سَجِّلْ نبضات عقلك ..بقلم : حاتم عبد الحكيم

سَجِّلْ : اكتبْ ودوِّنْ ، ويقصد بها هنا : ليس الكتابة على الورق فقط بل لواقعك الذي نقصده بدقة ، ونبضات : دقات وضربات ، ويقصد بها هنا : الأفكار ، و عقلك : ما يكون به الإدراك ؛ الفهم ، والتفكير ؛ إعمال الأفكار وإطالة النظر ، والاستدلال : الإتيان بالبيِّنة والدَّليل .

عزيزاتي، أعزائي الكرام مقياس حياتنا هذه : “عمرُ الحياةِ يُقاس بالزمن السعيد ” ( فاروق جويدة )، فلابد أن ندرك جيدًا أن : ” الوقت الذي تستمتع بإضاعته ليس وقتا ضائعا ” ( برتراند راسل ) .

قلوبنا تنبض 24 ساعة، 7 أيام في الأسبوع، 52 أسبوعا في السنة ، وكما أن القلب ينبض فيجب أن يكون العقل كذلك .
فالأمر :” لا يحتاج الأمر إلى كثير من الجهد للقيام بأعمالنا ، لكن الأمر يحتاج إلى كثير من الجهد للتقرير أي الأعمال يجب أن نقوم بها ” ( البرت هوبارد ) .

فلتدعوا الله أن يستخدمك ولا يستبدلك ، ويجعلك ممن تسير بالحكمة – أو تحاول – وتكون أنت وفكرتك(رأي خاص ووجهة نظر) نموذجًا – ولو بسيط – لإنارة ظلام ، وزيادة وعي ، وتجديد المعتاد ، وتنشيط الواقع .. فأنت بالفعل تقترب من الخير والعطاء ، حيث :
– ” يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ “[البقرة: 269]
– ” لأن الرب يعطي حكمة ، من فمه المعرفة و الفهم “( الأمثال – 2 :6 )

ولتكتمل دعوتك ؛ عليك بإضافة ؛ أن يُبعدك – الله- عما يُعيقك” الناس الذين يدّعون أن بعض الأهداف مستحيلة التحقيق، يجب أن لا يتدخلوا في محاولات غيرهم لتحقيقها”( جورج برنارد شو ) .

و” لا يكفي في الفكرة أن تكون صحيحة بحد ذاتها . الأحرى بها أن تكون عملية ممكنة التطبيق “( مهزلة العقل البشري – د.علي الوردي ، صـ 13 ، النسخة الإلكترونية )

* من تطبيقاتي للتمرين على إعلاء قيمة نبضات العقل والقلب ، أرصد أمثلة عملية واقعية :

_ فكرتي مع أصدقائي ومعارفي من أيام رمضان ٢٠١٦ : جولة كل يوم صلاة تراويح بمسجد مختلف ؛ لاكتساب قيمة التعارف ورؤية أشخاص وأفكار ومعرفة أماكن وعلاقات جديدة ، ومعرفة ثقافات المناطق المتنوعة .

– تستطيع أن تكون على صلة رحم ليس أقارب الدرجة الأولى فقط ، بل توسَّع في دائرة صلتك فنحتاج هذه النبضة كثيرًا : ((لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا))؛ حديث نبوي .

_ إسعاد الناس جزء من إسعادك ، فجرب أن تسهل حاجة الناس بما تمتلك ، إن كنت تمتلك سعادتهم بمنابر وأماكن نشر لإبراز رأيهم وموهبتهم وطموحاتهم ، فلتفعل .

فعلينا أن نجعل نبضات عقولنا لنبضات قلوبنا .

الصورة المشهدية بين التناص والشاعرية ..قراءة نقدية في رواية “آبق” لعماد الدوماني ..بقلم: سيد فاروق

توطئة:
****
حينما نتحدث عن شاعرية السرد أو السرد المُشَعَّر إن صح التعبير فإننا نقصد ما تفعله اللغة الشعرية في السرد من جمال يحلق بنا في فضاء رحب من الخيال، على أنَّ هذا المستوى الجمالي للرواية الحديثة نقصد به لغة السرد المستخدمة حيث تعد هذه اللغة بما حَوَتْ من جمال عنصرًا رئيسًا في بناء الخطاب الروائي المعاصر، وملمحًا بارزًا يسهم في تشكيل العلاقة مع سائر مكونات البناء الفني للعمل الروائي من: رؤى وشخوص وأحداث وفضاء، على أنَّ هذه اللغة هي التي تمكننا من الوقوف عند أنماط التشكيل اللغوي في الرواية، والتي غالبًا تتشكل من ثلاثة أنماط رئيسة تسهم في إقامة البنية الداخلية للرواية، وهي: لغة السرد، ولغة الحوار، ولغة التفاعل النصي.
الأمر الذي يدعم الإجابة على عدة أسئلة من أهمها :
هل لغة هذه الرواية، من مفردات وتراكيب جاءت منسجمة مع نسيج العمل الروائي العام أم لا ؟،
وهل هي لغة حيَّة في انفتاحها على لغة الحياة اليومية، وفي تنوّعها اللغوي وتعدديَّتها، وضروب اشتغالها داخل النص في مستوييه: الفني والدلالي ؟ وعلى ذلك تكون اللغة هي أحد أهم الأبطال في العمل الأدبي بشكل عام وفي الرواية بشكل خاص ذلك أنه إذا نجحت اللغة قادت المتلقي نحو التيمة المرادة والهدف المقصود من العمل الإبداعي فعند القراءة لا بدَّ لنا أن نعي أننا بصدد تجربة إبداعية تتضح معالمها من خلال الفكرة العامة للنص أو ما يعرف بالتيمة أو المضمون، ومن هنا ندلف إلى القراءة في رؤاية “آبق” للروائي عماد الدوماني والتي نحاول من خلالها الغوص في أعماق المتن في محاولة استكناه وفك شفراته وإضاءة ما به من عتمات وهو في تقديرنا مناص النقد المعاصر وغايته، وستكون القراءة من خلال العناصر الرئيسية التالية :

  • قراءة في المواقع الاستراتيجية:
  • التناص
  • شاعرية السرد
  • الصورة المشهدية
  • الحكمة
  • النهايات المفتوحة
  • استخلاصات ونتائج

قراءة في المواقع الاستراتيجية


سنتناول في هذه القراءة بعض المواقع المهمة والتي تقع على هامش المتن وهي ما يعرف بالعتبات النصيَّة أي أنها كل ما يقع في المحيط الخارجي للنص الإبداعي باعتبار النص مملكة الكاتب وساحته الإبداعية، فإنَّ المواقع الاستراتيجية على خارطة النص الأدبي الإبداعي باختلاف الأجناس الأدبية هي:
تلك الأماكن التي تحتل مكانة مهمة وموقعًا متميزًا في النص الإبداعي، التي تسهم بشكل كبير في تفسير النص وتأويله وإضاءة ما به من عتمات وإظهار ما به من مواضع الإشراق، أي أنها مواقع استراتيجية مهمة ترتبط بالنص ارتباطًا وثيقًا، هذا الارتباط يحكمه علاقة تفاعلية تكاملية تفسيرية بين تلك المواقع والنص الإبداعي الأصلي. (1 )

العنوان:


وحينما نتحدث عن أولى المواقع الإستراتيجية في الرواية فإننا نعني بذلك خطاب العنوان باعتباره أقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي، وتثير لحظة تلقيه انفعالًا ما مع المضمون النصي، إذ تشكل تلك اللحظة إغواء للمتلقي بضرورة الولوج إلى داخل النص وكشف مدى ارتباط العنوان بمكوناته سواء الخطاب السردي وما يرنو إليه من مضمون على أننا نحلل التجربة الإبداعية للكاتب من خلال التيمة أو ما يعرف بالفكرة الرئيسية للعمل الإبداعي .

