الدكتور عادل عامر يكتب عن : الوظائف العامة ومتعاطي المخدرات

أن قانون الخدمة المدنية يعمل على التوازن بين حقوق العامل وواجباته، أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يسعى خلال الفترة المقبلة إلى وجود جهاز إداري كفء قادر على تلبية احتياجات المواطنين بسهولة ويسر، للقضاء على أى مظهر من مظاهر الفساد.

إن الجهاز يعكف حاليًا على الانتهاء من إعداد قاعدة بيانات تتضمن أسماء الموظفين بالجهاز الإداري للدولة المدرجين على قوائم الإرهاب بأحكام قضائية، والذين تم نشر الأحكام وأسمائهم في الجريدة الرسمية، تمهيدًا لفصلهم من وظائفهم الحكومية، على أن يتم الإعلان عن تلك القوائم خلال الشهر الحالي.

أن تعاطى الموظفين العموميين لأى مخدر “حشيش أو قنب” يقتضى مجموعة من الجزاءات التأديبية، تتمثل في الإنذار وتأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر والخصم من الأجر لمدة لا تجاوز شهرين في السنة والحرمان من نصف العلاوة الدورية والوقف عن العمل لمدة لا تجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الأجر وتأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة لا تزيد عن سنتين وخفض الأجر في حدود علاوة والخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة والخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض الأجر إلى القدر الذى كان عليه قبل الترقية والإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة.

والمستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا، أن “الموظف العام مطالب في نظام أعمال وظيفته وخارجها أن ينأى بنفسه عن التصرفات التي من شأن ما يعكس اقترافه لها من آثار على الوظيفة العامة تجعله مرتكبًا لمخالفة واجبات هذه الوظيفة التي من بينها وجوب سلوكه خارجها مسلكًا ليس من شأنه المساس بكرامتها بما يترتب عليه من اعتبار أى مسلك من جانبه خارج أعمال الوظيفة منطويًا على تهاون أو عدم اكتراث أو عبث ترتد آثاره على كرامة الوظيفة”.     أن “مسئولية العامل تثبت بمجرد خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي بأن يأتي عملًا من الأعمال المحظورة عليه قانونًا دون الحاجة إلى إثبات وجود قصد أو إرادة آثمة، وأن الخطأ التأديبي يتحقق بمجرد إغفال أداء العمل بدقة وأمانة”.

اعتبر المشرع الانقطاع عن العمل سببًا من أسباب انتهاء الخدمة، كما ورد بقانون الخدمة المدنية، وذلك خلافًا لنهج المشرع في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة “الملغى “الذي كان يعتبر الانقطاع بمثابة استقالة ضمنية، مبناها عزوف العامل عن الاستمرار في الوظيفة، إلا ان المشرع اختص القضاء وحده بفصل الموظف من عمله بعد التحقيق وثبوت ادانته تأديبيا، وليس للجهة الادارية الحق في فصله دون الاحالة للقضاء التأديبي.

تنص اللائحة التنفيذية بقانون الخدمة المدنية على 7 حالات يحق للسلطة المختصة إنهاء خدمة العامل: منها «إذا انقطع عن العمل 15 يوماً متتالية أو 30 يوماً غير متصلة. وقد صدرت اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، رقم 81 لسنة 2016، وتضمنت في الباب الثامن بعنوان إنهاء الخدمة أسباب إنهاء خدمة الموظف وتضمنت المادة-176-إنهاء خدمة إذا انقطع عن عمله بدون إذن خمسة عشر يوما متتالية. ولم يقدم خلال الخمسة عشر يوما التالية، ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول أو إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن ثلاثين يوما غير متصلة في السنة، ولو عوقب تأديبيا عن مدد الانقطاع غير المتصلة يجب على السلطة المختصة أو من تفوضه إنهاء خدمته من تاريخ انقطاعه المتصل عن العمل أو من اليوم التالي لاكتمال انقطاعه غير المتصل وهنا نلاحظ فصل الموظف المنقطع عن العمل بدون إذن، ولو عوقب تأديبيا مما يعتبر مخالفاً لمبدأ معاقبة الموظف على نفس الفعل لأكثر من مرة. الا ان المحكمة التأديبية، بمجلس الدولة برئاسة المستشار حسام فرحات، نائب رئيس مجلس الدولة قضت بإعادة موظف بأحد البنوك لعمله بعد فصله من الخدمة لمدة 9 سنوات، وأمرت بإلغاء قرار الفصل، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها عودة الطاعن إلى عمله.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن القرار المطعون عليه بالفصل من الخدمة قد صدر من رئيس البنك المطعون ضده بصفته، فإنه ولما كان جزاء الفصل من الخدمة لا يجوز توقيعه إلا من المحكمة التأديبية وليس من سلطة الجهة المطعون ضدها توقيع مثل هذا الجزاء، بحسبان أنها غير مختصة أصلا بإصداره وإنما ينعقد الاختصاص بتوقيعه للمحكمة التأديبية.

 والثابت أن القرار المطعون فيه صدر من رئيس مجلس إدارة البنك المطعون ضده على خلاف ما اتجهت إليه نصوص القانون، وما تواترت عليه المحكمة الإدارية العليا، وعليه يعد قيام رئيس مجلس إدارة البنك بإصداره لذلك القرار غصباً منه لسلطة المحكمة التأديبية، وإهداراً لمبدأ الشرعية والفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية،

بحسبان أن الإحالة للمعاش والفصل من الخدمة اختص المشرع بهما المحكمة التأديبية وحدها دون غيرها، نظراً لما ينطوي عليهما من أهمية تمس المركز القانوني للعامل تفترض صدورها من المحكمة التأديبية وحدها دون غيرها. انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع برئاسة يحيى دكرورى النائب الأول لرئيس مجلس الدولة اليوم، إلى عدم وجوب إنذار الموظف المنقطع عن العمل بدون إذن من جهة عمله قبل إنهاء خدمته.

وقال المستشار مصطفى حسين، نائب رئيس مجلس الدولة رئيس المكتب الفني، إن الجمعية استندت في فتواها إلى نصوص قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، وخلوه من نص يشترط توجيه هذا الإنذار، سواء كان انقطاع الموظف متصلاً، أو غير متصل قبل إنهاء خدمته.

وأضاف أن المشرع اعتبر الانقطاع عن العمل سببًا من أسباب انتهاء الخدمة، وذلك خلافًا لنهج المشرع في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الملغى) الذي كان يعتبر الانقطاع بمثابة استقالة ضمنية، مبناها عزوف العامل عن الاستمرار في الوظيفة.

وتنص اللائحة التنفيذية بقانون الخدمة المدنية على 7 حالات يحق للسلطة المختصة إنهاء خدمة العامل: 1. وفاة الموظف. 2. إذا فقد جنسيته المصرية. 3. إذا انقطع عن العمل 15 يوماً متتالية أو 30 يوماً غير متصلة. 4. إذا ثبت عدم لياقته الصحية لإدمانه المخدرات. 5. خدمة جهة أجنبية بغير ترخيص من الحكومة. 6. معاقبته جنائياً بحكم نهائي عن جريمة مخلف بالشرف. 7. إذا ثبت عدم لياقته الصحية لشغل الوظيفة.

فالمتعاطي لا يقل خطورة عن المدمن ولا يعقل أن يكون في موقع مسئول عن أرواح المواطنين لأنه ممكن يؤدى إلى كوارث مثل ما حدث في قطار محطة مصر وتسبب في حالة حزن عند جميع المصريين، كما الموظف المتعاطي يكون مصدرا للفساد والرشوة داخل أى قطاع إداري بالدولة، خاصة أن الإحصائيات التي أعدها الصندوق القومي لمكافحة الإدمان تشير إلى أن معدلات التعاطي في مصر وصلت إلى أكثر من 10% وهي نسبة تمثل ضعف المعدلات العالمية كما أن نسبة التعاطي بين الذكور 72%، بينما بين الإناث بلغت 27%.

تنقسم العقوبات بإعتبار أصالتها أو تبعيتها إلى : عقوبة أصلية و هى التى ترد حتماً فى الحكم و تكفى بذاتها للعقاب ، و لا يتصور حكم جنائى دون نص عليها و قد يأتى الحكم بها دون غيرها كالسجن و الحبس و الغرامة “المواد من 13 إلى 23” – و عقوبة تبعية و هى التى تترتب حتماً فى الحالات التى نص القانون عليها أثر الحكم بإحدى العقوبات الأصلية ، و لو لم ينص القاضى عليها صراحة فى حكم الإدانة “المواد من 24 إلى 31 إلى كالحرمان من الحقوق و الزايات التى ذكرتها المادة “25” عقوبات

و فى مقدمة هذه المزايا القبول فى أى خدمة فى الحكومة أياً كانت أهمية الخدمة ، و كوضع المحكوم عليه تحت مراقبة البوليس فى بعض الحالات – و عقوبة تكيملية – و هذه تماثل العقوبة التبعية فى كونها لا تقوم على إستقلال بل تلحق بعقوبة أصلية أخرى ، و مع ذلك فإنها تختلف عن التبعية فى كونها لا تطبق إلا حيث ينطق بها القاضى صراحة فى حكمه المنطوى على العقوبة الأصلية و من أمثلة العقوبة التكميلية ، الحرمان من الوظيفة فى الحالات المنصوص عليها فى المادة 27 عقوبات و التى تنص على أن : “كل موظف إرتكب جناية مما نص عليه فى الباب الثالث و الرابع و السادس : و السادس عشر من الكتاب الثانى من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس ، يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه” . و العقوبات التكميلية هى بدورها نوعان وجوبية يتعين على القاضى النص عليها فى حكمه ،

و إلا كان قابلاً للطعن ، و جوازيه يكون للقاضى أن يحكم بها إن شاء أو أنه لا يحكم بها . و قد نصت المادة 26 عقوبات على أن “العزل من وظيفة أميرية هو الحرمان من الوظيفة نفسها ، و من المرتبات المقررة لها .

