب عليها الولايات المتحدة الأمريكية ذات زمان حالما تتبدّل الأدوار ، كمنفذ لسُنَّةِ الحياة على الأرض  حِكمتها لا ولن تتغير . بالأمس القريب كانت الدول الحاسبة نفسها عُظمى حوّلها اليوم فيروس “كرونا” المُشاهد بواسطة مِجهر ، لدول صغيرة بل اصغر من الأصغر ، وكما علماؤها يجتهدون لتخليصها من أسوا المصائب نفس الفيروس في عناد غير مُقارن للفتك بالمُسلط عليهم يطوّر  شروره فيتطوَّر ، والنتيجة بين قدرة الذي يقول للشيء كن فيكون ، الحي القيوم ، ذو الجلال والإكرام ، الذي نتضرّع إليه سبحانه وتعالى أن يحفظ الشعب العراقي بما حفظ به الذكر الحكيم ، ويلهمه التبات على الحق بالصبر.

الشاعر الكبير فاروق جويدة يكتب عن : #في_وداع_عام_حزين

الأيام مثل البشر هناك إنسان أسعدك وهناك إنسان عذبك والفرق بين الاثنين هى الذكرى فلن تتساوى أيام السعادة وأيام الحزن.. إن ذكرى الأيام السعيدة تبقى فى خيالنا وتعيش معنا أما أيام الأحزان فهى ذكريات ثقيلة نهرب منها إلى شواطئ النسيان.. ونحن الآن نودع عاماً من الأعوام الثقيلة، إن العالم أطفأ أضواء السعادة فيه ولم تكن القضية بيتاً أو مدينة أو وطناً نحن أمام طوفان من الألم والأحزان اجتاح العالم كله، نحن أمام كارثة كونية لم تكن كورونا محنة أسرة أو مدينة إنها شبح هبط على البشر فى كل مكان..
< من كان يصدق أن فيروساً ضئيلاً يمكن أن يصيب أكثر من 80 مليون إنسان ويقتل أكثر من 2مليون خسرتهم البشرية فى أقل من عام إنه عام من الأحزان.. هناك أحباب رحلوا فى أيام قليلة بل فى ساعات.. وهناك بيوت أظلمت بعد أن رحل سكانها، وهناك شوارع ومدن خالية.. كانت أصعب تجربة مع الموت يشهدها العالم فى عصرنا الحديث، كان الشبح المخيف يتخفى ويغير مثل الثعبان جلده ويقتحم البيوت والأجسام والمشاعر..
< فى لحظة تكره البيوت سكانها ويهرب الناس من بعضهم يهرب الأبناء من آبائهم ويهرب الآباء من أبنائهم وتنظر الزوجة فى وجه زوجها من خلف الزجاج وتصافحه بنظرة وداع حزينة.. إن أشباح الموت التى تطارد الملايين من البشر فى كل بلاد الدنيا تشبه يوم القيامة حيث قوله تعالي« يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)».. هل كانت كورونا مقدمه ليوم القيامة..
< إن هروب الناس من بعضهم وحشود الموتى التى كانت تسقط كل يوم دون وداع، أصعب الأشياء أن ينتزع الموت منك حبيباً دون أن تودعه.. لم أكن أتصور أن يرفض إنسان تسلم جسد أمه خوفا من العدوى وترك المستشفى يدفنها.. سوف تروى حكايات وقصص كثيرة عن ضحايا كورونا وسوف تظهر كتابات وأفلام تحكى عن المآسى التى عاشتها الإنسانية فى هذه المحنة..
< إن أغرب ما فى كارثة كورونا أنها جاءت والعالم يعيش أزهى فترات التقدم فى العلم والحياة.. كان من الممكن أن تقتحم هذه ال كارثة الدول الفقيرة حيث الفقر والأمراض والتخلف ولكن الغريب أن الضحايا فى الدول الغنية والمتقدمة كانوا أكثر..
< لم أجرب فى حياتى تجربة السجن وكان الأستاذ هيكل يقول لى احمد ربنا إنك لم تسجن حتى الآن.. وقد شاهدت كثيراً حالات عانت أصعب الظروف فى السجون ومنها من مات سجيناً ومنهم من خرج من بين القضبان ولم يعرف أبناءه ومنهم من نسى الكلام ومن فقد السمع والبصر.. كانت هناك حالات كثيرة من ضحايا السجون فى مراحل مختلفة من الحياة ..
< كانت المرة الأولى التى أعيش فيها تجربة السجن الاختيارى عشرة أشهر كاملة أدور بين الحجرات بين أوراقى وأدركت أن أفضل الأصدقاء كتاب، فما بالك إذا كنت أعيش وسط آلاف الكتب.. كانت تجربة غريبة وكان من الصعب أن أرفض أو أساوم الأطباء وهم يعرفون عن قلبى أكثر منى .. فى هذه الشهور العشرة التى عشتها وراء قضبان سجن اختيارى اختلطت أشياء كثيرة لم أعد جاداً مع الزمن وأنا الذى كتبت عشرات القصائد عن الزمن.. وكان من أكثر القضايا التى حركت خيالى وظلت تطاردنى حتى وجدت نفسى أدور فى صومعتى وراء قضبان البيت.. لا أدرى تغير إحساسى بالزمن ولم يعد كما كان..