وعلى ذلك فالعنوان مهما تعددت تحديداته فهو ” ضرورة كتابية ” ( 2)، أو (بؤرة النص) (3 )، أو ” مفتاح دلالي ” (4 )، أو ” لامة لسانية ” ( 5)، تختزن مكونات النص وتحرك المتلقي باتجاه تحفيزه في دخول تلك المكونات مع دلالاتها بوصفه ” بنية صغرى لا تعمل باستقلال تام عن البنية الكبرى التي تحتها، فالعنوان بهذه الكينونة – بنية افتقار يغتني بما يتصل به من قصة، رواية، قصيدة، ويؤلف معها وحدة سردية على المستوى الدلالي ” (6 )، ويفترق عنها بوصفه ” مرسلة مستقلة مثلها مثل العمل الذي يعنونه ودون أدنى فارق بل ربما كان العنوان اشد شعرية وجمالية من عمله في بعض الإبداعات التي يتوقف اكتشاف المدخل النقدي إليها على بناء نصية العنوان أولًا وقبل أي شيء آخر ” (7 ).

وبمشاهدة الصفحة الأمامية لغلاف رواية “آبق” لعماد الدوماني نرى أنفسنا أمام عرض ماتع يثير في أنفسنا عواطف ومشاعر تحفيزية لقراءة الرواية، حيث أن “الآبق” الذي يستحضره القارئ في أفق التوقع من الموروث الثقافي هو ذلك الآبق الشهير في قصة بني إسرائيل الذي مُنعَ القوم القطر من السماء بشؤم ذنبه حتى ناجى موسى عليه السلام ربه عز وجل ثم نادى في القوم بأن يخرج من بينهم هذا العبد الآبق حتى ينزل القطر إلا أنَّ السماء فاضت عليهم بالخير بتوبة العبد الآبق نفسه.

“آبق” عنوان غامض لا يسلم نفسه بسهولة للمتلقي حيث يثير حافظته للمضي قدمًا في سبر أغوار النص الإبداعي للرواية وهكذا دائمًا تصنع تلك العناوين الغير مباشرة في القارئ فتضعه بين فكي رحى من الإغواء والإغراء من خلال ما يثيرة الموقع الإستراتيجي للعنوان “آبق” وما يطرحه من تساؤلات في نفس المتلقي فمن هو الآبق؟ !!!
وما هي الخطيئة التي ارتكبها؟ !!! وعلى من أعلن العصيان ؟!!!
ثم من هو السيد ؟!! وما هي الأحداث التي أدت به لإعلان العصيان ورفع درجة تداعياته ؟!!!

لقد انقلب الهامش مركزيا وأصبحت القراءة النقدية دون الولوج من محيطها الخارجي او ما يعرف بالعتبات قراءة ناقصة يشوبها الكثير من الخلل على أنَّه في تقديرنا أنَّ قراءة العتبات ليست دستورًا ولا منهجًا وإنما هي من باب الشمول النقدي الذي نسعى إليه حيث تساعد في فك غموض النص وإضاءة ما به من عتمات.
كما أنَّنا نلاحظ اللون الأحمر الذي كتب به العنوان “آبق” يعبر عن مدى الدماء التي أريقت في سبيل ذلك التمرد والعصيان فهو طريق ممزوج بالدم لذا كتب بهذا اللون الصارخ.

“آبق” عنوان الكلمة الواحدة أي أنَّه مختصرًا ومختزلًا يحمل العديد من الدلالات كما يحمل في طيَّاته العديد من التساؤلات التي تثر المتلقي للكشف عنها والوقوف على ما ترنو إليه من مدلول.

الأيقونه البصرية :


وهي تصميم الغلاف اللوحة المرسومه على صفحة الغلاف الأمامية صورة لعبد أسود عارى الجسد إنسان بدائي بالكاد يستر عورته يحمل في يديه شومة كبيرة يرفعها ويقف على أرض قد ثُبِّتَتْ فيها قدمه اليمنى المكبلة بالسلاسل والأغلال وكأنه خلق للرق، ينظر هذا العبد تجاه ما عُبِّد له بوجهٍ عابث وكأنَّ شئم المعصية ارتسمت على جبينه المخطوط عرضًا الأمر الذي يشعرك للوهلة الولى أنك أمام قصة أسطورية سِيقتْ إلينا من محجر التاريخ البدائي وهي مراوغة تشويقية من الكاتب تتلاشى بمطالعة الفصل الأول من الرواية فتجد نفسك امام قصة لرجل أعمال يعيش في عصرنا الراهن، أما في خلفية الصورة فتظهر لوحة بها نافذة تطل على بحر يتوسط تلك اللوحة جسر وخلف هذا الجسر سماء رمادية اللون مما يضعنا في منطقة البين بين والارتياب وعدم اتضاح الرؤية وكأنَّ هذا الجسر منطقة وسطى هي الحد الفاصل بين عالم المادة من بشر وأرض وبحر وبين عالم الروح، والخيال اللَّا محدود، هذه الأيقونات البصرية على لوحة الغلاف الأمامية تتماهى مع العنوان بشكل كبير فالآبق هو العبد العاصى عابث الوجه المتمرد على سَيِّدِه، ورغم أنَّ التصميم مباشرًا لا يحمل نوعًا من السريالية إلا أنه في تقديرنا أقرب ما يكون لتفسير العنوان “آبق” في ذهن المتلقي حتى تزيد تصاعد وتيرة الإثارة لدى القارئ والتشويق لقراءة الرواية .

اسم الكاتب :


يمكن اعتبار أسماء المؤلفين والعلامات التصويرية والتشكيلية الموجودة على الغلاف الخارجي داخلة في التعبير عن الشكل الخارجي للرواية، كما أنَّ ترتيب واختيار مواقع كل هذه الإشارات لا بدَّ وأن يكون له دلالة جمالية أو قيمية مضافة، فوضع الاسم في أعلى الصفحة لا يعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في أسفلها، ولذلك غلب تقديم الأسماء في معظم الكتب الصادرة حديثًا في الأعلى، إلا أنه يصعب على الدوام ضبط جميع التفسيرات الممكنة وردود أفعال القُرَّاء، وكذا ضبط نوعية التأثيرات الخفية التي يمكن أن يمارسها توزيع المواقع في التشكيل الخارجي للرواية، إلا إذا قام الباحث بدراسة ميدانية.
غير أننا نرى أنَّ وضع اسم الكاتب أعلى صفحة الغلاف باللون الأبيض في رواية “آبق” له عدة دلالات وخصائص، منها مواكبة الإصدارات الحديثة من المؤلفات كما أنه يرنو للعلو والرفعة غير أن اللون الأبيض والذي أختاره الدوماني لاسم الكاتب يعطي بارقة أمل للخروج من المنطقة الرمادية المتعادلة في اللوحة التشكيلية كما أنَّ اللون الأبيض أيضًا يحمل في علوه هالات من الصفاء والنقاء مما يصدر للقارئ طاقات إيجابية جذابة.

الصفحة الخلفية:


تظهر الصفحة الخلفية لرواية آبق بعض الأيقونات البصرية حيث يعلوها صورة للكاتب على يمن الصفحة وهو يجلس على مكتب يمارس مهام عمله، كما يوجد ظل للعنوان “آبق” في نفس المكان الذي كتب عليه في الصفحة الأمامية وكأنه طبع ظله على الصفحة الخلفية للغلاف، كما أعطى الكاتب نبذة مختصرة عن البطل وحياته ومعاناته في سطور شاعرية تشويقية تثير حافظة القارئ ليمضي مسرع الخطى في سبر أغوار النص الإبداعي .

