قراءةٌ نقديةٌ في قصيدة “يـــا قــدسُ يــا مـعـذبـتي  الجمـيـلـة” ..للشاعر محمد المتولي مسلم.. بقلم الأديب / سيد فاروق  

توطئة

****

تعدّ مدينة القدس الفلسطينية من أقدم وأشهر مدن العالم وأقدسها، فاسمها مشتقّ من القدسية، وهي الطهر والبركة والعظمة (1).

كما يعود تاريخها إلى نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وهي مهوى أفئدة البشر على أختلاف دياناتهم، فالمسلمون يقدّسونها لوجود عدة مساجد كمسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى الذي كرّمه الله سبحانه من خلال ذكره في محكم التنزيل في قوله تعالى: ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا “(2).

أمّا المسيحيّون فيقدّسونها بسبب الكنائس الموجودة فيها، وأشهرها كنيسة القيامة التي تعدّ من أقدس الأماكن المسيحية في العالم، وقد بناها الإمبراطور قسطنطين وأمه هيلانة عام 336 للميلاد، وتقام فيها الصلوات في أوقات مختلفة من النهار، وفيها سكنٌ للكهنة ورجال الدين.

ومذ احتل اليهود المدينة عامي 1948م و1967م، عملت على تخريب المظاهر الإسلامية والمسيحية فيها، كما عملت على تغيير الوضع الديمغرافي ممّا أنتج وضعًا جديدًا يتمثّل في أغلبية يهودية ساحقة، وأقلية فلسطينية تسعى إلى تحدّي السلطات الصهيونية التي تتفنّن في ابتداع وسائل تهجيرها.

ولأنّ القدس كانت ولا زالت تشغل هذا الشأن الخطير فقد كانت محور اهتمام الأدباء العرب في العصر الحديث، إذْ راح هؤلاء يكتبون عن تلك المدينة، كلٌّ وفق رؤيته وموقفه وموقعه الإبداعي وبما تسنح به قريحتهم وتجربتهم الأدبية وقد احتفى الشعر العربي المعاصر بهذه المدينة في الآونة الأخيرة نظرًا لسلسة الإعتداءات الصهيونية عليها والتي كان آخرها الاعتداءات على مدينة الشيخ جراح شرق مدينة القدس المحتلة ، وقد أخترنا قصيدة “يـــا قــدسُ يــا مـعـذبـتي  الجمـيـلـة” للشاعر محمد المتولي في هذا الإطار للقراءة النقدية والتي ستكون على المحاور التالية:

– قراءة في الموقع الاستراتيجي للعنوان

– القدس في عين الشاعر

– شخصنة المدينة

– العاطفة وجماليات المعني

– حكمة المقصد وحسن الختام

قراءة في الموقع الاستراتيجي للعنوان

*******************

يعد العنوان أحد ملامح النص الخارجي أو ما يعرف بالعتبات والمنصات وقد اهتم النقاد العرب القدامى ببعض العتبات النصية التي تقع خارج النص فلم يقتصروا على دراسة النصوص الأدبيه وحسب بل كان هناك اهتمام بالملحقات النصية آن ذاك ومنها: ” أنواع الكتابة ورتبة الخط واستقامة الأسطر والفصل بينها، وكانوا لا يرضون بالكتاب إلا إذا كان مختومًا ومعنونًا” (3).

وقد أطقلنا على تلك المنصات الموازية “المواقع الاستراتيجة على خارطة النص”(4).

العنوانَ في الأدب الحديث هو البوابة الأولى التي تضيء للناقد طريقه في سبيل الدخول إلى عالم النص والتعرف على زواياه الغامضة، فهو مفتاح تقني يجس به نبض النص وتجاعيده، وترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبية على المستويين الدلالي والرمزي(5).

ويبقى العنوان في النص الشعري (ضرورة كتابية) (6)،  و (بؤرة النص) (7)،  و (مفتاح دلالي) (8)، وهو حسب رؤيتنا يمثل أقصى اقتصاد لغوي معبرًا عن مضمون النص، أو فكرته العامة .

( يا قدس يا معذبتي الجميلة ) عنوانًا أطلقه الشاعر محمد المتولي في قصيدته التي تهل علينا بنزعتها الصوفية حيث يتعالى فيها صوت الوجد مدوَّيًا مذ بدايتها في أولى المواجهات مع القارئ، الأمر الذي استنهض المتلقي كي يستقرئ العنوان ( يا قدس يا معذبتي الجميلة ) وكذا يتأمل هذا النداء الذي جعل القارئ في دائرة الإغواء والإغراء القصدي وكأنَّ الشاعر ينادي محبوبته يستعطفها ويترك القارئ يكمل جواب النداء في خطاب العنوان ليساءل ما هو المقصود من هذا النداء فيتخيل البعض أن النداء للرجوع إلى كنف الحبيب فيكون جواب النداء (يا قدس يا معذبتي الجميلة ألا ارجعي) ويذهب البعض الأخر إلى أنَّ جواب النداء هو الاستعطاف لتكف هذه الحبيبة عن عذابها له فيكون الجواب (يا قدس يا معذبتي الجميلة ألا كُفِّي عن العذاب) هذا النداء الذي أطلقه الشاعر جعل القارئ متأهب في شوقٍ لسبر أغوار النص للوقوف على ما طرحه خطاب العنوان من تساؤلات وهذه عبقرية الشاعر في اختياره لعنوان مباشر في معناه مراوغ في مضمونه.

وعلى ذلك فالعنوان هو المفتاح الضروري  والبوابة الأولى لسبر أغوار النص، والتعمق في شعابه التائهة، والسفر في دهاليزه الممتدة، كما أنه الأداة التي يتحقق بها اتساق النص وانسجامه، وبها تبرز قراءة النص، وتنكشف مقاصده المباشرة وغير المباشرة، وبالتالي، فالنص هو العنوان، والعنوان هو النص، وبينهما علاقات جدلية وانعكاسية، أو علاقات تعيينية أو إيحائية ، أو علاقات كلية أو جزئية.

أن قراءة عنوان قصيدة “يا قدس يا معذبتي الجميلة” تحيلنا إلى هناك حيث المكان المقدس بما يحمل من مأساة على أن الشاعر محمد المتولي جعلنا نستشعر أن بنية الخطاب الشعري في قصيدته ستقوم على ثنائية عاطفية بين “أنا” الشاعر وبين “هي” القدس محبوبته التى عذبته طوال قرنين أو أدنى فما أعمق هذا الوجد الذي بثه الشاعر للقاريء ليستحضر في أفق التوقع كل ما قيل عن قضية القدس ومسجدها الأقصى إنَّها الجرح النازف في شريان أمتنا العربية.

