الدكتور عادل عامر يكتب عن :الاهمال والفساد وأثرهما على الاقتصاد

أن الإهمال والفساد وجهان لعملة واحده ولكن ما شهدناه ورصدناه شيء لا يصدق وتغول يد الفساد والاهمال. أن التصدي للفساد لا يختلف عن مواجهة الإرهاب. الفساد بأنه التعدي على المال العام بأي شكل أو صورة، ويترتب عليه نتائج وخيمة على كافة أفراد المجتمع، بينما الإرهاب هو التعدي على حياة الآخرين،

ويرتب عليه أيضاً عواقب وخيمة تضر كافة أفراد المجتمع، وتنال من أمن واستقرار المجتمع، أن محاربة الفساد والإرهاب أمر واجب على كل فرد في المجتمع، سواء من العامة أو المسؤولين. ويظل بالطبع تطبيق القانون هو أقصى درجات مكافحة الفساد، غير أن الشكل القانوني المراد تطبيقه بحاجة الي أن يكون ملائما كي يؤدي الي النتائج المرجوة، والا فإن وجود القانون وتطبيقه سيكون جهدا بلا طائل، ولهذا السبب بالذات تفشل جهود مكافحة الفساد في أغلب الدول العربية لأن القانون مختل أو أن تطبيقه يعاني من علل وفساد هو نفسه! فعلى الصعيد الاقتصادي يؤدي الفساد إلي: إعاقة النمو الاقتصادي مما يقوض كل مستهدفات خطط التنمية طويلة وقصيرة الأجل. إهدار موارد الدولة أو على أقل تقدير سوء استغلالها بما يعدم الفائدة المرجوة من الاستغلال الأمثل. هروب الاستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية لغياب حوافزها. الإخلال بالعدالة التوزيعية للدخول والموارد وإضعاف الفعالية الاقتصادية وازدياد الهوة بين الفئات الغنية والفقيرة. اضعاف الإيرادات العامة للدولة نتيجة التهرب من دفع الجمارك والضرائب والرسوم باستخدام الوسائل الاحتيالية والالتفاف على القوانين النافذة.

التأثير السلبي لسوء الإنفاق العام لموارد الدولة عن طريق اهدارها في المشاريع الكبرى بما يحرم قطاعات هامه مثل الصحة والتعليم والخدمات من الاستفادة من هذه الموارد. تدني كفاءة الاستثمارات العامة وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات القياسية المطلوبة. وعلى الصعيد السياسي يؤدي الفساد إلي: تشويه الدور المطلوب من الحكومة بشأن تنفيذ السياسة العامة للدولة وتحقيق مستهدفات خطط التنمية. انهيار وضياع هيبة دولة القانون والمؤسسات بما يعدم ثقة الأفراد فيها. اضعاف كل جهود الإصلاح المعززة للديمقراطية بما يتزعزع معه الاستقرار السياسي. إقصاء الشرفاء والأكفاء عن الوصول للمناصب القيادية بما يزيد من حالة السخط بين الأفراد ونفورهم من التعاون مع مؤسسات الدولة. إعاقة وتقويض كافة الجهود الرقابية على أعمال الحكومة والقطاع الخاص.

وعلى الصعيد الاجتماعي يؤدي الفساد إلي: انهيار النسيج الاجتماعي وإشاعة روح الكراهية بين طبقات وفئات المجتمع نتيجة عدم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. التأثير المباشر وغير المباشر لتداعيات الفساد الاقتصادية والسياسية على استقرار الاوضاع الامنية والسلم الاجتماعي.

فانتشار الفساد في القطاع الخاص يؤدي إلى زيادة كلفة العمل او المنتج التجاري من خلال زيادة المدفوعات غير المشروعة، وازدياد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع المسئولين. عرقلة النمو وزيادة الفقر والعجز عن مكافحته، لان مساعدة الفقراء تتطلب تحويل الموارد العامة إلى أنشطة تصب في إطار تعزيز النمو كإلزامية التعليم الابتدائي والرعاية الصحية الأولية إلا أن ذلك لا يناسب السياسيين الباحثين عن أموال الفساد فهم غير قادرين على جمع أموال ضخمة إلا من مستويات مرتفعة من الإنفاق التي تتيح قدرا أعظم من فرص الفساد كعمليات شراء الأسلحة ومشاريع الأعمار الكبرى لذا لا يحتل الإنفاق لمصلحة الفقراء سوى أدنى مرتبة في سلم أولويات بلدان الفساد السياسي.

الحد من تقديم الخدمات، وارتفاع أعباء توفير كمية قليلة من الخدمات العامة أو على الأقل التوزيع غير العادل لها، أو تردي نوعيتها، أو صعوبة الحصول عليها دون رشوة أو توسط وتركز مداخل مقاومة الفساد في نظرية الاختيار العام على الإصلاحات الاقتصادية والدولة كطريق رئيسي للإصلاح. بينما مدخل الاقتصاد السياسي يحبذ التدخل السياسي الواعي كأداة أساسية لجهود مقاومة الفساد.

ولكن المداخل التي تستمد جذورها من نظرية الاختيار العام والمدخل الجماعي تميل إلى قصر تحليلها على دول ومؤسسات معينة متجاهلة دور القوة الفاعلة الدولية في تشكيل شكل الفساد ومحتوى الممارسات الفسادية على المستوى القومي.

إن مواجهة الفساد والحد منه يعد التزاماً ليس فقط على الحكومات بل وعلى المجتمعات ذاتها، لذلك وللحد من هذه الظاهرة لابد وأن تبذل الجهود سواء على مستوى وضع السياسات أو تطبيقها، كما أنه يجب أن يتم استحداث الآليات الفعالة لمواجهته، لكي يعد ذلك مؤشراً على الحكومة الجيدة والشفافية في إدارة الشئون العامة واحترام وحماية حقوق الإنسان ووجود التزام سياسي لمكافحة الفساد.