الإهداء:


يعد الإهداء- حسب الباحث المغربي بنعيسى بوحمالة:” تقليدًا ثقافيًا ينم، بلا شك، عن لباقة أخلاقية إن لم تكن واجبة فهي، على الأقل، مستحبة، فهو شبيه بالتقريظ الذي كان معمولًا به في العصور الأدبية العربية القديمة”( 8) .
بيد أننا نرى أنَّ الإهداء أحد المواقع الاستراتيجية المهمة على خارطة النص الإبداعي، والذي لا يمكن إغفالها على الإطلاق، لذا كان لزامًا على الكاتب أن ينتقي تلك العبارات التي تنم عن ثقافته، ولباقته، وميوله، وأهدافه، وقد جاء إهداء رواية “آبق” من نوع خاص يحمل لغة شاعرية ، حيث قال :
للقِلـــــــبِ النابـــضِ بالحُبِّ وفؤادٍ يملــــؤُه النــــــورْ
ولسانٍ قد عَهدَ الصدقَ ولعقـلٍ يَخشـَاهُ الـــزُور

تختلف لغة الإهداء عند الدوماني عن غيرها، فتبدو محملة بالعديد من الإشارات والإيحاءات، التي تكتنفها المشاعر والعواطف والانفعالات، فهي لكل قلب محب عامر بالضوء، على أنَّ هذا النور المكتظ داخل القلب هو الذي يجعل اللسان صادق دائمًا كما ينأى بالعقل عن مواطن الزور، إهداء “آبق” يصدِّر للقارئ ملاحظة مهمة ومتعمدة من الدوماني هي رسالة تعريف بالكاتب الذي يكتب رواية “آبق” هو بالأساس شاعر ليتأهب المتلقي ويستعد لما تحملة لغة السرد فيما بعد من شاعرية.

التناص


يعرف التناص أختصارًا أنه حضور نص سابق داخل نص أخر لاحق، وهو ما أسماه الباحث الفرنسي جيرار جينت بالتعلق النصي أو التجاوز النصي (hypotextualité) ويقصد جينت بهذا المصطلح العلاقة التي تربط بين النص (الحديث) كنص لاحق (hypertexte) والنص (القديم) كنص سابق (hypotexte) وهي علاقة تقليد أو محاكاة أو تحويل. (9 )

أما جوليا كريستيفا (10 )Julia Kristeva فقد عبَّرت عن مفهوم التناص بقولها: ” أنه ترحال للنصوص وتداخل نصيّ، ففي فضاء نص معين تتقاطع وتتنافي ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى “( 111).
أو ” هو ذلك التقاطع داخل التعبير مأخوذ من نصوص أخرى “( 2)؛
الأمر الذي دفع بمصطفى السعدني صاحب كتاب التناص الشعري إلى التعليق على هذا المفهوم بقوله: ” وكل نص طبقًا لهذا التصور سيكون ذاتًا موحدة مستقلة، لكنه قائم على سلسلة من العلاقات بالنصوص الأخرى سواء كان ذلك بالحوار أو بالتعددية أو بالتداخل أو الامتصاص” ( 13).

كما عبر عنه الناقد الفرنسي بارتBarthes وبمفهوم أوسع وأشمل حيث يرى أن ” كل نص هو تناص، وأن النصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة، وبأشكال ليست عصية على الفهم بطريقة أو بأخرى، إذ تتعرف نصوص الثقافة السالفة والحالية فكل نص ليس إلا نسيجًا جديدًا من استشهادات سابقة “(14 ).

كما يأتي التناص على شكلين الأول الشعوري والأخر اللا شعوري حيث تناص الوعي أو الشعور هو تناص الإدارك فالكاتب يعي جيدًا أنَّ ما يكتب مستلهم من نص آخر أما تناص اللا وعي وهو أن الكاتب يأتي به في شكل غير مباشر فلا يشعر به وإنما يكون نتيجة لثقافات، وموروثات، وقيم وأعراف، وعقائد لدى الكاتب مطبوعة في ذاته.

وقد احتفي الكاتب عماد الدوماني بالتناص بداية من العنوان “آبق” وهو يتناص مع قصة العبد الآبق لبني إسرائيل، وكذا احتفى الدوماني بالتناص على نوعيه كما سنعرض ذلك بشيءٍ من التفصيل:

تناص الوعي:


يظهر التناص الشعوري أو كما يقال تناص الوعي في بعض مقاطع الفصل الثاني منها حينما عاد لكاميرات الطابق السفلي فلاحظ أن البيت مُضاء ” على الرغم من أنه ذات الوقت الذي دخل فيه البيت فوجد ظلامًا دامسًا، إذا أخرج يده لم يكد يراها .”
وهي تتناص مع الآية الأربعين من سورة النور حيث قال تعالى في محكم التنزيل: “أو كظلماتٍ في بحر لجي يغشاه موج……. ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور” (40) سورة النور.
وكذا ظهر تناص الوعي حين قال الكاتب:
“فيتعظ ويعتبر من كان له سمعٌ موصول بعقلٍ وقلبٍ”، وهو تناص مُستلهم من اللآية سبعة وثلاثون من سورة “ق” حيث قال تعالى ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ” (37).

أما الفصل الرابع فقد ظهر تناص الوعي بشكل مختلف حينما كان قلب “شريف” يتعذب حيث شبهه بقطعة اللحم على النار فقال: “على السَّفُود وضعت” وهذا تناص مع التراث الأدبي الحديث حيث تطابقت الجملة السابقة مع عنوان كتاب للأديب مصطفى صادق الرافعي “على السفود” هو كتاب نقدي يجسدُ واحدةً من أشهر المعارك الأدبية التي دارت بين الرافعي والعقاد وبذلك فإنَّ الجملة التي وصف بها الكاتب حرقة قلبه على فراق ابنته “نور” تتناص لفظًا مع عنوان مُؤَلَفْ لقامة من قامات الأدب في القرن العشرين وهو ما نطبق عليه استلهام من التراث الأدبي الحديث الأمر الذي ينم عن ثقافة الكاتب وسعة أفقه واطلاعه وشدة تأثره بالموروث الثقافي .

تناص اللا وعي :


أما نهاية الفصل الثالث فقد احتفى بالتناص في ابهى صوره وفي غير موضع من القرآن الكريم حين صرخ فيه الصوت المخيف قائلًا: ” لن نتركك مستيقظًا أو نائمًا حيًا أو ميًّا، هيّء نفسك للمواجهة، فمن ذلك الباب يأتيك الحسابُ. لو ابيضت عيناك سَنُريك، وسَنُسمعُك ولو كان في أذنيك وقر، لا ظهير لك اليوم يا هذا، وإنَّ الشيطان الذي تواطأت معه لن يُغني عنكَ الليلة شيئًا”
نلاحظ في المقطع السابق أنَّ جملة ” ابيضت عيناك ” مستلهمه من الآية رقم أربعة وثمانون من سورة يوسف ” وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
على أنَّ بياض العين لفظ قرآني ناتج عن الحزن الشديد حتى تصاب العين بما يعرف طبيًّا بـ “المياه البيضاء” والتي قد تتسبب في بعض الحالات انعدام الرؤية لدى الشخص المصاب بها.

وجملة ” وسَنُسمعُك ولو كان في أذنيك وقر” استلهمها الكاتب من الآية السابعة لسورة لقمان “وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان

أما الجملة الأخيرة في نهاية الفصل الثالث ” لن يُغني عنكَ الليلة شيئًا ”
مستلهمة من الآية ستة وثلاثون من سورة لقمان ” وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)

الفصل الرابع قال الكاتب على لسان “نور” وهي تذكر والدها بما فعل: “رفضت توسُّلاتهم وأنزلت بهم سوء العقاب”
وهي تتناص مع عدة آيات من القرآن الكريم منها ما جاء في سورة الأنفال حيث قال الله تعالى: “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(25) (الأنفال)

هناك تناص ممزوج بالحكمة والحكبة الدرامية حينما أخبرته ابنته أنها ألقت له طوق النجاه “فالتقطه لتنجو، وإلا في لجةِ يم الطغيان تهوى ”
ثم تابعت قائلة:
“لي موعد لا أخلفه وها قد اقترب، وداعًا.”
وهي تتناص مع الآية سبعة وتسعون من سورة طه قال الله تعالى: ” قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ” (97)
واستمر التناص بنوعية ملازمًا للغة السرد في كافة فصول الرواية فحينما جاءته رسالة على هاتفه من مجهول بأن ينفذ عهده في الفصل الثاني عشر قال الكاتب واصفًا ما صنع شريف آنذاك “حتى يقُدَّ قميص الشَّك حاول الاتصال على الرقم الوارد منه الرسالة فلم يفلح”
وهي تتناص مع عدة آيات من سورة يوسف منها ما قال تعالى “واستبقا الباب وقدَّت قميصه من دبرٍ وألفيا سيدها لدى الباب ……..”(25) سورة يوسف.

