حلم جريء.. قصيدة للشاعر : زيد الطهراوي

حين تشتاق الى بحر يلم الشمل

تكون قد بدأت بارتداء ميراث السنين

لتكون وحدك في البحر

كسفينة طيبة القلب

تجهل عمق المتاهات

أو كغواص محترف

…………..

حين تطوف وحدك في حلم كوكبي

و لكنه حلم جريء

يصاحب الطيور المهاجرة

تكون قد بدأت باقتحام النفس

و ارتقاء السكينة

فأنت في هذه الحياة وحدك

طائر .. بري يفرش جناحيه أنت

و أنت نفس الموج الذي قررت أن تلقاه

الناقد أحمد المالح يكتب عن : بالحق أقول.

أولا: وأنابالطبع لا أستطيع الابتعاد عن السياسة فهي في الوريد لي ككاتب ومحلل سياسي وأتحدث في كلمتي اليومية ببيتي والصجيفة العملاقة المحببة لقلبي “الزمان المصري” أتحدث بإيجاز عن المشهد الليبي السياسي المرتبك جاليا وبه أجندات مختلفة وفرقاء وعشرات الميليشيات كل ما أتمناه أن ينعم عليهم الله بنعمة الإتفاق والوحدة والتجمع والعودة بليبيا إلي دولة واحدة حتي لايتحسر الليبيي علي ما مضي وفات بعد ما يفوت الأوان علي رأي المطربة الراحلة فايزة أحمد٠اللهم أتم نعمة الأمن والأمان علي ليبيا وسائر البلاد العربية والإسلامية.

ثانيا :المدعو كارتيزون المدير الفني للأهلي بتاع كفتة كفتجي ومشيت معاه بالبركة والكابتن محمد يوسف ديكتاتور هاي هتلر واللي بيحطه في دماعه بيبطله كورة وعلي رأي الصديق الرفيق محمود معروف بيطلع العفاريت الزرق علي جتته وإسألوا ناصر ماهر ومؤمن زكريا ٠فينك يابيبو ترحمنا منهم ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم٠

الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن:سياجُ الوطنِ جاهزيةُ المقاومةِ ويقظةُ الشعبِ

 

العملية العسكرية التي جرت أحداثها في بلدة خزاعة شرق مدينة خانيونس بقطاع غزة، والتي أدت إلى استشهاد سبعة مقاومين، من بينهم القائد الميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام نور الدين بركة، ومقتل ضابطٍ إسرائيلي رفيع المستوي سري المهمات خطير العمليات برتبة مقدم، وإصابة آخر من أعضاء فريقه الخاص بجراحٍ وصفت بأنها خطيرة.

أدى انكشاف العملية إلى فشلها، وربما تعطيل برنامجها ووقف نشاطها، فضلاً عما ألحقه مقتل قائد العملية من حزنٍ وأسى لدى القيادة الإسرائيلية على مختلف المستويات القيادية، كونهم يعرفون أهمية هذا الضابط، وأدواره الأمنية الكثيرة والخطيرة خلف خطوط النار، حيث قالت عنه رئيسة الحكومة الإسرائيلية الأسبق تسيفني ليفني “إن إسرائيل مدينةٌ له”، ولعل التعتيم الشديد على مراسم الدفن والجنازة، والامتناع عن نشر تفاصيل شخصية متعلقة به، تدل على قيمة الضابط وأهميته، ومدى الحسرة التي لحقت بفريقه الخاص ووحدة النخبة التي ينتمي إليها، والإحباط العام الذي كسا وجوه قادة أركان حرب العدو ورئيس حكومتهم الذي قطع زيارته إلى باريس وعاد على عجلٍ إلى فلسطين المحتلة.

إلا أن العملية إلى جانب نجاحها والنتائج الإيجابية التي حققتها، والتي رفعت من الروح المعنوية للمقاومة والشعب، فقد كشفت عن جوانب مهمة خاصة بالمقاومة الفلسطينية، غير تلك المتعلقة بالقدرة والكفاءة، والخبرة والدراية، والقوة والمهارة، فهذه المزايا بات يعترف بها العدو ويعاني منها، إذ ذاق مرارتها، وأدرك قدرتها، وأخذ يشعر عندما تقاتله أنه يواجه جنوداً نظاميين، أصحاب خبرة وكفاءة، وعلى درجة عاليةٍ من التدريب والتأهيل، يعرفون الميدان، ويبدعون في الحركة فيه والتعامل معه.