القدس في عين الشاعر

******************

تفاوتت نظرة الشعراء لمدينة القدس، وامتازت بالتنويع النسبي فمنهم من اقتصر على تصوير حبّه لها، ومنهم من رصد محاولات تهويدها، فيما صور بعض الشعراء النضال الوطني لأطفال هذه المدينة الباسلة، وتحدّثوا عن المستقبل، ومنهم من كان أكثر تفاؤلًا مستبشرًا فاستشرف النصر والتمكين.

لقد كان وعد بلفور المشؤوم في الثاني من تشرين الثاني لسنة 1917م، واستغلّت العصابات الصهيونية هذا الوعد، وعملت على تحقيقه في ظلِّ الاحتلال البريطاني الذي تكفَّل بإنشاء الوطن القومي لليهود وعمل على تضييق الخناق على العرب في المدينة المقدسة بوضع قوانين صارمة على البناء في القدس الشرقية، ثم عمل على تحويل المدينة إلى عاصمة للدولة اليهودية، وسعت الوكالات الصهيونية إلى قلب الميزان الديمغرافي في القدس لمصلحة اليهود، وهكذا إلى أن أصبحوا أغلبية في المدينة(9)؛

ولما انسحب البريطانيون من فلسطين كانوا قد هيَّؤوا لهم فرص الانتصار على العرب، فقامت العصابات الصهيونية بالمذابح الجماعية، ولا سيّما مذبحة دير ياسين التي كانت نقطة التحول، وقد قال عنها مناحيم بيجن: “لولا النصر الذي حقَّقناه في دير ياسين لما كانت هناك دولة إسرائيل”(10).

إنَّ مشكلة القدس مختلفة عن مشكلة أيّ مدينة أخرى في العالم، وهي معقَّدة الخيوط، فعلى الرغم من صغرها نسبيّاً بين المدن الكبيرة في العالم غير أنها تعجُّ بالأماكن المقدّسة عند أصحاب الديانات الثلاث، ولهذه الأماكن ذاكرة تاريخية تزيدها قداسة، ككنيسة القيامة والمسجد الأقصى وسواهما (11).

وجدير بالذكر أن احتفاء الشعراء بهذه المدينة وقضيَّتها ربَّما لا نجده في مكان آخر، ويرجع هذا إلى أنَّ إيمان الشعراء حتى شعراء المهجر بانتصار العرب على هذه المحنة الجديدة القديمة لا يقبل أيَّ نوع من التشكيك أو التأجيل أو الحوار، ولذلك شارك الشعراء هناك مشاركة فعَّالة على الرغم من إمكاناتهم المتواضعة في سبيل هذا الانتصار، ومن هؤلاء الشاعر إيليا أبي ماضي الذي يردّ بقوة على الادعاءات الصهيونية الكاذبة، وكذلك الشاعر القروي الذي قال عنه البدوي الملثَّم (يعقوب العودات): “ولو أُتيح لي أن أؤرّخ القضية الفلسطينية جملةً وتفصيلاً لسجّلت اسم (الشاعر القروي) في سورة البسملة، ولنحتُّ له تمثالاً حفرت عليه: هذا رجل عمل لفلسطين ما لم تعمله الآلاف والملايين”(12).

وغنيّ عن القول إنّ وحدة الموضوع عن القدس لا تجسّد بالضرورة تشابه النصوص، لأنّ كل شاعر له رؤيته وأداته اللتان تميّزانه عن غيره، فالقدس لا تتعدى عند الشاعر محمد المتولي أنْ تكون لغة الجرح، ولا يسعى الشاعر إلى جعلها أكثر من طرف في علاقة حب غامضة حيث يستهل الشاعر قصيدته بهذه الأبيات:

مَـخـايِـــلُ الـسـحـــرِ أم لـلـسحــر أشـبــاهُ                     

     ..  أم أنـــني قـــابُ  قــوسٍ  من حُـمـَيــَّــاهُ  

..     

   ـ قـد كان عـاقــرني دهـريـن أو أدنـى                     

    ..    فـذبــتُ  حـتى كأنـي  بـعــض فـحــواهُ 

..

  ـ لـكـنـمــا الآن  أرجـــوهُ . .. أراودُه                 

   ..  وأسـتـعـيــذ بـربـي مـن  نـوايــاهُ  . !!

  ..

ـ يـنـأى لـيـقـطــع أحــلامـي وآصـِرتـي                     

 ..    أنــا الـعـزيــزُ  تـهـاوت مـن فـمــي  الأهُ .!!  

يبدو لنا من خلال الأبيات السابقة أنّ مثل هذا الحب الغامض صادر عن عاشق مستسلم لغواية الحب الساذج الذي لا يستند إلى تمييز محسوس بين القدس وغيرها، اللهم إلا في الشطر الأول من البيت الثاني “قـد كان عـاقــرني دهـريـن أو أدنـى” وهنا إماءة من الشاعر بعرقلة هذا السحر للمدينة خلال دهرين أو أقل من الدهرين وهو تاريخ احتلال المدينة المقدسة.

فالأبيات السابقة للشاعر محمد المتولي تصلح تمامًا لأي محبوبة على الإطلاق، حيث تساءل الشاعر على لسان القدس ” مَـخـايِـــلُ الـسـحـــرِ أم لـلـسحــر أشـبــاهُ” وقد جاء في معجم المعاني الجامع، “مَخَايِلُ السُّحُبِ : السُّحُبُ الْمُنْذِرَةُ بِالْمَطَرِ”(13).

فهل هي عَلاَمَاتُ السحر وإِشَارَاتُه أم أن لهذا السحر أشباه ونظائر، ” أم أنـــني قـــابُ  قــوسٍ  من حُـمـَيــَّــاهُ” أي على مشارف ذروة السحر وشدّته وحدّته.

حتي أصبحت القدس في عين الشاعر بعض فحوى السحر تهمي له الرجاء وتراوده وتستعيذ بالله من نواياه، وكيف لا وهو السحر الغاشم المحتل الذي ” يـنـأى لـيـقـطــع أحــلامـي وآصـِرتـي ” يبتعد ليقطع الأحلام ويمزق الأوصال والروابط.