وإجمالًا هذا تناص مع القرآن الكريم واستلهام اللا وعي أو كما يطلق عليه تناص لا شعوري وهو يأتي نتيجة لمرجعيات ثقافية اختمرت لدى شعور الذات الكاتبة حيث اختزلت في طياتها ارث ديني يخرج بلا إرادة ليسجل حضورًا طاغيًّا في بنية النص الإبداعي فيرتقي به أعلى المراتب وينطلق به من نطاق القطر إلى فضاء العالمية الأكثر رحابة والأوسع انتشارًا .

شاعرية السرد :


أنَّ القيم التعبيرية للّغة لا تنفصل عن معرفة الدّوافع النّفسيّة، لأنها كشفٌ عن نوازع الإنسان الذي ينطق بها، وكشف نوازع المخاطَب من قبل المخاطب هو أولى درجات الفهم والاستيعاب، وعليها يعتمدُ فهم النّص وصياغة الاستجابة (15 )،
فالنّص رسالةٌ أدبية ونوعٌ من أنواع التّواصل بين الكاتب و القارئ، إذ تشكّلُ اللّغة مادة الأسلوب الذي يستمدّ الحياة والقوّة من طريقة استخدام المفردات المناسبة، ومن السّرّ في ربط الكلمة الحيّة القويّة بأختها، حيثُ يتهيّأ من هذا المركّب طريقًا في التّفكير؛ فاللّفظة هي الفكرة وهي الحياة الاجتماعية ( 16)، ويتركّز الاهتمام بالألفاظ في دقّة معانيها وفي التّراوح بين الدلالات الذّاتية ومختلف الدلالات الإيحائية.

شاعرية السرد تكمن خصوصيتها في مغايرتها الكلام المألوف، واتّخاذها الانزياح سمةً من سمات الهدم والبناء، فتبتعد عن التعقيد والألغاز؛ كما أنها تفجّر نمطية اللغة العادية وتحرّف نظامها القديم وتنتقل بها من لغة قاموسية إلى لغـة يعاد تشكيلها من جديد وفق رؤية الكاتب بعيدًا عن التقريرية الجافـة( 17)، فهي في نظر جون كوهين “تحطّم البنية القائمة على التّقابل، والتي تعمل داخلها الدلالة اللغوية، إنّها تطلق سراح المعنى من الصّلات الدّاخليّة التي تربطه بنقيضه، وهي الصّلات التي يتشكّل منها مستوى اللّغة، والتي تجسّد مستوى اللاّ شعريّة في الخطاب…”(18 )، فهو الخروج عن المألوف وعن العبارات الجاهزة لتدخل اللغة مجال المفارقة، كما أنها –في نظر كوهن– تستعير شاعريتها من العالم الذي تصفه (19 ) .

وفيما يلي عرض لبعض الجمل الشاعرية التي وردت في رواية “آبق” والتي كانت مصاحبة للذات الكاتبة في كل فصول الرواية من بدايتها وحتى النهاية:

“أحاطت شرانق الحيرة والشك بشريف إحاطة مُكبلة، فخنقته الوساوس والظنون”
“بحـر من الحيرة متلاطم الأمواج يتقاذف شريفًا، ويجذبه على بطنه العميق. تدور في نفسه أسئلهٌ مزعجة ودوامة تبتلع عقله”
“ارتـدت ملامح وجـهه ثوبَ حـزنٍ كالحٍ”
الفصل الثالث
” مضت تجلبُ ما أرادت، وتركت “شريفًا” تلعب رياحُ الشك والحيرةِ بسفينة رأسه ”
“أغلق الهاتف وتدحرجَ الرعبُ الكامنُ في نفسه إلى عينيه”
“فضحك ضحكةً مجلجلةً هتكت أستارَ الصمت”
“ذهولٌ يهجمُ على “شريف” وينابيع من خوف تتفجر في رأسه”
الفصل الرابع
“فمذ أن رحلتِ وقلبي كقطعة لحمٍ تشوى، يقلبونها يمنةً ويسرةً على نار لا هي تفنى ولا قطعة اللحم تبرحُ نارها”
“في لجةِ يم الطغيان تهوى”
الفصل الثاني عشر”وها أنا عالق في برزخ مظلم بين الحياة والموت”
أنَّ ما تم عرضه من نماذج لشاعرية السرد في رواية “آبق” ” يُثير في المتلقّي متعة فنّيّة تكمن في لذّة الاكتشاف”(20 )، وتستمدّ اللّغة الشّعريّة نسقها من التّشكيلات اللّغويّة، لأنّها لغة إبداعية، واللّغة الإبداعيّة من طبيعتها الانزياح، لذلك يمكن القول أنَّ: الأديب هو صانع الإبداع عن طريق البناء المعماري للسرد “وترجع عبقريته كلها إلى الإبداع اللّغويّ”( 21)، فيُضفي الأديب على تراكيبه اللّغويّة شفافية وإيحاءً خاصاً؛
وفي هذا الصدد يقول كمال أبو ديب: “إن مسافة التوتّر هي منبع الشعرية”( 22)، وهو بذلك يؤّكد المسافة أو الفجوة بين اللّغة الشّعريّة واللّغة اليوميّة، إذ يؤكّد أن التّشكيل اللّغويّ الخاص بالأدب يجب أنْ يخلق فجوة هي مسافة توتر؛ على أننا نرى أنَّ هذه المسافة أو الفجوة التي صنعها عماد الدوماني في تراكيب الجمل هي التي ميَّزت التّراكيب الشّاعرية في لغة الخطاب الإبداعي في رواية “آبق” عن غيرها من التراكيب التقريرية والمباشرة .

الصورة المشهدية :


الصورة المشهدية، التي تقوم في تشكلها النهائي على المشهد، وأنَّ المشهد كما يرى ليون برميليان “عبارة عن فعل محدد ـ حدث مفرد ـ يحدث في زمان ومكان محددين، ويستغرق من الوقت الذي لا يكون فيه أي تغيير في المكان أو قطع في استمرارية الـــزمن”( 23) ؛
وعلى هذا الأساس، تكــون الصورة المشهدية هي “كل ما يعرض؛ ليسترعي النظر، ولاسيما إذا كان مثيرًا غير عادي”( 24) من خلال اللحظات المكثفة، والعلاقات الحيادية، التي تنماز بتقريب اللقطة فتثير المتلقي بقابلية تخييلية، فالصورة المشهدية تتكون من عناصر عدة “شخصيات وحوار وحركة” وهذا ما يفند الإعتماد على الشكل، بوصفه علامة نصية، واللجوء إلى طريقة تخلق تحريضًا لدى المتلقي(25 ).

وقد اتسمت رواية “آبق” في مجملها برسم الصور المشهدية في فصولها الأولى والأخير حيث كان السرد دائمًا في حركة مستمرة والحوار بين الشخصيات دائما في حالة تصعيد مستمر ودينامه دائمة؛
فترى الخمس فصول الأولى مشاهد متعددة لأحداث تظن نفسك فيها أيها القارئ وكأنك تشاهد أحد أفلام الرعب التي تكون فيها السطوة للأرواح ، فترى أنوار الفيلا تطفئ والكاميرات تكذب ما شاهده البطل “شريف” طاره وأخرى تصدقه ثم يكتشف أن كل هذه المشاهد من صنع ابنته التي قتلت مذ عام لترتب بينهم اللقاء قرابة ذكرى وفاتها بأيام صور مشهدية تتسم بالحركة والحوار التشويقي والإثارة والرعب في آنٍ جميعًا.

