سعد الساعدي يكتب عن :عيونٌ ترسمُنا..

عيونٌ راصدةٌ تلاحقنا أينما ذهبنا ، هكذا كان يروي الأبُ لأطفاله ، و أخرى نراها بأمِّ أعيننا جفّت من الماء ، بعضُهم قرّتْ عينُه لما أصابنا من قحطٍ وعطشٍ ، ومهما أقرَّ اللهُ به عينَاً علينا من خيرٍ ؛ ظهرت وحوشٌ مع كلِّ زمنٍ مقيتٍ لتصيبنا عيونُهم بلا ألمٍ أو حسرةٍ لما نحن فيه ؛ نجوعُ ، ونمرضُ ولا من أحدٍ يقول ما بهؤلاء القومِ !
جاءَ غريبٌ ذاتَ مرةٍ بعينهِ ، أضاف الأبُ راوياً :
أدّى الينا الثّمنَ بالعينِ ، لكنه سرقَهُ بعد حينٍ بطرفةِ عينٍ . واحدٌ منّا كانت له عينٌ نافذة ، طالما روى لنا حكاياتِ الحكمةِ والموعظةِ ، لكنه أصبحَ أثراً بعدَ عينٍ حين ملأ عينَهُ احتراماً ، وترك بصمته الجميلة التي لم نعرفها إلاّ بعد فواتِ الأوانِ ، فسقطنا من أعينِ الغرباءِ الذين أرادوا بيعَ هوائنا الذي نتنفس ؛ فمنعهم اللهّ بقدرته العجيبة ، وعمداً على عينٍ ، تركونا نتكلمُ بأعلى أصواتنا ، وهم لاهثونَ بالبحثِ عن (عينِ الجملِ ) طعاماً لهم مع موائدهِم المترفةِ بكلِّ ألوانِ الأطعمةِ ، وأعذبَ ما نضحتهُ عيونُ الماءِ .
فرضُ عينٍ كان على الكثيرين طاعتهم ؛ حتى وإنْ اُمروا بالدخول من عينِ ابرةٍ ، والخروجِ بعيونٍ مفقوءةٍ ؛ لا فرق في ذلك إنْ أبصرت العيونُ أو بقيت على عماها صامتة .. كلُّ قصائدِ عيونِ الشّعرِ لم تنفعْ بعد انقطاعِ المطرِ ، وحين هطلَ بغزارةٍ ؛ غرقت بيوتُ المعدمينَ وأصبحت عيناً بعدَ أثرٍ ، كأنَّ زلزالاً أصبها ، أو هو بالفعل كذلك !
جُمِعتْ محاصيلُ الأرضِ ، وعناقيدُ الأشجارِ ، وعرائسُ الأنهرِ الغافيةِ عند شواطئ عشقها ، وبيعت في مزادٍ علنيٍّ عيناً بعينٍ ، وقُبضتْ أثمانُها ثم اُودعِتْ حيثُ مأوى النفائسِ المجهولِ وأسرارها غير المعلنة !
صدرَ أمرٌ بتعيينِ عينٍ قيّم ٍ عليها يحرسها ، هو بعينه يحتفظُ بأوراقٍ مسجّلة فيها أسماء اللصوصِ ، وقطّاع الطرقِ ، ووحوش الأرضِ ، وأصبحَ والياً بموجبِ توصيةٍ ملكيةٍ كي يوزعَ الأرقامَ السريّة على أصحابِها المارقينَ مع عيونهم الواقفة التي تنتظرُ توزيعَ الغنائمِ كل يومٍ.
حاولَ الأبُ أن ينهي ما يروي لأطفاله بعد أن احترقت معدتُه من ويلاتِ ما تذكّرَ ، حيثُ لا دواء يشفي ، ولا جرعة مسكنٍ لألم ٍ ، وحين سأله أحدُهم عن الصالحين أجاب وانهى الحكاية :
أمّا اعيانُ أهل الأرضِ فقد لبسوا فاقتهم ، وأغلقوا محاريبَ صلواتهم ، وابتهلوا بصوتٍ خافتٍ أنْ يذهبَ كبيرُهم الذي أعطوه لقبَ ( عينِ أهله ) الى حتفه السّقيم لأنه لم يحفظ الأمانةَ وأعان الذئابَ على افتراسِ أحلامهم وأمانيهم ..!

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.