تأملات نقدية..يكتبها الناقد العراقى  جليل شبر .. قصيدة (نص للبيع ) للشاعر العراقي المبدع محمد العبودي..

يمتلك شاعرنا مقومات الشعر الأساسية من خيال وعاطفة صادقة ..نجاحه بدأ بالعنوان فهو أراد أن يثير ذهن المتلقي وشده إلى القادم من العبارات ..

فبدأ قصيدته بعرض وجعل فيه ثمنا وهو نصف دينار….. اي إبداع هذا الذي يجعل القلم السيال يطرز اروع

الكلمات فيقول: مهذب… منقح ..

وبانتقالة ذكية تضفي جانبا حسيا من خلال أسلوب النفي الصريح ….ليس له أضرار …هذا الأسلوب فيه نقض وإنكار للاثبات مزجه الشاعر بمسحة ذات طابع قصصي فيرسم لنا وبدقة متناهية

قصة بيت كاد أن ينهار …هذا الخيال الراقي جعل الصور الشعرية تتركب مع بعضها …..فيصل بنا إلى داخل البيت حيث رسم صورة الأسرة التي تسكن الدار فكانت لديه التفاتة جميلة إذ حاول أن يضفي الصفات الحميدة على ممدوحه فجعله مثالا للكرم الاصيل وقد حباه الله دون غيره إذ جعله منارا للدنيا وهذا وصف رائع مزج فيه شاعرنا العبودي المديح بالفخر…..

تتوالى الصور الرائعة لهذا البيت الذي تميز بالالفة والمحبة وبقفزة شعرية جميلة تدل على إمكانية الشاعر  فيقول:   ان لغات ساكنيه  كشجر إذ شبه أصواتهم بحركة الشجر عندما تهب الريح فبعث الحياة في صوره الشعرية والحسية. .. هذا التشبيه البلاغي جسده من خلال أركان التشبيه الثلاث المشبه وأداة التشبيه والمشبه به…

وجدت في قصيدة العبودي تأثرا واضحا بالألفاظ القرآنية وكذلك الصور القرآنية. .. مختلف الوانها..

ان دل على شيء فهو تأثر الشاعر بالقرآن الكريم كونه مصدر المفردات الرصينة ومعين للشعراء الذين أرادوا إحياء التراث العربي والأدبي والشعري. …وهو دليل على ايمان الشاعر بعظمة الخالق..

التناغم الموسيقي في كلماته الرائعة جعلني اقف أمام وصلات موسيقية

حيث التناغم الجميل بين اللفظ والمعنى …وهذا يشعر القارئ بجمال الروح التي يملكها الشاعرفهوشاعر  الق وجمال أنيق اللفظ بارع في اختيار الصور الشعرية. .العبودي يمتلك حسا وطنيا عاليا …عرب ..

كرد ..مسيح ..ايزيدي..

كلهم شركاء في وطن ليس ككل الأوطان. .هذه الروح السامية حدت بي ان اقول فيه. .انه شاعر وطن فهو لم يفصل احدا في الانتماء الروحي فالكل بمثابة الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى..هنا أراد الشاعر من خلال هذه الروح الوطنية الوثابة ان يبث الهمم في نفس أبناء وطنه الجريح ويحذرهم من اولئك المرتزقة الذين يبيعون هذا التراب الغالي بثمن بخس..وهنا وجد الشاعر ضالته. .مااروعك! وما احلاك ! وانت تسطر هذه الملحمة الرائعة وابطالها ابناء العراق التاريخ والحضارة. .

شاعرنا محمد العبودي يملك الكلمة المعبرة الشجاعة..التي تخترق الآفاق فكانت كلماته  رصاصات في جسد كل من تسول له نفسه ان يتاجر بأرض الوطن..

من خلال قراءتي المتواضعة وجدت الشاعر في مرحلة من قصيدته كأنه مخرج لنص مسرحي حيث يقول..مزقوا نصف جسد والنصف الاخرمنهار..وسيق المرتزقةعلينا اشرار اشرار..

يمتلك شاعرنا قفزات شعرية وانتقالات من اجل اثارة المتلقي فبعد الإثارة الأولى من خلال العنوان أراد ان يستفز المتلقي من خلال التكرار …من يشتري نصا بدينار. .