إلا أنه وباعتبار أن الفساد يمثل ظاهرة متشعبة ومعقدة، فإنه ولذلك يصعب وضع سياسات محددة وعامة التطبيق لمواجهته، ذلك أن هذه السياسات ترتبط بشكل كبير بسلوكيات وليس فقط بقرار، إضافة إلى أنها تتشابك مع مؤسسات وجهات رسمية وغير رسمية عديدة، وهو ما يتطلب بالضرورة إدخال وإشراك العديد من الجهات في التوجهات التي تعمل على وضع السياسات لمكافحته.

بالتالي، لا يمكن القول أن سياسات مكافحة الفساد هي سياسات نمطية، فخلافاً لذلك لا تتبع هذه السياسات نمطاً ونموذجاً واحداً، لذا لا يعد صحيحاً اختزالها في قيام الحكومة بوضع التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية موضع التطبيق دون الانتباه إلى أن وضع السياسات يعتبر بمثابة طرفاً واحداً في إطار عملية كبيرة تتباين فيها المصالح والأهداف

وكذلك الحلول المقدمة للحد من هذه الظاهرة. إضافة إلى ذلك فإنها ترتبط بشكل كبير بالمناخ السياسي السائد، وهو ما يؤكد ضرورة وجود توافق سياسي ووطني يهدف إلى تطوير رؤية استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد.

إن “الفاتورة التي وصلت إلى 700 مليار جنيه ألقت الضوء على أن الفساد ساد كل أرجاء الجهاز الإداري للدولة حتى وصل عدد قضايا الفساد بهذا الجهاز سنويًا لنحو 80 ألف قضية، إلى جانب ممارسات بعض رجال الأعمال في تسقيع الأراضي والمضاربة عليها، مما بدد ثروات كبيرة، مضيفًا أنه جاء ذلك عقب حصول رجال الأعمال على جميع المزايا من ضرائب وجمارك وأسعار شديدة الانخفاض لأراضي ومرافق الدولة،

وانعكس هذا كله عبر مؤشرات اقتصادية مضللة تم العبث بها لإيهام المواطنين بأن هناك ثمة إصلاحات اقتصادية. أن التحول الديمقراطي في مصر الذي يجري الآن يساهم في الإسراع بتعويض التداعيات الاقتصادية السلبية لهذه الانتفاضة، فيعزز أداء الاقتصاد الكلي للدولة ويجذب الاستثمارات، ومن الممكن أن يؤدي إرساء دعائم فجر ديمقراطي جديد في مصر إلى تأسيس منظومة اقتصادية اجتماعية أكثر عدلاً على الأرجح بدلًا من المنظومة السابقة. “إننا في حاجة إلى ثورة قانونية لإلغاء القوانين المقننة للفساد، علاوة على إصدار بعض القوانين الخاصة بمحاربة الفساد المؤجل صدورها منذ ما يزيد علي 40 عاما، إلى جانب ضرورة استقلال الأجهزة الرقابية”. أن قيمة التكلفة المقدرة لوقائع الفساد التي تم ضبطها خلال العام المنقضي من الاختلاس والرشوة وإهدار المال العام، بلغت ما يقرب من 840 مليون جنيه،

 وتحديدًا بلغت قيمة المبالغ المُعلَن عنها في بعض– وليس كل-الوقائع 139 مليونًا و944 ألفًا و620 جنيهًا، وهي قيمة تقديرية أولية، وقد استحوذت وقائع القبض على بعض مسئولي هيئتي الجمارك والضرائب على النسبة الكبرى من هذه التكلفة.

تعتبر فعالية المؤسسات الحكومية من المتطلبات الأساسية للتنمية والعدالة. وتتطلب فعالية الأنظمة الحكومية ثقة المجتمع بالمؤسسات الحكومية وقدرتها على تنفيذ البرامج الحكومية بأمانة وإخلاص. وقد ظهر دور الدولة جليا في السنوات الاخيرة وارادتها السياسية في مكافحة الفساد بكافة أشكاله وفي مواجهة اي شخص او سلطة أصبح الان لا أحد فوق الفساد.

الدكتور عادل عامر يكتب عن :خطر المخدرات على مصر

انَّ للمخدرات أضراراً متعددة على الفرد والمجتمع وتفشيها وانتشارها بين أفراد المجتمع من أخطر الأمور التي يجب الحد منها بكافة الوسائل من قِبل جميع الجهات المعنيّة للحفاظ قدر الإمكان على نشأة جيل سويّ يتمتع بالأخلاق الطيبة ونشأته على الإيمان والإدراك والتطوّر والتقدم ومحبته وحرصه على عائلته ومجتمعه وبلده، ولا تنحصر أضرارها على الفرد بل تُشكل خطورة على الأسرة والمجتمع ومصالح الدولة بأمنها وإنتاجها واقتصادها

مخاوف كثيرة من توسع وانتشار المخدرات في مصر، حيث تعد من أكثر الدول العربية والأفريقية استهلاكًا للحشيش، علاوة على وجود أكثر من 10 ملايين متعاطي للمخدرات بجميع أنواعها، خاصة الأقراص المخدرة والحشيش، نصفهم تقريبا يقع تحت خط الإدمان أي يستهلك يومياً أو أكثر من مرة يومياً جرعته الدائمة من المخدر، ما يعنى أننا أمام كوارث صحية وبيئية محققة وتحتاج إلى جهود مضاعفة من الجميع للقضاء على المخدرات، حيث وصلت نسبة الإدمان إلى ما يزيد عن 3% من سكان مصر.

مملكة الكيف الوهمية، تتسبب في هلاوس سمعية وبصرية بسبب برشام مغشوش وحشيش مضروب، وأغلبها يخلط عليها مواد عطارة وحبوب هلوسة، حيث إن الحشيش يتم تصنيعه في مكابس محلية في مصر، بعد ندرة وجود الحشيش الأصلي المنزرع، لأنه لا تتم زراعته هنا ولكن يتم استيراده من الخارج وخلطه وتصنيعه في مصر، أسعار المخدرات ارتفعت في الآونة الأخيرة، حيث زادت بقفزات كبيرة، تزامنا مع زيادة الإقبال والطلب عليها، وتخطت الزيادة أكثر من 40%، حيث يتردد الملايين يومياً على تجار الكيف.

