الدكتور عادل عامر يكتب عن :ضعف الانتماء وخيانة الوطن 

 

الانتماء للوطن أساس للإصلاح السياسي، فلا يجوز لنا التحدث عن السياسة أو إصلاحها، أو الديمقراطية أو إصلاحها، دون أن ينتمي هذا المراد إعطاؤه هذه الديمقراطية أو إعطاؤه جرعات في السياسة؛ لذلك كان التحدي الأكبر أمام المواطن والمسؤول على السواء، هو الانتماء الكامل وغير المنقوص لوطن أنت فيه وابنك وابنتك، ومن قبل كان الآباء والأجداد.    إن حب الوطن والانتماء إليه من أُسس الدين، وكمال العقيدة، ولوازم الشريعة،  

ولا يبتعد ذلك عن تعاليم الإسلام، فلا بد أن يتحول هذا الحب والانتماء والوعي بالمواطنة إلى انفعالٍ، وإلى عاطفة، ويصبح قيمة وطنية تتمثَّل في السلوك السليم، وليكن الانتماء من دوافع الإنتاج والتقدم والابتكار والإبداع، فقد بدأت الاختراعات والإبداعات في العصر الحديث عندما خلق الانتماء للوطن.  

إن الشعور بالانتماء للوطن يتزايد من شعور الفرد بالأمان الاقتصادي والسياسي في وطنه، وهذا الشعور يؤدي به إلى زيادة الإنتاج لمحاولة الارتفاع بمستواه الاقتصادي؛ مما يشعره بالانتماء أكثر إلى هذا الوطن، أما إذا ضعف الانتماء، فهذا بلا شك كارثة قوميه؛ فإنه يولد الفتور والسلبية واللامبالاة، وعدم تحمُّل المسؤولية، فعندما يَضعُف الانتماء الوطني يتحول المواطن إلى فريسة سهلة لكل أنواع التعصب البعيدة عن الشأن العام ومصالح الأمة والوطن.  

إن ظاهرة ضَعف الانتماء والولاء لدى الأجيال الجديدة على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية بمكان، وذلك لما لهذه الظاهرة السلبية من آثار مباشرة على الوحدة الوطنية والمنظومة الاجتماعية والأمن القومي، فلا بد من التكاتف والتعاون من أجل معالجة هذا الضَّعف؛ حتى لا يودي بثروة الوطن إلى الهاوية، ألا وهم النشء والشباب.  

عندما يشعر المواطن بالاعتزاز بالانتماء إليه، وإحساسًا بالمسؤولية تجاه قضاياه الوطنية، والدفاع عن مصالحه وأمنه القومي، والاستعداد للتضحية في سبيله، هذا الوطن الذي منحه جنسيته دون أدنى تعبٍ أو مشقة، فالجنسية ليست وثيقة إدارية قانونية، إنما هي انتماء وولاء للوطن، والجنسية تعني الانتماء لشعبٍ والولاء لوطنٍ، فلأي شعب ينتمي مزدوجو الجنسية؟ ولأي وطن يوالون وينتمون مع جمعهم بين الجنسيات؟  

 نحن أمام تناقُض واضح، وطن منح الجنسية لمواطنه دون طلب، ومعه كل الحقوق المترتبة على ذلك، ومواطن سعى لطلب جنسية أخرى من دولة أخرى؛ حتى يحصل بموجبها على حقوق وواجبات والتزامات في تلك الدولة.  

إن ازدواج الجنسية يتنافى مع متطلبات الانتماء للوطن وما يقتضيه من حبٍّ ومودة، وأُخوَّة وتعاوُن في سبيل إحقاق الحق وحماية الأمن والاستقرار.  

إن استطعنا حل أزمة ضَعف الانتماء، فلا بد من التفكير في حل حاسم لخائن الوطن والخيانة للوطن من الجرائم البشعة التي لا تُقرها الشريعة الإسلامية، والتي يترك فيها لولي الأمر أن يعاقب من يرتكبها بالعقوبة الزاجرة التي تردع صاحبها، وتمنع شرَّه عن جماعة المسلمين، وتكفي لزجر غيره.  

الانتماء الصادق للوطن من الفطرة ومن الدين، ومن ضَعف انتماؤه، اختلَّت فِطرته، وضَعف دينه؛ فالناس مجبولون على حب أوطانهم، فلا بد من ضرورة التوعية من الدعاة وولاة الأمر.  

إنه مهما اختلفنا مع الحاكم أو الحكومات، فلا يكون هذا هو الرد والمقابل، وإنه حتى وإن شعرنا بالظلم من أوطاننا، فلا يوجد عُرف أو دين، أو عقيدة، أو فكر، يُبرر الخيانة للوطن، وبهذا نتجنَّب ضَعف الانتماء للوطن والدخول في متاهات الخيانة التي تلحق بنا وبأوطاننا الضرر والألم، للأمن والاستقرار أهمية بالغة في الانتماء.  

إن الشعور بالانتماء للوطن يساعد في تدعيم قاعدة الأمن والاستقرار.  

الاستقرار الإيجابي هو الاستقرار المبني على شعور عميق بالرضا والأمن والعدالة، وتكافؤ الفرص، والاستقرار السلبي هو الاستقرار المبني على الخوف والرعب من سلطة غاشمة، أو الخوف والرعب من فتنة عمياء تأكل الأخضر واليابس.  

ويمكن أن يُوصَف الاستقرار الوطني بأنه الحالة التي يكون فيها البلد مستقرًّا اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وبيئيًّا واجتماعيًّا، فإذا تحقق الإسلام والإيمان توفرت أسباب الأمن، لكن قد يكون هناك شُذَّاذ لم يتمكن الإسلام والإيمان من قلوبهم، فتحصل منهم نزوات تُخل بالأمن، وهنا وضع الله – سبحانه – زواجر وروادع لهؤلاء، تَكُف عدوانهم، وتصون الأمن من عبَثهم، فلا خلاف في أن تعزيز قِيَم الانتماء للوطن بالضوابط الشرعية للعقيدة الإسلامية، تعود علينا بالأمن على الوطن.  