و سواء كان المحكوم عليه بالعزل عاملاً فى وظيفته وقت صدور الحكم عليه ، أو غير عامل فيها ، لا يجوز تعيينه فى وظيفة أميرية ، و لا نيله أى مرتب مدة يقدرها الحكم ، و هذه المدة لا يجوز أن تكون أكثر من ست سنين ، و لا أقل من سنة واحدة” .

 و فى مجال قانون العقوبات لا يرد العزل من الوظائف الأميرية ، أبداً كعقوبة أصلية لأن العقوبات الأصلية وردت فى القسم الأول من الباب الثالث من قانون العقوبات على سبيل الحصر و التحديد [الإعدام ، و الأشغال الشاقة المؤبدة ،

و المؤقتة ، و السجن ، و الحبس و الغرامة” ، و إنما قد يرد العزل من الوظيفة الأميرية كعقوبة تبعية أو كعقوبة تكميلية تحت أى من نوعيها الوجوبى ، أو الجوازى . فمتى صدر حكم جنائى ، و كان المحكوم عليه موظفاً عاماً أثر هذا الحكم الجنائى على مركزه الوظيفى فأدى إل عزله على وجه التأييد تارة ، و بصفة مؤقتة تارة أخرى . و هذا العزل هو الذى يكون العقوبة التبعية للعقوبة الأصلية التى قضى بها الحكم الجنائى و لكن العزل من الوظيفة الأميرية لا يتم دائماً بقوة القانون ، و نتيجة حتمية لصدور الحكم ذاته ، فقد يتطلب فى بعض الحالات إشارة صريحة به فى الحكم الصادر بالإدانة ، و ذلك حسبما يكون العزل عقوبة تبعية أو عقوبة تكميلية .

و ترتيباً على ذلك فإنه فى مجال تطبيق قانون العقوبات ، يكون العزل عقوبة تبعية أى يتم بقوة القانون ، و دون حاجة إلى النص عليه فى الحكم متى حكم على الموظف بعقوبة جناية [بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بالسجن]

 و يستوى فى ذلك أن توقع عقوبة الجناية هذه بمناسبة جناية أو جنحة . و العزل فى هذه الحالة مؤبد يؤدى إل حرمان الموظف من وظيفته بصفة نهائية ، و عدم أهليته مستقبلاً لتقلد أى وظيفة عامة . ذلك ما نصت على صراحة المادة 25 من قانون العقوبات . أما إذا كان العزل عقوبة تكميلية فإنه لا يقع إلا بإشارة صريحة فى الحكم حسبما سلف الإيضاح و يظهر ذلك فى حالات منها : الحكم على الموظف بالحبس فى بعض الجنايات كالرشوة و إختلاس الأموال الأميرية ، و الغدر ، و الإكراه و سوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس ، و التزوير . و العزل فى هذه الحالات عقوبة تكميلية وجوبية أى لابد من النص الصريح عليه فى الحكم .

 و هذا النوع من العزل هو عزل مؤقت لا تنقص مدته عن سنة أو عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها على الموظف أيهما أكبر و مع ذلك فلا يجوز أن تزيد المدة فى كل الأحوال عل ست سنوات – و هناك عزل فى مجال العقوبات عند الحكم على الموظف بعقوبة جنحة فى بعض جنح أشار المشرع بمناسبتها إلى ضرورة النص على عزل الموظف فى الحكم الصادر عليه بالإدانة . فالعزل هنا هو أيضاً عقوبة تكميلية وجوبية –

كما أنه عزل مؤقت لا تقل مدته عن سنة ، و لا تزيد على ست سنوات . مثال ذلك “كل قاضى إمتنع عن الحكم أو صدر منه حكم ثبت أنه غير حق بسبب التوسط لديه ، يعاقب بالحبس، و بالعزل” و إذا إمتنع أحد القضاة عن الحكم يعاقب بالعزل و بغرامة ، و كل موظف عام إشترى بناء على سطوة وظيفته ملكاً قهراً عن مالكه يعاقب بحسب درجة ذنبه بالحبس مدة لا تزيد عل سنتين ، و بالعزل فضلاً عن رد الشئ …….

هنالك عزل بمثابة عقوبة تكميلية و لكنه جوازى للقاضى عند الحكم على الموظف بعقوبة جنحة فى جنح معينة أخرى . و من ذلك ما نصت عليه المادة 127 عقوبات “كل موظف عمومى أمر بعقاب المحكوم عليه أو عاقبه بنفسه بأشد من العقوبة المحكوم بها عليه قانوناً يجازى بالحبس أو بغرامة و يجوز أن يحكم عليه أيضاً مع هذه العقوبة بالعزل” . تلك هى الحالات التى يؤدى فيها الحكم الجنائى ، وفقاً لأحكام قانون العقوبات ، إلى عزل الموظف.

و هذا العزل قد يكون نهائياً أو موقوتاً و قد يكون وجوبياً أو إختيارياً . و قد يقع بقوة القانون فى بعض الحالات ، و قد يكون بناء على إشارة ترد بحكم الإدانة فى بعضها الآخر . فالمشرع الجنائى لا يرتب على الأحكام الجنائية آثاراً موحدة فى العلاقة الوظيفية بل آثاراً متفاوتة تختلف من حكم إلى آخر . مستهدياً فى ذلك كله بجسامة الجريمة جناية أم جنحة ، و أخيراً بنوع الجرم المنسوب إلى الموظف العام ، و ما إذا كان متصلاً أم بعيداً عن شئون وظيفته . ذلك هو ما كان يترتب على الحكم الجنائى من أثر على الوظيفة العامة وفقاً لأحكام العقوبات .

نص الفصل الثامن من القانون نظام موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 على إنهاء خدمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة و نصت المادة 107 منه على أن ” تنتهى خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة لأحد الأسباب الآتية : “1” بلوغ السن المقررة لترك الخدمة .. “8” الحكم عليه جناية أو فى جريمة مخلة بالشرف ….. “9” الموت …… ” .

و مؤدى ذلك أن الحكم الجنائى يؤدى إبتداء من أول يوليو سنة 1952 وفقاً لأحكام القانون الإدارى ، إلى عزل الموظف العام فى حالتين : “أ” إذا كان حكما صادراً فى جناية . و الجنايات هى الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤيدة أو الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن “المادة العاشرة من قانون العقوبات” فمتى ثبت هذا الوصف فى الفعل المنسوب إلى الموظف العام و الذى جوزى عليه من أجله فلا مفر من أن يؤدى الحكم الصادر عليه بإدانته إلى عزله ، سواء تضمن الحكم توقيع عقوبة جناية ، أى عقوبة من العقوبات الأربعة السالف ذكرها ، أم تضمن توقيع عقوبة جنحة الحبس الذى يزيد أقصى مدته على أسبوع ، أو الغرامة التى يزيد أقصى مقدارها على جنيه واحد – فقد يحدث ذلك فى حالات معينة نص عليها القانون و من بينها حالة الطاعن فى الطعن الراهن . و واضح من نص المادة 107 أن المشرع فى القانون رقم 210 لسنة 1951 لم يفرق بين الأحكام الصادرة فى جناية من حيث أثرها على مركز الموظف تبعاً لنوع العقوبة التى تتضمنها ، و هو كذلك لم يفرق بين جناية و جناية تبعاً لكونها مخلة بالشرف أو غير مخلة به . فتتساوى فى الأثر جناية القتل العمد ، و جناية الرشوة كما تتساوى جناية إحراز سلاح دون ترخيص ، و جناية هتك العرض . فكلها أحكام صادرة فى جنايات و كلها تنهى العلاقة حتماً و يحكم القانون بين الموظف و الدولة .

 “ب” إذا كان الحكم صادراً فى جنحة أو مخالفة و قدرت الجهة الإدارية التابع لها الموظف أن الجريمة فى أى من هاتين الحالتين مخلة بالشرف . و قد سكت القانون عن وضع تعريف للجريمة المخلة بالشرف كما سكت عن تقديم أمثلة للجريمة التى تتسم بهذا الوصف . إلا أن ذلك لا يعنى البتة إستقلال السطلة الإدارية بتكييف الجريمة بل هى تخضع لرقابة القاضى الإدارى عند الطعن أمامه بالإلغاء .

مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن :تطرفُ أستراليا وخيالةُ نيوزلندا عنصريةٌ قديمةٌ وإرهابٌ معاصرٌ

 

جريمة مسجد النور في نيوزلندا ليست جريمةً سهلة ولا بسيطة، ولا يمكن السكوت عليها أو الصمت إزاءها، فهي أم الكبائر وقمة الجرائم، جاهر مرتكبها بفعلته، وفاخر بها وفرح لنتيجتها، واستمع إلى الموسيقى وهو ينفذها، وصورها بنفسه ونشرها على الهواء مباشرةً، فقد لاحق المصلين في محرابهم، وقتلهم في صفوفهم، وأجهز على الجرحى في أماكنهم، وطارد الفارين بأنفسهم، وأطلق النار من جديدٍ على من قتل منهم.

وهي لم تودِ بحياة عشرات المسلمين الآمنين من الرجال والنساء والأطفال وحسب، بل أسست هذه الجريمة لمزيدٍ من أفكار العنف والكراهية، ومفاهيم العنصرية والعدوانية، التي يمارسها اليمينيون المسيحيون المتطرفون ضد المسلمين، أياً كانت هويتهم وجنسيتهم، وسواء كانوا من المهاجرين الجدد أو كانوا من سكان البلاد الأصليين، أو من أبناء الأجيال الثالثة والرابعة وما فوق، فكلهم لدى دعاة التطرف ودهاقنة العنصرية سواء، مسلمون ينبغي طردهم أو قتلهم، ويجب تطهير البلاد منهم وعدم السماح لهم بالبقاء فيها، علماً أن جُلَّ الضحايا فلسطينيون.

هذه الجريمة البشعة تسلط الضوء على أستراليا ونيوزلندا معاً، وكلتاهما مدانة ومتورطة فكراً وسياسة في الماضي والحاضر، حيث أن مرتكب الجريمة أسترالي الجنسية، وهذه الدولة التي يسكنها الكثير من المسلمين ممن يحملون جنسيتها، وترحب ببعض المهاجرين إليها من ضحايا الحروب الأهلية وأحداث العنف في بلادهم، لا تستطيع أن تخفي وجود الكثير من الأحقاد الأسترالية المدفونة، ولا تلغي وجود مفاهيم عنصرية بغيضة ضد العرب والمسلمين، ولا ننس أبداً أن الحكومة الأسترالية حاولت في الفترة القليلة الماضية أن تتبع سياسة الرئيس الأمريكي ترامب، وتعترف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني، وكانت تنوي نقل سفارة بلادها إلى مدينة القدس أسوةً بالإدارة الأمريكية، لولا الضغوط التي تعرضت لها من عواصم إسلامية آسيوية لثنيها عن قرارها، وإجبارها على التراجع عن تهديداتها.

جريمة المسجدين في نيوزلندا تنعش ذاكرتنا وتستنهض ماضينا، وتبعث الحياة في التاريخ من جديد، وتذكرنا بما كان بالأمس وما وقع فيه من أحداثٍ اضرت بنا وأساءت إلينا، حيث لا ننس أن دينيس مايكل روهان الذي حرق المسجد الأقصى المبارك في 21 أغسطس عام 1969 إنما هو مسيحي أسترالي متطرف، استوطن فلسطين وحمل معه إليها أفكاراً عدوانية ومفاهيم عنصرية، ترجمها فعلاً بحريقٍ ضخمٍ أضرمه في المسجد الأقصى، فحرق المسجد القبلي، وألحق أضراراً جسيمة بمنبر صلاح الدين الأيوبي، وكان عمره يوم أن نفذ جريمته 28 عاماً، وهو نفس عمر مواطنه الأسترالي الذي ارتكب جريمة المسجدين في نيوزلندا، ورغم جريمته النكراء ضد الإسلام والمسلمين فقد أعيد إلى أستراليا ليواصل حياته الطبيعية فيها.

وهي الجريمة التي مهدت بعد ذلك لليهودي الأسترالي هاري غولدمان، الذي أطلق النار على مصلى وقبة الصخرة، في أبريل من العام 1982 فقتل اثنين من المصلين وأصاب ستين آخرين بجراحٍ، وما زالت طلقات بندقيته بادية على قبة الصخرة المشرفة، دليلاً على جريمته، وشاهداً على فعلته.

مجزرة المسجدين التي تمت في نيوزلاندا على يدي الأسترالي برينتون تارانت، تذكرنا بالجريمة النكراء التي ارتكبها الجنود الخيالة الأستراليون والنيزلانديون في أكتوبر عام 1917 في مدينة بئر السبع الفلسطينية ضد قوات الإمبراطورية العثمانية، حيث احتلوا المدينة وضواحيها الصحراوية، فمهدوا الطريق لبريطانيا بعد ذلك لإصدار وعد بلفور لصالح اليهود، وقد ذَكَّرَ المجرم في رسالته بهذه المعركة وغيرها، وما زال العديد من مواطني أستراليا ونيوزلاندا يحرصون على زيارة مدينة بئر السبع في أكتوبر من كل عام، وهم يلبسون أزياء الخيالة، ليحيوا ذكرى انتصار أجدادهم على دولة الإسلام في ذلك الحين، وانتزاع فلسطين منها ومنحها لليهود دولةً ووطناً.

مرتكب جريمة مسجد النور بنيوزلندا ليس شخصاً غراً جاهلاً غير مثقفٍ، بل هو واعٍ ومثقف، يقرأ ويحفظ ويستذكر ويراجع ويربط الأحداث ببعضها، إذ أنه عندما عزم على ارتكاب جريمته جهز رسالةً طويلة، ضمنها اعترافه بعمليته ومسؤوليته عنها، وفيها استرشد بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأشاد بسياسته، كما ذكَّرَ بأمجاد أمته الأوروبية وانتصاراتها على تركيا التي كانت هي عاصمة دولة الخلافة الإسلامية، وسجل على البنادق الآلية التي استخدمها، وعلى مخازن الطلقات بعض العبارات التي تدعو للانتقام من المسلمين، على خلفية معارك وانتصاراتٍ أوروبية قديمة على دولة الخلافة العثمانية.

القاتل ليس مريضاً أو مختل العقل، بل أكد بنفسه ونقل عنه معارفه أنه يحمل أفكاراً متطرفة، وأنه يعادي المهاجرين ويكره المسلمين، ويتطلع للانتقام منهم، وقد اختار مسجد النور بقصدٍ وعنايةٍ، إذ رأى أنه مسجدٌ كبير، ويرتاده عددٌ كبير من المسلمين، حيث كان يخطط لقتل أكبر عددٍ منهم، كونهم كما يعتقد غزاة ومحتلين وأعدادهم تزداد بصورةٍ كبيرة وسريعة، وقد وفدوا إلى بلاده لتغيير عادتها ودينها، والتأثير على سكانها واستفزاز أهلها، ولهذا فقد اختار هذا المسجد بالذات لتكون المجزرة أكبر والضحايا أكثر، وصدى العملية أوسع، وآثارها النفسية والمادية أشمل.

إننا في الوقت الذي نستنكر هذه الجريمة النكراء، ونعتبرها جزءً من مسلسل العنف والتطرف الأمريكي والصهيوني، فإننا نطالب المجتمع الدولي أن يكون له منها موقفٌ واضح، يدينها ويستنكرها ويشير بأصابع الاتهام إلى مرتكبيها، فلا يحابيهم ولا يميزهم، ولا يتستر عليهم ولا يقلل من حجم جريمتهم، ولن نقبل من المجتمع الدولي معايير مختلفة ومفاهيم مزدوجة، يدينون بها المسلمين ويتهمون الإسلام في حال كان المجرم مسلماً، بينما يغضون الطرف ويخفضون الصوت إذا كان الفاعل هو أحد مواطنيهم، والمسلمون هم الضحية، والقتلى من المهاجرين القدامى أو من اللاجئين الجدد على السواء.

 

بيروت في 16/3/2019

الدكتور عادل عامر يكتب عن :منتدى الشباب العربي الافريقي ودوره في التنمية

يهتم الملتقى بالقضايا المتعلقة بواقع ومستقبل المنطقة العربية والقارة الإفريقية، حيث يناقش المشاركون فيه من خلال الجلسات موضوعات مستقبل البحث العلمي وخدمات الرعاية الصحية، وأثر التقنية الحديثة والابتكار في إفريقيا والمنطقة العربية، إلى جانب عقد مائدة مستديرة لإجراء حوار بين المشاركين حول سبل الاستفادة من وادي النيل كممر للتكامل العربي والإفريقي، وكذلك تعقد ورشة عمل عن “تنمية منطقة الساحل”، بالإضافة إلى إقامة ورشتي عمل لريادة الأعمال إحداهما بعنوان “كيف تكون رائد أعمال ناجحا”، والأخرى بعنوان “ريادة الأعمال الاجتماعية من منظور إفريقي”.