معلومٌ أن العملية التي فشل العدو في تنفيذها كانت سريةً جداً، ولم يكشف النقاب عنها، وقد أخذ الفريق المكلف والجهات المشرفة كافة الاحتياطات المطلوبة للحفاظ على سرية العملية وضمان نجاح المهمة، فاستخدموا سيارةً تحمل لوحات سير غزة، ولم يظهر عليها أنها سيارة عسكرية، أو ذات مهامٍ أمنيةٍ، ولم تواكبها قوات عسكرية، ولم تحلق في سماء المنطقة طائراتُ استطلاعٍ ذاتية أو هيلوكبتر، وحرص ضابط المجموعة على أن تتحرك السيارة بصورة عادية في شوارع المنطقة، فلا تلفت الأنظار، ولا يصدر عنها ما يثير انتباه الرصد أو السكان، فضلاً عن أن الأجواء السياسية التي سادت ليلة العملية كانت مطمئنة، حيث طغت أجواء التهدئة في المنطقة على كلمات رئيس حكومة العدو نتنياهو ووزير حربه ليبرمان.

رغم هذه السرية التامة، والحذر الشديد، والاحتياطات الكبيرة، إلا أن المواطنين الفلسطينيين في المنطقة قد انتبهوا إلى السيارة، وأثار فضولَهم مكوثُها لدقائق وإن كانت معدودة بالقرب من بيت أحد قادة المقاومة الميدانيين، فواصل بعضهم مراقبتها، ولم تغب وركابها عن عيونهم، في الوقت الذي أسرع آخرون لتبليغ رصد المقاومة، الذين ينتشرون في كل مكانٍ، وينتبهون لكل شيءٍ، ولا يهملون أي ملاحظة، ويلاحقون كل غريبٍ، ويرصدون كل مشتبهٍ به، ولكنهم يعتمدون إلى جانب قدراتهم وخبراتهم، على الشعب الذي نما حسه الأمني، وبات حساساً إلى درجةٍ كبيرةٍ لكل ما هو غريب ومشبوه، حيث تثيرهم الوجوه الغريبة والسيارات المجهولة، والمكوث المريب في أماكن حساسة، والحركة المضطربة واللافتة للانتباه.

عملية خانيونس كشفت عن هذا الجانب المهم من اليقظة الشعبية، والحس الأمني المرهف لدى المواطنين، الأمر الذي يجعل من الشعب كله عيوناً مفتوحةً، وأجهزة رصدٍ يقظة، ومقاومين إيجابيين يحمون ظهور المرابطين، ويقفون إلى جانب المقاتلين، يحرسون بيوتهم، ويحفظون أسرارهم، ويحمون مواقعهم، ويداهمون قبل وصول القوى المختصة الأماكن المشبوهة، ويقيدون حركة المشتبه بهم وقد يعتقلونهم ويسلمونهم إلى الأجهزة المختصة، وهم يقومون بهذه المهام من تلقاء أنفسهم، دون توجيهٍ من قيادة، أو أملاً في مكافئةٍ وجائزة، أو بحثاً عن عملٍ أو وظيفة، وإنما يعتبرون ما يقومون به رصدٍ ومراقبة، مساهمة في أعمال المقاومة، ورسالةً إلى العدو معلنة ومفتوحة، أننا مع المقاومة نؤيدها ونساندها، ونعمل معها وإلى جانبها، ونسهر من أجلها، ونفتح عيوننا وتصغي آذاننا حمايةً لها وحرصاً عليها.

أما الجانب الآخر الهام الذي كشفت عنه عملية خانيونس الأمنية الإسرائيلية الفاشلة، فهو جاهزية المقاومة واستعداد رجالها، وانتشارها الواسع والكبير، وحضورها اللافت في كل مكانٍ، فهم لا ينشغلون بالرباط على الحدود، أو السهر على الثغور، ولا يراقبون الحدود ويرصدون الأسلاك الشائكة فقط، ولا ينشغلون بالتدريب في المعسكرات.