إن الأمن الركيزة الأساس التي يستمد منها المجتمع استقراره وتقدُّمه وحضارته وازدهاره، وكما أن الانتماء إلى الوطن صمام أمان لحماية البلاد من الفتن والأهواء والأفكار المنحرفة والضالة التي تعود بالدمار على البلاد والعباد على حد سواء، فإن الاستقرار مرتبط ارتباطًا كاملاً بالأمن؛ حيث لا استقرار بدون أمن،  

 فاستقرار المجتمع يعتمد على استقرار الفرد، واستقرار الدولة يعتمد على أمنها واستقرار مجتمعاتها، وأدنى مستوى للاستقرار هو استقرار الفرد ذاته. الانتماء للوطن هو جزء من منظومة الأخلاق المتكاملة، التي يجب أن يتشربها الطفل منذ صغره، ويجب أن يحرص عليها الآباء حرصهم على بقية المكارم والأخلاق.  

ومن هنا يجب على البيت والمدرسة ان تنمى عند الطفل قيمة الانتماء بأسلوب غير مباشر من خلال مراعاة عدة أمور :  

1- العلم أن ليس هناك سن محدد لترسيخ الانتماء في عقل واحساس حديث السن , فالطفل الصغير يمكنه تعلم تلك القيمة من خلال تعلقه بأمه وبيته والعابه .  

2- وفي بداية عمر الطفل قبل أن يعي الطفل معنى الوطن يجب التركيز على تنمية مشاعر الانتماء لديه على نطاق أضيق وأكثر وضوحا فى البيئة المحيطة به مثل العائلة والجيران والأصدقاء والشارع والمدرسة.  

3- التأكد أن التعليم الأجنبي لا يفقد الشخص انتماءه الى ثقافة وطنه بل بالعكس تنمى شخصيته وتثقلها وبالتالي يعي قيمة بلده ويرتبط بها ويعمل من أجل النهوض بها .  

4- الحرص على الحوار المتواصل والتركيز على الجوانب الايجابية دائما مع الاستماع اليهم بانتباه ومناقشتهم فى كل شىء وعدم التسليم بأن السلبيات أمر واقع وانما أمور يمكن بالعمل على معالجتها .  

5- إلقاء الضوء على الايجابيات فى أى مجال أو سلوك من حولنا فالسلبيات يلقى عليها الضوء دائما فى كل مكان.  

6- الحرص على عدم المبالغة فى انتقاد المجتمع باستمرار.  

7- تقديم القدوة الجيدة لهم من خلال السلوكيات الايجابية التى تنم عن الشعور بالمسئولية تجاه البيت أو الشارع أو العائلة .  

8- عدم التخلي عن المسئولية تجاه المجتمع والحرص على ايجاد دور ايجابى فيه.  

9- الاستفادة من الفرصة السانحة والسماح لأطفالنا بالمشاركة في خدمة المجتمع وبناءه.  

10- التخلي عن الانهزامية واللامبالاة والتحلي بالروح الايجابية والفعالة فى كل ما يحدث من حولنا سواء على نطاق الوطن أو أى نطاق أضيق مهما بدى بسيطا  

ومن هنا يجب أن يتشارك الجميع الرؤية والأهداف والوسائل والطرق، حتى يتزايد الانتماء، وهذا يتحقق بالمشاركة والوضوح والمصداقية من جانب فلذلك وجب على الشباب أن يعملوا ما بوسعهم لكي يكون حب الوطن والانتماء له شيئًا ملموسًا في سلوكهم، وهذا يبدأ من مستوى عدم إلقاء القاذورات على الأرض، والحفاظ على سلامة الوطن، وصولًا إلى العمل على بناء الوطن وتنميته، والقيام بأعباء الحفاظ على أمنه، والحفاظ على الانضباط في الشارع، وهكذا.  

أن الدين لا ينفك عن الأخلاق بحال من الأحوال، ومن ضمنها الانتماء للوطن, والوسائل في ذلك كثيرة، منها ربط حب الوطن بالدين والتدين، وأنه من الإيمان, وضرب الأمثلة من حياة النبي والصحابة والصالحين عبر التاريخ في حبهم لأوطانهم, وضبط مساحة الوطن في حياة الطفل، وأنه جزء منه, والتعبير الدائم عن الفخر بالانتماء لهذا الوطن,  

وتوضيح أسباب منطقية يستوعبها عقل الطفل لهذا الانتماء، مثلًا توضيح تاريخ الوطن، وكفاح أبنائه، وما يتميز به الوطن من خيرات ومآثر ونعم ومزايا, وزيارة المعالم التاريخية والمتاحف الوطنية, والقراءة في سير أبناء الوطن الناجحين عبر التاريخ من علماء وأدباء ومفكرين, وتعريف الطفل ما يتهدد هذا الوطن، ودورنا في حمايته، وأنه مسئول عن ذلك حسب عمره ومكانه.  

الانتماء للوطن هو جزء من منظومة الأخلاق المتكاملة، التي يجب أن يتشربها الطفل منذ صغره، ويجب أن يحرص عليها الآباء حرصهم على بقية المكارم والأخلاق.  