يعد إدمان المخدرات من أخطر المشكلات التي يتعرض لها الفرد والأسرة بل والمجتمع بشكل عام، حيث أن أضرار تعاطي المخدرات لا تمس مدمن المخدرات في صحته فقط، بل تمتد آثارها لتلحق أضرارًا اجتماعية واقتصادية عليه وعلى أسرته ومجتمعه. وسوف نقوم هنا بالتطرق لأضرار المخدرات والمخاطر التي قد يتعرض لها مدمن المخدرات. 

   ويتبين من خلال الكثير من الدراسات التي عُملت على أنواع كثيرة من المخدرات أنها تعد أحد الأسباب الرئيسية في كثير من أمراض العصر وأخطرها السرطانات بكافة أنواعها وكذا الأمراض النفسية  منها الفصام والاكتئاب والجنون والأمراض العصبية منها الصرع وهي بالدرجة الرئيسية تتسبب بالإدمان على تعاطيها والإدمان بحد ذاته يعد واحدا من الأمراض التي تحتاج إلى العلاج عدا أن تكاليف العلاج تتطلب مبالغاً ضخمةً جدا لا يستطيع معظم المدمنون وأسرهم على تحملها إن طلبوا العلاج  والتعافي ولنعطي هنا بعض الأنواع حقها في تبيان بعض ما تسببه من أضرار على حياة المتعاطي لها وعلى صحته بالتحديد : فنوع الشمة والتي هي عبارة عن تبغ غير محروق تضاف معه مواد كثيرة منها (العطرون (بيكربونات الصوديوم ) والتراب والأسمنت و ماء البحر والرماد والحناء والطحين وروث الحيوانات )  

  ومن أضرارها: أن فيها النيكوتين السام وهي مادة تسبب الإدمان وموجود في جميع أنواع التبغ لذا نرى من يتعاطى الشمة لا يستطيع تركها بسهولة لأنه أدمن عليها بسبب النيكوتين وهي تشوه منظر الفم فيصبح قبيحا وتكون رائحته كريهة وتسبب اصفرار الأسنان وتسوسها.

  وتصيب الشخص المتعاطي لها في كثير من الحالات بسرطان الفم وسرطان اللثة     وما تسببه الشمة من أضرار كذلك يسببه القات والتمبل وأنواعه المتعددة مثل الزردة والسوكه والخلطة وبعض أنواع الفوفل المنتشر بين الأطفال خصوصاً في عدن وبقية المحافظات الجنوبية من تشوه للأسنان وتفتيتها بسبب الطحن المستمر للمواد الصلبة فيها. أما الحشيش وهو يعد أكثر أنواع المخدرات انتشارا وتعاطياً في العالم.

 يتبين من خلال ثلاث دراسات نشرت في إحدى المجلات البريطانية إن هناك علاقة بين تعاطي الحشيش عند الشباب في جيل المراهقة وبين تطور الفصام والاكتئاب في سن متقدمة أكثر. تعزز نتائج هذه الدراسات بالفعل ما وجد في دراسات سابقة والتي فحصت هذه العلاقة. ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى انه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان استخدام الحشيش يثير فقط الأعراض النفسية لدى الشباب الذين كانت لديهم هذه الميول منذ البداية، أو ما إذا كان هو بالفعل يسبب هذه الأمراض النفسية.  

  ووجد العلماء أيضا أن من أضرار الحشيش انه كلما ازداد استهلاكها، زاد أيضا خطر تطور الفصام في وقت لاحق. هذا الأمر ينطبق سواء على أولئك الذين يستخدمون القنب مع مخدرات أخرى، وأيضا أولئك الذين استخدموا الحشيش فقط وليس أي مخدر آخر. وما هو معروف بالفعل بالنسبة لأضرار الحشيش، هو أن استهلاك كمية كبيرة من الحشيش قد تؤدي لإثارة الحالات الذهنية، أو تفاقم هذه الحالات لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية. مستقبلات القنب تتركز بالأساس في الجهاز العصبي المركزي وتؤثر على مجموعة واسعة من الوظائف، مثل الذاكرة، العواطف، المفاهيم والحركات.

هذا غير أنه يعد من الأنواع التي يتسبب تكرار تعاطيها إلى الإدمان عليها ولكنه إدمان نفسي أكثر من كونه إدمان أو اعتماد عضوي أو جسدي. وبالنسبة لبقية أنواع المخدرات التخليقية كالأفيونات (الهيروين والمورفين  والبيثدين ) أو الأمفيثامينات الكيميائية ( المنشطات الرياضية والجنسية ) وأنواع الأدوية والعقاقير الطبية كالمهدئات والمسكنات للألم المختلفة  وكذا العقاقير التي تستخدم في علاجات الأمراض النفسية والعصبية  فتلك لها من الأضرار والأخطار الكثيرة جسدياً ونفسياً على الأشخاص المتعاطون لها قد تصل إلى أن زيادة جرعة صغيرة منها فوق المعتاد أن تؤدي إلى قتل المتعاطي لها .     ومن أشد الأضرار التي يتعرض لها مدمن المخدرات هو التأثير السلبي للمخدرات على صحة وجسم المدمن.

 والتي من أبرز أضرارها التي يمكن من خلالها التعرف على مدمن المخدرات هي : حدوث اضطرابات في القلب، وارتفاع ضغط الدم الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث انفجار الشرايين ومعها تنتهي حياته ببؤس شديد . التعرض لنوبات الصرع إذا توقف الجسم عن تعاطي المخدر فجأة . حدوث التهابات في المخ والتي تؤدي إلى الشعور بالهلوسة وأحيانًا فقدان الذاكرة. هذا غير موت عدد كبير من خلايا الدماغ بالتالي تدمير الجهاز العصبي المركزي .

