الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن : محاكمةٌ للفلسطينيين باطلةٌ وانقلابٌ عليهم مشينٌ    

      

محاكمة المعتقلين الفلسطينيين في السجون السعودية بتهمة الإرهاب، وتمويل كيان إرهابي والانضمام إليه، لهو جريمةٌ نكراء وفعلٌ مشينٌ، وعملٌ غير أخلاقي مهينٌ، وفعلٌ مستنكرٌ غريبٌ، لا يقبل به الأحرار، ولا يسلم به الشرفاء، ولا يوافق عليه السعوديون الأطهار، ولا يشجع عليه أصحاب الهمم العالية والأخلاق الرفيعة، والشيم العربية الموروثة، والنخوة الأصيلة، وقيم النبل والشجاعة والأخوة والكرم.

 

إنه عملٌ مخزي ما جاء بمثله السابقون، ولا تجرأ على القيام به الأولون، ولا يجاهر به إلا الضالون الفاسدون، المعادون الكارهون الحاقدون، الذين يتنكبون للقيم، ويتبرأون من الشيم، ولا ينتصرون لروابط الأخوة وأواصر المحبة، ولا يغارون على الحق وأهله أو يثورون من أجله، بل يلتفتون إلى الدنايا فيرتكبونها، وإلى المخازي فيأتونها، وإلى العيوب فيصرون عليها ويتمسكون بها، ولا يهمهم الشرف ولا تعنيهم الكرامة، ولا يؤمنون بما دعا إليه الإسلام وحرض عليه القرآن، وأوصى به رسول الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

 

إنها محاكمة جائرة باطلة، لا تقوم على أسس الحق العربية، ولا على قواعد العدل الإسلامية، ولا على موروثات الشعوب الإنسانية، فلا العرب يوافقون على جلد ذاتهم ومحاسبة أنفسهم، والإساءة إلى قيمهم والتنكر لمفاهيمهم، ولعن تاريخهم والبراءة من ماضيهم، وإعلان الحرب على إخوانهم، والانقلاب عليهم وطعنهم في الظهر تارةً والغدر بهم في الصدر والوجه أحايين أخرى، إرضاءً لعدوٍ لا يرضى، طماعٍ لا يشبع، ظالمٍ لا يعدل، قاتلٍ لا يتوب، معتدي لا يتوقف.

 

ولا الإسلام العظيم بقيمه وشمائله، وقرآنه وآياته، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقبل بالظلم والعدوان، ورد الجيرة والتخلي عن الحق والانقلاب عليه، ومناصرة الباطل وممالأة العدو، فديننا الإسلامي ينصف المظلوم، وينصر الضعيف، وينبري للدفاع عن الحق، ويأوي إليه من استجاره وطلب حمايته، ويعيب على من يخذل الضعيف ويكسر قلب المحتاج، ويعاتب من يعبس في وجه صاحب الحق وأهل المسألة، فإن كان لا يقوى على الانتصار له بالقوة، فلا أقل من أن يدعو لهم بالخير، ويأمل بالرجاء، ويكف يد من أراد الإساءة وبادر بالإهانة.

 

ستبدأ يوم غدٍ الاثنين في العاصمة السعودية الرياض، محاكمة العشرات من المعتقلين الفلسطينيين، ومنهم ممثل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” السابق في المملكة العربية السعودية، د. محمد الخضري “أبو هاني”، الذي عاش نيفٍ عن ثلاثين سنةٍ في مدينة جدة السعودية، عرفه خلالها السعوديون، الأمراء والحكومة والسلطات الحاكمة، وعامة المواطنين والوافدين والزوار، فما شهدوا عليه وهو الطبيب المسن، الباش الوجه الطلق المحيا، إلا طيب الأخلاق وحسن المعشر، وصدق الكلمة وشرف الوعد، وما عرفوا عنه إلا حبه لوطنه فلسطين وإخلاصه للسعودية التي عمل فيها وعاش في ربوعها، وشَرُفَ بالانتساب إليها والتعامل مع مواطنيها، الذين أحبهم وأحبوه، وأكرموه وأعطوه لفلسطين وأهلها، لثقتهم فيه وإيمانهم به.