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن : يا شعبَ السودانِ الكريم لا تشوه سمعتَكَ ولا تلوثْ شرفَكَ

        

تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية والخاصة، ومعها مختلف المنصات الإعلامية الافتراضية، بنوعٍ من الفرح والحبور، والسعادة والسرور، أخبار التحضيرات الجارية لاستقبال الوفد الشعبي السوداني، الذي من المقرر أن يزور فلسطين المحتلة خلال شهر نوفمبر القادم، حيث من المتوقع أن يصل إلى تل أبيب وفدٌ شعبيٌ سودانيٌ، مكونٌ من قرابة أربعين شخصية عامة، من بينهم فنانون وصحفيون وإعلاميون وكتاب، ورجال أعمالٍ ورياضيون وغيرهم، وسيكون في استقبالهم مسؤولون إسرائيليون رسميون وفعالياتٌ شعبية، ومؤسسات وجمعياتٌ ومنظماتٌ مدنيةٌ، وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى في تاريخ الكيان الصهيوني التي يقوم بها مواطنون سودانيون، مما سيجعل منها زيارة هامة ونقطة تحول فارقة في الصراع العربي الإسرائيلي.

 

تلقف الإسرائيليون الخبر بفرحٍ، وسارعت المؤسسات الإعلامية إلى الاتصال بمنظمي الزيارة السودانيين، والجهات الإسرائيلية الراعية لها، ونقلت عن بعض السودانيين اعترافهم بدولة إسرائيل، وبحقها في الوجود الشرعي والحياة الآمنة المطمئنة لمواطنيها، وسلامة حدودها وأرضها، وأن السودانيين لا يعتبرون إسرائيل عدواً لهم، بل هي دولة شرعية عضوٌ في الأمم المتحدة التي تنظم علاقاتها الدولية، وتراقب سلوكها العام، وأنه آن الأوان للاعتراف بها وإنهاء معاناة مواطنيها، والتكفير عما واجهوه خلال النصف الأول من القرن العشرين، ولأجل هذا فإن السودانيين سيبادرون إلى كسر هذا الحاجز النفسي الذي بني خطأً خلال العقود الماضية.

 

نشطت الجمعيات الأهلية الإسرائيلية المشاركة في استقبال الوفد الشعبي السوداني، في أوساط المهاجرين السودانيين، ليساهموا في استقبال الوفد الشعبي السوداني القادم من الخرطوم، حيث يوجد في فلسطين المحتلة آلاف المهاجرين السودانيين، الذين هربوا من أعمال العنف والعمليات العسكرية في دارفور وجنوب السودان، وما زالوا يقيمون فيها، وقد اشتكى منهم الإسرائيليون قديماً أنهم يوالون المقاومة الفلسطينية، ويرابطون في المسجد الأقصى المبارك، ويحرصون على الصلاة فيه، ويشاركون أحياناً مع المهاجرين الأفارقة، في أعمال العنف التي تشهدها مدينة تل أبيب ومدنٌ إسرائيلية أخرى، فضلاً عن أنهم يحتفظون في هواتفهم بصور المقاومين الفلسطينيين، ويرددون الأغاني الشعبية الفلسطينية والأهازيج الحماسية، التي تمجد المقاومين، وتدعو إلى قتل المحتلين الإسرائيليين.

 

عمل الإسرائيليون بالتعاون مع الأمريكيين كثيراً على الملف السوداني، ولم يخفوا تصميمهم على اختراقه وتطويعه، وإجباره على التسليم والاعتراف، والتوقيع والتطبيع، فكان لهم دورٌ كبيرٌ في خلق أزماته الاقتصادية، وصراعاته البينية، وحروبه الداخلية، وانقساماته المتكررة، فضلاً عن فرض الحصار السياسي والاقتصادي عليه، وإدراجه على قوائم الإرهاب، واتهامه بإيواء الإرهابيين وتدريبهم وتسهيل عملياتهم العسكرية، فضلاً عن دعم المقاومة الفلسطينية وتزويدها بالأسلحة، ومساعدتها في تهريبها إلى غزة، واستغل الأمريكيون شبهاتهم المزعومة في التضييق على السودان وخنقه، ليجبروه على تغيير مواقفه، والتراجع عن سياسته، والتخلي عن دعمه للفلسطينيين وتأييده لقضيتهم.

 

الإسرائيليون فرحون جداً وسعداء للغاية بهذا الخرق الكبير في الجدار العربي القديم، فالسودان بنظرهم دولة عربية محورية، لها وزنها ودورها رغم الأزمات التي تعاني منها، وقد كان لها دورٌ كبير في المقاومة الفلسطينية، وارتبطت بعلاقاتٍ قوية مع فصائل الثورة الفلسطينية، وساهمت بفعاليةٍ في الجيوش العربية التي قاتلت العدو الإسرائيلي على جبهات القتال، ويعلم الإسرائيليون أن السوداني العربي، المسلم والمسيحي، عقائديٌ في المسألة الفلسطينية، ومبدأيٌ في الصراع مع الكيان الصهيوني، وقد كان لهم دولةً وشعباً وقفاتٌ تاريخية، ومواقف شجاعة، أقلها لاءات الخرطوم التاريخية الثلاثة.

 

ربما نجح الإسرائيليون والأمريكيون في استغلال أزمات السودان، وتمكنوا من ابتزازه ومساومته، والضغط عليه وإلزامه، مستغلين الظروف الصعبة التي يمر بها، والمرحلة الانتقالية التي يعشها، واستخدموا معهم بعض الأنظمة العربية التي اعترفت وطبعت، للضغط عليه لتقليدهم واتباع سياستهم، وإلا فإنه سيتعرض إلى المزيد من الضغوط والعقوبات، وسيخضع إلى مزيدٍ من الحصار السياسي المشدد والاقتصادي الخانق حتى يخضع ويخنع، ويسلم ويصافح، ويفاوض ويعترف.