تليف الكبد وبالتالي زيادة نسبة السموم في الجسم. اضطرابات الجهاز الهضمي وفقدان الشهية واشتداد حالات الإمساك والإسهال مما يؤدي إلى الهزال والشعور بعدم الاتزان. التأثير السلبي على النشاط الجنسي من ضعف يصيب الجنسين مع احتمالية كبيرة للإصابة بالعقم الإصابة بالأمراض الجنسية منها نقص المناعة وبعض الأمراض الفيروسية مثل فيروس الكبد البائي والتي تنتقل نتيجة لتعاطي المخدرات بالحقن. وهناك الكثير من الأضرار النفسية والعقلية التي يسببها الإدمان المخدرات الكيميائية والتخليقية أيضًا حدوث الضرر النفسي والعقلي لمتعاطي المخدرات، وقد يؤدى الإفراط في تعاطي المخدرات إلى حدوث أمراضًا نفسية مزمنة واضطرابات عقلية إذا لم يتم تدارك الأمر. من أمثلة الأضرار النفسية والعقلية للمخدرات: حدوث تغيير في تركيبة المخ بالإضافة إلى حدوث خلل في الطريقة التي يعمل بها. ظهور العديد من السلوكيات السلبية على متعاطي المخدرات مثل سرعة الاضطراب والشعور الدائم بالقلق. السلوك العدواني تجاه الآخرين. صعوبة التوقف عن إدمان المخدرات بصورة منفردة. إذا تمادى المدمن في تعاطي المخدرات وامتنع عن العلاج فقد يصل إلى مرحلة اللاعودة.  

  بالإضافة إلى أضرار المخدرات النفسية، هناك العديد من الأضرار الأخرى التي قد تصيب المجتمع كحوادث الطرق ولجوء المدمن إلى السرقة وربما إلى القتل أحيانًا، بالإضافة إلى الأذى الذي يلحقه المدمن بنفسه، فقد يصل الأمر أحيانًا إلى إقبال مدمن المخدرات على الانتحار.     وإن أتينا إلى الأضرار الاجتماعية لانتشار المخدرات وتعاطيها خصوصاً بين الشباب فإنها تضر بالطاقات الاجتماعية التي يعول عليها المجتمع وذلك الإهدار الحاصل بالشباب المتعاطين للمخدرات، والتوتر والاضطراب الحاصل في الأسرة، وذهاب الطمأنينة انتشار الخوف والرعب من جميع الوجوه في الأسرة إضافة للخجل الاجتماعي الذي تعاني منه أسرة المدمن. وكثرة الحوادث خاصة حوادث الطرقات وذلك بسبب تأثير المخدرات على الجهاز العصبي وفقدان السيطرة والتركيز.

وارتفاع أسعار المخدرات مما يسبب مشاكل مالية وقد يسرق المتعاطي أو يقتل للحصول على المال، كذلك يلجأ للاحتيال بكل أنواعه للحصول على المخدرات أو يتعاون مع تجار المخدرات ويضع نفسه تحت طائلة القانون. ولادة أطفال مشوهين، الفراق والطلاق والتفكك الأسري …الخ من مشاكل أسرية. 

   كيف يمكن الحد من مخاطر المخدرات؟ الوقاية خير من العلاج، ذلك هو الحل مع إدمان المخدرات، فإذا أتيحت الفرصة لتدارك مخاطر الإدمان قبل وقوعها وذلك يتم من خلال نشر الوعي في المجتمعات التي تتعرض لهجمات شرسة من قبل جماعات منظمة تقوم بنشر المخدرات في المجتمعات لذلك يجب على مدمن المخدرات ومن حوله ممن يحيطون به سرعة اتخاذ الإجراءات الوقائية التي تساعده على الإقلاع عن المخدرات والتخلص من آثارها قبل وصوله إلي مرحلة الإدمان.  

  من الإجراءات الوقائية التي ينبغي اتخاذها مبكرًا هي استشارة طبيب متخصص لعلاج الإدمان، واختيار المركز أو المصحة العلاجية للوقوف على درجة حالة الإدمان التي وصل إليها متعاطي المخدرات، وبالتالي تحديد البرنامج العلاجي المناسب. والتي نتمنى أن نمتلك واحداً مثله في بلادنا.

خصوصاً وأننا نعاني كثيراً من انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والتي تتزايد يوماً بعد يوم ورغم محاولات أجهزة الأمن ممثلة بإدارة مكافحة المخدرات في عدن لمكافحة هذه الظاهرة والقبض على كل من له علاقة بالاتجار بها وترويجها في المجتمع أو حتى تعاطيها إلا أنهم يقفون في الأخير حيرى من مصير الشباب المدمنين على تعاطيها اللذين هم بحاجة إلى العلاج أكثر من حاجة المجتمع إلى عقابهم ونحن كذلك في مركز عدن للتوعية من خطر المخدرات نحتاج إلى من يقف إلى جانبنا بالدعم الكبير كي نستطيع إنشاء مركزاً لمعالجة الشباب الذي يقتنع باللجوء إلينا وطلب المساعدة للخروج والتخلص من حالة الإدمان التي وقع فيها سواء بإرادته أم عن طريق الأصحاب أو لأي ظرف كان في الأخير هو مريض وبحاجة إلى المساعدة ومن واجبنا كمجتمع أن نوفر لهم المساعدة اللازمة .. فمتى يا ترى ستتكاثف الجهود الجنوبية المخلصة لإنشاء مركز للعلاج من مرض الإدمان على المخدرات وتنقية مجتمعنا من شرورها وأضرارها؟

لا يخفى على أدنى عاقل ما يحدثه تناول المخدرات من أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع، وقد ذكر العديد من العلماء والباحثون قديماً وحديثاً أضراراً كثيرة لهذه المواد المدمرة، وسنتحدث في هذا الموضوع عن الأضرار الاقتصادية المدمرة للمخدرات سواء كانت على الفرد وعائلته أو على الدولة.