 

عشراتٌ أمثال د. محمد الخضري ومعهم ولده، يمثلون أمام المحاكم السعودية، وتهتمهم التي أدينوا بها، هي انتماؤهم إلى فلسطين وطناً، وانتسابهم إلى حماس حركةً، وتأييدهم للمقاومة منهجاً، وعطاؤهم لأهلهم ومساعدتهم لشعبهم، وإحساسهم بمعاناتهم، ودعوتهم للتخفيف عنهم والوقوف إلى جانبهم، وعدم التخلي عنهم في محنتهم التي يعيشونها في ظل الاحتلال الذي لا يرحم، والعدوان الذي لا يتوقف، والقتل الذي لا ينتهي، والعذاب الذي يتجدد، والحصار الذي يشتد، والظلم الذي يتنوع ويتشكل.

 

باسم الفلسطينيين جميعاً نتوجه إلى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بضرورة التدخل العاجل لإنهاء هذه الأزمة، ووقف هذه المهزلة، وإصدار عفوٍ عامٍ عن جميع المعتقلين وتكريمهم، وتعويضهم عما لحق بهم ونزل فيهم، فهذه المحاكمة مخزية، وهذا الاعتقال مرفوضٌ، وهذه الاتهامات مدانةٌ، وهذا الخطاب التحريضي ضدهم مستنكرٌ ومستغربٌ، فليست السجون والمعتقلات في بلادنا العربية هي مقام الفلسطينيين ومستقرهم، بل إن مقامهم عالي بقضيتهم، ومنزلتهم سامية بوطنهم، وشرفهم رفيعٌ بمقاومتهم وصمودهم، ورأسهم مرفوعٌ بثباتهم وصبرهم، فهلَّا جلالة الملك صححت الخطأ، وصوبت الاتجاه، وحكمت بعدلٍ يفرج عنهم، وخلقٍ يعتذر لهم، وقانونٍ عادلٍ يكرمهم ويعوضهم.

 

بيروت في 4/10/2020

الدكتور مصطفى منيغ يكتب من برشلونة عن :العِنَان غير مَمْسُوك في لبنان

الرئيس الفرنسي لم يُمْنَح (من ايران) الضوء الكامل الاخضرار ، بل المُلطخ (لهدفٍ ما) بالاصفرار ، لذا لم يستطع تمرير مبادرته ومُنِيَ مُمَثّلها (مصطفى أديب المُكَلَّف بتشكيل الحكومة) بفشل ذريع ألزمه تقديم الاعتذار، لينسحب من مسرح اللعبة السياسية جملة وتفصيلاً على وقع ارادة الفَصِيل الشيعي المعروف بالسيطرة المطلقة على مخططاتها المُعلنة كالدفينة إن شئنا الإختصار، الفَصِيل  المُكوَّن من رئيس البرلمان ورئيس الحزب “إيَّاه” المنضويان تحت لواء سلطة قداسة “قُمْ” المُقيّدان الآونة في قاعة الانتظار، لغاية تَدارُس المُتحكِّمة بواسطتهما في الشؤون الداخلية لتلك الديار، التي طوَّقتها مستجدات الأحداث من كل جانب متباينة الأطوار ، الموسومة أقلها بأشد الأخطار، المستحوذة ستكون على تغيير مسار أدوار، تشير على حركة “أمل” إطالة أمد المفاوضات المطَّلع رئيسها أقامتها مع اسرائيل فيما يخص ترسيم الحدود البرية كالبحرية المُبتَدَع استمرارها في مثل توقيت (عن خلفية مقصودة) مُختار، وتأمر الحزب “إياه” بتوجيه اهتمامه لمساعدة محركي الضغط غير المباشر على رئيس الحكومة العراقية كي يبتعد عن طلب بقاء السفارة التي عزمت الولايات المتحدة الأمريكية إغلاقها في بغداد كبداية نهاية الوجود العسكري الأمريكي وبعده السياسي دليل تخلِّيها الكُلِّي عن عراق منهوك منهوب النفوذ قبل الخيرات إن لم نقل تكريسها في الموضوع أسوأ فِرار .