أيضا من الصور المشهدية حينما ارادت الطفله النصح والإرشاد لوالدها بعدما أخبرته بأنَّه لقب في عالم البرزخ “بدراكولا” وعدت له ضحاياه من أطفال ورجال ونساء وشيوخ، حيث عمد البطل رسم صوره مشهدية تجسد نفيه لما قالت ابنته حين
“أرد أن يقاطعها فأشار بما يفيد نفيه لذلك، فاحتدت عليه كعاصفةٍ توشك أن تقتلعه: كفاك وإلا سأرحل.
– لا ترحلي … سامحيني، لن أكذب ثانية!”
هنا رسم الكاتب مشهدية الصورة التي توضح تصاعد وتيره الحوار بين الكر والفر والأشارة بالنفي وكأنك ترى هذه المشاهدة في الحديث بينه وبين ابنته رأي العين مشاهد دينامية متصاعدة في الإثارة والتشويق لا تخلو من الحركة المستمرة.

كما نلاحظ تعدد مشاهد البؤس التي تتراكم بنسق تصاعديّ ومشاهد المعاناة تتبلور أكثر من خلال ملامح الشخصية المحورية للبطل “شريف” التي يراوح الروائي بينها وبين الفضاء الحاضن لها.

فحينًا نجد وقائع من رحم الماضي تأخذك إلى “الواقعيّة”، تتذكر حينها أدب دوستويفسكي الواقعي، فيجنح عماد الدوماني إلى تسليط الضوء على عدّة قضايا من خلال تطوّر وتغيّر الظروف المحيطة به، وتفاعله مع “الشخصيات” مع الأخذ بعين الإعتبار تشعّب العلاقات وتضارب الرّؤى.
أن الدوماني لا يحاكي الواقع بل يصوّره في وضعه الطبيعي، فبطل الرواية، رغم أنّه مجرّد شخصية اختلقها الخيال، إلاّ أنّه يتحكّم في نسق المشاهد، وتلك المشاهد تتدرّج متصاعدة لعرض الحكاية وفق استراتيجيّة تبني الحبكة وتقحم المشاهد في البناء الدرامي للرواية، فتارة تنطلق الأحداث بطريقة عكسيّة من النهاية لتحكي الأبنه “نور” بعد مقتلها بعام وتجسد ماضي الأب المليء بالجرائم وأخرى نشاهد مواقف سابقة قادحة للحدث شارحة لما جرى كما حدث في نهاية الفصل الأخير في البرنامج التلفازي والذي فضح فيه البطل جرائم المنظمة على الهواء مباشرةً إلى أن جاءت (عملية الاغتيال).

فالصورة تصف فضاء مسرح الأحداث، لمشهد المواجهة الدامية الذي يكشف فراسة الراوي وتخمينه لرد فعل المنظمة تجاه قرار الانسحاب، وانطباعه عنهم حين أراد أن يصفهم بأن المال عندهم والدماء سواء ومن خلال المشهد البانورامي لهذا الحادث ومواجهة الفريقين بتبادل إطلاق النار باستيعاب العين الباصرة للراوي ما موجود أمامها من محسوس ومحاولة تحليله واستكناه خباياه لاسيما أنَّ الدوماني يصنع صوره المشهدية “من معطيات متعددة، يقف العالم المحسوس في مقدمتها، فأغلب الصور مستمدة من الحواس إلى جانب ما لا يمكن إغفاله من الصورة النفسية والعقلية”( 26).
أي أنَّ الرواية تنبني على التلاعب بعنصر الزمن لتكشف تدريجيًّا عن غموض يحوم حول البطل والذي آل به في النهاية إلى التعرض لعملية الاغتيال، وهي مشاهد تمهيديّة يمكن أن نعتبرها مجرّد جسر عبور إلى ضفّة الهامش التي يرغب الراوي أن تصدمنا تفاصيلها دون أيّ مساحيق، فكيشف لنا الكاتب أن البطل كان يعمل لدى تلك منظمة المشبوهة والتي تعمل على السيطره على رأس المال العالمي أشارة إلى الصهيونية العالمية “الماسونية” ومثل هذه المنظمات لا تتوانى في تحقيق أهدافها مهما كانت التكلفة مادية أو بشرية أو معنوية والقتل والاغتيالات والخطف والتنكيل هم أبسط السبل لتحقيق أهدافها.
إنَّ المشاهد تأخذ الفضاء في كليّته كموضوع، وتكون عناصر الهامش ديكورًا لها اذ يختلط الهامش بالمركز من خلال التكثيف من الديكور واللافتات الزائفة.
هكذا تغوص الرواية في عمق المركز، والهامش بكلّ تفاصيله وتستدرج القارئ لمجال المشاعر التي تثيرها واقعيّة الاحداث وقسوة المشاهد.

الحكمة :


لقد نجح الكاتب بشكل لافت حين استطاع أن يرسم لنا صورة مشهدية مختزلة ومكثفة ومشوقة عن أحداث الرواية وأجواء حياة البطل العملية والاجتماعية والغوص في تلك التركيبة الذهنية التي تجعل الأب يستمع النصيحة من ابنته ليغير مسار حياته التي اختارها بنفسه نزولًا على رغبة روح الابنة القتيلة بحثًا عن الحكمة .
إنَّ البناء السردي في رواية “آبق” يشتمل على عباءة سردية كبرى جامعة لعدة مشاهد، فهو منسق في أبواب حكائية، تشتمل على فصول لحكايات قصيرة من مشاهد الرواية والأحداث التي مر بها البطل، حيث يتساءل البطل، ثم يجيب إجابة الفيلسوف الذي يبث الحكمة من خلال السرد، فلا مجال أن ينأى المتلقي بعيدًا عنه، فلا تأخذه أحداث المشاهد المشوقة عن غايات الكاتب وحكمته، ويبرهن كل مشهد على الحكمة المبتغاة؛ وهذا من شأنه أن يجعل المتلقي محتفظًا بالخيوط السردية المحورية في الرواية، وأن يُعمِل عقله في تأويل المشاهد، وإدراك الحكمة المبتغاة في كل مقطع على حدة، وربطها بفلسفة الحياة وأهداف الكاتب ومراميه، وأيضًا فهم دلالة الأحداث في المشاهد الفرعية، وكيفية برهنتها على الحكمة المستهدفة وفيما يلي الوانًا من الحكمة التي بثها الكاتب واقحمها في البنية السردية على هامش الأحداث :
العبرة بالمضامين هذه حكمة أرساها الكاتب في هذا الجملة :
” كل ما سبق جزءٌ من خطتي. صفقة، لعبة خطةٌ، سمها ما شئت ليست العبرة بالأسماء، بل بالمضامين ” هذا ما قاله الكاتب على لسان ابنته حينما اصطحبته ودبرت كل الأحداث التي أدت في النهاية إلى الانفراد بأبيها.
حكمة الموت والحياة
وهذا ما أقر به الكاتب حينما قالت ابنته :
” كل مولودٍ سيموت، وكل مخلوقٍ زائلٌ، وكل قادمٍ راحلٌ كما رحل الأصبى منك، والأقوى منك راحل لا محالة.”
– أمر الموت والحياه بيد الله تعالى
“لا يملك أمره غير الذي خلق الموت والحياة”
– أعداد العدة لما بعد الموت والاسراع بالتوبة حين قال:
” فلتُغِذَّ السير وتسرع الخطى، فالسفر بعيد والزاد قليل ”
– الحسابات لا تمنع المكر
“الثعالب أخبث من صاحب الحسابات، وإن كان ذا بأس شديد ودهاء لا يُنكر.”
– قضي الأمر
وهي حكمة بثها الكاتب حينما قالت “هايدي” لو أعلم مع من تعمل لمنعتك ، فرد عليها شريف قائلًا
” فارق السهم قوسه”
في هذا النص الروائي لرواية “آبق” لم تتعطل الحكمة وربما صاحبها الجنون.. رجل نوَّرَ الله بصيرته فأعمل عقله لإنقاذ نفسه من مصير شقاء محتوم ليفي بعهدٍ قطعه على نفسه، بينما استسلم أكثر الناس، لليأس والهلاك.
علاقة المخلوق بخالقه علاقة تعبدية، وهي الحكمة البالغة التي أراد أن يبثها الكاتب ضمنيًّا في روايته هي أنَّ: الآبق العاقل هو من يسارع إلى سَيِّدهِ بعد أن أعلن العصيان والتمرد وغاص في بحار الذنوب فأغرقته المعاصي، وقد يكون موقف في حياة الإنسان أو شخص ما نقطة تحوُّل جوهرية في حياته كلها يظل الإنسان الآبق في كر وفر بين مغريات الحياة وبين الرجوع إلى خالقه طيلة عمره، وأفلح من صبأ عن ذنبه واستغفر وأناب وهم بالعودة إلى الطريق القويم، وسار على سراط الله المستقيم.