الأضرار الاقتصادية للمخدرات إن تجارة المخدرات والإنفاق الدولي المترتب عليها يشكل خطراً جسيماً يهدد اقتصاد العالم بأسره، فقد أعلنت الأمم المتحدة أن جميع الأموال التي تنفق على تجارة المخدرات تقدر بحوالي300 مليار دولار سنوياً، ويمكن أن نقسم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعاطي المخدرات إلى قسمين وهما كما يلي: أضرار المخدرات على دخل الشخص المتعاطي وحالة أسرته المادية -إن تعاطي المخدرات يؤدي إلى ضعف إنتاجية الفرد المتعاطي وقلة دخله، ويكون ذلك بسبب انهيار جسمه ، وحصول اختلال في تفكير الشخص المتعاطي، وكثرة شروده وغيابه عن عمله، وذلك سيؤدي إلى تعرضه للطرد من عمله مما يؤثر على دخله المادي.

-إن تعاطي المخدرات يسبب سوء حالة الأسرة المادية للشخص المتعاطي فالمخدرات تستقطع جزءاً كبيراً من دخل الشخص المتعاطي، وهذا الأمر له أثره البالغ على تقليل نفقات الشخص لأسرته، ولاسيما إذا كانت هذه الأسر فقيرة. -ففي الجمهورية العربية اليمنية مثلاً أثبتت الدراسات التي تم إجراؤها أن 13% من ميزانية الأسرة ينفق على القات، والقات هو نوع من أنواع المخدرات. أضرار المخدرات على اقتصاد الدولة  

  -إن الدول تنفق مبالغ ضخمة في عمليات مكافحة المخدرات، وأيضاً في توفير الرعاية الصحية والاجتماعية تنفق المبالغ الطائلة في رعاية الموقوفين ونزلاء السجون من المتورطين في قضايا المخدرات. -ولو تم صرف هذه المبالغ على المشاريع النافعة لكان لها أثرها الكبير في دفع عجلة التنمية وازدهار جميع البلاد.

-ففي مصر على سبيل المثال تبلغ الخسائر السنوية في عمليات المخدرات حوالي مليار ونصف مليار جنيه سنوياً. -إن انخفاض الناتج القومي نظراً لضعف إنتاجية العاملين المدمنين وذلك يكون بسبب تغيبهم عن العمل، أو بسبب تكاسلهم، أو بسبب تعرضهم للإصابة والحوادث.

-قد تكون المخدرات من أسباب التخلي عن العمل أو الوظيفة أو تكون سبباً في طرد المتعاطي منها فتزيد نسبة البطالة، ويصبح المتعاطون عالة كبيرة على المجتمع. -إن زراعة المخدرات تؤثر تأثيراً بالغاً على الزراعات المشروعة في البلاد، فنذكر أنه في اليمن مثلاً أشار مركز الدراسات والبحوث اليمني أن المساحات التي زراعة القات فيها تبلغ 15% من أجود أنواع الأراضي وأخصبها، وأنها في حالة اتساع دائم مستمر على حساب الأراضي المخصصة لزراعة الغذائية من البن والخضروات والفواكه، مما يكون سبباً في إحباط برامج التنمية وشل الحركة الاقتصادية بشكل كبير.

 -إن الأعباء الاقتصادية المترتبة على تلف السيارات والممتلكات والتي يكون سببها الحوادث المرورية، ونضيف إلى هذا التلف الذي يلحق بالممتلكات العامة والخاصة، ويعود ذلك بسبب سلوك المدمن الشديد العدائية، مما يشكل عبئاً كبيراً على اقتصاد الأفراد والدول. -يعتبر استنزاف ثروات البلاد المسلمة بسبب أسعار المخدرات الباهظة الثمن، وانتقال أموال المسلمين إلى أيدي الأعداء في الخارج من عصابات المخدرات وغيرهم.

الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن :ترامب مرشدُ الإرهابِ ومفجرُ العنفِ ورائدُ الكراهيةِ

الدكتور مصطفى اللداوى
الدكتور مصطفى اللداوى

 

إن كان من مسؤولٍ عن الجريمة النكراء التي وقعت أحداثها الدموية على الهواء مباشرةً في مسجد النور بنيوزلاندا خلال خطبة صلاة الجمعة، فهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته اليمينة المتطرفة، فهو الذي يتحمل وزر هذه الجريمة ووزر غيرها، وهو المسؤول عنها والمحرض عليها والداعي إليها، وهو الذي أسس لها وحرض مرتكبيها، ولعله أكثر الناس سعادةً بها وفرحاً لها، وقد لا يدين فاعلها، ولا يصف جريمته بالإرهاب، فتغريداته العنصرية التي عودنا عليها تشي بالكراهية وتنز بالعنصرية وتحرض على العنف، وقد مضت ثلاثة أيامٍ على الجريمة وهو صامتٌ لم يغرد، ساكتٌ لم يدن، فرحٌ لم يستنكر، وربما شامتٌ ويظهر، علماً أنه لم يعزِ المسلمين بالحادث الأليم، وإنما عرض مساعدته على نيوزلندا وأبدى تضامنه مع حكومتها.

فقد أرسى ترامب منذ أن دخل البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية قواعد عنصرية مقيتة ضد العرب والمسلمين، ودعا إلى التضييق عليهم وإخراجهم، ومنع أتباع العديد من الدول الإسلامية من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحرك أجهزته الأمنية والقضائية لملاحقة المهاجرين المسلمين، وعمل معها على إخراجهم من البلاد، والحيلولة دون تمتعهم بالامتيازات والحقوق الأمريكية، وما زال ينظر إلى المسلمين بعنصريةٍ وفوقية، ويصفهم بأقذع الصفات،وينظر إليهم بدونيةٍ واحتقار.