إنما إلى جانب ذلك يجوبون الشوارع والطرق، ويتواجدون في البلدات والمدن، يلبسون زيهم العسكري، ويحملون سلاحهم ويتأهبون لكل مفاجئة، ويرتبطون بوحداتهم ويتواصلون بسرعة مع مراكزهم، الأمر الذي مكنهم من سرعة الوصول إلى السيارة والتعامل الفاعل معها، والنجاح في استهداف قائدها ومن معه، ولولا الطائرات التي حضرت، وأسورة النيران التي فرضت، لما تمكن بقية الفريق الإسرائيلي من السلامة بنفسه والنجاة بحياته، إذ أمَّن طيران العدو لهم بكثافةٍ ناريةٍ وعلى مستوى منخفضٍ جداً، الطريق لتجاوز الحدود والعودة إلى الجانب الآخر.

عملية خانيونس بها نفخر ونعتز، ونتيه بها ونزهو، أننا كنا معاً جنباً إلى جنبٍ، شعباً ومقاومة، مواطنين ومقاتلين، نخوض جميعاً غمار حربٍ معلنةٍ وسريةٍ مع العدو، بالعين والأذن، وبالبندقية والحجر، وبالإرادة الصادقة والسلاح والفتاك، لتكون للعدو رسالةً صريحةً مدويةً، أن هذه العملية هي مثال الحرب ونموذج القتال القادم، التي إن فكر بها وغامر، فإن بعضاً من جنوده لن يعودوا، والكثير من قادته سيحاسبون وسيقالون أو يستقيلون، إذ سيهزمون أمام الثنائية الذهبية، الشعب والمقاومة، والتي نأمل أن تكون ثلاثية ذهبية عظيمةً، الشعب والسلطة والمقاومة، وماسيةً أعظم عندما تكون الأمة العربية والإسلامية هي رابعتها الحاضنة الدافئة، والراعية الصادقة، والسند الحقيقي والعمق الطبيعي، ويومئذٍ نفرح جميعاً بنصر الله.

بيروت في 14/11/2018

الدكتور عادل عامر يكتب عن :نهج الاعتدال وتنميته

يعد الاعتدال والوسطية في كل الأمور من أهم مزايا المنهج الإسلامي، فأمة الإسلام أمة الاعتدال والوسط والصراط المستقيم بمعنى أنها تستغل جميع طاقاتها وجهودها في البناء والعمران المادي والتربوي والعلمي والثقافي من غير إفراط ولا تفريط، فهي تحقق التوازن بين الفرد والجماعة، وبين الدين والدنيا وبين العقل والقوة وبين المثالية والواقعية وبين الروحانية والمادية وغيرها.   لذا فإن المجتمعات بكافة مؤسساتها مسئولة عن مكافحة الإرهاب والتطرف في الدين والتصدي له، فبقدر ما يقع على المؤسسات الأمنية من التزامات فإن المؤسسات الفكرية، والعلمية، والإعلامية، والتربوية، مسئولة مسئولية كبرى عن بناء المفاهيم الصحيحة، ويبين الحلول والتدابير المناسبة لمواجهتها ومحاصرتها، ومعالجة آثارها في المجتمع.

وفي إطار الاهتمام بموضوع منهج الاعتدال في الدين ونبذ التطرف والعنف يأتي موقف الإسلام من الإرهاب والعنف ونبذ التطرف بكافة أشكاله، وإحياء المنهج الوسطي في فهم الإسلام وممارسته، وتعزيز التعايش السلمي بين أبناء المجتمع على اختلاف مذاهبهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية، وإيجاد الفرد الصالح النافع لنفسه وقومه وبلده وأمته.

أن الغلو في الدين تطرفٌ حرّف معاني النصوص، محاولاً فتنة الناس والتضييق عليهم وتصنيف مجتمعهم الواحد، ومواجهة كل تحضر وتنمية ليقف ضد يُسر الشريعة وسماحتها، ويَحِدّ من سعتها وعالميتها، أما الانحلال فهو انسلاخ في مقابل توهّم أن الاعتدال يسمح بتمرير التساهل في ثابت الدين وراسخ أخلاقه وقيمه»

الوسطية: فكر ومنهج وقيمة ومبدأ أصيل في الإسلام تؤطره مجموعة من النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، وهي قيمة جامعة لقيم: العدل والخيرية والرفعة والمكانة العظيم والحُسن والفَضل والاستقامة، وهي البوصلة التي تحدد تجاه الفعل الإنساني وتسدد الفكر والسلوك والمواقف وهي كما قال محمد عمارة: “الحق بين باطلين والعدل بين ظلمين والاعتدال بين تطرفين والموقف العادل الجامع لأطراف الحق والعدل والاعتدال الرافض للغلو إفراطا وتفريطا