 

لكننا لا نظن أن الشعب السوداني سيقع في الفخ، وسيسقط في المصيدة، وسينجر إلى ما يريدون، وسيشوه بنفسه تاريخه، وسيلوث سمعته ويلطخ شرفه، ويلعن ماضيه ويدفن مجده، ويهيل التراب على أبطاله، ويجيب الأمريكيين والكيان الصهيوني إلى ما يريدون، فالسوداني العربي القومي والمسلم، لن يسمح لشرذمةٍ قليلةٍ من أهله، عميت البصيرة وضلت الطريق، وأصابتها لوثة الضالين وعدوى الفاسدين، أن تتحدث باسمه وتعبر عن أهله، وتغير مفاهيمه وتبدل قيمه، فالسوداني ما زال حراً عربياً، وفياً صادقاً، عزيزاً أبياً، يحب فلسطين وأهلها، ويعشق القدس وأقصاها، وعما قريب سينجلي الغبار، ويخرج علينا شعب السودان الجبار، يقول بعالي الصوت للكيان الصهيوني الغاصب لا، لن نعترف ولن نصالح، ولن نساوم ولن نصافح.

 

بيروت في 14/10/2020

المتوسِّط تُطلق سلسلة عن الشِّعر الإيطالي تبدؤُها بكتاب “هذا الجسدُ، هذا الضَّوء” للشاعرة ماريَّا غراتسيا كالاندْرُونِهْ

 

 

كتب: حافظ الشاعر

صدر عن منشورات المتوسِّط -إيطاليا، أوَّل كتب سلسلة الشِّعر الإيطالي، وأتى بعنوان “هذا الجسدُ، هذا الضَّوء” للشاعرة الإيطالية المعاصرة، ماريَّا غراتسيا كالاندْرُونِهْ. يقدم الكتاب مختاراتٍ شعريَّةٍ لأهمِّ ما كتبَت هذه الشَّاعرة، والكاتبة المسرحيَّة، والنَّاقدة، والصحفيَّة.

أعد الكتاب وترجمه الشَّاعر والمترجم السُّوري أمارجي، والذي سيُشرِف على هذه السلسلة ويُحرِّرها.

 

سلسلة الشِّعر الإيطالي: ضرورةٌ فنِّيَّةٌ ومعرفيَّةٌ حاسمةٌ ووجهٌ آخر للثَّقافة العربيَّة

 

تأتي سلسلة الشِّعر الإيطالي تكملةً لمشروع المتوسِّط كدار نشر اهتمت، منذ تأسيسِها، بنقلِ الأدب والفكر الإيطاليَّين إلى اللُّغة العربيَّة، بحكمِ وجودها في إيطاليا، وقدَّمت الدَّار أعمالاً كثيرةً تُترجَم لأوَّل مرَّةٍ إلى العربيَّة. فالمتوسِّط تسعى إلى تشكيل صورةٍ بانوراميَّةٍ عمَّا يُكتبُ باللُّغة الإيطاليَّة، صورة لا تُغفل الأنواعَ الأدبيَّة على اختلافها وتكامُلها في آنٍ واحدٍ، مانحةً بذلك القارئ العربيَّ فرصة اكتشافِ نصوصٍ سرديَّةٍ وشعريَّةٍ لأسماء هامة عديدة ومتنوعة يصعب أن تُترجم ضمن الاتجاه العام في ترجمة المشهور فقط. فإذا كان الشِّعر هو الأقلّ قراءة فسيكون الأقلّ ترجمةً بطبيعةِ الحال. من هنا تُطلِق منشورات المتوسط هذه السلسلة التي تركز على النَّص أولاً والتنوع الجغرافي والجيلي والمناطقي في إيطاليا سليلة الشعر نفسه.

 

عن هذه السلسة، يصرِّح النَّاقد والمترجم المعروف صبحي حديدي، قائلاً: “لعلَّ القارئ العربيَّ أكثر اطِّلاعاً، حتى في مستوى المختارات الانتقائيَّة أو المحدودة، على شعراء إيطاليِّين كبار من أمثال أوجِنيو مونتالِه، سالفاتورِه كوازيمودو، جوزبِّه أونغاريتي، غابرييل دانُّونتسو، تشيزرِه باڤيزِه، وحتى بيير باولو بازوليني. غير أنَّ مشهد الشِّعر الإيطاليِّ المعاصر أكثر خصوبةً وتنوُّعاً وتعقيداً”، والأهمُّ من ذلك، أنَّه أكثر انطواءً على دروس الحداثة العميقة في المضامين والأشكال، بما يجعل تقديم سلسلةٍ شعريَّةٍ إيطاليَّةٍ إلى قرَّاء العربيَّة قيمةً جماليَّةً ثمينةً وضرورةً فنِّيَّةً حاسمة”.

 

أما الأكاديميُّ والنَّاقد وائل فاروق، وفي كلمته حول أهمِّيَّة إطلاق سلسلةٍ للشِّعر الإيطاليِّ، آثر طرح السُّؤال التَّالي: “لماذا نُترجم الشِّعر؟ سؤالٌ ينطوي على كثيرٍ من القسوة. قسوة تجاه المعرفة، تجاه الجمال، الشِّعر هو التجسيد الأوَّل لوعي الإنسان بالعالم؛ الشِّعر هو أبجديَّة الرُّوح والجمال والمعرفة، فكأنَّك تسأل لماذا نتعلَّم القراءة والكتابة؟ وهذا السُّؤال يغدو أكثر قسوةً إذا ربطناه بالشِّعر الإيطالي، لماذا نُترجم الشِّعر الإيطالي؟ ماذا نُترجم إذن؟ لن أعيد الكلام المكرور عن الدَّور المركزيِّ لإيطاليا وثقافاتها في الحضارة الإنسانيَّة بشكلٍ عام، حتى اليوم ما تزال الحضارة الغربيَّة كلَّها تمتحُ من مَعين الثَّقافة الإيطاليَّة. لآلاف السِّنين كانت إيطاليا هي مركز الشِّعر، هي مركز القول، مركز العمارة، مركز الجمال؛ مركزاً لكلِّ شيء”.