كما استطاع الشاعر محمد المتولي أنْ يستشعر ويرصد الخطر الداهم الذي يتهدّد القدس، قبل سقوطها في يد النازيين الجدد وحتى الآن  حيث يقول: ” قـد كان عـاقــرني دهـريـن أو أدنـى” ولا بدّ هنا من الإشارة إلى هذه القصيدة على أنها قصيدة التاريخ التي كتبت لتأرخ حدثًا تاريخيًّا جمًّا، ليجعلها تحتفي بالزمان مثل احتفاءها بالمكان المقدس حتى صار متيم في حبه يألم للآلآمه ويحزن لأحزانه وكيف لا وهو الحبيب الناطق بلسان محبوبة المُعَذّبة الجميلة التى نال من مسّ السحر الذي اصابها، وفي هذا الصدد يقول الشاعر:

يـنـأى لـيـقـطــع أحــلامـي وآصـِرتـي                     

 ..    أنــا الـعـزيــزُ  تـهـاوت مـن فـمــي  الأهُ .!!        

ـ فـأيــن عـقــلــي إذا اهـتــــزت عـوارفـــــه                        

 ..  وأيـن قـلـبي إذا تـنـهــلّ ريــَّــاهُ

لقد فعل هذا السحر الذي مسَّ المدينة المقدسة بالشاعر الأفاعيل حتى أنه يصل بوجد الشاعر إلى أبعد مدى من العذابات لنراه يقطع الأحلام والآصرة وهو الذي عاش على مَرّ القرون عزيزًا بين الأمم لعز محبوبته وحريتها وشموخها إلى أن فاجعه الحدث المشين فتهاوت الأه منتحرة على فمه، الأمر الذي أحدث في عقله زلزالًا مدمرًا هزَّ عوارفه وبات شارد الفكر مشتت العقل واصيب القلب الوَلِه الموجوع الذي انـهــلّت ريــَّــاهُ، كما ينهلَّ المطر أي “يهطل بشدة وقوةٍ” (14).

 وهنا إيماءة إلى أن الشاعر يبحث عن قلبه جيث يقول ” وأين قلبي إذا تـنـهــلّ ريــَّــاهُ ؟” هذه المضغة الصالحة التي سقطت مصادر الري بالنسبة لها حتى أصبح الفؤاد تائهًا ظمآنًا؛ فما بالك أيُّها القارئ بشاعرٍ يبحث عن عقله وقلبه في آن معًا ،عقل تأرجحت معارفه اهتزازًا وقلب سقطت منابع ريّه ، كيف يكون عمق هذا الحب؟؛

دعونا نتأمل في شعور الشاعر محمد المتولي الذي بثه هنا ونتغلغل في إحساسه، فإنَّ من يقرأ بعين القلب يدرك تمامًا كنه هذا الحبَّ الموشوم في وجدان الشاعر محفور في ضميره، هذا الذي ذهب بعقله وقلبه هو حبّ من نوع خاص حب العارفين وغرام الصادقين المخلصين.

وحسبما نرى في هذه الأبيات أنّه لا فرق حقيقيّ بين القدس أو أي محبوبة أخرى في الخطاب الشعري الذي بين أيدينا، إلا في بعض الملامح والإيماءات البسيطة، إذ ليس ثمة ما يميّز المكان عن سواه، مما ينزع عن الشعر نكهة خصوصية المكان في نص يفترض أنّه يستند إلى الذاكرة المكانية بكل حرف من حروفه حيث اتخذ الشاعر من الرمز متكأ ليمرر تلك المشاعر العارمة المحملة بالوجد والوله وبث الآهات المشتته ما بين الفم والقلب.

وعلى الرغم من أنّ هذا النص ينتمي للكلاسيكية، فإنّنا لا يستطيع أن نتهم الكلاسيكية بالتقصير كما يفعل البعض لأن بعضًا من النصوص التي تنضوي تحت لوائها نجحت في إعطاء لغة الشعر خصوصية مكانية، إضافةً إلى تميّزها البنائي والإيقاعي على حدٍ سواء.

شخصنة المدينة

*************

تعد لغه الشاعر في هذا النص لغة فريدة فهو نص له رؤيته وأداته اللتان تميّزانه، وكما قلنا سابقًا أنَّ القدس لا تتعدى عند الشاعر محمد المتولي أنْ تكون لغة الجرح، ولا يسعى الشاعر إلى جعلها أكثر من طرف في علاقة حب غامضة تشوش العقل وتغيب وعية من أثر شراب ذلك السحر الذي أفرغه الساقي بناءً على طلب الشاعر فقد جالسه ورافقه على الشراب هنا يلقي الشاعر باللوم على نفسه فهو يتحدث بلسان الأمة وأن هذا السحر ما كان إلا لتقاعص الأمة عن نصرة القدس حيث يقول الشاعر :

ـ يــا نـادل الـسحـرِ أفـرغْ  . هـل تـخـلـفـني 

  ..   يـــا نـادل  الـسـحـرِ  إنـي مـن نــدامـــاهُ  

..

     ـ عـبـاءةُ   الـسـحـر يـبـدو من  بـطـانـتـهـا                  

  وجـهُ  الـتي  لـقّـنـت  قـلبي سَـجـايــاه 

..

هنا تجسيدًا حيًّا للمكان هذه المرأة الفاتنة والمحبوبة التي عذبته وكيف شخصنها الشاعر وصوَّرها على أنها امرأة تطلُّ بوجهها من عباءة السحر لتفتك بالروح وتلقن قلبه سيماته الشفيفة فيصف الشاعر حالة الحرمان ليعبر عن حالة الفقد التي تعانيه الذات الشاعرة المعذبة في كنف تلك الطقوس العصيبة.

وهنا يمكننا القول إن المكان قد ابتعد عن شكله المعهود المقنن، إذ لم يصبح الحاضر استكمالًا لماضٍ رتيب في خط تعاقبي يرافق التواترات والتسبيب السردي، كما أن المستقبل لا يحمل بذرة البشارة أو الوفاق حصرًا، ولم يعد المكان هو الحجر الأصم الذي لا يشعر (15) بل إنَّ المكان تجسَّد في إنسان يتحرك في صورة امرأة تتفاعل مع ذات الشاعر في مواضع شتى فهي تخرج من عباءة السحر تعذبه تارة وأخري تهدى لقلبه صفات الشفافية والحس والشعر المهموس.

أي أنَّ الشاعر محمد المتولي استخدمت في القصيدة الكلاسيكية المعاصر تقنيات الزمكان فصنع تطورًا ملحوظًا للوظائف والإحداثيات الزمكانية، واستُخدمت هذه الإحداثيات بتواترها لخدمة السياق الشعري في أنساق درامية تجسد حالة الوجد للذات الكاتبة في مشاهد مختلفة تتتابع وتتداخل في نسق شاعري يخدم معمارية البنية السردية في القصيدة الكلاسيكية المعاصر (16).

  ـ فـلـو  تُـبـيــح  لـمـثـلي في  الـربـوع  حِـمــَى                      

  .. أطـِـــــلُّ  مـنــه عـلى مُـلـكي وأرعـــــــــاهُ 

..

