إن السعادة الفردية والاجتماعية التي هي الهدف الأسمى والغاية القصوى للحياة، لا تتحقق إلا بمراعاة الفرد مبادئ الصحة النفسية، والصحة النفسية هي وجود حالة من التعادل بين سائر القوى والدوافع الجسدية والنفسية والروحية ، وهوما يعبر الحد الوسط بين الأفراط والتفريط في أبعاد الإنسانية المختلفة.
الصحة النفسية علامة من علامات التقدم والتحضر وقبل ذلك مطلب ضروري من مطالب الحياة السعيدة سواء للفرد نفسه أو على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع، فكلما تمتع المجتمع بصحة نفسية، كلما ترقى هذا المجتمع وترقى أفراده وزادت قدراتهم على العطاء وتقديم الخدمات التي بدورها تساعد على تطور ورقي المجتمع من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الصحة النفسية هي الحالة التي يشعر الإنسان فيها بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين ويكون قادراً على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن ويكون قادراً على مواجهة مطالب الحياة وتكون شخصيته متكاملة سوية ويكون سلوكه عادياً بحيث ويعيش في سلامة وسلام.
إن الصحة النفسية من المنظور القرآني هي تفاعل متزن بين العوامل الاجتماعية والنفسية والتوجيهات الروحية التي تؤدي إلى مزيد من القدرة إلى الوصول للمعرفة والإدراك الصحيح ما يجري للإنسان وما يجري حوله.
ركز الإسلام كثيرا على النواحي النفسية والاجتماعية والإنسانية فجعل المسؤولية فيها مشتركة بين الأسرة والمجتمع والدولة. إن المنج القرآني يحرص على أن يكون الفرد متصالح مع ذاته من جهه ومع الآخرين من جهه أخرى، هذا فضلاً عن بث روح التفاؤل والإنخراط مع الآخرين دوماً في نواحي الحياة المختلفة مما يحقق للفرد حالة من الثقة الداخلية والتوازن والصحة النفسية.
إن غاية الإسلام في شموليتها وتكامكلها وانسانيتها تشكل الإطار العلم النظرية التربوية في الإسلام التي محورها في بناء شخصية الإنسان المتكلملة. فيقوم الإسلام على تربية الإنسان منهجاً تربوياً هادفاً يحقق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في شخصية الإنسان مما يؤدى إلي تحقيق الشخصية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية.
لقد اهتم الإسلام بتعليم الإنسان مجموعة من الخصال والعادات الضرورية لنضجه الانفعالي والاجتماعي ولنمو شخصيته ، ولإعداده لتحمل مسؤولياته في الحياة ، وللقيام بدوره في تقدم المجتمع وعمارة الأرض بحيوية وفعالية لكي تتحقق فيها الصحة النفسية.
اتخذ الإسلام في تربية للإنسان منهجا تربويا هادفا يحقق التوازن بين الجانبين الروحي والمادي في شخصية الإنسان مما يؤدي إلى تكوين الشخصية السوية التي تتمع بالصحة النفسية. يحقق المنهج القرآني أركان الصحة النفسية في بناء شخصية المسلم بتنمية الأوصاف الأساسية الآتية.
- الإيمان: يؤكد الإسلام على ركيزة أساسية آلا وهي الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته. لقد قرر الإسلام أن يستمد الفرد من القرآن الكريم والسنه النبوية الشريفة كل ما يحقق له التوازن النفسي الداخلي وهذا ما يعرف بالصحة النفسية. إن الإيمان بالله تعالى يملأ النفس بالانشراح والرضا والسعادة.
-
التقــــوى: ويتضمن مفهوم التقوى أن يتوخى الإنسان دائماً في أعماله الحق والعدل والأمانة والصدق، وان يعامل الناس بالحسنى ، ويتجنب العدوان والظلم. ثم يتضمن مفهوم التقوى أن يؤدى الإنسان كل ما يوكل إليه من أعمال على أحسن وجه ، لأنه دائم التوجه إلى الله تعالى في كل ما يقوم به من أعمال ابتغاء مرضاته وثوابه. وهذا يدفع الإنسان دائماً إلى تحسين ذاته. فالتقوى من العوامل الرئيسية في نضوج الشخصية وتكاملها واتزانها، وفي بلوغ الكمال الإنساني وتحقيق السعادة والصحة النفسية .
-
العبــــــادة: إن القيام بالعبادات المختلفة من صلاة وصوم وزكاة وحج وإنما يعمل على تربية شخصية الإنسان وتزكية نفسه وتعليمه كثيراً من الخصال الحميدة المفيدة التي تعنيه على تحمل أعباء الحياة التي تساعد على تكوين الشخصية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية. إن التقرب إلى الله تعالى بالعبادات يبعث في الإنسان الشعور بالسعادة والأمن النفسي ويمده بقوة روحية عظيمة.
-
الصبر: يقرر القرآن الكريم ضرورة أن يصبر الفرد على الإبتلاءات التي تواجهه على مدار مراحل حياته المختلفة وأن يوقن دوماً أن بعد العسر يسَر. إن الشخص الذي يقابل المصائب والمواقف العصيبة بصبر وثبات، إنما هو شخص سوي الشخصية يتمتع بقدر كبير من الصحة النفسية.
الإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والسواء والصحة النفسية ويرشد إلى الطريق الأمثل لحقيق الذات ونموالشخصية وترقيها في مدارج الكمال الإنساني. يحرص الإسلام على تحقيق التوازن النفسي للشخصية المسلمة من خلال الدعوة إلى الإلتزام بتعاليم الإسلام مشيرا إلى أن الإلتزام بها يحصن الإنسان ضد الإصابة بالأمراض النفسية مثل القلق والإحباط والاكتئاب والتوتر. هكذا يقوم الإسلام على تربية الإنسان منهجاً تربوياً هادفاً يحقق التوازن بين الجانبين المادي والروحي في شخصية الإنسان مما يؤدى إلي تحقيق الشخصية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية.
*كاتب المقال
جامعة عالية ،كولكاتا – الهند