ويؤكِّد فاروق أنَّه و”في اللَّحظة الرَّاهنة لا يقلُّ الدَّور المركزيُّ لإيطاليا في صناعة الحضارة الإنسانيَّة عن الماضي، في القرن العشرين حصل ستَّةُ إيطاليِّين على جوائز نوبل في الأدب، وما تزال إيطاليا تلعب الدَّور الرَّائد في مجال الابتكار، فيما يتعلَّق بالجمال والصُّورة. نُترجم الشِّعر الإيطاليَّ ليس لكلِّ هذه الأسباب، وإنَّما لسببٍ آخر، هو أنَّ هذه الثَّقافة انعجنت مع الثَّقافة العربيَّة لآلاف السِّنين، تلاقت معها في حواراتٍ وصداماتٍ مُستمرَّةٍ منذ العصور القديمة، لذلك نجد آثار المدن والكلمات والصُّور والنِّكات العربيَّة، حتى الآن، في الثَّقافة الإيطاليَّة.

ويختم النَّاقد فاروق بقوله: “في إيطاليا تطالعُ الذَّاتُ العربيَّة نصفَها الآخر، وجهها الآخر، زمنها الآخر، كيف إذن لا نُترجم شعرها!؟”.

 

فيما يذهب الكاتب والمترجم يوسف وقَّاص إلى القول بـ: “أنَّ عادةَ الانتباه للكلمات تُحرِّرنا من العديد من العوائق، وأيضًا من ثقل الأشياء الميِّتة التي تُحيط بنا، ومن الأرواح الميِّتة التي تتحدَّث حولنا. وعلى هذا، فإنَّ العمل في الشِّعر والانفتاح على ثقافة الآخر، هو عملٌ مُهِّمٌّ للغاية. هناك الكثير من سوء الفهم حول ماهيَّة الشِّعر، وحتى حول موته واضمحلاله تدريجيَّاً. ولكنَّ مُونْتَالِه نفسه أجابَ بعد ذلك بأنَّه “لا يُوجد موتٌ مُحتَمَلٌ للشِّعر”، وأنَّ “القصيدة الغنائيَّة العظيمة يمكن أن تموت، وتُولد من جديد، وتُبعث من جديد، لكنَّها ستبقى دائماً إحدى قمم الرُّوح البشريَّة”. داخل حدود ثقافتنا وخارجها، فإنَّ الحشود التي تصطفُّ للاستماع إلى شاعرٍ ما ليسوا أشخاصاً فضوليِّين أو يتَّبعون اتجاهاتٍ مُعيَّنة، ربما هذا يكون صحيحاً في بعض الأحيان، ولكنَّهم أشخاصٌ يجدون مرآةً لأرواحهم في قصائد هؤلاء الشُّعراء الشَّفَّافة”. ويضيف وقَّاص: “من هنا تأتي أهمِّيَّة التَّعرُّف على الشِّعر الإيطاليِّ عن قرب، الاطِّلاع على قديمه وحديثه، تذوُّق ما كتبه شعراؤه الكبار والولوج في عوالمهم التي نسجوها على مرِّ القرون عبر قَدْرٍ هائلٍ من المعرفة، ابتداءً من دانتي ونهايةً بالشُّعراء المعاصرين الذين يُواكبون التَّغييرات الكثيرة في مجتمعهم وفي المجتمعات البشريَّة الأخرى. هل قيل كلُّ شيءٍ بالفعل في الشِّعر أو في الأدب؟ كلَّا. هناك الكثير ممَّا يجب أن نتعلَّمه وننقله إلى الأجيال القادمة، وما من شكٍّ في أنَّ سلسلة الشِّعر الإيطاليِّ هي أحد مناهل هذه المعرفة”.

 

عن الكتاب:

 

يقول النَّاقد الإيطالي أندريا كورتِلِّسَّا، في توطئة الكتاب: أعرفُ القليل من الأمثلة الحداثيَّة على تطوُّرٍ يماثل ذلك الذي أحرزَتْه في السَّنوات الثَّلاث الأخيرة ماريَّا غراتسيا كالاندرونِهْ. إنَّه تطوُّرٌ مؤازَرٌ بطاقةٍ أشبه بطاقةِ المستعِر الأعظم، فما يبدو لنا أنَّه انفجارٌ ليس إلَّا الحصيلةَ الوهَّاجةَ لعمليَّةٍ بطيئةٍ للغاية، مغطوطةٍ في ليل الأصولِ كلِّها. إنَّ في هذا الشِّعر، ولْنَقُلْها هنا بكلماتِ بيانكا ماريَّا فرابُوْتَّا (التي يمكن القولُ إنَّها مكتشفتُها)، “سيلٌ صاخبٌ، جارف”، سيلٌ يحمل معه “حدساً غنائيَّاً استثنائيَّاً، وقواعدَ أخلاقيَّةً مُبهرة”، و”تمجيداً أسطوريَّاً عميقَ الإدراك” لـِ”إعادة ابتكارِ الكون”.

 

وممّا كتبَ كورتِلِّسَّا أيضًا في كلمته: لقد كانت قصائد تسيلان وماندلشتام أعظم قصائد القرن المنصرم التي أظهرت كيف أنَّ “شيطان المماثلة” لا يزدري على الإطلاق العناصر المادِّيَّة الأكثر كثافةً، ولا التَّردِّيات الأكثر عمقاً. هذا درسٌ فهمَه ميلو دي آنجليس، وأنتونيلَّا أنِدَّا، اللَّذان نظرَتْ ماريَّا غراتسيا كالاندرونِهْ مليَّاً في شِعرهما. وإذا كانت هناك، في هذا الجيل الذي تنتمي ماريَّا غراتسيا إليه، قصيدةٌ لا تُظهر أيَّ خوفٍ من ذلك الشَّيطان – الفاقدِ التَّقديرِ في يومنا، بقدرِ ما هو محتَّمٌ ولا غنى عنه – فإنَّها ستكون، بالتَّحديد، قصيدتها.