  أطـــلُّ مـنــه  عـلى  وِردِي  وسـيــــدتـي                       

  ـ حـيــن الـمَـخـاض عـلى مـســرًى عـشـقـنـاه

وفي مسيرة الشعراء الذين تعاطوا مع القدس في شعرهم، أتوقف برهة عند الشاعر محمد المتولي مسلم ذلك المصري الأصيل المعجون بطمي النيل ورح السماء الذي عمد في قصيدته “يا قدس يا معذبتي الجميلة” إلى شخصنة العلاقة مع المكان عبر تقديم حالة شاعرية نادرة أقرب للسيرة الذاتية حيث قدم فيها بوحه ورؤيته ووعيه لمدينة القدس وكيف يراها.

لم تعدْ القدس مدينة الأحجار والأسوار فحسب، بل ألبسها الشاعر محمد المتولي الثوب الإنساني، فتفاعلت أنسنة المكان بنفحات الشعر، فأخرج لنا قصيدة حبّ سلبت أطراف شعر الحب مكانته، فكانت القدس عند الشاعر لها حبّ الحبيبة الأم والأرض والوطن والمرأة، ونظم لأجلها أبيات الغزل والعاطفة والمواساة، وغير ذلك من محاور تطرق إليها المتولي وهو يدرك تمامًا أنها ليست قضيته فحسب بل إنَّ دورها لم يعدْ سهلًا كونها قضية أكثر من مليار مسلم، بل أنها تعدت ذلك إلى أن أصبحت قضية وطن عربي بأكمله.

وقد أضفى الشاعر على القدس طابع روحاني في ختام المقطع السابق متكأً على أنَّ مدينة القدس مقدسة لخصوصيتها، وقد أراد الله لها ذلك في قوله تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله…….”(17)؛ يتلبس الشاعر ثوب الزاهدين المتصوفين فلو أبيح له في الطرقات حِـمــَى آمن يلجأ إليه ويحتمي به في آمان ليطل منه على ملكه ويرعاه كما أنه يطل منه على محبوبته التي أصبحت ورده الذي يترنم به كتسابيح المريد وهي “المسري الذي عشقناه” لقد هزَّت القدس مشاعر المتولي لما تحمل من طابع ديني محفور في وجداننا جميعا فجادت قريحته بما في ذاته من روحانيات تستمد قوتها من الطاقات المرجعية للثقافة المتراكمة والمفاهيم الراسخة في الضمير العربي.

العاطفة وجماليات المعني

***********

تعد التجربة الشعرية في أساسها تجربة لغة في المقام الأول، فهي تعطي الشاعر مؤشرًا دلاليًّا على خصوصياته ومواقفه وأفكاره، كما تضيء المساحة المظلمة من اللاشعور، ومنه تجسيد كل أنواع الدلالة فهي كذلك “الوجود الشعري الذي يتحقق في الّلغة انفعالًا وصوتًا موسيقيًّا وفكرا” (18)؛

 وفي ضوء هذا يؤكد رائدا سيمياء العواطف – أ. ج. غريماس وج. كورتيس –  أهمية الّلغة في تشكيل العاطفة والتعبير عنها ” فالّلغة الطبيعية ما هي إلَّا شاهد على ما يحمله تاريخ ثقافة كعاطفة من بين كل التداخلات الصيغية الممكنة، وما يحّقق الوجود الخطابي للعواطف هو الاستعمال الجماعي أو الفردي لها “(19)؛ وتعد إنجازات كل من أ. ج. غريماس وج. كورتيس العلمية قائمة على الإبحاث السيميائية ذات التوجه الشكلاني، والتي أهتمت بصفة خاصة بشكل المعنى .

 ومن هذا المنطلق فالّلغة هي صورة للوجود يجسد الثابت منها الألفاظ وأما المتحول منها فهي الدلالات، إذ تبني علاقات مألوفة أحيانا وغامضة في كثير منها، خاصة عندما يتعّلق الأمر بالّلغة الشعرية لكونها تنزاح عن الدلالة الّلغوية من وضعها القاعدي الاصطلاحي إلى حيز الغموض والتعقيد في بعض الأحيان؛ لأن الشعر قوة ثانية لّلغة وطاقة سحر وافتتان، وهو يقوم على تحويل المعنى الموصوف من معنى ” تصوري ” إلى معنى ” شعوري”  (20).

وإذ يؤكد الشاعر محمد المتولى على طبيعة العلاقة الثنائية بينه وبين محبوبته فهو يلقى باللوم على نفسه لما آل إليه حال محبوبته،

 ترى من راودها عن حسنها ؟

وما هي النصائح التي يريد أن يوجهها لها الشاعر كوصايا غالية لمحبوبته؟

هذا ما يتضح من خلال الأبيات التالية:

ـ يــا ويـْـحَ نـفـسي عـلى الـحـسـنـاء راودهــا                   

  ..  مـن خـارج الـحــيّ  أوغــادٌ  أّلــــدَّاءُ

..

   فـكــفـكِــفي حُـسـنــكِ الـمـجـنــونَ  فـاتـنـتي                 

  .. فـالـحـسـنُ في دفـتــرِ الـعـربـيــدِ إغــراءُ

..

ـ  إن الـعـطـاشَ إذا لاحـت مـشاربـهــم         

.. فـلـن يـهـذبـهـم ريــْـثٌ  وإرعــاءُ 

..

فـلا تـصُــدي ولـكـن أســدِلـي  سُـتـرا             

  ..  في مـثـل حـسـنـكِ هــذا الـصــدُّ إغــواءُ

..

   ولِـيُّ أمــركِ لاهٍ  لـيـس يـشـغــلــه                  

.. هـذا الــتـلـمـــُّـظُ  مـمـــن لـلـخـنــا جــاؤا     

..

ـ  فـجـاهـروا بـالـذي تُـخـفـي ضـمـائـرهــم                 

.. ومـزقــوا ثـوبَــكِ  الـشـفــَّــافَ إيـلـيــاءُ

..   