وتدور أجندة الملتقى حول العديد من القضايا والموضوعات التي تهم الشباب العربي والإفريقي، خاصةً في ظل رئاسة مصر الاتحاد الإفريقي عام 2019. أن الملتقى سيبحث قضايا النمو والنهضة ومكافحة الإرهاب الذي يقف كحجر عثرة أمام التنمية في الدول، إن الرئيس أكد بشكل مستمر على أهمية تذليل العقبات لتحقيق التنمية في القارة الأفريقية ويعتزم أن يتحقق ذلك من خلال الشباب وليس الجماعات السياسية. أن الملتقى سيركز أيضا على قضية التكامل العربي الأفريقي لأنه لا يعقل أن تكون الدول العربية في واد والأفريقية في واد آخر، فالمهم تحقيق التكامل الاقتصادي، مضيفا إن هذه القضية مطروحة بقوة ليكون الشباب هم أدوات تنفيذها باعتبارهم قادة المستقبل.

تعتبر إفريقيا ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة، ومن حيث عدد السكان. وتتميز هذه القارة ــــ حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للإنماء ـــــ بأن سكانها هم الأصغر سنًّا؛ حيث إن نصف سكان إفريقيا يبلغون من العمر 19 عامًا أو أقل.

ورغم الثروة الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها القارة السمراء إلا أنها القارة الأفقر في العالم، حتى بات البعض يستخدم هذه الجملة لوصف أفريقيا “أفريقيا ليست فقيرة، أفريقيا قارة غنية تسكنها شعوب فقيرة”.

مشاكل وتحديات عديدة يتعرض لها الشباب الإفريقي، ناشئة عن الوصول المحدود إلى الموارد، والرعاية الصحية، والتعليم، والتدريب والتشغيل، إضافة الفقر، والجوع، وأشكالا متعددة ومتشابكة من العنف والتمميز، وانتشار الأمراض والأوبئة، والانخراط بالمنظمات الإرهابية والمتطرفة، وكما يعاني الشباب من تبعات الهجرة، والتهميش السياسي.

وعلى الرغم من هذه التحديات والمشاكل، نجد أنَّ عزيمة الشباب الإفريقي وهمته كبيرة جدا لتذليل هذه العقبات، والتغلب عليها وذلك امانا من أن الشباب هم القوة الفاعلة في بناء وتنمية الوطن، والوصول به إلى مشارف الدول المتقدمة.

المحور الأول: مشاركة الشباب الإفريقي في التنمية على الصعيد المجتمعي: تتوزع مشاركة الشباب الإفريقي في التنمية على العناصر التالية:

مشاركة الشباب في تحقيق التنمية هي قيمة اجتماعية في المقام الأول، ولا تكون فاعلة وناجحة دون أن يكون هناك مشاركة حقيقية باعتبار الشباب أصحاب مصلحة حقيقية في التنمية. المشاركة في عملية التنمية هي تعبير عن مفهوم المواطنة، وتكون في هذا السياق فعل إرادي حُر وطوعي من قبل المواطنين بما فيهم الشباب. إنّ مشاركة الشباب الإفريقي في التنمية تعني المشاركة الشمولية من جميع أفراد المجتمع. مشاركة الشباب يجب أن لا تقتصر على أحد فروع التنمية دون غيرها.

وباعتبار هذه الانجازات مردودات على المجتمع نفسه مما يعزز فرضية المحافظة عليها. وإذا كنا سنتحدث عن معوقات التنمية فإن مشاركة القطاع الشبابي في عملية التنمية يقلل من معيقاتها؛ باعتبار المشاركة طوعية وإرادية حُرة وليست نابعة بفعل قانون أو أمر، وبهذه الحالة نعزز فرص التغيير المأمول نحو الأفضل، والمشاركة ــ بطبيعة الحال ــ تقلل من الإنفاق الحكومي بفعل المساهمات المحلية، والذي يكون نابع في الأساس من الشعور بالمسؤولية والانتماء.

المحور الثاني ـــ أهم المشكلات والتحديات التي تواجه الشباب الإفريقي:

هجرة الشباب الإفريقي إلى أوروبا

تتعدد الأسباب التي تدفع الشباب الإفريقي إلى التفكير في الهجرة، وتتجلى أساساً في الظروف الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، التي تعيشها القارة الإفريقية، كما تبرز أسباب أخرى ذات أهمية بالغة في توجيه تيارات الهجرة السرية، وكذلك التمثلات التي يحملها بعض الشباب الإفريقي حول أوروبا كأرض خلاص.

ولن نتطرق هنا بالتفصيل لمجمل الأسباب والعوامل التي جعلت الشباب الإفريقي يركب قوارب الموت للوصول إلى جنة الفردوس “أوروبا” كما يتخيلها البعض، لأن هذا الموضوع ـــ بصراحة ـــ أصبح متناولا بشكل كبير سواء من قبل وسائل الإعلام، أم من قبل الباحثين المتخصصين، وكل ما سنقوم به هو عبارة عن عرض موجز لأهم هذه الأسباب. ضعف النمو في معظم البلدان الإفريقية؛ حيث سجلت الدول الإفريقية في عام 2011 بمعدل قرابة % 4 حسب منظمة الأنتوكاد للنمو. عدم اهتمام البلدان الإفريقية بالبحث العلمي؛ فحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية للعام 2002 أن نسبة إنفاق الحكومات الإفريقية على البحث العلمي لا يتجاوز 8،0 %.

التهميش السياسي للشباب، والتضييق على حرية التعبير، وعدم احترام حقوق الإنسان.

الفساد الإداري، وتفشي الفقر.

ضعف الفرص المتاحة لمشاركة الكفاءات في صناعة القرار.

عدم الاستقرار السياسي، وكثرة النزاعات الداخلية والحروب.

ارتفاع نسبة البطالة بين فئة الشباب؛ وخاصة أصحاب الشهادات العليا.

لعب العامل النفسي والانبهار الخادع الذي يقع فيه الشباب الإفريقي بأوربا دور كبير في الهجرة، ونتذكر هنا مقولة عالم الاجتماع ابن خلدون مقدمته الشهيرة من “أن المغلوب دائماً مولع باقتداء الغالب في نحلته وأكله وملبسه وسائر أحواله وعوائده“.

وأخيرا يمكن القول، ورغم أن هجرة الشباب الإفريقي إلى أوروبا زادت في الآونة الأخيرة، إلا أن قصة الهجرة الكبيرة لا تزال داخل القارة، حسبما ذكرت من قبل كارلوس لوبيز، المدير التنفيذي للجنة الاقتصادية لإفريقيا، يقولها إن الجزء الأكبر من الأفارقة يبحثون عن فرص خارج بلدانهم بالذهاب إلى بلد إفريقي آخر.

الحروب والنزاعات المسلحة:

 على الرغم من أن مستوى مشاركة الشباب يختلف من صراع إلى صراع فإن الشباب شاركوا في جميع النزاعات المسلحة، وكانوا مسؤولين عن بعض الجرائم التي تم ارتكابها في القارة الأفريقية. ولكن يبقى السؤال المطروح هنا: ماهي أهم أسباب انضمام الشباب الإفريقي في الصراعات المسلحة التي عرفتها القارة الإفريقية؟

 ثمة أسباب عديدة كانت وراء التحاق بعض الشباب الإفريقي إلى الحركات المسلحة، والمشاركة في حمل السلاح، وأهم هذه العوامل هي:

تفشي الجهل والأمية المنتشرة في أغلب المجتمعات الإفريقية.

العصبيات القبلية والإثنية.

الفقر المدقع، فمثلاً في ليبيريا كما يقول أحد المقاتلين السابقين: “يحتاج الكبار لسبب مقنع لحمل السلاح، أما الأطفال فإنه من السهل إقناعهم بأن يقاتلوا من أجل لا شيء، وكل ما يلزم لإقناعهم هو بعض الوعود الصغيرة ببعض المال والغنائم… إنهم فريسة سهلة الاصطياد”.

الظلم الواقع على الأسرة والتفكك الأسري.

وجود هذه الفئة في أماكن النزاعات والحروب.

التجنيد القسري للأطفال في بعض الدول والمجتمعات.

وفرة السلاح بشكل متزايد، وتطور الأسلحة المستعملة في القتال تطوراً سهل استعمالها حتى من قبل الأطفال، كالبنادق الأوتوماتيكية…. وهذه الأسلحة رخيصة وسهلة الصيانة، وهو ما سهل انتشار استعمالها في النزاعات المسلحة وخصوصاً في إفريقيا.

البطالة: حيث تلعب دوراً كبيراً في مشاركة عدد لا بأس به من الشباب في هذه النزاعات والحروب في القارة الإفريقية وفي غيرها.

الانضمام إلى المنظمات المتطرفة:

تسبب استسلام بعض الشباب للإحباط، مع عدم قدرتهم على تحقيق البلوغ المعترف به ثقافيًّا، أو حتى الوصول الى مكان آخر يكفل لهم تحقيق أحلامهم، في انضمامهم إلى الجماعات المتطرفة العنيفة، والتي توفر لهم بديلًا عن المسؤولين الكبار في الدولة؛ لإشباع احتياجاتهم النفسية والمادية، من هدف يسعون لتحقيقه، إلى تحمل المسؤولية، فالتعويض المالي، وأخيرًا الانتماء إلى شيء أكبر من أنفسهم.