 

أخيرًا جاء الكتاب في 64 صفحة من القطع الوسط.

 

من الكتاب:

 

لقد ألبستُكَ بأجمعكَ أغنية حبِّي

لقد رفعتُكَ بأجمعكَ، مثلَ عشبةٍ آذاريَّةٍ تشقُّ

تربةَ الشِّتاء، مثل نهيق أتانٍ وسط أزهارِ مشطِ

الرَّاعي، أو مثل الشَّريط الجناحيِّ الأصفر

لطيور السَّماء. أنفاسُكَ

انصاعَتْ. جسدُكَ

انصاعَ

لغنائي. ثمَّ عاد إلى حدِّه. ولكنَّ العندليب، خارجَ

الوقتِ وخارجَ أرضِ

إفريقيا السَّاخنة، يغنِّي هنا، في قلب الشِّتاء الغربيِّ

يغنِّي، يسترسلُ، يتمادى.

 

عن الشَّاعرة:

ماريَّا غراتسيا كالاندْرونِه، شاعرةٌ، وكاتبةٌ مسرحيَّة، وصحفيَّةٌ إيطاليَّةٌ من مواليد ميلانو 1964، مقيمةٌ في روما، وتعمل مؤدِّيةً مسرحيَّةً، كما أنَّها مُعدَّة ومقدِّمة برامج ثقافيَّة في إذاعة RAI Radio 3، وناقدةٌ أدبيَّةٌ في مجلَّة Poesia العالميَّة وفي صحيفة Il Manifesto وغيرها من كُبريات الصُّحف الإيطاليَّة. من مجموعاتها الشِّعريَّة: “مِحَكُّ الذَّهب” (1998)، و”القِرْدَةُ الضَّالَّة” (2003)، و”كما لو بعَزمِ رَسَنٍ متوقِّد” (2005)، و”الآلةُ المسؤولة” (2007)، و”على فمِ الجميع” (2010)، و”صنيعُ حياةٍ مولودة” (2010)، و”الميلودراما اللانهائيَّة، روايةٌ زائفة مع ڤيڤاڤوكس” (2011)، و”سلسلةٌ أحفوريَّةٌ” (2015)، و”أنا الآخرون” (2018). حازت على العديد من الجوائز منها جائزة بازوليني (2003)، وجائزة نابُّولي (2010). تُرجِمَت قصائدُها إلى عدَّة لغات.

 

عن المترجم:

أمارجي هو الاسم الأدبيُّ للشَّاعر والمترجم السُّوري رامي يونس. وُلدَ بمدينة اللاذقية في 9 آذار/ مارس، سنة 1980.  صدر له شعراً: “ن”، 2008. بِيرودجا: “النَّص- الجسد”، 2009. “مِلاحاتٌ إيروسيَّة”، 2011. “وردةُ الحيوان”، 2014، (صدرَتْ بالإيطاليَّة عن دار تزونا كونتمبورانيا، روما، 2015). “بِفَمٍ مليءٍ بالبرق”، (شذرات)، 2019.” فيلُولوجيا الأزهار”، 2020. “شكلُ الصَّمت”، 2020، (بطبعةٍ ثنائيَّة اللِّسان، بالإيطاليَّة والعربيَّة، عن دار إديتي في باليرمو). وصدر له في الترجمة عن الإيطالية عدة كتب منها: الأرض الميِّتة، غابرييل دانُّونتسو، 2012. “الأعمال الأدبيَّة”، ليوناردو دافنشي، 2015. “شجرة القنفذ والرَّسائل الجديدة”، أنطونيو غرامشي، 2016. “البحرُ المُحيط”، ألِسَّاندرو باريكُّو، 2017.  “واحدٌ ولا أحد ومِائة ألف”، لويجي بيراندِللو، 2017. “زهرةُ القيامة: عجائب الألفيَّة الثَّالثة”، إمليو سالغاري، 2018، والكتب الثلاثة الأخيرة صدرت عن منشورات المتوسط. كما ترجم كذلك: “غيرةُ اللُّغات”، أدريان برافي، 2019. “سنةُ ألفٍ و993″، جوزيه ساراماغو، 2019.

إسلام أبو شكير يُمارس ألعابَ خفَّةِ اليَد روائيَّاً

 

كتب: حافظ الشاعر

صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الرواية الجديدة للقاص والروائي السوري إسلام أبو شكير؛ حملت عنوان: “خِفَّةُ يد”. وهي الرواية الثالثة في مساره، الذي يضمُّ كذلك ستّ مجموعاتٍ قصصية، صدر له منها عن المتوسط “أرملة وحيد القرن” 2019، بالإضافة إلى رواية “زجاج مطحون” 2016.

 

تبدأ “خِفَّةُ يد” مع الرّاوي وسلامة ويوسف وعروة المدني وسوين وملاك وسيمو وآخرين وأخريات، وتنتهي مع شخصيّة واحدة ووحيدة لا تعرف نفسها، كما لا يعرفها القارئ من هي بالضبط. شخصيّات تتخلّق مستقلّة عن بعضها البعض، لكلّ منها ذاتها الخاصّة، وتاريخها، ومزاجها، ومسارها الحرّ في الحياة. لكنّ المسافة بين الشخصيّة والأخرى تضيق شيئاً فشيئاً، إلى أن تجد الشخصيات نفسها في حالة صدام صاخب، تضطرّ معه كلُّ منها إلى ابتلاع الأخرى.

 

وبين البداية والنهاية يفتح القارئ عينيه مراراً، وهو متيقّن من أنّه أمسك بخيوط العمل، لكنّه يكتشف كلّ مرّة أنّها ألعاب الخفّة الماكرة، التي يبرعُ بها إسلام أبو شكير، ولكنه هنا يُظهِر براعة فريدة حيث يستدرج قارئه إلى ألعابه دون أن يشعر، ليكون واحداً من ضحاياها الكثر الذين كان شاهداً على سقوطهم واحداً تلو الآخر.