… الرئيس الفرنسي وإن أبدى امتعاضه مما حصده من خيبة أمل في لبنان يظل اهتمامه معلق في إمكانية ترسيخ بقاء فرنسا سيدة كلمة وموقف تحتضن أنصارها القدامى/ الجدد وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية الحالي الذي لن يقدر مستقبلاً على تغطية توافقه مع رئيس الحزب “إياه” بغربال سياسة متجاوزة وقد بلغت احتجاجات الشعب اللبناني الذروة والدولة مهددَّة بالانهيار ، إن بقيت التوجهات الرسمية مجزأة على ولاءات خارجية  ومنها عربية بزعامة المملكة السعودية التي تحاول استرجاع ما خسرته بعد تخليها عن “الحريري” بكيفية لا تُنسى عرضت لبنان ساعتها كدولة وحكومة وكيان لموقف لا تُحسد عليه من المهانة والاحتقار.

… كل يوم يمر يجر الكارثة الكبرى أزيد وأكثر، لتشمل الفقراء المغلوبين على أمرهم أولا ثم بالتدريج هؤلاء المطوقة أعناقهم بالانتماء لطوائف وجماعات معرضين بما اقترفوه من نزعات تمزيق الشعب الواحد لنوائب دهر، حامت في افقه أوبئة “كورونا” المتدخلة حتى في رفع الأسعار، وتكسير الاقتصاد لتتضاعف الأضرار ، وتذهب أدراج الرياح طموحات وأحلام أشخاص تخيلوا أنفسهم فوق عامة البشر ، فحدث ما تعيشه لبنان بما داخله حضر، يبغي النزوح حتى في قوارب التهلكة هربا من الموت جوعا في بَرٍّ لم يعد آمناً إلى الموت غَرقاً في أعالي البحار.

… الشهور القادمة حُبْلَى ستكون بالمفاجآت غير السارة  لتداخل محاور أساسية يعمُّها الاختناق توطئة لأضخم انكسار ، يضع النقط على الحروف لمجرى تحضيرات تتمّ سراً على قاعدة تَوَجُّه تحالفٍ مدعوم من طرف دولة مستعدة لكل الاحتمالات شريطة وضع اليد على مرفأ بيروت كمحطة للتوسُّع التدريجي المُنتظر ، تفقد فيه لبنان سيطرتها على القرار السيادي بما يعني ذلك من تصدُّع مُحدَث في المجال السلطوي التقليدي للدولة . قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مستحيلاً لكن التفكير الجدي في فحواه يؤدي لنتيجة الاقتراب من وقوعه يوماً لانعدام أية رؤية رسمية تُشعر الشعب (بوسائل مُقنعة) أنها مجرد أزمة وتمر كسابقاتها ، وتَخَلِّي مسؤولين عن أداء واجب مقاومة ما جرى ولا زال يجري بإعلان المستور وفي مقدمته إخبار اللبنانيين كافة بنتيجة التحقيق المتعلق بتفجيرات مرفأ بيروت وأشياء أخرى تندرج عملية التعتيم الشامل لها في خانة الحفاظ على الأمن القومي للدولة والحقيقة عكس ذلك تطال مصالح فريق تتجمَّع فيه خلاصة ما تعرَّض ولا زال يتعرض إليه هذا البلد المنكوب الذي لا يستحق مثل الوضعية لو وجد مَنْ يحكمه مِنْ أهله على طريقة الانصاف العادل ، لشعب موحَّدٍ فاضل ، وليس الاصطفاف المتخاذل ، لطوائف حِصصها فَشَل مُستدام لكل السلبيات قابل .  