ـ فـهـل تـلـومـيـن صَـبًّــا قـد أحـاط  بــه       

.. خُـلـفٌ وقـــاتٌ وتـغـريــبٌ وصهـبـــاءُ

من خلال تفحص المعجم الّلغوي لمفردات قصيدة “يا قدس يا معذبتي الجميلة” نجد أن العاطفة هي الأكثر هيمنة من حيث تواترها سواء مباشرة أو عن طريق التلميح إليها هي العاطفة التي تأخذ ملمح العزل شكلًا وليس مضمونًا، هي التواقة إلى عاطفة البوح بين الذات الأولى ” ذات الشاعر ” وبين الذات الثانية “القدس” والتي شخصنها الشاعر وألبسها زي المحبوبة الإنسانة، حيث تحمل الذات الأولى شحنة انفعالية بصفتها ذاتًا انفعلت وتفاعلت، تأثرت وأّثرت، مما جعلها تعطينا صورة واضحة عن أغوار نفسها، فغدت في  بعض مراحل القصيدة حزينة متألمة وديناميكية، وفي بعضها  الآخر قلقة منفعلة وهادئة، وقد يعود هذا إلى طبيعة النفس الإنسانية عندما تحمل على عاتقها سرًا من الأسرار لا يرتاح لها بال إلَّا بعد أن تفشيه وتعلنه للطرف الآخر، وهو ما تمثله ذات المدينة المقدسة، فقد اعتبرها المتولي الذات الأنثوية المنوط بها سماع البوح وهي في الوقت ذاته وسيلة للإعتراف بالحب بشكل مختلف يحقق لها كينونة الوجود وتضيف لعمرها أعمارًا .

 هذه المدينة المقدسة التي ألبسها الشاعر رداء الذات الأنثوية المتلقية للقوله الشعري والذي اتخذها رمزًا ليمرَّر بعد المشاهد من خلالها، فتارة يلوم نفسه على حالها وأخرى يطلب منها أن تدفع حسنها وتصرفه عنها لأنه ” في دفـتــرِ الـعـربـيــدِ إغــراءُ” وثالثة يطلب منها عدم الصد وعدم المواجهة بهذا الحسن بل تُنزِل سترًا يحجبه لأن الصدّ في حالة الحسن يعد نوعًا من الإغواء ” في مـثـل حـسـنـكِ هــذا الـصــدُّ إغــواءُ”

ثم يلقي باللوم على وليِّ أمرها الذي يعيش الغفلة ” ولِـيُّ أمــركِ لاهٍ” فلا يشغله من جاءو للعربدة، وقد انكشف ما تخفي ضمائرهم تجاه المدينه المقدسه “.. ومـزقــوا ثـوبَــكِ  الـشـفــَّــافَ إيـلـيــاءُ” خطاب واصف للآسى مخاطبًا المدينة متأسفًا على حالها فهي الحبيبة “إيلياء أي بيت المقدس”(21)

وهي نفس الحبيبة التي جعلت الشاعر يبحر داخل الحياة المطلقة اللامتناهية المنكشفة على ما وراء حالة الأشياء وحالة الروح الإنسانية، فعدت طرفًا في هذا الحوار (22)، يبادلها الشاعر همه وأحزانه ويأسه، لأّنه في حاجة ماسة إلى البوح للآخر كعامل من عوامل الخلاص من الفراغ والعدمية بل يبادلها الشاعر كل حالاته الانفعالية ينصحها ويصف من تداعوا عليها ومن مكر بها ومن تقاعس عن نصرتها يأسف على من نكَّلَ بها وخان العهد المقدس في الدفاع عن كينونتها .

هذا هو الحبّ الذي يعرَّف على أنَّه سلوك محبوب يختلف حسب الموضوع المرغوب فيه ← تمسك، انحناء، حنان، ميل.

 ويعني أيضا رغبة لكل ما هو محبوب (إله – أم – أب – ابن – إنسانية – أرض – وطن) والحب “يتولّد بين الحبيبين عن طريق السماع والنّظر، ثم تقوى المودة لتصير محبة، ثم هوىً، ثم عشقًا”(23)

ومن بين مرادفات الحب نجد: الهوى، العشق، الصبابة واللّوعة، وأما العشق فيعني فرط الحب وقيل هو عجب المحب بالمحبوب والعاشق يذبل من شدة الهوى(24)

لقد كانت عاطفة الحب عند المتولي حكم إرادي لانفعال ورغبة فائضة عنده كشخص أحبَّ بصدق تجاه مدينة القدس، وهي رغم كيانها المادي الجامد من حيث كينونتها كمكان عمد الشاعر إلى شخصنتها وأنسنتها باحتراف المبدع وقلب المحب حتى تصاغ كينونتها الجديدة تلك التي وصفها بها الشاعر محمد المتولي لتتناسب مع مادة البوح الذاتي الوجداني وما يبثه من مشاعر وانفاعلات إنسانية حتى تشعر هي الأخرى بما يعتريه من حزن وما يسكنه من ألم.

حكمة المقصد وحسن الختام

*********

قديمًا كان أسلافنا النقاد يحكمون على قوة النص وبلاغته وشاعرية صاحبه من خلال براعة الاستهلال وحسن الختام ناهيك عن عمق الفكرة والمضمون، وسمو القصد وفي عصرنا هذا نلمح حكمة النص أو شاعرية الحكمة إن صح التعبير تأتي مع اكتمال التجربة الشاعرية ونضوجها وخبرة الشاعر من خلال تفاعله مع الحياة والأحداث من حوله، وهنا في قصيدة “يا قدس يا معذبتي الجميلة” للشاعر محمد المتولي مسلم تظهر حكمة القصيدة في نهايتها في بلاغة لغوية خاصة يمتاز بها الشاعر في اختيار مفردات قوية كرسالة أخيرة تتلخص في بعض الأشياء المهمة التي أخَّرها حتى نهاية القصيدة حتى تظل عالقة قي ذهن المتلقي والتي بثها الشاعر في الأبيات التالية:

ـ إني سـأركَـنُ  لـلأنـبـاء أسـمـعـهـا                     

 ..  فـلـيـس  ثَـمَّــةَ  عـندي غـيـر أسـمـاعي

 ..

  ـ فـأهـمـلـيـني لـوقـتٍ  قـد أعـيـد بــه                      

 ..   أمـسـي وأُحـكـمُ  فـيــه بـعــضَ أوضاعي

..

ـ وردِّدي مـثـلـنــا أوراد حـانـتـِـنــا                       

..ولْـتـعـلـمـي  أنـهــا لـحــني وإيـقــاعـي  :

..

 ـ لا يـقـتــلُ الـذئــبُ شــاةً حـيــن يـقـتـلـهــا                     

.. وإنـمــا حـتـفـهــا في غـفــلـة  الراعي

..