 

أخيراً جاء الكتاب في 80 صفحة من القطع الوسط.

 

من الكتاب:

 

لِمَ أشعر بالغضب !؟ سواي كان سيُسمّيه حزناً، باعتبار كلّ هذه الطبقات الكثيفة من الضباب التي تغرق فيها المدينة. انعدام الظلال. الصمت المطبق. الحالة الشبحيّة حيث يذوب كلّ شيء في كلّ شيء. خليطٌ غرائبيّ من الروائح عالقٌ في الهواء. لا يتحرّك. يجمع بين الحموضة والمرارة والقتامة، إلى جانب القليل الذي يكاد لا يلحظ من الرهافة الغامضة. لعلّها رهافة الزجاج المكسّر في الطرقات السريعة مع تواتر الأخبار عن حوادث مريعة هنا وهناك. لزوجة. دبق..

صباح ثقيل الوطأة.. حزين عن جدارة..

لكننّي لست كذلك.. أنا غاضب فقط.. لا أعرف ممّ بالضبط..

 

عن المؤلِّف:

 

إسلام أبو شكير؛ قاص وروائي وصحفي سوري مقيم في الإمارات. صدر له: (43<40) مجموعة قصص 2009، (استحواذ) مجموعة قصص 2011، (الـ O سلبي الأحمر والمشعّ) مجموعة قصص 2012، (القنفذ) رواية 2013، (الحياة داخل كهف – المرايا) مجموعة قصص 2016، (الحياة داخل كهف – الصور التذكارية) مجموعة قصص 2016، (زجاج مطحون) رواية، منشورات المتوسط، ميلانو، إيطاليا 2016، (أرملة وحيد القرن) مجموعة قصص، منشورات المتوسط، ميلانو، إيطاليا 2019.

  مصطفى منيغ يكتب عن :المهاجرون المغاربة متذمرون

توصلتُ يومه الأربعاء 14 أكتوبر 2020، ببلاغ مِن المنظمة الديمقراطية للشغل، بعثه لي رئيس مكتبها التنفيذي السيد علي لطفي جاء فيه بالحرف الواحد:

“المنظمة الديمقراطية للشغل تندد وتشجب وتحتج ضد الممارسات  السياسية البئيسة  لوزير الشغل والادماج المهني

 تقرر وقفة احتجاجية للعمال المهاجرين امام البرلمان احتجاجا على ظروف عيشهم واوضاعهم الادارية

          مرة أخرى يتعمد السيد امكراز وزير التشغيل والإدماج المهني  إقصاء  المنظمة الديمقراطية للشغل  من  حضور أشغال  برنامج  يتعلق بتدبير الهجرة  ودور النقابات العمالية ، دعي له فرقاء  منخرطون في قضايا الهجرة  حسب بلاغه  وضمنهم أربع نقابات عمالية  مستثنيا  مرة أخرى المنظمة الديمقراطية للشغل دون مبرر موضوعي  رغم أن المنظمة  تشكل دون منازع من أهم  واكبر  النقابات العمالية  العربية والإفريقية  المنخرطة والمهتمة بقضايا الهجرة واللجوء و العمال المهاجرين  وأسرهم .وتعتبر من أولويات أنشطتها النضالية والاجتماعية حيث  أسست  نقابة للعمال المهاجرين بالمغرب ، تنشط في  مختلف المحافل الوطنية والدولية وتحضر كل الملتقيات والندوات المتعلقة بالهجرة واللجوء وطنيا ودوليا وتناضل من اجل تحقيق مطالب العمال المهاجرين وأسرهم وفق القوانين الجاري بها العمل ببلادنا والاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، كما ان لدى المنظمة الديمقراطية للشغل فروع للعمال المغاربة في المهجر في اروبا وأمريكا  تعمل جنب إلى جنب مع نقابات أروبية وأمريكية على حماية حقوق العمال وأسرهم بناء على اتفاقية منظمة العمل الدولية  علما ان المجلس الوطني لحقوق الإنسان  في تقريره ألموضوعاتي  حول ” الأجانب وحقوق الإنسان بالمغرب من أجل سیاسة جدیدة  في  مجال الهجرة واللجوء ” الصادر في 27  یولیوز 2013  المرفوع لجلالة الملك محمد السادس   أشار إلى تجربة المنظمة الديمقراطية للشغل في هذا المجال  كما سبق ان  نوه  رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان السابق الأستاذ إدريس اليزمي  بتجربة  المنظمة  واعتبرها  فريدة على المستوى الدولي في تنظيم وتأطير المهاجرين  في إطار نقابي للدفاع عن حقوقهم  ،  كما لقيت هذه المبادرة  ترحيبا من عدة دول افريقية لكونها تضم عدة جنسيات افريقية وخاصة من أفريقيا جنوب الصحراء

