حسن بخيت يكتب عن :” إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ “

 

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»

قول حق أنزل على رسول صادق أمين ، لا ينطق عن الهوى، ولا يأتيه الباطل من بين يده ، ولا من خلفه … فيه تحذير لكل مؤمن من إشاعة تفتح أبواب الفتن، ويصاب منها أناس ظلما وبهتانا ، وتدمر بسببها مجتمعات أمنة مستقرة .

وسبب نزول هذه الأية الكريمة، أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق، ليأخذ منهم الصدقات، فلما أتاهم الخبر فرحوا بقدوم رسول رسول الله، وخرجوا جمعيا ليلتقوا به ، فاعتقد أنهم خرجوا لقتله، فقد كان له دية (قتيل) على هؤلاء القوم،  فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله: إنا حُدثنا أن رسولك رجع قبل أن يحدثنا بشيء ، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبهم ، فأنزل الله عز وجل عذرهم في تلك الآية .

مواقف عديدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت الإشاعة فيها مصدر للقلق والأذى لصحابة رسول الله ، بل وكادت أن تفتك بدولة الإسلام ، وأذكر منها موقفين : لما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة، أُشيع بينهم بأن كفار قريش قد أسلموا، فخرج بعضهم الى مكة، فما ان وصلوا تبين أن النبأ ما هو إلا إشاعة، فوقعوا ضحية لكفار قريش، فأذاقوهم أشد العذاب .

أما في غزوة أحد، فلما استشهد مصعب بن عمير، أُشيع بأنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل قتل رسول الله، فانكفأ جيش الإِسلام بسبب تلك الإِشاعة، فبعضهم هرب إلى المدينة وبعضهم ترك القتال، وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب نبأ فاسق

فكيف “بالشائعات” في وقتنا الحالي ، والتى باتت تدق ناقوس الخطر، فلا تتوقف عند حد مطلقها، وإنما تمتد وصولاً لخارج الدول، فى ظل الانتشار الكبير لشبكة الإنترنت وعدم تقيده بحواجز جغرافية، وأصبح نشر الشائعة سلاح خطير يفتك بالمجتمعات الأمنة المطمئنة ، وقد سبب الاستخدام السيئ لوسائل الإعلام ومواقع التواصل المعلوماتية والاجتماعية بأنواعها المختلفة في انتشار شبكة الإشاعات لتشمل مجالات واسعة من الحياة، والإشاعة حينما تصل لشخص ما لا تقف عند حالها، بل في كثير من الأحيان يقوم متلقوها بنشرها بشكل أوسع بعد إضافة معلومات زائفة أخرى إليها بنية سيئة، مما يجعلها أكثر خطورة وخصوصا لفئة المتلقين غير المدركين لحقائق الأمور بسبب ضعف خلفيتهم الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية أو السياسية. والإشاعة هي خبر أو معلومة غير صحيحة يتم حبك مضامينها وإطلاقها لتحقيق أهداف معينة ، ومن تلك الأهداف ــ زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد وتشتيت الوحدة الوطنية للمواطنين، والمس بقيم ومبادئ المجتمعات وتعكير الصفاء المجتمعي، والمس بهيبة الدولة والاعتداء على مكوناتها من مؤسسات وقرارات وإجراءات، والمس بفئة اجتماعية أو عرقية أو دينية معينة.

للأسف أصبح تداول الشائعات أمراً رائجاً، فى ظل سرعة “الكوبى بست”، دون أن نعطى عقولنا لحظة واحدة للتفكير فى منطقية ما نتداوله، ودون أن نقنن المعلومات ونؤكدها من مصادر الرسمية، فالهدف أن نكون أول من نكتب على صفحاتنا بالسوشيال ميديا، لكننا نكتب أى شىء، بغض النظر عن تداعيات ما نكتبه ونروج له دون أن نشعر ، وأصبح كثيرون أدوات سهلة وبسيطة فى أيادى مجرمون معلوماتيين يتميزون بقدر من العلم والقدرة على استعمال تلك التقنيات، وبعضهم لديه مهارة فائقة، وهم من يطلق عليهم “أصحاب اللياقات البيضاء”، حيث يرتكبون جرائمهم وهم جالسون فى أماكنهم، خاصة أن الجريمة الإلكترونية عابرة للحدود، فاحذروهم أشد الحذر ، فكم أشعلت الإشاعات الكثير من الحروب والأحداث السياسية والفتن الطائفية، وكم دمرت الأخبار الكاذبة من مجتمعات وهدمت أسر وفرقت بين الأحبة ، وكم أحزنت من قلوب فرحة ، وأورثت حسرة لقلوب مطمئنة ، وكم قتلت من أبرياء ، وحطمت عظماء ، وأشعلت نار الفتنة فى المجتمعات

والجميع يعلم من القصص المؤلمة والروايات الحزينة والتى كانت سببها الشائعات والأكاذيب . ومنها أب يقتل إبنه ، وزوج يطلق زوجته ، وأشخاص تسببوا فى دمار بلادهم .

فضرر الشائعة شديد وعظيم لأنها تؤدى إلى الفتنة والوقيعة وتخريب المجتمعات . وجاءت الفتنة أشد وأعظم من القتل ، لأن القتل يقع على نفس واحدة بريئة ، أما الفتنة فتهدم مجتمعات وأمم بأكملها ، خاصة ونحن نعيش الأن فى ظروف حرجة تمر بها الأمة العربية والاسلامية ، فلابد وأن نجمع ولا نفرق ، نبنى ولا نهدم ، نتفائل ولا نتشائم ، نسعى فى جمع الشمل ووحدة الصف .

حفظ الله الأمة العربية والاسلامية من كل سوء ومكروه

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.