< كنت أكره السجن رغم أننى لم أعرفه فى مشوار حياتى وإن كنت لم أعرفه واقعاً فقد مارسته قهراً فيما كتبت.. فى أحيان كثيرة لم أكن جربت أن يلتحم الليل عندى بالنهار.. أن أصحو طول الليل وأنام ساعات قليلة بالنهار، أن أفقد الرغبة فى التواصل مع الآخرين.. كنت أبعث للأهرام مقالتى رغم أننى لم أدخل مكتبى من بداية العام كان أخر عهدى بالظهور أمام الناس أمسية سنوية تقيمها دار الأوبرا فى عيد ميلادى ولقاء مع الإعلامية الصديقة منى الشاذلى فى معرض الكتاب بعد غياب أكثر من15عاماً ..
< وفى ليلة شتوية ثقيلة رجعت من «الفجيرة» فى دولة الإمارات العربية بعد أن شاركت فى مهرجان فنى عالمى بأمسية شعرية كان هذا أخر عهدى بالبشر.. فقد دخلت السجن الاختيارى أول شهر مارس ومازلت حتى كتابة هذه السطور قابعا فى صومعتي..
< مرات قليلة تلك التى يقبل الإنسان فيها تجربة السجن مختاراً، لا أحد يحب السجون حتى لو كانت قصوراً من ذهب.. من أشهر السجون فى تاريخ الشعراء تجربة أبى فراس الحمدانى فى الأسر وكتب فيها شعراً جميلاً خاصة أشعاره لأمه.. وللشعراء تاريخ طويل فى السجون وقد هرب المتنبى من كافور الإخشيدى بسبب ما كتبه فيه..
< لا أعتقد أن تجربة السجن الاختيارى قد أفادتنى فى شيء لقد أرهقتنى نفسيا وفى بدايتها كتبت بعض القصائد وتوقفت كنت أريد هواءً نقياً وفى السجن زارتنى أشباح كثيرة.. وأنا أحيانا أخاف من المجهول والمجهول عندى زائر يدق بابى ويقتحم صمتى ولا أراه، لم أكن أتصور يوما أن أجلس خلف قضبانى 300 ليلة فى هذا العمر، لأن للسجن مواسم وهى أحيانا تأتى فى الزمن الخطأ.. إن وحشة السجن أسوأ ما فيه ووحشة العزلة أشباح تسكننا وأسوأ أنواع الخوف هذا الشرطى الذى يحاصرنا ولا نراه..
< إذا كان لكل شيء فائدة فأنا لم أشعر بأى فائدة مع تجربتى مع السجن الاختيارى غير أننى ازددت خوفا ولا يوجد إنسان يحب خوفه.. كانت بينى وبين الزمن علاقة خاصة وأعترف أننى لم أعد حريصا عليه وكانت تجربة الموت من أكثر التجارب التى كتب فيها الشعراء وأنا واحد منهم.. ولكن حين هبطت كورونا واقتحمت العالم كله لم يعد الموت كما كان فقد حرمت البشر من نظرة وداع قبل الرحيل..
< فى أحيان كثيرة نشعر بمتعة الكلام ونرغى ونرغى ولكن فى السجن الاختيارى تشعر بمتعة الصمت، لأنك لا تجد لديك رغبة فى الكلام وقد لا تجد من يسمعك.. كان الشيء الوحيد الذى زاد به إيمانى فى شهور السجن هو حريتى، إنها أخر ما يبقى لنا قبل أن نموت.. إن الموت الحقيقى ألا تشعر بحريتك إن سجن الكلمات هو أقسى أنواع السجون سواء كان اختياريا أو إجباريا..
< لا أدرى ماذا أقول الآن لعام رحل ما الذى بقى منه .. كل الأعوام تترك خلفها شيئا يذكرنا بها وللإنصاف لم أجد عندى شيئا أذكر به هذا العام .. أعرف أصدقاء ودعوا أحباباً دون أن يصافحهم أحد أعرف ناسا بسطاء ماتوا فى ليالى شتوية موحشة وهناك أطلال لم تجد الوقت لتبكى أهلها.. فى مدن أوروبية متقدمة كانوا يحملون الموتى فى اللوريات وعربات النقل ويدفنونهم فى مقابر جماعية.. لا أحد يعرف جسد أمه أو أبيه.. بماذا نودع عاما رحل غير أن نسميه عام الأحزان..
< أصعب الأشياء فى السجن الاختيارى أن نعتاد على الصمت وأن نحب العزلة وأن تسكننا الليالى الموحشة.. لقد حاولت أن أقاوم هذه الأشياء وأدركت أن الكتابة هى طريقى للخلاص من كل أشباح الوحدة.. لا أعتقد أن لدى رغبة فى أن أستجدى العام المقبل فقد فقدت ثقتى فى الزمن ولا أريد أن أراهن عليه عشرة شهور خارج الزمن تكفى لكى لا نصدقه مرة أخري..
< لم أجد شيئا أكتبه ونحن نودع هذا العام الحزين غير هذه الخواطر قد تكون حزينة ولكنها حملت بعض شجونى فى لحظة من العمر لا أتمنى أن نعيشها مرة أخري.. كنا نتحدث عن قسوة الأيام واكتشفنا أن قسوة الزمن هى الأعنف حين يزورنا المجهول الغامض المخيف ونحن لا نتوقعه.. فى السجون نتعلم الخوف ونمارس العزلة وندمن الصمت ونتصالح مع الموت ولا نثق فى الأشياء والبشر .. لأول مرة فى التاريخ يصدر فرمان إلهى بأن ترتاح الملايين فى بيوتها.. الشيء الوحيد الذى بقى لى من ليالى العزلة أننى مازلت أكتب..
< رغم أن الكتابة تحتاج أفقاً واسعاً وهواءً نقياً ورغبة فى الحوار مع الأشياء والبشر وفى سجن كورونا لم أجد شيئا من ذلك كله ولكننى قاومت ضعفى وكتبت هذه السطور