في تونس وليبيا ومصر قام تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية والسلفية بتجنيد الشباب، بعد خيبة الأمل مع ثورات الربيع العربي. وفي غرب إفريقيا يتم تجنيد الشباب في نيجيريا وشمال الكاميرون والنيجر، والذين يفتقرون إلى التعليم والعمل، ويجذبونهم للانضمام إلى جماعة بوكو حرام[4]. والشيء نفسه يحدث في شرق إفريقيا، حيث جذبتهم حركة الشباب، وضمتهم في صفوفها القتالية. ومن المؤكد أن الحوافز المالية التي تقدمها بوكو حرام وحركة الشباب تشكل عامل جذب لهم، خاصة وأنهم يبحثون عن فرصة عمل وحياة كريمة، فلا يجدون. ومن ثم كل هذه الجماعات لا تزال تقوم بعملياتها داخل دولها فيما عدا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلا أن البيئة المحيطة بهذه الجماعات قد تدفعها إلى التعاون مع الإرهاب الدولي، مثل انتشار عوامل عدم الاستقرار والفقر والمجاعة والبطالة والأمية بين قطاعات كبيرة من المواطنين في الاقليم، على الرغم من احتواء الإقليم على ثروات ضخمة في ظل هشاشة الحدود، وانتشار انواع مختلفة من الأسلحة، وأشكال من الجريمة المنظمة مثل: تجارة المخدرات؛ يعزز احتمالات لجوء المواطنين وخاصة من الشباب إلى العنف لمواجهة الفساد، واستخدام تفسيرات دينية خاطئة لتبرير استخدام العنف ضد الحكومات في دول الإقليم.

بالإضافة إلى هذه الجماعات المتطرفة التي ارتبطت بالإسلام بشكل واضح، ظهرت العديد من الميلشيات غير إسلامية المسلحة في القارة الإفريقية؛ نذكر منها على سبيل المثال: ميلشيا أنتي بلاكا المسيحية؛ التي نشأت على إثر الانقلاب الذي نفذته جماعة سيليكا عام 2013، ارتكبت هذه المجموعة حسب تقارير الأمم المتحدة مجازر بشعة ضد المسلمين في إفريقيا الوسطى، يمكن وصفها بكارثة إنسانية لا يمكن وصفها. وبالإضافة إلى هذه الحركة ظهرت جماعة أخرى تعمل في شمال أوغندا وجنوب السودان تحمل اسم جيش الرب، وتعد هذه الحركة من أكثر المجوعات المتمردة في إفريقيا، ويرجع ذلك جرائمها المرتكبة بحق 100 ألف شخص، وتشريد ملونين ونصف شخص، حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة.

 الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تأسست عام 1983، أغلب أعضائها من المسيحيين. أم فيما يتعلق بجماعة جيش نظام الهوتو اللمعروف بأنتيرا هاموي، فقد كشف تقرير عرضه مركز الجزيرة للدراسات عن الجماعات المسلحة في إفريقيا؛ أنَّ العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء تعاني من استشراء التطرف والعنف، ولا يمكن بأي حال تجاوز مجزرة رواندا عام 1994، كأكبر إبادة جماعية في أفريقيا حدثت في القرن العشرين، نفذتها جيش نظام الهوتو؛ والتي قتلت ثمانمائة ألف شخص من التوتسي، بموجب تقديرات الأمم المتحدة.

الشباب الإفريقي في موجهة وباء مرض نقص المناعة البشرية (الايدز):

تشير التقديرات إلى أن هناك نحو 36 مليون شخص الآن مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية في مختلف أنحاء العالم، يعيش أكثر من 25 مليون شخص من هؤلاء (نحو 70 في المائة) في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما يجعل هذا الإقليم أشد الأقاليم تضررا بهذا المرض في العالم. ونظرا لأنه يصيب بصورة رئيسية الأشخاص بين عمر 15 و49 سنة، وهم أكثر أفراد المجتمع إنتاجية اقتصاديا، وهي الفئة التي تعوِّل عليها الدول تولي مهمة إدارة عملية التنمية، والخروج بها من دائرة الفقر. فإن هذا المرض له أهميته العظمى بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولما كان غالبية السكان في البلدان الأشد تضررا بهذا المرض، هم سكان المناطق الريفية، كان تأثير هذا الوباء شديدا على القطاع الزراعي بوجه خاص.

وهناك تفاوت واسع ما بين البلدان، في مستويات وباء فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة. وتوضح التقديرات المتاحة لعام 1999 أن معدلات انتشار المرض في أوساط البالغين تتراوح بين أقل من واحد في المائة في أجزاء من شمال أفريقيا وبعض الدول الجزرية في المحيط الهندي، وأكثر من 25 في المائة في كل من زمبابوي، سوازيلندا وبوتسوانا. وإجمالا، فإن بلدان أفريقيا الشرقية والجنوبية هي الأشد ابتلاء بهذا الوباء. بيد أن معدلات انتشاره في تصاعد سريع في بعض بلدان غرب أفريقيا.

الفقر والبطالة في مواجهة الشباب الإفريقي

مما لا شك فيه، أنَّ البطالة والفقر التي يعاني منها شريحة كبيرة من الشباب الإفريقي تعتبران من بين العوائق الرئيسية أمام التنمية في غرب أفريقيا؛ إذ لا يقتصر استبعاد الشباب من قوة العمل على إدامة دورة الفقر لأجيال فقط، ولكنه يدمر أيضاً التماسك الاجتماعي، وقد يترافق مع مستويات أعلى من الجريمة والعنف بين الشباب العاطل عن العمل. وبحسب تقرير اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة الخاصة بإفريقيا ومفوضية الاتحاد الإفريقي لعام 2011، إنَّ معدل البطالة بين الشباب بلغ 12 بالمائة. وفي حين أن هذا المعدل أقل قليلاً من معدل بطالة الشباب على مستوى العالم والذي يبلغ 12.4 بالمائة، إلا أن المنطقة الأفريقية تضم أعلى معدلات العالم للعاملين الفقراء – الذين يتم تعريفهم بأنهم أشخاص يعملون ولكنهم يكسبون أقل من دولارين في اليوم. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، تتضاعف احتمالية معاناة الشباب في أفريقيا من البطالة عندما يصبحون بالغين على الرغم من كونهم الجيل الأفريقي الأكثر تعليماً الذي يتخرج من المدارس والجامعات.

وتُشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن ظاهرة بطالة حملة الشهادات التعليمية قد استفحلت في العديد من الدول العربية حيث بلغت معدلات بطالة هذه الفئة إلى معدلات بطالة الأميين، ثلاثة أضعاف. وهذا إن دل على شيء إنما يدل أن معدلات البطالة في أوساط الشرائح الشابة من المجتمع مرتفعة، وتتجاوز المقاييس والمعدلات العالمية.

 ولا شك أن تفاقم هذه الظاهرة في المجتمع يُفرز جملة من الآثار والانعكاسات الاجتماعية. فهي قد تؤدي تدريجيا إلى سلسلة من الحالات المختلفة أي من البطالة إلى الإقصاء ومن الإقصاء إلى التهميش، ومن التهميش إلى الجنوح كما أنها تزيد من حدة الفوارق الاجتماعية والشعور بعدم المساواة بين أفراد المجتمع.

التهميش السياسي:

يواجه الشباب الإفريقي معضلة أخرى من المعضلات التي تمنعه من أداء دوره في تحقيق التنمية في مجتمعه؛ وذلك انطلاقا من أنَّ الشباب هم أساس بناء المجتمع، وركيزة أساسية من ركائز التطور والتقدم. فلماذا يا تُرى يتم تهميش هذه الفئة المهمة؟ وما هي أبرز العوامل التي تمنع الشباب من المشاركة في صنع القرار السياسي؟

ثمة اسباب عديدة كانت وراء عزوف الشباب الإفريقي عن المشاركة السياسية، من أهمها: تفشي الأمية والبطالة وخاصة بين الشباب؛ حيث لا يتحقق الإشباع للحاجات الأساسية للشباب، مثل إيجاد فرص عمل مناسبة، والزواج وبناء حياته المستقلة بما يؤثر سلبا على قيام الشباب بالأعمال التطوعية بداية وانتهاء بالمشاركة السياسية في الحياة العامة.

 وكذلك عدم وجود سلوك سياسي وسياسات خاصة للشباب تعكس ثقافة سياسية مختلفة لهم عن فئات المجتمع

. كما إنَّ إحساس الشباب بعجزه عن التأثير في القرارات والقوانين التي تنظم كيفية مباشرة حقوقه في المعيشة والحياة، وبالأخص الحياة الاقتصادية. وغياب الديمقراطية والتفرد في اتخاذ القرار من قبل فئة قليلة.