النهايات المفتوحة:


لقد عمد الدوماني إلى ما فعل كتّاب الرواية العربية المعاصرة، وبدافع التجريب والتغيير، حيث حاول التخلُّص من ما يعرف بحبكة الرواية التقليدية (بداية، وعقدة، وحل)، وتجريب أبنية رواية مختلفة، حيث حوَّل الخاتمة من النهاية التقليدية المحتومة والتي يكون بها حل العقدة إلى النهاية المفتوحة، إيمانًا منه بدور المتلقي وأن الرواية مجرَّد صفحة من حياة الإنسان.
فالنهايات المفتوحة تترك للقارئ مهمة الحكم عليها بل ورسم لوحات متعددة لنهاية غير تقليدية حسب تعدد رؤى القُراء يساعدهم في هذا نهايات غير مكتملة من شأنها تحفيز المخيلة، وتهيئة القارئ لأن يسهم بشكل فعال في إنتاج النص الإبداعي عن طريق ترك فضاء النهاية له وعليه أن يضعها حسب ما تسنح له مخيلته وروآه.

في نهاية الفصل الأخير بمنتصف البرنامج التليفزيوني بعد أن طلَّق شريف زوجته على الهواء ثم في الفاصل ردها لعصمتك سرًّا، وطلب منها أن تنجز ما اتفقا عليه، ثم عقب البرنامج حادث الاغتيال والمشهد الدموى المكتظ بوابل من طلقات الرصاص أنتهت الرواية بهذه الجملة
“بحثت الشرطة عن السيد “شريف” بين المصابين والقتلى… فلم تعثر عليه” !!
هنا عمد الكاتب عماد الدوماني إلى رسم لوحة ختامية للرواية مفتوحة على مصرعيها فلا يزال يعلق بذهن القارئ بعض التساؤلات، أين ذهبت “هايدي” ؟
وأين شريف ؟!!! ولماذا لم تعثر عليه الشرطة بين القلتى والجرحى ؟
هذه التساؤلات تجعل من النهايات المفتوحة حلًّا مثاليًّا للسلوى، وملاذًا بعيدًا عن دائرة الأحزان الحتمية، ففيها لا توجد أحكام نهائية، لا شعور كاملاً بحزن أو فرح، لا تأكيد على مأساة أو سعادة؛
ومن هنا ففي تقديري أنَّ النهاية المنطقية المفتوحة هي التي تترك الأسئلة مطروحة ليكملها القارىء، وهي التي تشعل الأفكار في قلب وعقل القارىء، وتجعل العمل الأدبي محفورًا في الوجدان لأجل غير مسمى لأنها تعطي له مساحة واسعة من الفكر والتحليق في فضاء الخيال الرحب.

ونخلص إلى ما يلي:


  • لقد نجح الكاتب عماد الدوماني في اختيار عنوان لروايته “آبق” هو عنوان الكلمة الواحدة أي أنَّه مختصرًا ومختزلًا يحمل العديد من الدلالات كما يحمل في طيّاته العديد من التساؤلات التي تثر المتلقي للكشف عنها والوقوف على ما ترنو إليه من مدلول.
  • أما صفحة الغلاف الأمامية فقد كانت الأيقونات البصرية مراوغة ومشوقة إلى حدٍ كبير، غير أنَّ لغة الإهداء عند الدوماني أختلفت عن غيرها فبدت محملة بالعديد من الإشارات والإيحاءات، التي تكتنفها المشاعر والعواطف والانفعالات، فهي لكل قلب محب عامر بالضوء، هذا النور المكتظ داخل القلب هو الذي يجعل اللسان صادق دائمًا كما ينأى بالعقل عن مواطن الزور، الإهداء يُصَدِّر للقارئ أنَّ الكاتب لرواية “آبق” هو بالأساس شاعر ليتأهب المتلقي ويستعد لما تحملة لغة السرد فيما بعد من شاعرية.

  • احتفي الكاتب عماد الدوماني بالتناص بداية من العنوان “آبق” وهو يتناص مع قصة العبد الآبق لبني إسرائيل، وقد احتفى الدوماني بالتناص على نوعيه تناص الوعي واللا وعي في آنٍ معًا.

  • استمر التناص بنوعية ملازمًا للغة السرد في كافة فصول الرواية واجمالًا هذا التناص أغلبه كان من التراث الديني ومن القرآن الكريم وكثف الكاتب استلهام اللا وعي او كما يطلق عليه التناص اللا شعوري وهو يأتي نتيجة لمرجعيات ثقافية اختمرت لدى شعور الذات الكاتبة حيث تختزل في طياتها إرث ديني يخرج بلا إرادة ليسجل حضورًا طاغيًّا في بنية النص الإبداعي فيرتقي به أعلى المراتب وينطلق به من نطاق القطر إلى فضاء العالمية الأكثر رحابة والأوسع انتشارًا .

  • أثارت شاعرية السرد في رواية “آبق” لدى المتلقّي متعة فنّيّة ظهرت في لذّة الاكتشاف، واستمدت اللّغة الشّعريّة نسقها من التّشكيلات اللّغويّة، لأنّها لغة إبداعية، واللّغة الإبداعيّة من طبيعتها الانزياح، فأضاف الأديب على تراكيبه اللّغويّة شفافية وإيحاء خاصاً؛

  • إذ أكد أن التّشكيل اللّغويّ الخاص بالأدب يجب أن يخلق فجوة وهي مسافة التوتر؛ هذه المسافة أو الفجوة التي صنعها عماد الدوماني في تراكيب الجمل هي التي ميَّزت التّراكيب الشّاعرية في لغة الخطاب الإبداعي في رواية “آبق” عن غيرها من التراكيب المعجمية التقريرية والمباشرة .

  • أن الدوماني لا يحاكي الواقع بل يصوّره في وضعه الطبيعي، فبطل الرواية، رغم أنّه مجرّد شخصية اختلقها الخيال، إلاّ أنّه يتحكّم في نسق المشاهد، وتلك المشاهد تتدرّج متصاعدة لعرض الحكاية وفق استراتيجيّة تبني الحبكة وتقحم المشاهد في البناء الدرامي للرواية، فتارة تنطلق الأحداث بطريقة عكسيّة من النهاية وأخرى نشاهد مواقف سابقة قادحة للحدث شارحة لما جرى كما حدث في نهاية الرواية، حيث جاءت الصورة تصف فضاء مسرح الأحداث، لمشهد المواجهة الدامية باستيعاب العين الباصرة للراوي ما موجود أمامها من محسوس ومحاولة تحليله واستكناه خباياه لاسيما أن الدوماني يصنع صوره المشهدية من معطيات متعددة، يقف العالم المحسوس في مقدمتها، فأغلب الصور مستمدة من الحواس إلى جانب ما لا يمكن إغفاله من الصورة النفسية والعقلية.

  • في تقديرنا أنَّ البناء السردي في رواية “آبق” يشتمل على عباءة سردية كبرى جامعة لعدة مشاهد، فهو منسق في أبواب حكائية، تشتمل على فصول لحكايات قصيرة من مشاهد الرواية والأحداث التي مر بها البطل، حيث يتساءل البطل، ثم يجيب إجابة الفيلسوف الذي يبث الحكمة من خلال السرد، فلا مجال أن ينأى المتلقي بعيدًا عنه، فلا تأخذه أحداث المشاهد المشوقة عن غايات الكاتب وحكمته، ويبرهن كل مشهد على الحكمة المبتغاة؛ وهذا من شأنه أن يجعل المتلقي محتفظًا بالخيوط السردية المحورية في الرواية، وأن يُعمِل عقله في تأويل المشاهد، وإدراك الحكمة المبتغاة في كل مقطع على حدة، وربطها بفلسفة الحياة وأهداف الكاتب ومراميه.