ترانيم غربة..بقلم : أحمد خلف الله _ الجزائر 

إلى المنفى أشدُّ زمــــــام رحلي
و يفرح من بني قومي القريـب

أُزيِّنُ لٱغتـــــــرابي وجهَ بؤسي
و أدعوا الراحلـــين و لا مجيب

زغاريد ترافـــــــق وقع خطوي
يجرجرني إلى العـــتم النصيب

أنا المقتول و الســــــفاح نفسي
و من بعضي على بعضي نحيب

أنا المنحور… أوداجـــــــي عناقٌ
مع السكــــــين …لو هذا عجيب

أنا المزروع………… أطفالا بقلبي
و ما فزعوا و لو زحف المشيــب

رسمت الحلم في أفقي بهيـــــــا
و لم يولد و أجهضه المغيـــــــب

أعزي النفس في غـــُـرُباتِ أرضي
فلا عَوْدٌ و لا أَوْبٌ قريـــــــــــــب

أجفُّ كما الزروع بريـــــــــح صرٍّ
و ما أسفي إذا زمـــــــــني جديب

أروم القرب حضـــــــــنا يحتويني
و أبقى مبعدا أمـــــــــــــلي يخيب

إذا ما الأرض باعــــــــــــدها كتاب
فأنت النفي صاحــــــــــبك الغريب

 محمد مزيد…. سرديات أحلام الحزن!!..بقلم الناقد :شوقى كريم حسن

*كيف يمكن لأحزان الحروب، وهي الحافرة في لب الأعماق، مغادرة الكيانات التي عاشت تفاصيلها، لحظة تجر وراءها لحظة، راسمة ملامح الثغاب، والنواحات، ووجع الأفئدة، طوال أعوام ، كنا نحسها تجرف من شطأن اعمارنا كل معالم البهجة والمسرات التي كنا نتعمد اصطيادها ، ماان نشعر بأن ثمة امل آت، في خضم هذه الامتحانات المتلاحقة، والانثيالات التي تحولت الى هذيان محموم، ووجع يقشر بياض الروح، وجد الولد السومري، نفسه الترفة التي تشبه ورقة نعناع، مصغية الى دوي النداءات، وظلمة القلق، المبتسم دونما هوادة، الراغب بأجتياح كل مدونات السعادة، حاصره اليتم، وابتعدت عنه خطوات الرجاء، تأمل ملامح كل المحطات التي تأخذ الاجساد لكي لاتعود، وجلس عند المرآب المكتظة بهديل فواخت الرجاء بالعودة ليدون انسكابات الهيام الفائرة، والماضية دون رجاء بعودة، محمد مزيد.. الذي تعامل مع البياض اول صباه بترف سومري، بجلس عند ضفاف ليل قرية النواشي، ليعيدصناعة كل ما روته شفاه الأمهاة والجدات بمهارة،  حكاء، عارف، تمتلأ مسافات البياض، بشخوص، تنظر الى مجهول، لايعرف كيف انشتل أمام عينيه، يحاول اجتياز ازمة السؤال، الذي ستظل لصيقة به حتى الان، لكنه يفشل،  ويكون للفشل لدية معنى، لا يمكن للسرد ان يرتكز على حكي دون سؤال يتناسل؟