وفي ظل إدارة الرئيس ترامب كثر استخدام الأسلحة النارية وإطلاق النار على المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وشهدت المدن الأمريكية إطلاق نارٍ على أبنية المساجد، وعلى المصلين وهم في طريقهم إليها، وبات المسلمون يشعرون بالكثير من الخوف والقلق بعد تكرار مثل هذه الحوادث، التي يلقى مرتكبوها رعايةً خاصة من الإدارة الأمريكية، وربما تشجيعاً لهم وتفهماً لمواقفهم، فالرئيس الأمريكي لا يرى في أفعالهم جريمة، ولا يشعر تجاهها بأي مسؤولية، وقد لا يعترف بالمسلمين بشراً أو شركاء له في الحياة، أو صنواً له في الإنسانية، ومتساوين وإياه في الحقوق.

إنها السياسة الأمريكية العنصرية الراعية للإرهاب الصهيوني الأكبر في فلسطين المحتلة، فهي التي ترعى الكيان وتدافع عنه، وهي التي تسكت عن جرائمه وتوافق على اعتداءاته، وهي التي تمده بالسلاح والمال، وتؤيده بالسياسة والقرارات، الأمر الذي يجعل منها رائدةَ الإرهاب، وقائدة التطرف، والمسؤولة عن اختلال القيم وتبدل المعايير وانحراف المفاهيم، وعلى العالم الحر إدانتها والتنديد بها، وفضح ممارساتها وكشف ألاعيبها، والانفضاض عنها وعدم التساوق مع سياساتها، فهي مصدر الظلم وسبب الفوضى ومفجرة الحروب ومثيرة الفتن، وأساس عدم الاستقرار في العالم كله.

ألا رحمة الله على شهداء المسجدين، ورحمة الله على كل الضحايا والقتلى، الذين يسقطون في كل مكانٍ نتيجة الإرهاب الذي ينفذه ويرتكبه الكيان الصهيوني، والذي تصنعه أمريكا وتصدره، وتقوده وتوجهه، وتحميه وتنقله، وتوزعه وتعممه.

الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن :تطرفُ أستراليا وخيالةُ نيوزلندا عنصريةٌ قديمةٌ وإرهابٌ معاصرٌ

جريمة مسجد النور في نيوزلندا ليست جريمةً سهلة ولا بسيطة، ولا يمكن السكوت عليها أو الصمت إزاءها، فهي أم الكبائر وقمة الجرائم، جاهر مرتكبها بفعلته، وفاخر بها وفرح لنتيجتها، واستمع إلى الموسيقى وهو ينفذها، وصورها بنفسه ونشرها على الهواء مباشرةً، فقد لاحق المصلين في محرابهم، وقتلهم في صفوفهم، وأجهز على الجرحى في أماكنهم، وطارد الفارين بأنفسهم، وأطلق النار من جديدٍ على من قتل منهم.

وهي لم تودِ بحياة عشرات المسلمين الآمنين من الرجال والنساء والأطفال وحسب، بل أسست هذه الجريمة لمزيدٍ من أفكار العنف والكراهية، ومفاهيم العنصرية والعدوانية، التي يمارسها اليمينيون المسيحيون المتطرفون ضد المسلمين، أياً كانت هويتهم وجنسيتهم، وسواء كانوا من المهاجرين الجدد أو كانوا من سكان البلاد الأصليين، أو من أبناء الأجيال الثالثة والرابعة وما فوق، فكلهم لدى دعاة التطرف ودهاقنة العنصرية سواء، مسلمون ينبغي طردهم أو قتلهم، ويجب تطهير البلاد منهم وعدم السماح لهم بالبقاء فيها، علماً أن جُلَّ الضحايا فلسطينيون.

هذه الجريمة البشعة تسلط الضوء على أستراليا ونيوزلندا معاً، وكلتاهما مدانة ومتورطة فكراً وسياسة في الماضي والحاضر، حيث أن مرتكب الجريمة أسترالي الجنسية، وهذه الدولة التي يسكنها الكثير من المسلمين ممن يحملون جنسيتها، وترحب ببعض المهاجرين إليها من ضحايا الحروب الأهلية وأحداث العنف في بلادهم، لا تستطيع أن تخفي وجود الكثير من الأحقاد الأسترالية المدفونة، ولا تلغي وجود مفاهيم عنصرية بغيضة ضد العرب والمسلمين، ولا ننس أبداً أن الحكومة الأسترالية حاولت في الفترة القليلة الماضية أن تتبع سياسة الرئيس الأمريكي ترامب، وتعترف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني، وكانت تنوي نقل سفارة بلادها إلى مدينة القدس أسوةً بالإدارة الأمريكية، لولا الضغوط التي تعرضت لها من عواصم إسلامية آسيوية لثنيها عن قرارها، وإجبارها على التراجع عن تهديداتها.

جريمة المسجدين في نيوزلندا تنعش ذاكرتنا وتستنهض ماضينا، وتبعث الحياة في التاريخ من جديد، وتذكرنا بما كان بالأمس وما وقع فيه من أحداثٍ اضرت بنا وأساءت إلينا، حيث لا ننس أن دينيس مايكل روهان الذي حرق المسجد الأقصى المبارك في 21 أغسطس عام 1969 إنما هو مسيحي أسترالي متطرف، استوطن فلسطين وحمل معه إليها أفكاراً عدوانية ومفاهيم عنصرية، ترجمها فعلاً بحريقٍ ضخمٍ أضرمه في المسجد الأقصى، فحرق المسجد القبلي، وألحق أضراراً جسيمة بمنبر صلاح الدين الأيوبي، وكان عمره يوم أن نفذ جريمته 28 عاماً، وهو نفس عمر مواطنه الأسترالي الذي ارتكب جريمة المسجدين في نيوزلندا، ورغم جريمته النكراء ضد الإسلام والمسلمين فقد أعيد إلى أستراليا ليواصل حياته الطبيعية فيها.

وهي الجريمة التي مهدت بعد ذلك لليهودي الأسترالي هاري غولدمان، الذي أطلق النار على مصلى وقبة الصخرة، في أبريل من العام 1982 فقتل اثنين من المصلين وأصاب ستين آخرين بجراحٍ، وما زالت طلقات بندقيته بادية على قبة الصخرة المشرفة، دليلاً على جريمته، وشاهداً على فعلته.