الزمان والمكان في نصه الشعري كان حاضرا من خلال الأسلوب التقريري .ويحكي الاما فتقسوا عليه الأقدار..وعيونا فاضت مدرارا..

السجع القريب من قافيته الرائية

أعطت طعما ونكهة في انسياب ابيات القصيدة انسيابا هادئا..فيمزج الطلب بصيغة القسم ..تعال بالله عليك ..

يحط بنا المقام في صورة بلاغية قريبة من التضاد والمتضادات. .

لنرمي السلاح ونحمل الأزهار ونحب الشمس وضوء النهار..هذا الترتيب الصوري يشد القارئ لمتابعة التلاحق الصوري الذي مهد له الشاعر كي يصل الختام ..وقد غلفه بالاناقة  اللفظية. .فيدعونا لنعود أطفالا نبتسم للحياة هذا الاتجاه التفاؤلي جعله سبيلا للانتصار على الذات ..

فهي دعوة إلى نبذ اليأس وبناء النفس الطامحةللمجد والالق..لا ..لا للاحتضار  ..لقد أجاد شاعرنا العبودي فتالق في سماء الابداع الشعري تحية لك ولكلماتك الجميلة

..النص هو: نَصٌّ لِلْبيع….! للشاعر محمد العبودي

مَنْ يَشتري نَصًّا بِدينَار..؟

مُهَذْبٌ مُنَقْحٌ لَيسَ فِيهِ أضْرَار

يَحكي قِصةَ بَيتٍ گادَ أنْ يَنْهَار

فِيهِ إسْرَةٌ تجتمعُ لَديّها الكِبَار

يُكرِمُونَ ويُطْعِمونَ الصِّغَار

بَيتٌ كرّمَهُ اللهُ فصَارَ لِلْدُنيا مَنَار

هُوَ ذا بيتي وَبَيْتُ الجَّار

إلفةٌ ومَحَبْةٌ وَوِدٌ وإفْتِخَار

لُغاتُ سَاكنيهِ كشجرٍ وثِمَار

مُختلفةٌ الوانُها وطعمُها إليهِ يُشَار

عُرْبٌ كُرْدٌ مَسيحٌ أيزيديٌ كُلُّهُمُ أخيار

هؤلاءِ هُمْ سَاكنيه مُنذُ الإسْفَار

حتى مُدَّتْ يَدُ الجُبنِ الغَدَّار

وزَحفَتْ عَليهِ أقدَامُ الكُفَّار

وحاكَتْ وأخرجَت أدوارًا وأدوار

وَسِيقَ المُرتَزِقَةُ عَلينَا أشْرَارٌ وأشْرَار

مَزقُوا نُصْفَ جَسَدٍ والنُّصفَ الآخرَ مِنْهار،

مَنْ يَشتري نَصًّا بِدينار..؟

يَحكي الآمًا وَهمومًا وَدَمَار

وَأحوالًا تقسو عليها الأقدَار

وَعيونًا فاضَت أدْمُعُها مِدْرَار

وَقُلوبًا كسيرَةً مُحطمةً إنحسَار

أيُّهَا الحظُ تعالَ ولا تختبئ خَلْفَ سِتَار

تعالَ باللهِ عَليكَ فَقَدْ سَئِمْنَا الإنتظار

تعالَ خُذْ بإيدينا خُذْنَا نحوَ الحِوار

عَلّنَا نَرمِي سِلاحًا لِنحمِلَ أزهار

وَنُحِبُ الشّمْسَ وضوءَ النَّهَار

وَنعودُ كَمَا كُنّا أطفالًا صِغَار

نبتَسِمُ لِلْجمَالِ وَنَنْبِذُ الأشرَار

تعالَ أيُّها الحظُ وَأملأ الدُنيا أشعار

لِنحتفيَ جميعُنَا ونُعلِنُ الإنتصَار

على الذاتِ على العدوِ على الأقدار

ونَقولُ بِصوتٍ عالٍ لا لا للإحتضار

مَنْ يَشْتَري نَصًا مُهَذْبًا مُنَقحًا مُختار.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.