  • لقد عمد الدوماني إلى ما فعل كتّاب الرواية العربية المعاصرة، وبدافع التجريب والتغيير، حيث حاول التخلُّص من ما يعرف بحبكة الرواية التقليدية (بداية، وعقدة، وحل)، وتجريب أبنية رواية مختلفة، حيث حوّل الخاتمة من النهاية التقليدية المحتومة والتي يكون بها حل العقدة إلى النهاية المفتوحة، إيمانًا منه بدور المتلقي وأنَّ الرواية مجرَّد صفحة من حياة الإنسان.

  • وفي تقديرنا أنَّ النهايات المفتوحة تترك للقارئ مهمة الحكم عليها بل ورسم لوحات متعددة لنهاية غير تقليدية حسب تعدد رؤى القُراء يساعدهم في هذا نهايات غير مكتملة من شأنها تحفيز المخيلة، وتهيئة القارئ لأن يسهم بشكل فعال في إنتاج النص الإبداعي عن طريق ترك فضاء النهاية له وعليه أن يضعها حسب ما تسنح له مخيلته وروآه.


المراجع


1- سيد فاروق: المواقع الاستراتيجية “على خارطة النص الإبداعي”، دراسات نقدية ، ط1، 2019، (د ط) المؤسسة العربية للعلوم والثقافة ، القاهرة – مصر، ص 25.

2 – محمد فكري الجزار: العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي, الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م، ص45.

3 – د. بسام قطوس:سيمياء العنوان، وزارة الثقافة, عمان-الأردن, ط1, 2001م، ص7.

4 – عبدالرحمن ابو علي: مع امبرتو ايكو، مجلة نزوى، العدد14, 1998م.

5- محمود عبد الوهاب: ثريا النص-مدخل لدراسة العنوان القصصي- الموسوعة الصغيرة (396)، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد،1995 م، ص 9.

6 – المرجع السابق، ن ص .

7- محمد فكري الجزار: العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي, الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م، ص 31.

8- بنعيسى بوحمالة: أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:66.

9 – : Gérard Genette, Palimpsestes. La littérature au second degré, p. 13
10- جوليا كريستيفا: علم النص، ترجمة فريد الزاهي،دار توبقال للنشر،المغرب،ط2، 1997م ص21.

11- المرجع السابق: ن ص

12- ربى عبد القادر الرباعي: البلاغة العربية وقضايا النقد المعاصر،دار جرير للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2006م ص 203.

13- مصطفى السعدني: التناص الشعري،منشأة المعارف، الأسكندرية،دط،1991م، ص78

14- مجموعة من المؤلفين: آفاق التناصية المفهوم والمنظور،تعريب محمد خير البقاعي،جداول للنشر والترجمة ، بيروت،ط1، 2013م،ص52

15- راجع: محمد المبارك: استقبال النّص عند العرب،(دط) المؤسسة العربية للدّراسات و النّشر، بيروت،ط01، 1999م، ص 63.

16- راجع: دكتور إبراهيم السمرائي: لغة الشعر بين جيلين ، (دط) المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت، ط2، 1980،ص 38 .

17- ينظر: محمد كناي الشعر الإصلاحي الجزائري الحديث،قضاياه المعنوية والفنية، رسالة ماجستير،معهد اللغة والأدب العربي، جامعة الجزائر، 1993-1994، ص271.

18- جون كوهين: النظرية الشعرية – بناء بغة الشعر اللغة العليا ، ترجمة وتقديم د.أحمد درويش، (دط) المجلس الأعلى للثقافة المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2000م، ط2، ص 396.

19- المرجع السابق: ص 283.

20- عبد الأمير نعمة عبد: ابن مقبل حياته و شعره، رسالة ماجستير، جامعة البصرة، 1405هـ،1985م، ص240.

21- جان كوهين: بنية اللغة الشعرية، تر: محمد الولي،ومحمد العمري، (دط) دار توبقال للنشر، ط1، 1986م، ص 40.

22- المرجع السابق: ص 136.

23- ليون برميليان: بناء المشهد الروائي، ترجمة : فاضل ثامر، مجلة الثقافة الأجنبية ع 3 / 1987م، ص 78 .

24- إبراهيم فتحي: معجم المصطلحات الأدبية، الموسوعة العربية للناشرين المتحدين ، تونس، ص 330.

25- ينظر: علياء عبد الرسول: الصورة في شعر الرواد، أطروحة دكتوراه، الجامعة المستنصرية كلية التربية 2005 ص 225 .

26- د علي البطل: الصورة في الشعر العربي حتى القرن الثاني الهجري ـ دراسة في أصولها وتطورها ـ ، (دط)دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ، ط 2 1980م، ص 30 .

بين اللؤلؤ والشفتين ..بقلم الشاعر العراقى : هاشم عباس الرفاعى

 قدح يغتصب شفتيك

ويجعلني تأخذني الغيرة

من القدح …وهو يعتصر

وهو يزق الحب بين الشفتين

اهو قدح ام امر انزل

على قلبك ..فيه الحب خمرا

والخمر …حبا .

والحب حياة …

مرة احيا بانتظار الشفتين

واخرى …اسهى لرؤية العارضين

اه …امهات الحياة .  أنتن بالغزل

لايدانيكما امر ..لمسة منكما هي الحياة

وما بينكما هو …..هو خدر الجميلات

كم انا مشتاق وتاخذ اللوعة مني

ما تبقى من فتات العمر

اه على جمال الحياة

وهي مطرزه بحب الاله

قبل العمر ما يصله الفوات

تمتعي والاله معك ..اعطاك العمر

ولا تندمي على مافات ….وانظر

لقهوتك …هي ساخنة ….

وفي روحي تتوالى الحسرا ت

كم انت بالصبا …محرم عليك …..

العب

وانا الحب كان في حياتي من المحرمات .

حتى عشقت …عشقت الله هو مطلق الحالات .

شوقى كريم حسن يكتب عن : عباس لطيف….السرد المعرفي!!

*أبداً لا انظر إليه بتعاطف، وهدوء بال، لأني اقرأ بين عينيه اللتين يتعمد سترهما ،  قلق الباحث عن مضاع لايعرف كنهه، فلقد استيقظ ذات محنة، ليجد نفسه محاصرة بوابل من الأسئلة الفلسفية التي تتطلب بحثاً دقيقاً، وتفحصاً اقرب الى الطب منه الى الأدب او الفكر، لايمكن له مغادرة تركيباته النفسية الجدلية، يقرأ كل ما تجود به الكتب بنهم المكتشف، عله يجد الدرب الذي يسلكه، لذا اراه يتأرجح بمتعة الاعب بين المسرودات المسرحية، والنقد المعرفي الاقرب الى السياسة، والسرد التوثيقي الذي اراد من خلاله كشف مستور الأيام ونسياناتها، بل وضع نفسه عمداً وسط تيه عرفاني ، لا اظنه يخرج منه بسهولة بعد أن صار الجزء الاهم في حياته، السرد بالنسبة له عنوان خارج مألوف البطر، فلقد وجد ان ثمة ضرورات لهذا التدوين الذي يحيل متلقية الى ازمنة وتواريخ، وحقائق ربما محتهاخطوات الايام، عند رماد المماليك قرأ التأريخ بجراة المغاير الذي يعرف ان كل ماقيل مكفن بالاكاذيب، ويحتاج الى اثاري يمزق هاتيك الاكفان ايظهر الحقيقة التي ستوصله الى شرق الأحزان، سر الكشف الروحي الذي جعل من شخوصه، وهي في معظمها حية فاعلة، تعيش قهراً انكسارياً، لا خلاص منه، تسعى شخوص (عباس لطيف )تعمدت اخفاء الاسم حتى هذه اللحظة، الى تفكيك مدارج الأحلام علها تجد ما يقيم لها وزناً حياتياً، لكن المصدات تتكاثر  وما تلبث ان تتحول الى مايشبه الانهزام متبوعاً بخيبات الامل والضياع، الشرق كان حزيناً دون قصد او رغبة من السارد، بل هو مصنوع قائم على الحزن، امسك السارد ذاكرته لتصبح مآسيها التي يعرف مواضيها بروح العاشق الذي انتمى بكليته من خلال السرد اليها، ومن  شرق الاحزان انتقل عباس لطيف، بحذر ليختصر المفعول الحياتي الصاج ، بشارع بغدادي هو شارع الزعيم، الذي يمثل الانصع والاجمل في ذاكرة الفقراء، هذا الاختصار منح المتلقي فرصة معرفية مهمة، وضعت سرديات عباس لطيف في مكان مرموق، ماالذي يميز هذه السرديات عن غيرها، بعد هطول امطار السرد الروائي على العراق؟