الحكايات السردية، مهمة ضارة بالعقول التي تريد تشكيل الحياة بحسب ماترغب وتريد، لهذا يجد المتلقي منذ أول نواشي محمد مزيد حتى لحظة غربته، ان شخوص سردياته، لاتتجمل قط، ثمة ما يمنعها من الأمل المحدود الأبعاد، وثمة ما يجعلها تصنع امالاً بحجم محنتها الكونية، ذوات تتعامل مع الأمكنة بقصيدة الادانة اولاً، ثم تجيء الفعاليات السردية المتتابعة، الادهاش في سرديات مزيد يقترن بالفعل السلبي وتطوراته، الثيم المصنوعة بدقة عارفه، تقوده الى ثيمة اساس لاتخلو من الوثوب الى ذاكرة المتلقي، مع الكثير من المتعة الجاذبة، والاقناع التأثيري، تتحرك شخوص محمد مزيد، سواء في سردياته القصيرة ، او بعد تحوله الى السرديات التدوينية الطويلة، داخل زمن، يختاره السارد بقصدية التأثير والتدوين التأريخي معاً، يقود خياراته التوضيحية من خلال امرين مهمين، اولهما الوصفية المشهدية التي تتعامل مع كل ماتراه لعين كاميرا خاصة، والامر الاخر، ولوج الحوارات الى مرابع الصراع المطور لكل المحيطات الفاعلة الادهاشية، لاحوار دون فعل دافع، ولا رد فعل لحوار دون انتقالة مشهدية صوب مبحث درامي ثان، يعزز ما مضى، ويتلاحق لتدوين الأتي التي يدفع بالمتلقي الى حيث الغاية الدلالية الأساس، لا يجتهد محمد مزيد كثيراً في ولوج اللغة الشعرية، التي اعتمدها الكثير من ابناء جيله، ولا يحاول التجريب لغرض التجريب، لانه مؤمن ان يمكن ايصال المتعة والمعارف ببساطة، ومعرفية تامة بكيفيات اشتغالات اللغة ودلالاتها وشفراتها، التي يتعامل معها محمد مزيد بحذر تام،ليس ثمة زيادات او تغيير في الدلالة او الشفرة، الرسالة واضحة والمرسل اليه موجود وهو عارف بالغايات، لهذا اثارت سرديات محمد مزيد شهية النقدية في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فلقد شخصت تلك النقدية تجربة السارد، واعطته اهمية خاصة وضحته في صف متقدم من ابناء جيله الذي لم يعد يتخلص من محنة مخاوفه الارثية التي غسلته بتراب الحجابات ومواجهات الموت، فكر محمد مزيد، في واحدة من سردياته بعد التغيير التحول الى التدوين التاريخي، لكنه ودون قصدية منه راح ينبش داخل ذاكرة الموت، متابعة رحلة الخوف والقلق والأرتباك التي البست وطناً كاملاً اردية الأنهار والانكسار، غربة محمد زاده حذراً، ومنحته ازمنة تأمل كتابية وازنت اعماقه، وجعلته يغور عميقاً في الذات الأنسانية، مشيراً الى ذاك الوجع المعرفي القديم..!!

منذر عبد الحر…ملامح الانتقالات السردية!! بقلم الناقد :شوقى كريم حسن

 

بخفة فواخت نخيل البصرة، التي تنوح من اجل ترسيخ الأحلام الرخية في عمق ذاكرة الاولاد الذين انغمست ارواحهم وسط  اتساعات شط العرب، وحكايات نواخذه ، وسفنه التي ما كانت تستقر الا عند الداكير ، الذي صار مجرد مهجور اخرس لا تروي حكاياته سوى  السن اتقنت الحكي والتدوين، بهذه الخفة كان الولد الذي يحمر وجهه خجلاً كلما ابصر انثى بلون الهلاهل، ينتقل بخطو تعوده بطيء لكنه راكز، يتفحص فضاءات البصرة ومسراتها، اكتشف السياب، وغرابة حركة يديه، فراح يبحث عن شباك وفيقة الذي كان يود لو اوصله الى غاياته، وامسك بثياب كاظم الحجاج، وحسين عبد اللطيف، ثم وبجرأة الواضح الاختيار ولج مملكة محمد خضير السوداء، ليجرب زيارة الشفيع، وجد انثيالات المشهد المعرفي البصري بسعة ازمنة البصرة من فراهيديها حتى ثورة زوجها البيض، تواريخ تحتدم داخل الارواح لتصنع مجداً معرفياً لا جدال فيه، الكون الباذخ أخذ منذر عبد الحر الى استغاثات بصرته ايام كانت تغتسل ببارود الحرب وتمتليء بخطوات الفارين من جشع الموت، بدأت فكرة الحرب تأخذ منه جلَّ اهتمامه، ماالذي تصنعه الحروب غير هذا الدوي السافل، والتوابيت التي لا يتوقف مرورها بإتجاه محطات القطار؟