مجزرة المسجدين التي تمت في نيوزلاندا على يدي الأسترالي برينتون تارانت، تذكرنا بالجريمة النكراء التي ارتكبها الجنود الخيالة الأستراليون والنيزلانديون في أكتوبر عام 1917 في مدينة بئر السبع الفلسطينية ضد قوات الإمبراطورية العثمانية، حيث احتلوا المدينة وضواحيها الصحراوية، فمهدوا الطريق لبريطانيا بعد ذلك لإصدار وعد بلفور لصالح اليهود، وقد ذَكَّرَ المجرم في رسالته بهذه المعركة وغيرها، وما زال العديد من مواطني أستراليا ونيوزلاندا يحرصون على زيارة مدينة بئر السبع في أكتوبر من كل عام، وهم يلبسون أزياء الخيالة، ليحيوا ذكرى انتصار أجدادهم على دولة الإسلام في ذلك الحين، وانتزاع فلسطين منها ومنحها لليهود دولةً ووطناً.

مرتكب جريمة مسجد النور بنيوزلندا ليس شخصاً غراً جاهلاً غير مثقفٍ، بل هو واعٍ ومثقف، يقرأ ويحفظ ويستذكر ويراجع ويربط الأحداث ببعضها، إذ أنه عندما عزم على ارتكاب جريمته جهز رسالةً طويلة، ضمنها اعترافه بعمليته ومسؤوليته عنها، وفيها استرشد بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأشاد بسياسته، كما ذكَّرَ بأمجاد أمته الأوروبية وانتصاراتها على تركيا التي كانت هي عاصمة دولة الخلافة الإسلامية، وسجل على البنادق الآلية التي استخدمها، وعلى مخازن الطلقات بعض العبارات التي تدعو للانتقام من المسلمين، على خلفية معارك وانتصاراتٍ أوروبية قديمة على دولة الخلافة العثمانية.

القاتل ليس مريضاً أو مختل العقل، بل أكد بنفسه ونقل عنه معارفه أنه يحمل أفكاراً متطرفة، وأنه يعادي المهاجرين ويكره المسلمين، ويتطلع للانتقام منهم، وقد اختار مسجد النور بقصدٍ وعنايةٍ، إذ رأى أنه مسجدٌ كبير، ويرتاده عددٌ كبير من المسلمين، حيث كان يخطط لقتل أكبر عددٍ منهم، كونهم كما يعتقد غزاة ومحتلين وأعدادهم تزداد بصورةٍ كبيرة وسريعة، وقد وفدوا إلى بلاده لتغيير عادتها ودينها، والتأثير على سكانها واستفزاز أهلها، ولهذا فقد اختار هذا المسجد بالذات لتكون المجزرة أكبر والضحايا أكثر، وصدى العملية أوسع، وآثارها النفسية والمادية أشمل.

إننا في الوقت الذي نستنكر هذه الجريمة النكراء، ونعتبرها جزءً من مسلسل العنف والتطرف الأمريكي والصهيوني، فإننا نطالب المجتمع الدولي أن يكون له منها موقفٌ واضح، يدينها ويستنكرها ويشير بأصابع الاتهام إلى مرتكبيها، فلا يحابيهم ولا يميزهم، ولا يتستر عليهم ولا يقلل من حجم جريمتهم، ولن نقبل من المجتمع الدولي معايير مختلفة ومفاهيم مزدوجة، يدينون بها المسلمين ويتهمون الإسلام في حال كان المجرم مسلماً، بينما يغضون الطرف ويخفضون الصوت إذا كان الفاعل هو أحد مواطنيهم، والمسلمون هم الضحية، والقتلى من المهاجرين القدامى أو من اللاجئين الجدد على السواء.

 

بيروت في 16/3/2019

الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن : ليبرمان من وزارة حرب الكيان إلى صفحات التواصل الاجتماعي

يبدو أنه لم يعد لوزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغودور ليبرمان مكانٌ يناسبه، ومنبرٌ يستوعبه، ومنصبٌ يلائمه، ومنصةٌ مفتوحةٌ له، بعد أن فقد مناصبه وأُجبر على الاستقالة من وزارته، وخرج من التشكيلة الحكومية غير مأسوفٍ عليه، غير الشبكة العنكبوتية والفضاء الافتراضي الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي، ليستعرض من خلالها مواهبه المتطرفة، وأفكاره المتشددة، ومقترحاته المجنونة، ويبث على صفحاتها سمومه وينشر شروره، ويقترح على رئيس حكومة كيانه وغيره حلوله السحرية، ومخارجه الشيطانية، وتصوراته الإبداعية لخروج كيانه من الأزمات التي تعصف به، والتحديات التي تواجهه، وليستعيد جيشه هيبته التي فقدها، وصورته التي خسرها، وتفوقه الذي اعتاد عليه وتفاخر به.

كثيرةٌ هي تصريحاتُ وتغريدات ليبرمان المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها تصريحاتُ حالمٍ سكيرٍ، مهووسٍ مجنونٍ، أرعنٍ أهوجٍ، ثورٍ عِنْيّنٍ، يظن أنه سيقدر على الفعل وسيستطيع التغيير، وسيقوم وهو خارج السلطة وعديم الصلاحية وفاقد القدرة، بما لم يستطع القيام به عندما كان وزيراً للخارجية ثم وزيراً للحرب، حيث عجز وهو على رأس هذين المنصبين الحساسين الكبيرين، وزارة الخارجية ووزارة الحرب، عن الوفاء بوعوده والالتزام بتعهداته، وفشل في تحقيق الأمن الذي راهن عليه والهيمنة التي ادعاها، والسيطرة التامة التي عمل عليها، وبقي ككيس الملاكمة يتلقى اللكمات، وكالمهداف تصيبه الطلقات وتخترقه الطعنات، وهو عاجزٌ عن ردها وصدها، أو منعها والابتعاد عنها.