المحور الثالث: جهود الشباب الإفريقي في تنمية وتطوير المجتمع في ظل الأزمات:

أولاـــ دور الشباب في التنمية الاجتماعية:

يمكن القول، إنَّ الادوار التي يساهم فيها الشباب الإفريقي في عملية التنمية الاجتماعية كثيرة ومتنوعة، ويمكننا ايراد جزءا منها كما يلي: يسعى الشباب خاصة في المناطق التي تشهد نزاعات دموية وحروب أهلية في القارة الإفريقية، وهي كثيرة على النحو الذي ذكرناها في متن الدراسة، في المحافظة على رتق الفسيفساء الاجتماعي، ومشاركتهم الفاعلة في ارساء عملية بناء السلام الاجتماعي من الداخل. كما يلعب الشباب دورا فعالا في محاربة العادات الضارة عندما يتم استيعابه في مؤسسات ومنظمات متخصصة تعنى بذلك.

وكذلك يمكن للشباب من خلال منتدياتهم الثقافية عبر صفحات التواصل الاجتماعي أن يتبادلون الافكار، ويجدون الحلول لكثير من المعوقات المجتمعية التي يعانون منها . أما في مجال التعليم، كان لبعض المشاركات الشبابية دور في التطور التي تعيشها بعض الدول الإفريقية اليوم؛ سواء فيما يتعلق ببناء المؤسسات التعليمية في جميع المستويات، والتي كان لها دورا بارزا في نشر العقيدة والدين الإسلامي، وتوعية وتبصير المسلمين في مواجهة العولمة في المجتمع الإفريقي.

ثانيا ـــ دور الشباب في التنمية في المجال السياسي:

من صور إسهامات الشباب الإفريقي في مجال التنمية السياسية، التطور الذي أحدثه بعض الشباب من خلال إنشاء أحزاب سياسية جل أعضائها من الشباب المستنير وتحقيق نقلة نوعية في هذا الجانب، هذا إلى غير ذلك من الآثار الحميدة التي ينتهجها الشباب اليوم ، وخاصة في البرامج الدعوية والإرشادية، ، وإنشاء جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وتحويل السجال السياسي إلى برامج عمل يتم تنفيذها من خلال منظماتهم وجمعياتهم، ليكون سجالاً فكرياً يفضي إلى نهوض البلاد وتطورها، بدلاً من الحراك العسكري الذي حول البلاد إلى خراب ودمار

. كما يلعب الشباب دورا هاما وفعالا في صناعة إعلام حر، يناقش مشاكل التنمية بكل جرأة وشجاعة؛ لأنه ليس هناك ما يخسره بعكس الفئات الاخرى حيث التعتيم الاعلامي عند مناقشة القضايا التنموية حفاظا على المواقع

ثالثا ـــ دور الشباب في التنمية في المجال الاقتصادي:

يلعب الشباب دورا مقدرا في مجال التنمية الاقتصادية وذلك من خلال العوامل التالية:

مشروعات التنمية المحلية: وهي مشروعات انتاجية تمكن الشباب الافريقي الاهتمام بالإنتاج والانتاجية ويمكن ان تحدث تغييرا في نمط المجتمعات الافريقية وتحويلها من مستهلك الي منتج ومشارك في كثير من المشروعات التي تزيد من معدلات الدخل للأسر المنتجة.

توفير مشروعات شراكة للعمال والموظفين لزيادة الدخل السنوي وتحطيم صورة الوظيفة في ازهان الشباب التي اقعدتهم في الدخول في مشروعات منتجة يمكن ان تحسن من دخلهم ومن ثم القضاء على البطالة في صفوفهم.

المساهمة في نشر ابتكارات الشباب وابداعاتهم وتبني افكارهم وتحويلها الي مشروعات رائدة للتنمية يجعل من الشباب مشاركين اساسيين في عمليات النفرة الاقتصادية لدولهم لأنهم يجدون أنفسهم جزء اصيل في عملية التنمية.

يلعب الشباب دورا حيويا في عملية التعبئة المجتمعية واقناع فئات المجتمع الاخرى في هندسة جميع مشاريع التنمية المختلفة.

سقوط ” أنور و مهند ” اخطر تجار العملة ببورسعيد

كتب:  إبراهيم البشبيشي .
ضبطت مباحث الأموال العامة، سائق لقيامه بالاشتراك مع آخر في مزاولة نشاط غير مشروع بمجال الاتجار بالنقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفية ببورسعيد.
أكدت معلومات وتحريات الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، بمنطقة القناة وسيناء قيام “أنور.ع.أ” سائق، ومقيم بدائرة قسم شرطة المناخ ببورسعيد، “مهند.م” صاحب مكتب استيراد، ومقيم بدائرة قسم شرطة الشرق ببورسعيد بتجميع مدخرات العاملين المصريين بالخارج بالعملة الأجنبية “الدولار الأمريكي، اليورو”، وتوفيرها للتجار والمستوردين الذين يقومون بإيداع ما يعادل قيمتها بالجنيه المصري بأسعار السوق السوداء بحساب المتهمان، حيث يقوما بسحبها وإيداعها بحسابات بنكية مختلفة بأسماء أشخاص مختلفين من ذوى العاملين المصريين بالخارج مقابل عمولة مالية .. فضلاً عن الاستفادة من فارق سعر العملة مما يعد عملاً من أعمال البنوك بالمخالفة للقانون .
عقب تقنين الإجراءات تم ضبط الأول، وبمواجهته اعترف بارتكابه للواقعة، بالاشتراك مع الثاني، حيث تبين أن حجم تعاملاتهما خلال العام المنصرم طبقاً للفحص المستندي، ما يعادل ١٦ مليون جنيه مصري.
تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

المصدر: مواقع وصحف

في الذكرى الثامنة للانتفاضة: برهان غليون راوياً حكاية أرتين السوري

في سنوات ما قبل الانتفاضة السورية، كانت النكتة بالنسبة للسوريين بمثابة لغة بديلة رمزية، غالباً ما اعتمدوها للرد على واقعهم البائس، أو تكذيب خطاب السلطة. ومن بين النكت التي كثر تداولها، نكتة حول مجند أرمني في الجيش السوري. ففي أحد الأيام أراد ضابط امتحان ولائه العسكري، فسأله: أرتين تخيّل نفسك خط الجبهة، وهجم العدو الإسرائيلي واحتلها، ماذا تفعل؟ رد المجند: سيدي انسحب إلى القنيطرة وأقاوم، قال الضابط وماذا لو احتلوا المنطقة كلها؟ المجند: سأنسحب إلى دمشق. الضابط: وفي حال سقطت دمشق. المجند: انسحب إلى حمص. الضابط وماذا لو احتلوا حمص. وأرتين يرد بجوابه المعتاد.. وهكذا بقي الضابط يتلاعب بأعصاب أرتين حتى وصل الانسحاب إلى حلب.
يعود المفكر والسياسي السوري برهان غليون، في كتابه الجديد «عطب الذات»، ليذكّرنا بعبرة هذه الحادثة، فأرتين لم يعد مجنّداً وحسب، بل غدا الاسم المستعار للسوريين العاديين في علاقتهم بأطياف المعارضة السياسية السورية، التي بقيت مخلصة لقبائلها أو لثأرها الأيديولوجي مع الآخرين على حساب تكوين جسم سياسي موحّد، لتخسر لاحقاً كل شيء. يحاول غليون أن يروي لنا في الذكرى الثامنة للانتفاضة السورية مشاهد من يومياته فيها، بدءاً برواية تفاصيل دقيقة عن بعض الشخصيات الرئيسية في المعارضة، خطابهم وطرقهم في إدارة الحوار، أو بالأحرى أساليبهم في خلق عراك بالأيدي داخل الجلسات؛ مروراً بتحليل بدايات انطلاق الانتفاضة السورية، وأسباب أسلمتها لاحقاً، وغيرها من الأحداث التي عاصرها خلال سنوات الثورة. صحيح أن رائحة المرارة بقيت مطاردة لنا في مجمل محطاتها، بيد أنها لم تخل أحياناً من طرافة وحس فكاهة، بقي يمتاز بها هذا الرجل، كما ينقل المقربون عنه.

من باب دريب إلى السوربون

بعبور سريع لمقدمة الكتاب، يتبين لنا أن هموم غليون في عالم السياسة اليومي قد حكمت ربما طريقة سرده للانتفاضة السورية. فبدلاً من حديثنا عن انطلاق الاحتجاجات في الحريقة في دمشق ولاحقاً في شوارع درعا، نراه يعود لحكاية مرحلة الشباب وبداياته الأولى مع عالم السياسة.