لأن الغلو هو انحياز الغلاة إلى أحد قطبي الظاهرة ووقوف عند إحدى كفتي الميزان يفتقر إلى توسط الوسطية الإسلامية الجامعة إذ تصدر هذه الرؤية الفكرية من المرجعية العليا للإسلام التي نص عليها الدستور الذي جاء “تعبيرا عن تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتّسمة بالتفتّح والاعتدال”

فإنها تتفاعل في تنزيل ذلك مع واقع البلاد إن المجتمعات الناهضة والقوية في عالم اليوم هي التي تعمل وتتسابق في الكد وبذل الجهد ويحظى العمل فيها بمكانة خاصة ومقدسة وعلى أساسه يتحدد مستوى الإنسان المعيشي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

 والعمل في التصور الإسلامي قيمة ذاتية تحتلّ درجة عليا في سلّم العبادات، وتعدّ معيارا للتفاضل بين الأفراد، فعلى قدر عمل الإنسان وجهده وبلائه واتساع دائرة نشاطه يكون نفعه وجزاؤه، فالعمل هو العنصر الفعال في طرق الكسب؛ ولذلك فهو بالتعبير الخلدوني «قيمة الأعمال البشرية»،

 وهو الدعامة الأساسية للإنتاج ومصدر أساسّي من مصادر الملكية والانتفاع، وهو السبيل لتقدم الأمم ورقيها وتحقيق نهضتها، ويعد من أوكد الواجبات على الفرد والمجتمع، ولكنه بالمقابل حق مشروع لكل إنسان قادر عليه، ويعتبر توفير المناخ الملائم والفرص المتكافئة لذلك من مسؤولية المجتمع والدولة في آن واحد. العــدل

قيمة أساسية ومقصد من مقاصد الإسلام العليا﴿ إن الله يأمر بالعدل ﴾(النحل: 16/90) تتجه إليها كل القيم الأخرى لكونها وسطى بين الإفراط والتفريط والسبيل الأمثل للقضاء على الفساد وتحقيق القسط والإنصاف والمساواة وهو أيضا المعيار الذي تقاس به كل المواقف والسلوكيات، وهو عامل رئيسي لاستقرار المجتمعات فضلا عن كونه حافزا إلى العمل والإنتاج

 ومصدرا لنماء الثروة ومقياسا لنهضة الأمم والحضارات كما سطر ذلك العلامة ابن خلدون بقوله “العدل أساس العمران ” و “الظلم مؤذن بخراب العمران”

وبالتالي فإنه من المطلوب الحرص على تحقيق هذه القيمة والالتزام بها في كل الأحوال والمجالات: في القضاء بين الناس بالحقّ وفي توزيع ثروات البلاد وفي إتاحة الفرص للجميع وفي توفير مناخات العمل بالتساوي وإزالة البطالة وفي إدارة العلاقات الاجتماعية وغيرها.

التسامح فضيلة أخلاقية وضرورة مجتمعية وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها تعني قبول الاختلاف مع الآخرين والسماح بالتعددية الثقافية والسياسية والدينية والرضا بحكم القانون ورفض الدغمائية والاستبداد والتسلط. إن عالمنا اليوم بأمس الحاجة إلى هذه القيمة العظيمة التي دعت إليها كل الشرائع السماوية

وأصبحت ركيزة أساسية لحقوق الإنسان والديمقراطية لما لها من دور وأهمية في تحقيق الوحدة والتضامن والتعايش السلمي والتماسك الاجتماعي. وحركة النهضة تحرص كل الحرص على تعميم كل ذلك وغرسه في المجتمع وتوفير الأطر القانونية بما يعزز من دعمه في البرامج التربوية والإعلامية والتثقيفية وتكريسه في الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي والديني حتى تصبح هذه القيمة سارية في النسيج الاجتماعي العام.

يعد مبدأ التكافل قيمة إنسانية وإسلامية متميزة ونظام أخلاقي واجتماعي فريد يقوم على التعاون والتراحم والتآزر والإيثار وبناء العلاقات الاجتماعية والمعاملات المالية والاقتصادية في ضوء هذه المبادئ التي تهدف إلى التقليص من الفوارق والخصاصة والفقر وضمان مستوى معيشي لائق للشرائح الاجتماعية الضعيفة يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم.