     ان  معاناة المهاجرين الأفارقة  بالمغرب في ظل جائحة كورونا فيروس، لم تزد الا تأزما واستفحالا، و ظروف الحياة المتردية ، بسبب إهمال حكومي  لحقوق العمال المهاجرين وأوضاعهم المعيشية ، خاصة بعد ان توقفت أنشطتهم في الاقتصاد غير المهيكل  بسبب حالة الحجر الصحي والطوارئ الصحية  والضغوطات التي تُفرض عليهم لإخلاء مساكنهم  مع التأخر في الدفع سومة  الكراء والماء والكهرباء أو مستحقات البقال ، فضلا عن  فقدان العمل للآلاف منهم، فرغم  المجهودات والتضحيات  التي بدلها المهاجرون وأسرهم  أثناء جائحة كورونا، في احترام تام لحالة الحجر الصحي وحالة الطوارئ واستعمال الكمامات الواقية والتباعد الاجتماعي فان الحكومة أهملت قضاياهم وعطلت  عملية التسوية الإدارية التي قررها  جلالة الملك  في إطار موقف تاريخي  مشهود ومقاربة إنسانية واجتماعية ترمي إلى  تسوية أوضاع المهاجرين  في مناسبتين 2014 و2016 وتمديد مدة الإقامة الى ثلاثة سنوات بدل سنة  استحسنها المنتظم الدولي وأصبح المغرب نموذجا يحتذى به على مستوى تدبير ملف الهجرة واللجوء وحمله الاتحاد الإفريقي مسؤولية *المرصد الإفريقي للهجرة*  إلا ان الحكومة الحالية أخلت بالتزاماتها  وأهملت  حقوق العمال المهاجرين وأوضاعهم المعيشية وتعاملت مع موضوع الهجرة باستخفاف كبير حيث ظل تدبير ملف الهجرة واللجوء مؤطر  بقانون 03-02  الذي يتناقض كلية  مع   دستور المملكة المغربية،  الذي تبنى  حقوق الإنسان في شموليتها  كما هي متعارف علیها عالميا كما نص على مجمل حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،و تكریس سمو الاتفاقيات  الدولية كما صادق علیها المغرب على التشريعات الوطنية والتنصيص على العمل على ملاءمة هذه التشريعات  مع مقتضياتها

        ** تغييب المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان  ومجلس الجالية المغربية بالخارج  من البرنامج وهم الجهات  الدستورية والحكومية المهتمة عن قرب ،

  ** عدم احترام وزارة الشغل والإدماج المهني  لتوصيات من منظمة الصحة العالمية ”WHO“ تتعلق بالصحة العامة للعمال المهاجرين وأساليب حمايتهم القصوى من فيروس كورونا (كوفيد 19) ، أثناء أداء مهامهم في القطاعات والوحدات الصناعية المختلفة و صعوبات حصول العمال على الرعاية الصحية والتأمين الصحي بسبب غياب  التسجيل في الصندوق الوطني  للضمان الاجتماعي مع ندرة  مفتشي الشغل واستمرار وزارة الشغل والإدماج المهني في تجاهل مطالبهم في نظام أساسي جديد يضمن كرامتهم وحقوقهم المادية والمعنوية والمهنية ،

 

    ** غياب قرارات تضمن احترام حقوق العمال المهاجرين وسلامتهم أثناء أداء مهامهم سواء قبل الجائحة أو إبانها

  **إهمال وزارة الشغل والإدماج المهني لحقوق العمال المهاجرين  المغاربة و العاملات الزراعيات المغربيات وتركهن عرضة للاستغلال والتحرش  في القطاع الزراعي خاصة  بأروبا في  اسبانيا وايطاليا ، مع انتشار فيروس كوفيد-19    

***التقاعس في  تسوية أوضاع العمال المهاجرين، خصوصا العاملين في مجالات أثبتت ضرورتها في فترة الحجر الصحي، مثل خدمات التوصيل والنظافة العامة والخدمات المنزلية والصحة .

   **عدم المساواة في معاملة العمال المهاجرين واحترام حقوقهم ووجوب اتخاذ إجراءات لحمايتهم من الجائحة. ضمان حقوقهم وصحتهم أثناء أداء مهامهم والمساواة بينهم وبين العمال المحليين.

 

      فأمام تدهور أكبر في أوضاع العمال المهاجرين ندعو الحكومة وخاصة وزارة الداخلية والخارجية  لاتخاذ إجراءات فورية لتحسين الظروف المعيشية للعمال المهاجرين،  واعتماد سياسة  جدیدة إرادية  في مجال الهجرة واللجوء  تستمد فلسفتها من التوجيهات الملكية ،  وترتكز على حقوق الإنسان  وإشراك المجتمع المدني  المنخرط فعليا في هذا المجال بدل سياسة الارتجال والتمييع  والبحث عن تمويلات لا تخصص حقيقة لتحسين الحكامة في  تدبير الهجرة  واللجوء ولتأمين ظروف عمل وعيش مناسبة للعمال  والعاملات المهاجرين سواء بالمغرب او لمغاربة العالم ،  بالإضافة إلى وقف التفرقة والإهمال والتمييز  التي تمارس ضدهم خصوصا في هذه الأوقات الحرجة الموسومة بجائحة كورونا المدمرة .  واتخاذ قرارات تضمن احترام حقوق العمال المهاجرين وسلامتهم أثناء أداء مهامهم سواء في ظل الجائحة او بعدها . قبل أن ينتهي الأمر بموت بعضهم في هده الظروف الصعبة خاصة ان أعداد كبيرة  منهم مصابون  بأمراض مزمنة  يجهلونها و دون علاج

   وقد قررت المنظمة الديمقراطية للمهاجرين العضو بالمنظمة الديمقراطية للشغل القيام بوقفة احتجاجية أمام البرلمان احتجاجا على تأزم أوضاعهم المعيشية والحياتية .

   وفي الأخير نجدد تنديدنا وشجبنا واحتجاجنا على  هذا الإقصاء المتعمد  وذو خلفيات سياسية بئيسة ومتخلفة ، صادرة عن وزير الشغل والإدماج المهني  الذي بصم سجله الحكومي كأكبر منتهك لحقوق العمال بخرقه لمدونة الشغل الوطنية  من خلال حرمانه لمستخدميه من حقهم  في الضمان الاجتماعي وفي الزيادة في الأجور 10 في المائة  على دفعتين . كما قررتها الحكومة التي ينتمي إليها كما ننبه على انه أخر وزير يهتم بملف العمال المهاجرين بالمغرب وخارجه بل فقط  الغلاف المالي المرصود من الاتحاد الأوربي” .