تلك ثيمة سردية فرضتها الايام على جيل الثمانينيات بكله، هم حطب الاحتراق اليومي، ورمز تحدياته ايضاً، رغم هدوء منذر عبد الحر، الذي يتلبسه اينما اتجه، لكنه يضم بين ثناياه نفساً امارة بالغضب، تعود جمحها من خلال اللهاث وراء البياض الذي اختاره  اداة متحدية للتعبير، لا شيء يغريك في سرديات منذر عبد الحر الشعرية، غير كم الغضب والصراخ، والاحتجاج، وفيوض الاحلام، هو صانع احلأم   يغاير كل من انتمى اليهم شعرياً، لايسرد شعره تحت رغبة ان يكون شاعراً وكفى، بل يخطط ويضع الشفرات الدلالية نصب عينيه، معطياً للحكي فعاليته التي تأخذ بمتلقيه الى مايقصد ويريد، مطولاته السردية الشعرية، ومكتشفات نجاحها وديمومتها، هي التي دفعته بعد لهاث وقت الى ان يثب بارادة منحدٍ ليلج ابواب السرديات الطويله، اخذاً كل عثرات الأيام وتراجعاتها كثيم توثيقية، لم يرها سارد قبله، ينبش في تحتانيات الذاكرة الأنسانية الجمعية، ليخرج مايتفق ورسالته الايصالية، و يميز مسروداته التي شكلت ملمحاً مهماً في تاريخ السردية العراقية، تقترب لغة منذر عبد الحر في سردياته الطويلة من شاعريته مما يضطره الى الانصياع والقبول، ثمة الكثير من المنثورات السردية الشعرية، تجدها فاعل مشهدي قوي وتمكن، ولكن الامر لايقف مع عبد الحر عند هذا الحد، لانه يوظف اللقطة السيمية المحددة الابعاد ليتوهج بفعل استمراري من خلالها، مع ادراك واع لاهمية هذه اللقطات وتجميعها اتشكل الاساس البنائي الذي يريده عبد الحر، مختلفاً كلياً عما يعرفه، تمتد حوارات السرديات لتحل محل الوصف الاكمالي، يلج الحوار وهو يروم كشف اللحظات التأثيرية وهي في مجملها لحظات نفسية، تمكن المتلقي، الذي يعمل السارد على اقناعه، من الرضا والانتماء التطهيري في عموميات السرد، ويقترب السارد ايضاً من اللوحة المسرحية التي اعطت لمسروداته زخماً خاصاً، جعله يعاود السرد الطويل لمرات عدة، دون التخلي عن اهتماماته السردية الشعرية؟

كيف يمكن لعبد الحر الموازنة بين فعاليتين مختلفتين تماماً، الاختصار الروحي، والسعة الاكتشافية من خلال شخوص يتابعهم بوضوح ودراية وعمق؟

السؤال يظل معلقاً، وغير وارد الاجابة، مادام عبد الحر، مصراً على الانتقال من اناه الشعرية، الى اناه السردية الطويلة بشطارة جنوبي اتقنت حنجرته اطلاق مواويل العشق ماان يحيل ليل التسامر؟

اهتمت الذائقة النقدية العراقية بمنذر عبد الحر، سواء في وجوده الشعري، او سردياته الطويلة،  التي اصبح من خلالها من التميزين ابداعياً!!