 ثمة حقائق وصل إليها الشاعر بعد عقود من الحزن وجسور من العناء والألم الممتد بداخله عصورًا فهو لم يفارق الأنباء وإنما سيسكن إليها ويتابعها عن كثب فليس لديه سوى السماع ” فـلـيـس  ثَـمَّــةَ  عـندي غـيـر أسـمـاعي” ثم يطلب منها أن تمهله بعض الوقت كي تسنح له الفرصة بإعادة الأمس بما فيه من عزة وكرامة وإباء ومجد وكذا يحكم أوضاعة إحكامًا يجعله مؤهلًا لإعادة تلك الحضارة العظيمة ؛

وقد انتبه الشاعر إلى التأثير الفاعل للأوراد كآداة وصلٍ بين من المريد العارف المتصوف وبين الذات الألهية العليَّة في السماء، إذ يطلب من محبوبته أن ترددها ويحثها على ذلك ويخبرها أنَّ هذه الأوراد صارت لحن الشاعر وأنشودته الإيقاعية لما بها من سحر وقوة روحية تعيد بناء النفس من جديد وتمنح القلب قوته النابعة من اليقين في المولي عز وجل.

حكمة أخرى أراد أن يبثها لنا الشاعر في أخر الأبيات في صورة حقيقة لا ريب فيها آمن بها الشاعر وأقرها وأقنع القارئ بها، وهي أنه يرجع التداعي وسطوة المعتدي إلى غفلة منا بوجهٍ عام وغفلة القائم على أمر هذه البقعة المباركة على وجة الخصوص وذلك يتضح في هذا البيت الذي أطلقنا عليه سجدة القصيدة إنْ صح التعبير (لا يقتل الذئب الشاة حين يأكلها… وإنما حتفها في غفلة الراعي)

حيث اتخذ من الذئب رمزًا للمعتدي الغاشم فمرَّر ما يخلد في خلجات الذات الشاعرة تجاه الحدث متكأ على الرمز المجازي وكأنه يخطب فينا أن أفيقوا أيها الغافلون كي يكتب لكم النصر، ولا تكونوا رعاة أصيبوا بالغفلة والبلاهة حتى لا تضيع رعيَّتكم ؛

وهكذا دائمًا فللشعر عند المتولي مذاق خاص ولغة فريدة ونظم محكم وصور بليغة بديعة مستحدثة، وحسبما نرى أنَّ الشعر الحقيقية هو الذي لا يغادر المجاز ولا يحده أفق، ولا يتخلى عن المستوى الجمالي حتى في مثل هذه القصائد ذات النزعة الخطابية التي تستنكر الظلم وتستنفر الهمم وتستبشر النصر، فهنيئًا لنا بهذا النص. 

خلاصة القول

***********

– أيها القارئ ماذا تقول للقدس السليبة وكيف تصرخ تلك الأسيرة وتستنهض أهلها ؟   ومن يصور مشاعر المحبوبة مثل المحب ؟

– لعلك تقول مثلي ومثل الشاعر محمد المتولي: إيَّتها الحبيبة المُحاصرة والدرَّة الفريدة المستعمرة أيها المسجد الأقصى الأسير ألا صبرًا فإن وعد الله حقًا والنصر آتٍ بإذن الله تعالى لا مراء فيه.

– لقد استطاع  المتولي أن يصور لنا واقع المدينة المقدسة تصويرًا فنيًا وذلك باختيار الكلمة الموحية بطاقتها وجرسها ومعناها، فجاءت القصيدة قويةً مؤثرةً، بعد أن تخطى الشاعر الحدود الذاتية وتخلص من ذاته فارتفع شعره إلى ذروة الجمال الفني ليسجل لنا لوحات حزينة لصراع المدينة المُحاصَرة تحت أغلال العدو.

– وفي تقديرنا أنَّ الشاعر محمد المتولي عدَّ بهذه القصيدة وغيرها من القصائد ضمن شعراء التمكين الملتزمين بقضايا أمتهم الذين سخروا شعرهم لخدمة القضية العربية وبالأخص قضية القدس، إنهم سجلوا الأحداث الدامية والمحن السياسية التي تشهدها هذه البقعة المقدسة من الوطن العربي تحت نيران العدو الصهيوني وأعبائه الثقيلة.

– كما إننا نلمس في قصيدته “يا قدس يا معذبتي الجميلة” صدق العاطفة القومية والوطنية والعربية تجاه تلك الفاتنة ولهذا كان شعره بمثابة مرآة لأحوال الوطن العربي عامة والقدس على وجه الخصوص، نلمس في كلماته صيحته الوطنية وصرخة الألم وصور الثائر المناضل والمناهض للطغيان والاستبداد.

– وحسب رأينا أن الشعر عند المتولي منبر يصيح من فوقه لتهب أنت أيها القارئ وتستجمع همتك وتقوِّي عزيمتك وتعلم علم اليقين أنَّ أرض العروبة لا بدَّ وأنْ تحرر من رجس الأعداء الذين نسوا أنها الأرض الطاهرة مذ وطئت أقدامهم عليها .‏

– لقد كان المتولي بحق على مستوى القضايا الراهنة التي تعيشها الأرض المحتلة، والمرحلة الخطيرة التي تمر بها الأمة العربية، كما عمد إلى استخدام لغة فريدة في مستواها الجمالي وتعبيرها الفني متكأ على القيم الإنسانية العظمي في الدفاع عن مجبوبته التي عذبته فرصد وجودها وماضيها وبقائها، حاضرها ومستقبلها واليقين في وعد الله (…… ألا إنَّ نصرَ الله قريب) (25).

**************

الهوامش والمراجع

**************

  –  معجم المعاني الجامع ، المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي، مادة قدس.

https://www.almaany.com/…/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3/

2-  قرآن كريم: سورة الإسراء، الآية (1).

3- عبد الرزاق بلال: مدخل إلى عتبات النص دراسة في مقدمات النقد العربي القديم، ص 28.

4 –  راجع: سيد فاروق: المواقع الاستراتيجية ” على خارطة النص الإبداعي “، (د.ط)، المؤسسة العربية للعلوم والثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة ، مصر ، ط1، 2019م .

5 –  جميل حمداوي: سيميوطيقيا والعنونة، مجلة عالم الفكر،م(25 )،ع(3 )،يناير مارس 1997م، ص96.

6 – محمد فكري الجزار: العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي، ص45.

7 – بسام موسى قطوس: سيمياء العنوان، ص 7.

8 – امبرتو ايكو، عبدالرحمن ابو علي: مجلة نزوى، العدد14, 1998م.

9 – انظر: سمير جريس: القدس ـ المخططات الصهيونية، الاحتلال، التهويد، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ط 1، 1981، ص 22 ـ 33.

10 – المرجع السابق: القدس، ص 34.

11  – انظر: عارف العارف: المفصّل في تاريخ القدس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 3، 2005م، (الباب الثامن ـ ص 715 ـ 774)، والقدس (الفصل السابع ص 181 ـ 204).