منذ اليوم الأول لتسلمه وزارة الحرب وهو يهدد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ إسماعيل هنية وقادة المقاومة الفلسطينية بالتصفية والاغتيال، وأنه سينفذ وعيده بالقضاء عليهم خلال أول أسبوعٍ له في وزارة الحرب، وأنه سيبطش بغزة وأهلها، وسيرد على كل صاروخٍ يخرج منه بأضعافه عدداً وقوة تدميرية، ولكنه عجز عن الوفاء بوعده، وبدا أمام زعماء المستوطنين ورؤساء بلديات غلاف قطاع غزة أنه كاذبٌ ومخادعٌ، وظهر أمام أسر وعائلات جنوده الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية بأسوأ صورة وأبشع حال، إذ بان عجزه وظهر فشله في تحرير واستعادة جنوده المفقودين، وخيب آمال عائلاتهم وكسر قلوب أمهاتهم.

لا يفتأ ليبرمان عن وصف نتنياهو بأنه يتحالف مع حركة حماس ضد شعب إسرائيل، ويتهمه بأنه رفض اقتراحاً عملياً بتصفية قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ويرى أن نتنياهو يخضع لحركة حماس التي تبتزه وتضغط عليه، وتفرض عليه شروطها وتخضعه لمنطقها، وأنها ألزمته بدفع أكثر من عشرين مليون دولارٍ رواتب لموظفيها، مقابل وقف مسيرات العودة أو للحد منها، وهو ما لم يحدث أبداً حتى اليوم، بينما تقاضت حماس أكثر من هذا المبلغ، وما زالت تنتظر المزيد الذي سيدفع لها، ولهذا فهو يحرض الحكومة على وقف هذه الصفقة المهينة، والخروج من هذه اللعبة القذرة، التي لن يفوز فيها غير حماس.

يرى ليبرمان أنه لا حل مع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية سوى بحربٍ رابعةٍ، تكون قاسية وموجعة، تجتث المقاومة وتقضي عليها، وتكسر عظم الفلسطينيين وتجبرهم على القبول بما يعرض عليهم مقابل الأمن، ويتهم ليبرمان حكومته التي كان جزءً منها ورئيسها بنيامين نتنياهو، أنهم كالأنعام يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويغمضون عيونهم عن الخطر الداهم الذي تحمله وتخفيه حركة حماس ضد الدولة العبرية، واصفاً خطرها بأنه يفوق خطر الحروب السابقة مع مصر، وأن ترويضها مستحيلٌ، والتعامل الناعم معها خطرٌ.

يعيب ليبرمان على نتنياهو أنه يفقد الشعب الإسرائيلي أمنه، وأنه يعرضه لأخطارٍ جسيمةٍ في المستقبل القريب، الذي قد يكون في حالٍ أسوأ مما كان عليه عشية حرب أكتوبر “يوم الغفران”، فقد باتت الجبهتان الشمالية والجنوبية مصدر قلقٍ حقيقي على أمن ومستقبل البلاد، ويرى أن حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي يملكون آلاف الصواريخ الدقيقة، وأنه في حال السكوت عليهم وعدم المبادرة إلى ضربهم لإحباط قوتهم، فإن أمن إسرائيل سيكون في خطرٍ حقيقي.

رغم أنه غادر وزارة الحرب مرغماً مكرهاً، فاشلاً عاجزاً، بعد أن تراجع جيشه الذي يقوده ويرأسه، ولم يتمكن من مواصلة العمليات القتالية لأكثر من يومين، بعد عملية خانيونس الأمنية الفاشلة، إلا أنه لم يتوقف عن إصدار تصريحاته النارية وتهديداته الجوفاء ومواقفه الخرقاء، ولكن هذه المرة بعيداً عن مكاتب وزارة الحرب، وإنما على صفحات التواصل الاجتماعي فقط، ظناً منه أنه يستطيع أن يعوض ما فاته، وأن يستدرك ما خسر، قبل أن تغلق صناديق الانتخابات البرلمانية أبوابها، وما علم أنه استطلاعات الرأي الإسرائيلية كلها تؤكد أنه لن يتمكن من تجاوز نسبة الحسم التي تخوله الدخول إلى الكنيست الإسرائيلي، وفي حال تجاوزه نسبة الحسم، فإنه لن يفوز بأكثر من ستة مقاعدٍ، لا تساعده أبداً في أن يعود شريكاً في الحكومة، أو طرفاً في الائتلاف، أو صاحب رأي وموقفٍ مؤثر في التشكيلة الحكومية الجديدة.

لا يخفى على أحدٍ، عاقلٍ ومنصفٍ، أن يدرك من تصريحات ليبرمان أنه خائفٌ وقلقٌ، وأنه مترددٌ مرتعشٌ، وأنه خطابي شعاراتي، فوضوي غوغائي، ولا يملك رصيداً من المصداقية ولا موروثاً من الخبرة والكفاءة، ولا حكمةً من التجربة والممارسة، فهو يبدو مهزوز الصورة، متعثر الكلمات، مشوش الأفكار، يقفز من تغريدةٍ إلى أخرى، ومن مقترحٍ إلى آخر، ويخاطب رئيس حكومته مهدداً ثم يلين له في الخطاب ناصحاً، أو يتوسل إليه راجياً، إذ لا يملك من القوة ما يجعله يترجم أقواله إلى أفعالٍ، وتهديداته إلى واقعٍ على الأرض، إذ اختلفت عليه الحسابات، وباتت المقاومة أقدر على لجمه ولطمه، وأصبحت قادره على تلقينه الدروس والعبر، فهي لم تعد أرضاً رخوة يستسهل اجتياحها، ولا مياهاً ضحلة يخوضها بسهولةٍ ويسر، بل أصبحت أرض المقاومة سبخةً تسوخ فيها أقدامه وجنده، ومياهها عميقة يغرق فيها وسفنه.

 

بيروت في 10/3/2019