منذ أيام قليلة ، تابع الجميع الفيديو المتداول عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، وبالأخص “موقع الفيس بوك” وانتشر الفيديو كانتشار النار في الهشيم ، وتسابق أعضاء ورواد المواقع الإجتماعي في نشره وكأنهم في سباق للخيل والكل يتنافس على جائزة دولية ..
الفيديو لطالب في كلية الهندسة في مصر يدعى “نادر” قفز من أعلى برج القاهرة، وانتشر مقطع انتحاره وقفزه من أعلى البرج انتشارا واسعا بين وسائل التواصل الاجتماعي ليس في مصر فقط ، بل امتد نشر الفيديو ليصل الى أقطار الوطن العربي، وربما وصل الى مشارق الأرض ومغاربها ، وكالعادة : أدى ذلك إلى تبادل وجهات النظر بين رواد المواقع الإجتماعي بفعل نادر، وخرج من جحور المواقع الاجتماعية ، الفلاسفة والمتخصصون في كل شيء ! نعم : متخصصون في مل شيء ، في الطب النفسي والإجتماعي ، في الدين والفقه ، في علم النفس والإجتماع ، في كل شيء ، وبدأ الجميع يطرح أسئلته ويجيب عليها ، هل ما فعله نادر صواب أم خطأ ؟ هل ما فعله له مبرر أم لا ؟ ، بالإضافة إلى جدلية “الحلال والحرام”؟ وهل المنتحر كافر ولا مذنب ؟ وهل سيدخل النار أم سيغفر الله له؟ ، وعلى الجانب الآخر من فوضى التعليقات وإبداء الآراء وإطلاق الأحكام السريعة والعشوائية والغير أخلاقية ، غير مدركين بالتأثير السلبي التي تسببها مشاهدة مقاطع الانتحار، وكيف أنها تدفع بعض الشباب الذين يعانون من درجة الاكتئاب نفسها أو ربما يعانون من بعض الإحباط الذي عانى منه المنتحِر وما دفعه إلى الإقدام على الانتحار باعتباره الحل السريع والخلاص مما هو فيه من ضغوطات وألام ، وبعد انتشار فيديو انتحار فيديو طالب الهندسة ، وفي خلال 48 ساعة “انتحر شاب عشريني تحت عجلات المترو”، وشاب يلقي بنفسه في ترعة الابراهيمية بأسيوط ،”وبعده ممرضة تنتحر داخل مستشفى حكومي بتعاطي حبات سامة”
أربعة أخبار تعاقبت على مدار الأيام القليلة الماضية، أثار أولها تعاطفاً على نطاق واسع في المجتمع المصري، وفجر جدلاً دينياً انحسر في معظمه بين الترهيب والتكفير ونفي الكفر عن المنتحر من دون إعفائه من “ذنب” إنهاء حياته ..
نتسائل هنا كالعادة :
هل يغفل الحمقي والبلهاء وأصحاب العته والجهل من رواد التواصل الاجتماعي بأن التعاطف مع المنتحر وتبرير انتحاره يزيد من رغبة “الراغب في الانتحار” أو الذي يفكر في الانتحار في الإقدام عليه ، لأنه في موقف صعب وحراك نفسي مؤلم وصراع داخلي قاسي ، وحاجته الأساسية هي التعاطف معه ، وايجاد اي مبرر يبيح له ما يفكر فيه ، وبدلا من التقرب منه ،والاستماع له ولمطالبه ، ومحاولة تهدأته وتذكيره بالله وبالايمان بقدر الله ، وحثه على الصبر ، نكون نحن عونا له مع ابليس الرجيم في القدوم على تنفيذ فعلته النكراء .
الأمر الثاني : أين الاعلام الاكاديمي الهادف ؟ وأين مبادئه الأخلاقية في نقل أحداث الانتحار؟ بطريقة لا تزيد الأمر سوءا أو تضاعف عدد الضحايا، وأين دوره في استضافة علماء الدين وأصحاب التخصص من علماء النفس والاجتماع واعداد برامج لتوعية الناس بخطورة الانتحار وطرح الأسباب والعمل على ايجاد الحلول للقضاء عليه أو الحد منه ..
الإنتحار : مأساة إنسانية وجريمة دينية نكراء ، تدق ناقوس الخطر على مستقبل المجتمعات ، فقتل النفس جريمة شنعاء ، جرمتها الأديان ، وشددت عليه الشريعة الإسلامية ، وتوعدت لفاعله بأشد العذاب ، فلم يأتى وعيد في كتاب الله أشد من قتل النفس والشرك بالله ، لأن قتل النفس هو يأس وقنوط من رحمة الله التى وسعت كل شيء ” إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” وقتل النفس لم يأتي تبرير له في كتاب الله قط مهما اشتدت الظروف والصعاب والالام على الانسان ، لأنه يؤمن برحمة الله الواسعة التى وسعت كل شيء ، وجاءت الأيات القرآنية والأحاديث النبوية محرمة لهذا الفعل واعتبرتها كبيرة من الكبائر ، فمهما وصلت الشدة على الإنسان في الدنيا فهى أهون من عذاب الأخرة ، فلو فكر المنتحر قبل انتحاره قليلا ، وسأل نفسه .. كيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة ولابد لها من نهاية ، سواء بتفريج الضيق والشدة وتغير الأحوال ، أو حتى بالنهاية الحتمية للإنسان في الدنيا بالموت الطبيعي ، إلى عذاب دائم لانهاية له ، ولا فرار منه ، فالله تعالى يقول ” ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ”
خلاصة القول :، الإنتحار هو عمل مأساوي يقوم به إنسان فقد كل أمل في الحياة ، وفشل في حل مشكلاته المختلفة ، بل فقد القدرة على التواصل مع أفراد المجتمع ، وهذه المسؤولية لا تتحملها المؤسسات الإعلامية أو مؤسسات الدولة فقط، انما مسئولية مجتمعية كاملة ، والجميع لابد وأن يتكاتف من أجل القضاء على هذا الخلل المجتمعي ، بدا من الأسرة ، مرورا بالمدرسة والجامعة ، وبتدخل دور العبادة من المساجد والكنائس ورجال الدين ، والاعلام ، وعلى الدولة مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وايجاد تشريعات وقوانين تحد أو تمنع نشر مثل هذه الفيديوهات التي تكدر الرأي العام وتصيب المواطن بالاحباط ..
وأختم مقالي برسالتي الى رواد مواقع التواصل الاجتماعي وأسألهم ” اليس منكم رجل رشيد ”
” أليس منكم رجل رشيد ”
جملة قرآنية ، جاءت في الحوار بين لوط عليه السلام وقومه العصاة ،وهو يحاول هدايتهم وعودتهم الى طريق الله المستقيم ، وضرورة تركهم للمعاصي والفواحش ، وكلمة رشيد ، كلمة جامعة المعنى وتاتى فى مواضع اعرابة مختلفة فى الجملة العربية منها الاسم واسم المصدر والفعل…..
وتدل من ضمن معانيها ، الرجوع إلى الصواب ، ورجل رشيد أي رجل واعي التصرف، ناضج الفكر، حكيم القرار، يهتدى إلى سبيل الحق وفعل الجميل، والكف عن السوء ومتعقل وصاحب مقدرة كاملة على ادراك الأمور .
أننا فى اشد الحاجة الى هذا الرجل الرشيد فى كل مكان ، على مواقع التواصل ، في الاعلام ، في البيت ، في المدرسة ، رجل رشيد يحمل الحكمة والموعظة الحسنة فى كل مجال ولا ينتظر الأجر الا من الله
اليس منكم هذا الرجل ……………..