 12 – يعقوب العودات (البدوي الملثم): الناطقون بالضاد في أميركا الجنوبية، دار ريحاني للطباعة والنشر، بيروت، 1956، ص279.

13  –  معجم المعاني الجامع ، المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي، مادة قدس.

https://www.almaany.com/…/%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%8A%D9%84/

 14  – المرجع السابق: معجم المعاني الجامع ، مادة انهلَّ.

15- محمد جاسم الموسمي: السرد الشعري، دراسة تطبيقية على الشعر الجديد، رسالة ماجستير، كلية البنات للآداب والعلوم والتربية، 1998م، القاهرة، ص 35.

16- راجع: سيد فاروق: تقنيات السرد الحديثة ” في القصية المعاصرة، (د.ط)، نسائم الشعر والأدب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة ، مصر ، ط1، 2019م، ص 60..

 17  – سورة الإسراء: الآية رقم (1).

18 – السعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث، الطبعة الأولى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الاسكندرية، 1979م، ص9 .

19- A. J. Greimas et J. Fontanelle, Sémiotique des passions- Des états de choses aux états d’âme, p 11.

 20 – ينظر، جون كوهين، الّلغة العليا (النظرية الشعرية)، ترجمة: أحمد درويش، د.ط، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1995م، ، ص 34

 21  – تعريف و معنى إيلياء : قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي.

https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A5%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A

 22 – ماجد قاروط: المعّذب في الشعر العربي الحديث في سوريا ولبنان من عام 1945 إلى عام 1985 ، دراسات جمالية، منشورات إتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999م، ص179.

23 – محمد غنيمي هلال، الحياة العاطفية بين العذرية والصوفية، ط2 ،دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، 1976، ص23

24 – بن منظور، لسان العرب، المجلّد2 ،ص178-179 .

25 – سورة البقرة: آيه (214) .

**********************************************************

يـــا قــدسُ يــا مـعـذبـتي  الجمـيـلـة

==========  

  مَـخـايِـــلُ الـسـحـــرِ أم لـلـسحــر أشـبــاهُ                      

     ..  أم أنـــني قـــابُ  قــوسٍ  من حُـمـَيــَّــاهُ  

..     

   ـ قـد كان عـاقــرني دهـريـن أو أدنـى                     

    ..    فـذبــتُ  حـتى كأنـي  بـعــض فـحــواهُ 

..

  ـ لـكـنـمــا الآن  أرجـــوهُ . .. أراودُه                  

   ..  وأسـتـعـيــذ بـربـي مـن  نـوايــاهُ  . !!

  ..

ـ يـنـأى لـيـقـطــع أحــلامـي وآصـِرتـي                     

 ..    أنــا الـعـزيــزُ  تـهـاوت مـن فـمــي  الأهُ .!!        

  ..

ـ فـأيــن عـقــلــي إذا اهـتــــزت عـوارفـــــه                        

 ..  وأيـن قـلـبي إذا تـنـهــلّ ريــَّــاهُ

 ..

ـ ومـا أقـول لـسـاقـيـه بـحـانــتـــه                      

 ..   غـيــرَ  الـتـمــاسٍ  لـقـطــرٍ  من ثـنـايــاه :  

..                                        

    ـ يــا نـادل الـسحـرِ أفـرغْ  . هـل تـخـلـفـني 

  ..   يـــا نـادل  الـسـحـرِ  إنـي مـن نــدامـــاهُ  

..

     ـ عـبـاءةُ   الـسـحـر يـبـدو من  بـطـانـتـهـا                  

  وجـهُ  الـتي  لـقّـنـت  قـلبي سَـجـايــاه 

..

  ـ فـلـو  تُـبـيــح  لـمـثـلي في  الـربـوع  حِـمــَى                     

  .. أطـِـــــلُّ  مـنــه عـلى مُـلـكي وأرعـــــــــاهُ 

..

  أطـــلُّ مـنــه  عـلى  وِردِي  وسـيــــدتـي                       

  ـ حـيــن الـمَـخـاض عـلى مـســرًى عـشـقـنـاه

..

  ـ لـيـســت تُـنـِيـلُ قـلـيــلا أسـتـقـر بـه                       

 ..  ولـيـــس تـنـقــــض غــــــزلا قــــد فَـتـلـنــــاهُ !!

..

ـ ومـا لِـمـثـلي فـكـاكٌ مـن حـبـائـلـهـا     

..  ومــا لـقـلـبي عـلـيـهـا مــا تـمـنــَّـاه

 .. 

ـ فـكـيـف أحـيــا بـلا وزنٍ عـلانـيـةً                        

..  يُـعـايـن الـنـاسُ عٍــلَّاتـي وأوجــاعي .؟

..

ـ  أنـا الـذي  رفـرفــتْ  نـوْبـاتــه  زمَـنــًا                     

..  مـثـل الـبـنــود عـلى مـلـكي  وأصـقــاعي

..

ـ وعـايــَــن الـكل  مَـن أهــوَى تـلاطِـفــني                     

..  ويـحـتــوي قـلـبُـهــا وجـهــي وأضـلاعي  

..                                       

 ـ تـنـكـــَّـرتْ فـجـأة أوْ  ربـمـا هـربــتْ                         

..كأنـمـــا أشـفـقـــت من سـطــوة  الـراعــي .!!

..

ـ شـهـيــَّـة َ الـحـسـنِ  : فــرطُ  الحسـن أرزاءُ  

.. فـلـيـت أنـكِ  ذاتَ الـدلِّ  شَـمْـطــاءُ   

..                                                                   

  شُـغِـلـتِ عـنـا بـمـن يُـبــدِي شـمـاتــتـــه                   

..  مُـضـنـاكِ يـا ربــَّــةَ الإغـراء مُـسـتــاءُ

..

  ـ يــا ويـْـحَ نـفـسي عـلى الـحـسـنـاء راودهــا                   

  ..  مـن خـارج الـحــيّ  أوغــادٌ  أّلــــدَّاءُ

..

   فـكــفـكِــفي حُـسـنــكِ الـمـجـنــونَ  فـاتـنـتي                 

  .. فـالـحـسـنُ في دفـتــرِ الـعـربـيــدِ إغــراءُ

..

ـ  إن الـعـطـاشَ إذا لاحـت مـشاربـهــم         

.. فـلـن يـهـذبـهـم ريــْـثٌ  وإرعــاءُ 

..

فـلا تـصُــدي ولـكـن أســدِلـي  سُـتـرا             

  ..  في مـثـل حـسـنـكِ هــذا الـصــدُّ إغــواءُ

..