في فترة الستينيات، كان طالباً؛ وكانت باحة دار المعلمين في دمشق تمثّل آنذاك مكاناً مثالياً للتجمع والنقاش حول الأفكار. في مساء أحد الأيام، دعاه أحد أصدقائه لحضور حلقة لأنصار الحزب الشيوعي، حيث سيكون الحديث عن مفهوم البروليتاريا عند ماركس. كان أحد الرفاق الشيوعيين يتحدث بأسلوب حماسي عن زمن البروليتاريا الموعود؛ يقاطعه أحد الشباب قائلاً «منذ سنوات ونحن نتحدث في البروليتاريا، ليتنا نقابل أحداً منهم ونتعرف عليه في الحقيقة» نظر مسؤول الحلقة باستغراب؛ ربما تفاجأ من السؤال؛ أو لكونه لم يرَ بروليتاريا سوى في كتب ماركس وبعض الروايات. كان الطالب غليون في هذه الأثناء يتابع مصدوماً هذا المشهد. ربما فكّر أن يدعوهم إلى حيّه «باب الدريب»، أحد الأحياء العمالية الأكثر فقراً في حمص، للقاء البروليتاريا؛ سيعدّل لاحقاً عن هذه الرغبة؛ إذ لا فائدة تُرجى من هذه الدعوة، فالمسألة ليست العثور على بروليتاري حقيقي، بل هي «محنة اليسار الشيوعي وأزمته في الوقت نفسه». قرر غليون، بعد هذه الحادثة، عدم رؤية زميله الشيوعي. كانت الأحزاب السورية تعتقد آنذاك أن الإيمان بأفكار الحزب هو السبيل لبناء الأوطان. كانت أيديولوجيتهم بمثابة أسوار تقولب أفكارنا، كما رآها غليون الفتي. «لم يكن أمامي وأمام شباب تلك الفترة سوى الهجرة من عالم السياسة السوري إلى عالم قوى المنظمات الفلسطينية الصاعدة في المشرق». بقيت العوالم هي ذاتها؛ صور ماركس ولينين معلقة على جدران مكاتب قادة قواعد المقاتلين الفلسطينين،التابعين للجبهة الديمقراطية في غور الأردن؛ هذه الصور ظلت بمثابة حاجز بين هؤلاء اليساريين «الطفوليين» وعالم الفلاحين الفقراء الذين عاشوا في المكان ذاته. ستتزامن خيبة غليون من اليسار، مع بدء تحضير الأسد لانقلابه على أصدقائه البعثيين؛ أُقفِلت كل الأبواب؛ قرّر الرحيل إلى فرنسا لاستكمال دراسته وأبحاثه في السوربون، بدل أن يمضيها في سجون الأسد.

كان الأسد يتحول من رئيس قاس وهمجي إلى أب وقائد؛ كانت شوارع المدن الرئيسية تشهد ظاهرة لم تعرفها في السابق عنوانها «تقديس الأسد»، وفق تعبير ليزا وادين في كتابها «السيطرة الغامضة»، صوره وتماثيله في كل الأرجاء. شوارع ومشافي ومكتبات عامة تحمل اسمه.
مع نهاية التسعينيات، شعر الأسد بدنو أجله، حاول تخفيف القبضة الأمنية؛ أتاح الفرصة لبعض الشخصيات الدينية والثقافية العودة للبلاد. كان قد أفرج قبلها بسنوات عن بعض معتقلي تدمر. إذ اعتقد أن هذه الإجراءات قد تخفّف من احتقان الشارع. كان ولده ما زال شاباً، متهوراً، لا يبالي أحياناً بأسلوب الأب في إدارة الأمور، والتعامل مع الحلفاء الإقليميين. وفي هذه الأجواء، ستُتاح لغليون العودة لمدينته، لم يعد شاباً صغيراً، بل بات، كما تُردِّد بعض الأخبار، استاذاً في جامعة السوربون الفرنسية، كثيرون ربما لم يسمعوا عنها؛ أو ربما عرفوها من خلال ربطها بهذا الشاب. مع كل عطلة صيفية، أخذ غليون يكرّر زيارته لسوريا. لم يكن مصدِّقاً أنه يسير في شوارع حمص مرة أخرى، كان العالم يتغير، وسوريا أيضاً. وكان الكثير قد قرأ له وتأثّر بكتبه حول الطائفية والديمقراطية، وبعض حواراته الأخرى التي أصدرها عن دار الفكر الواقعة في حي البرامكة في دمشق. أخذ يستعيد علاقاته ببعض رجال المعارضة وتنظيماتها. «سوريا بأكملها تتحول إلى ساحة عامة للنقاش والمداولة وبلورة الأفكار والمقترحات والمطالب والتعبير الحر والجريء والصافي عنها. لم تبق بلدة ولا حي من دون أن يتنادى مثقفوه لإنشاء منتدى ودعوة المثقفين لإحياء النقاش السياسي فيه. كانت تلك من دون شك لحظة ولادة السياسة بعد موتها الطويل في سوريا الجديدة».

رياض الترك وحسن عبد العظيم

سيُتاح لغليون في هذه الزيارات اللقاء برياض الترك. الذي كان، كما يدوّن في كتابه، صاحب شخصية مميزة؛ شجاعاً لا يخشى شيئاً، ولا يهاب المغامرة، يعيش جلّ وقته تحت الأرض، لكنه لا يخاف التحليق في الفضاءات الشاهقة، جاهزاً دائماً للعراك والسير على حافة الهاوية. رجل راديكالي في دمه، وعدو لا يُضاهى لنظام الأسد. بيد أن ما لفت نظره في المقابل أن «مانديلا سوريا» لم يكن يمتلك القدرة على التسامح والمصالحة التاريخية. «كان في الوقت نفسه، وفي العمق، رجلاً قاسياً لا يرحم مساعديه، ولا منافسيه أبداً، أوتوقراطي نموذجي، ووسواسي مسكون بالظنون، لا يطمئن لأحد، حتى نفسه». أما حسن عبد العظيم، الذي احتلّ منصب الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، مكان الراحل جمال الأتاسي، فقد كان عكس سلفه تماماً. من ريف دمشق، مغموس بثقافة الأرض، رجل متأن بطيء الحركة، حيسوب، يكره المخاطرة، مهما كانت، ويفضل السير بمحاذاة الجدار، ويتجنب المعابر غير المطروقة والشعاب الصعبة، إصلاحي يكره العنف والمواجهة، يبحث عن الحلول الوسط و«تحت الوسط»، ويمارس التقية إلى هذا الحد أو ذاك، كي يضمن الاستمرار والعمل السياسي، في كل الظروف، ويبرع في تدوير الزوايا.

إعلان دمشق

يقف الأمريكيون على تخوم بغداد؛ وتغدو الأجواء في المدن السورية مشحونة؛ شباب من دوما، من دير الزور، القامشلي، ودرعا يتطوّعون للقتال في لجان الدفاع الشعبية العراقية. العالم بأجمعه مرعوب ويتحسس رأسه. في هذه الأثناء، كانت هناك محاولات لجمع المعارضة؛ ربما تكون الفترة الأنسب لفرض إصلاحات على النظام الذي بات على مرمى حجر من الدبابات الأمريكية؛ اجتمعت قوى معارضة من الداخل والخارج تحت مسمى «إعلان دمشق». من بين ما يرويه غليون في كتابه عن تلك الفترة حادثة طريفة جرت أثناء الإعداد لوثيقة الإعلان، وهي حادثة قد تعكس حالة المفارقة التي ما تزال تعيشها أوساط المعارضة إلى يومنا هذا. أرسل له رياض الترك النص الأخير للبيان المُزمع إصداره للإعلام.. دُهِش أثناء قراءته لإحدى الفقرات التي تشير إلى أن الإسلام ديانة الأغلبية من السوريين، وينبغي أن يحظَ باهتمام خاص. أخبر رياض بضرورة إلغائها، وضرورة تأكيد البيان على علمانية الدولة كبديل عن طائفية النظام، كما نصحه بأن «يستخدم العبارة التي استخدمها مؤسسو الدولة الأوائل التي تقول: «الدين لله والوطن للجميع»؛ في هذه الأثناء أخذ يتواصل مع صدر الدين البيانوني، كان في موقع المرشد لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك؛ ليسأله عن موضوع الفقرة، وإن كانوا يصرون على ورودها في الإعلان؛ جاء رد البيانوني مفاجئاً: «أبداً. لسنا نحن الذين وضعناها ولا نطالب بوجودها ولا نتمسك بها». عاد لرياض لكن الأخير بموقفه الصلب كان قد حسم الأمر «لا نستطيع حذف الفقرة لأن الوقت قد تأخر؛ برهان: هذه ذريعة واهية. الخطأ ينبغي أن يُصحّح، ولا شيء يدعو للعجلة من أجل يوم إضافي. رياض: جورج صبرا هو الذي وضعها وهو مصر عليها»؛ برهان: إذن لن أوقع على البيان».

حجاب علماني في دمشق:

لاحقاً، سيزُجّ بقادة الإعلان في السجون؛ عادت ثقة النظام بنفسه بعد سنوات من الحصار؛ يزحف الريف السوري باتجاه العاصمة دمشق. قرى كاملة أخذت تخلو من أهلها في ظل الجفاف. في مقابل هذا المشهد؛ يشهد حي الشعلان، الذي كان يتردد عليه غليون أحياناً للقاء بعض الأصدقاء في أحد محاله، الذي حمل اسم ماركة معولمة، فتيات يرتدين أشكالاً جديدة من الحجاب؛ نكت هنا وهناك تقاوم الرواية الرسمية؛ حشود في الشوارع تتابع بشغف وتهريج وصراخ مباريات كأس العالم لعام 2008؛ بعد عقود من منع التظاهر وفض أي اجتماع صغير؛ شباب ورجال يتابعون بحسرة نتائج الانتخابات البرلمانية الديمقراطية في الكويت؛ أحدهم يصرخ في منزله: ديمقراطية في نظام ملكي! ونحن لماذا؟
في هذه الأثناء سيتحدث غليون في مؤتمر الفكر العربي المُنعقد في عام 2010 عن ثورة عربية «فالحديث عن إصلاح اقتصادي من دون إصلاح سياسي هو محاولة للتهرب من الموضوع، والالتفاف عليه، لأنه لا إصلاح اقتصادي من دون إصلاح سياسي، هو في الحقيقة موجهه ومحركه».