الدقة تحتم البحث، والبحث يحتاج الى ادواة قد تبدو قاسية عند امكنة معينة، ولينة طيبة الفهم في مواقع اخرى، لغة السارد القريبة من المحكي الجمالي اليومي هي واحدة من هذه الأسرار الجمالية، لغة خالية من الزوائد ، لانها تعرف كيفيات اشتغالها ، والامر الاخر وضوح الثيم وتصاعديتها، فلقد اخذ عباس لطيف هذه الخصيصة من الدراما المسرحية، ليضعها داخل السرد ، صراعات تبدو للمتلقي غير مهمة، ولكنها ما تلبث ان تتصاعد من اجل الوصول الى لحظة التطهير، وهي لحظة مسرحية ايضاً، دون العمل على تقديم حلول يجدها عباس لطيف غير مهمة، مادام الارث المعرفي قد وضع النهايات ولاداعي لتدوينها ثانية، تشكل المرأة قوة درامية فاعلة ، فهي المدون الأساس والدافع القوي، لهذا يعمد عباس لطيف الى تقديمها من خلال مايمكن ان نسميه، مجادلات فكرية متصاعدة، المشهدية التي يعتمدها السارد هي الاقرب الى المسرح منها الى الوصف السردي السائح، الغاية هي الاهم مادامت الطرقات غير المتعبة توصل اليها، تحت هذه المعرفية يشتغل السارد، الذي يمتهن ادوات تعبير اخرى تحتاج الى تفحصات نقدية عالية التكوين، اظهرت سرديات عباس لطيف، رغبة النقدية العراقية بدراستها والاشارة اليها، وان لم يك بالشكل المطلوب، ولهذا نجد ان هناك تراجعات كتابية في وجود السارد الذي يشعر بخيبات الامل، فيهجر البياض لكنه  يعود بلهفة واشتياق، عباس لطيف ، الذي لا اود النظر إليه، متفحص ماكر، يخلق من الفراغ معنى .. ولهذا تميز ومنح السردية العراقية مسرودات يحق لنا ان نفخر بها.!!

شوقى كريم حسن يكتب عن : فهمي الصالح…الروح تصنع شعراً!! 00*اعتراف  اولي.

الحرب دخلت اعمارنا من اوسع ابوابها، تطارد مماشينا اينما اتجهت بنا المخاوف، على طبق الجنون نحمل الارواح، وعند كوانين التمرد يعلو صراخ الاحتجاج الصامت احياناً، لانعرف كيفيات الخلاص ولا ازمنة البقاء، الحروب خلقت منا كائنات تنتظر، وتعد التوابيت، وتودع، وسط هذه اللحظة الماجنة، تعرفت إلية، ضابط دخل الصحافة، لم اك اعرف انه يمتهن الشعر، ولم اقرأ له هنيهة شعر، لكني احببت فيه، دماثة اخلاقه، وجمال روحه، وابتعاده عن الجنون الذي كان جيل المرآب والخنادق الحالم بالشعر يمارسه،.

*(دخول في اكتشاف الشعر).

الشعر وجدانية روحية، ان خرجت صوره عن هذه المعاني، غدا باهتاً، لايثير الشهية، ولا يسكن القلوب لتردده الالسن، او تهضم العقول معانية، يقال، في ديوان العرب الذي تمرد الشعر العراقي عليه منذ منتصف الخمسينيات، أن اعذب الشعر اكذبه، فكيف اذا كان هذا الشعر تصور ونمى وكان من وقائع الايام وتلاحقاتها؟

هل يفيد الكذب مع تجارب حفرت عميقاً في الارواح، حتى صارت صوراً شعرية؟

لا يمكن ان يعطي الكذب عذوبة لحقائق فيها من الادهاش والغرابة والجنون الشيء الكثير، قرأ فهمي الصالح، سيول من الموروثات الشعرية، متنقلاً بين عنترة وجرير والفرزدق والعباس بن الاحنف، حاطاً ركابه عند الشريف الرضي وعمر بن ابي ربيعة، لكنه روح مسكونة بالقلق، ومأخوذ برغبات البحث الذي يريد من خلاله الأستمرار، مرته هذه سحرته ثورة الشعر الحديث، فتأمل السياب بدقة الحاسد، ولحقه بتجارب البياتي وبلند وحسب الشيخ جعفر، وتعمق عن تجارب الجيل الستيني الذي كان عنوانا لاضطرابات الايدلوجية، ثمة صراعات قاسية، ومحاولات شطب متلاحقه، لهذا نفرت نفسه، وود لو اخذته القصيدة الى مناطق بكر، وهذا ما كان له فعلاً، يجمع فهمي الصالح بين امرين شعريين مهمين، اقترابه من حكمة المتصوفة وبناءاتهم الصورية، واسلوبية المشهد الواحد الذي يقترب احياناً من السردية القصيرة جداً، او هو يأخذ ملامحها السمية عن قصد، ترقيمات فهم الصالح لاتشير الى العزل، بل تأخذ متلقيها الى تسلسلات تصاعدية، يبدأ مشهده الحكائي الأول بحركة موسيقية  تثير السؤال الذي يهز كيان المتلقي، دون ان يمنحه فرصة للتأمل، والأستفهام، وما يلبث ان يدخله في اتون سيل من الأسئلة المتتالية، التي تعمق الجدل الفلسفي الصوفي، وتشير الى دلالات روحية تبدو اول وهلة هادئة، لكنها تدفع الى الترقب والوجل.

ماالذي يبحث عنه الصالح، وكيف دخل امكنة محظورة لأنها تحتاج الى تجليات روحية خالصة، وهو الذي يبدو مهموماً ومثقلاً بالواقع الذي بات يحاصره بالاحزان والاثام والتراجعات؟

حين اتسعت العبارة، احرقته نيران الضيق، لافائدة ترتجى من هذا الأتساع، لهذا عمد الى ان تكون عبارته مختصرة مع اتساع بالمعنى، وقدرة على صياغة يومه وكأنه ات من قلب تلك التأملات العرفانية المخلصة، لايمكن ان يقرأ المتلقي نصوص فهمي الصالح ، على غير هذه القاعدة، ولا يمكنه زحزحتها باتجاه الحاضر بحثاً عن مرجعيتها، الصورة المسحوبة من الحاضر اكتست كل توصيفات الجملة العرافنية، وامتهنت بجدارة الغنائية العذبة التي تدفع الى الارتحال واياها، وتلك ميزة لم تظهر الا في القليل من تجارب مجايلي الصالح ومن جاء بعدهم، الروح تتأرجح بين صد وانتظار، لكنها حين تدون المقاصد الشعرية نراها سمحة واضحة الدلالة، قادرة على التأثير، مايؤخذ على فهم الصالح هو بطء تعامله مع الشعر، واتخاذه كوسيلة ارضاء للذات، ولهذا ظل نتاجه قليلاً، هذا غير امتناعه الكلي في اعتلاء المنابر والتبشير بوجوده الشعري، ولانه زاهد ابتعدت عنه النقدية العراقية ، التي تعلمت منذ زمن بعيد ان لاتبحث وتجد، بل تجد امامها كل ماهو جاهز حتى وان كان الجاهز لايقدم الشعر العراقي على ماهو معروف عليه، تحتاج النقدية ولوج عوالم فهمي الصالح وتحليلها لانها تتوافر على كل ماهو مغاير غير منتم لآخر..!!