   ولِـيُّ أمــركِ لاهٍ  لـيـس يـشـغــلــه                  

.. هـذا الــتـلـمـــُّـظُ  مـمـــن لـلـخـنــا جــاؤا     

..

ـ  فـجـاهـروا بـالـذي تُـخـفـي ضـمـائـرهــم                 

.. ومـزقــوا ثـوبَــكِ  الـشـفــَّــافَ إيـلـيــاءُ

..   

ـ فـهـل تـلـومـيـن صَـبًّــا قـد أحـاط  بــه       

.. خُـلـفٌ وقـــاتٌ وتـغـريــبٌ وصهـبـــاءُ

..

  ـ يــومَ  اسـتـغـثــتِ  أتـانـي  الـفـاكـسُ فـاتـنـتي                

.. وقــتَ الـشرابِ  وأهـلُ  الـحـان غـوغــاءُ

..

ـ فـهــزَّني الـشــربُ … لا . الـفـاكـسُ فـانـطـمَـســـتْ

..  كل  الـحروف .. وتـبـقى  الـطــاءُ  والـظــاءُ .!!

..

 ـ حـتي  اسـتـفـقــتُ عـلى الــتـلـفـاز  أخـبـر ني          

..والإفُّ .إمّ عـلـيـهـا عـنـكِ  أنـبـاءُ   

..                                     

ـ إني سـأركَـنُ  لـلأنـبـاء أسـمـعـهـا                      

 ..  فـلـيـس  ثَـمَّــةَ  عـندي غـيـر أسـمـاعي

 ..

  ـ فـأهـمـلـيـني لـوقـتٍ  قـد أعـيـد بــه                     

 ..   أمـسـي وأُحـكـمُ  فـيــه بـعــضَ أوضاعي

..

ـ وردِّدي مـثـلـنــا أوراد حـانـتـِـنــا                       

..ولْـتـعـلـمـي  أنـهــا لـحــني وإيـقــاعـي  :

..

 ـ لا يـقـتــلُ الـذئــبُ شــاةً حـيــن يـقـتـلـهــا                     

.. وإنـمــا حـتـفـهــا في غـفــلـة  الراعي

..

 ـ  بَـكارَة الـقــــــــدسِ  لا حـــــــامٍ  ولا راعي                     

                           (  مــضى الــــردى  بـطــويــــل الـرمـــح والـبـــاعِ  ) 

..

للصالات تأريخ ..”صالة الزمان المصري إنموذجا”..بقلم: عايد الطائي

 لكل موقف تأريخ ولكل تأريخ حدث ولكل حدث أسباب والأسباب تأتي بالمواقف، منها بالسلب وأخرى بالإيجاب، وما بين السلب والإيجاب مسافة ربما تطول أو تقصر بحسب ماتكنه النفس والقلوب والنيات.

 وما مقالي هذا هو لتذكرة نفسي ببعض من المواقف التي مرت علي طوال سني حياتي والتي أعتز بها أيما إعتزاز وهي، حين ولجت عالم الفيس بوك قبل بضع سنين مضت ، أخذت أكتب بعضا من الومضات مرة وأخرى مما تيسر لدي من مقال أو دعاء أو صورة أعجبت بها أو لقاءا لي مع بعض القنوات الفضائية أو غير ذلك مما صادفني من المواقف والاحداث.

 ولكن حين صادفتني بعض صفحات المشاهير من الشعراء والفنانين والأدباء والإعلاميين والمسؤولين وأصحاب الإختصاصات المتعددة،  أخذت أبعث لهذا طلب و ذاك طلب للصداقة وللتعريف ولتبادل العلوم والمعارف ، ومن الصفحات اللطيفة التي صادفتني أثناء هذه المدة هي صفحة صالة الزمان المصري الرائعة ،  إذ وجدت فيها من الأسماء الكبيرة التي سطرت بأناملها الرائعة فنون المقال والأدب شعرا ونثرا وخاطرة ومايرافقها من الفنون المعرفية والعلمية الأخرى والتي عكست عمق التفاني والإخلاص والمهنية المائزة لإخراج كل ماتجود به صفحتها بأبهى منظر وصورة فضلا عن ماتحتويه من خزين كبير لتلك العلوم والمعارف.

 وحين أكتب عن هذه الصالة بهذا التعبير هو ليس مجاملة لها أو لفريق ادارتها والعاملين بل هو حقيقة من حقائق التاريخ التي صار لزاما علينا كمؤرخين وباحثين في التاريخ أن نكتب عن الحقائق كما هي كي لا تأخذ الأجيال القادمة الحوادث والحقائق مبتورة وحينها نكون قد أصبحنا شركاء في تحريف الكلم عن مواضعه ، ومديحنا لهذه الصالة والعاملين لايعني أننا نساهم في بخس وإضعاف الصالات الاخرى والمنتديات ، إذ نكن لبعضها المائز   ذات التقدير وذات الإحترام .

 لكم مني جميعا باقات ورد من الياسمين وأخرى من البيلسان .

بالصور..وزارة التربية والتعليم تٌكَرِم الطالب أحمد محمد شريف بمدرسة المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا بالدقهلية(ستيم) بديوان الوزارة

كتب: حافظ الشاعر

قامت الدكتورة راندا محمد حافظ شاهين رئيس قطاع التعليم، وكيل أول وزارة التربية والتعليم، ونائب وزير التعليم لشؤون الطلاب امس الأربعاء ١٥/ ٩/ ٢٠٢١م باستقبال وتكريم الطالب أحمد محمد شريف بمدرسة المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا بالدقهلية(ستيم)، واختياره كأيقونة وقائد للشباب المصري من جيله لما يتسم به من مهارات بحثية وأكاديمية وشخصية واتزان نفسي ومبادرات تطوعية لدعم الخير بما فيه صالح الوطن والمجتمع وما ناله من جوائز بحثية وعلمية، وما ناله من برامج علمية في أرقى الجامعات العالمية، كما أن هذا ليس وليد اللحظة، بل هي سمة لحياته منذ صغره.

وقد تم التكريم بديوان عام الوزارة بالقاهرة. نتمنى له مزيد من الرقي لما فيه خدمة مصر.

كما نثمن موقف  الدكتورة راندا شاهين على دعمها وتحفيزها للشباب والطلاب، ودورها البارز في الارتقاء بمنظومة التعليم.

الجدير بالذكر أن الطالب الشاب اصغر كاتب مقال بموقع جريدة ومجلة “الزمان المصرى” ؛ناهيك عن موهبته الفذة فى كتابة الشعر أيضا ..نهنىء انفسنا ووالده الدكتور محمد وجميع أهله وأخوته وادعو كل شبابنا أن يحذو حذوا هذا العالم الشاب.