لأجاك الدور يا دكتور

لم يمض أسبوع على انتصار الثورة التونسية حتى اندلعت شرارة الثورة المصرية التي أكدت على اتجاه التاريخ هذا وعززته، وساهمت في تغيير موازين القوى واتجاهات الفكر والممارسة في الأقطار العربية الأخرى، وشجّعت على انطلاق ثوراتها السياسية. سقط مبارك؛ وجاء الدور على نظام الأسد، أسابيع، أشهر وننتهي ونعيش زمن الحرية؛ بدأت تتشكل تنسيقيات هنا وهناك؛ معتقلون يدخلون السجون ويخرجون بعد أيام؛ في هذه الأثناء، فشلت كل المحاولات لتشكيل جسم سياسي يعبر عن تطلعات الشباب. وأمام الفشل تلو الفشل، وزيادة حدة العنف، ستتوصل القوى إلى تشكيل المجلس الوطني في الخارج. يصف لنا غليون لحظة تأسيسه «كان المجلس زواجاً بالإكراه قبلنا به لتجنب خروج الأمور عن السيطرة، على أمل أن تساعد الإنجازات على تجاوز الخلافات وتعزيز وحدة المعارضة». في هذه الأثناء وجد ابن السوربون نفسه على رأس هذا المجلس. «ما له وما لعالم السياسة»، هذه العبارة التي كررها كثيرون في سياق تعليقهم على تعيينه. لم يكن سهلاً كما يذكر في كتابه «أن يجد أكاديمي ومثقف يعيش في الغربة منذ أكثر من أربعين عاماً، نفسه، بين ليلة وضحاها، في قلب الصراعات السياسية السورية والإقليمية والدولية، مدفوعاً لتنسيق أعمال واحدة من أكبر الثورات الشعبية».

عش الدبابير

كان المجلس يتكون من ثلاث قوى رئيسية: إعلان دمشق، وجماعة الإخوان المسلمين، ومجموعة العمل الوطني أو مجموعة الـ74 التي انقسمت هي نفسها إلى مجموعتين بعد أسابيع من ولادة المجلس على خلفية تمثيلها في القيادة. كان الإعلان، كما يصفه غليون، يعتبر نفسه القائد الفعلي للمجلس. كان مهووساً بمدة ولاية الرئيس التي يجب ألا تزيد عن شهر واحد، «ما يعني ببساطة عدم السماح بتكوين مركز قيادة حقيقي للمجلس، وتحويل الرئاسة إلى وظيفة رمزية خالية من المضمون، أي في الواقع إلغاؤها».

كانت القوة الثانية المؤثرة في المجلس جماعة الإخوان المسلمين. كانوا قد اعتادوا خلال العقود الطويلة الماضية من صراعاتهم السياسية على العمل المنفرد؛ كان يراقبهم وهم يمزجون بين عقائدية جامدة ومنهج براغماتي يجعل مسيرتهم تكتسي بشكل متزايد طابعاً انتهازياً. أما مجموعة العمل الوطني، التي دخلت المجلس الوطني باسم «كتلة الـ 74»، فقد وجد غليون أن سلوكها أقرب إلى سلوك «اللوبي» ومجموعة الضغط منها إلى دور الشريك في بناء إطار وطني جامع وممثل لمختلف التيارات الفكرية والسياسية المشاركة في الانتفاضة الشعبية الديمقراطية للمساهمة في الرد على تحديات تاريخية كبرى، تكاد لا ترى منها شيئاً. قائد هذا اللوبي، أحمد رمضان، لا يهتم سوى بالعلاقات العامة والاتصالات الدولية والسياسية، والدخول في مفاوضات ليس لأجل الحل، بل لتمرير الوقت ليس إلا.
في المقابل، لم يكن واقع الأحزاب الكردية أفضل حالاً من الأحزاب السورية الأخرى. شعر غليون، في أول لقاء بهم، بأن هذه الأحزاب تريد أن تحل القضية الكردية برمتها بخطوة واحدة. وفي محاولة لإصلاح البين، قادته الدروب إلى أربيل الكردية في 13 يناير/كانون الثاني 2012 على إثر دعوة مسعود بارزاني.
استُقبِل وفد المجلس بحفاوة بالغة؛ أكد بارزاني خلال الجلسة على أنه لا يمكن مقارنة وضع الكرد في سوريا بوضعهم في العراق، وأنه «لا يرى ما يمكن أن نقدمه (المجلس الوطني السوري) أكثر من ذلك». بعد شهرين سيقرأ غليون في صحيفة «الحياة» اللندنية مقابلة للرئيس بارزاني نفسه يقول فيها إن العرب لا يزالون ينكرون على الأكراد حقوقهم. وأنه قابل برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري في أربيل، ولم يعترف بالحقوق الكردية «إلا برؤوس شفاهه».
سرعان ما ستزداد خطورة حقل الألغام هذا بعد تعرضه كما يذكر لـ«الطعنة الأكبر» التي وُجِهت للمعارضة وللثورة من الجهة التي لم يكن أحد منا يتوقعها. «كان الشيخ السلفي عدنان العرعور، المُقيم في الرياض في المملكة السعودية، قد بدأ يستقطب قطاعاً واسعاً من الرأي العام الشعبي المؤيد للثورة، بتدخلاته المنتظمة على عدة قنوات فضائية، وبشكل خاص على قناة «وصال» التي تبثُ من الرياض. وبينما كانت المعارضة السياسية التقليدية تحرق الوقت في نقاشات داخل الغرف المغلقة للتوصل إلى اتفاق يفضي إلى توحيد الرؤية والجهد لدعم الانتفاضة، احتل الشيخ العرعور الفضائيات بخطاب ناري أظهره كما لو كان الخصم الرئيسي للأسد ونظامه، مستخدماً لغة عامية بسيطة وانتقادات لاذعة تخاطب الوعي الجماهيري أكثر بكثير من لغة السياسة النخبوية». لن تسمح هذه الظروف لغليون باستكمال عمله؛ في ظل إصرار كل الأطراف على النظر للمجلس وكأنه غنيمة حرب، وليس جسماً ممثلاً للانتفاضة.
عاد غليون وحيداً مرة ثانية؛ أخذ يدوّن في هذه الأثناء كل ما شهده في هذا المجلس. ربما الثأر، كما ظن البعض، ما دفع به لكتابة القسم الأول من كتابه؛ أو لعله ما عاد مبالياً بعالم السياسة؛ إلا أنه مع الاطلاع على القسم الآخر من هذا الكتاب، قد لا نبالغ إن قلنا إنه يبقى الأهم، والأكثر إشكالية وخلافاً مقارنة بفصول الاعتراف، أو تصفية الحسابات، التي تبقى أحد شيم السياسة. فقد حاول غليون في هذا القسم إعادة كتابة سردية الثورة السورية والمآلات التي شهدتها. بدءاً بأسلمة الثورة وتدخّل الدول العربية، مروراً بقراءته للمشهد الدولي مما استخلصه في اللقاءات التي جمعته بلافروف وجون كيري. كذلك لا ينسى في هذا السياق دور سجناء صيدنايا والإسلاميين والجهاديين في تحويل مسارات الثورة. كما ضم تحليلاً متوازناً حيال الدورين السعودي والقطري. إذ لا يخفي غليون الدور الكبير الذي لعبه السعوديون على صعيد نسج علاقات للمجلس مع القوى الدولية.
قد تكون لنا عودة إلى هذا القسم، لا سيما وأننا نرى أن سردية غليون، ورغم اتفاقنا مع بعض محطاتها؛ أهملت المرور في بعض التفاصيل التي كانت ستغني من سرديته. قد يكون معذوراً في نسيان بعض التفاصيل، فسردية الثورة اليوم أو يومياتها تحتاج إلى جهود جماعية وإلى إعادة تدوين. لم تخل بعض المحطات من تكرار، كما بدا لنا أن بعضها الآخر قد طبعها التحليل الآني (خاصة قراءته للموقف التركي)؛ إذ بدت لنا طازجة؛ مقارنة بذاكرة ونفَس الفصول الأولى التي بدا فيها غليون أكثر قرباً من أجواء تلك الفترة.
يختتم غليون كتابه بتوجيه نقد قاس للنخب السياسية السورية؛ «فهي نخبة من دون هوية ولا ذات. لا كفاءات واضحة، في الغالب، ولا مرجعيات مشتركة عامة، ولا وعي متسق ولا إرادة، إنما تمحور على الذات الفردية، وتطلّع للمغانم والمكاسب، وتأفف من الواجبات الاجتماعية، وبالتالي انقسام وتنافس وعداء متعدد الأشكال وكراهية متبادلة» ربما لذلك تاهت أو ضاعت الانتفاضة السورية كما حدث مع قادة جيش صديقنا أرتين الأرمني.

٭ كاتب من سوريا

*المصدر: القدس العربى