وقد دعت جميع الشرائع السماوية إلى ترسيخ هذا المبدأ في المجْتمع وحث الإنسان على التضامن مع أخيه الإنسان كما أكدت عليه النظم والقوانين الوضعية، ولكن الإسلام تميز بإعلائه واعتباره فريضة شرعية واجبة على كل القادرين ولا سيما الموسرون حتى يقدموا على الإنفاق ومساعدة المعوزين والضعفاء والمرضى والأيتام وكبار السن والعاجزين عن الكسب بشكل عام.

لذلك يجب أن يكون مبدأ التكافل الاجتماعي والتضامن الوطني مبدأ موجها لكل الاختيارات والبرامج والمعالجات التي تهدف إلى تحقيق السلم الاجتماعي والأمن الاقتصادي، وأن تهيئ الدولة الظروف الملائمة لإيجاد نظام اجتماعي تكافلي

هي ترسيخ نهج الاعتدال والتماس الصواب في التوجهات والاختيارات في جميع جوانب الحياة المادية والروحية بما يضمن التوازن والتكامل، وهي ليست موقفا بين طرفين متناقضين أي بين التشدد والانحلال، بل هي اعتدال بين تطرفين وعدل بين ظلمين وفوق كل ذلك هي منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي يجتنب الإفراط والتفريط والغلو والتقصير والتساهل والتشدد ويتوخى التيسير لا التعسير والرفق لا العنف والتبشير لا التنفير، وسطية تلتزم بفهم الواقع قبل تنزيل الحكم، وتعتبر المآلات والمقاصد، وتؤمن بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وسطية تجمع بين عناصر الحق والعدل وبين العقل والنقل، وبين الإيمان بالغيب والإيمان بالشهادة وتلائم بين الأصالة والمعاصرة وتحرص على الجوهر قبل الشكل وعلى فهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية والتمسك بالمبادئ مع المرونة في الوسائل.

 إنها المنظار أو العدسة اللامعة للرؤية بدونها لا يمكن إبصار الحقيقة وتبين الصواب﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾(البقرة: 2/143).

كل حركة تحمل مشروعا إصلاحيا بأبعاده المختلفة يجب أن تولي لقيمة الإصلاح مكانتها المطلوبة في بنيتها المعرفية وأرضيتها الفكرية، هذه القيمة التي أضحت اليوم بحكم استشراء الفساد وتعطل النهوض ضرورة حياتية ورسالة وطنية وفريضة شرعية لها أهمية كبيرة في حفظ مسيرة المجتمع وصيانة منطلقاته وثوابته وأهدافه،

 ويجب أن تكون هذه القيمة منهجا شاملا حقيقيا وأصيلا في مختلف المجالات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والتربوية والتعليمية ولا يكون منهجا مجزوءا ولا نخبويا ولا مستوردا ولا مفروضاً من الخارج، متفاعلا مع التجربة الإنسانية في مختلف المجالات، “فالحكمة ضالة المؤمن”(اخرجه الترمذي وابن ماجة).﴿ ان الله لا يُغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهِم ﴾(الرعد:13/11) ومبتغاها وإرادتها الإصلاح﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾(هود:11/88).

الدكتور عادل عامر يكتب عن : الاغتراب الديني والإرهاب

إن عمق الانتماء للإسلام هو ما يعطي المجتمع الإسلامي قيمته،  ويحفظ عليه تماسكه،  ويجعل الفرد إنساناً ذا قيمة ولحياته معنًى وهدفًا وغايةً. وحين تتضارب القيم السائدة في الواقع المعاصر مع القيم والعقيدة الإسلامية،  يحدث الاغتراب ما يولّد الصراع في حياة المسلم،  وبمقدار وعيالإنسان وجهوده المبذولة في ساحة ذلك الصراع تتفاوت مواقفه وتأثره وكيفية تفاعله معها. فبينما يضطرب البعض،  يفقد البعض الآخر الثقة، فهم ما بين متشدد ومفرّط، وبين هؤلاء وأولئك ترى فئة تصحح المنهج، وتؤدي رسالتها.

ومن هنا يمكن فهم معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء»،  قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس».  وفي الواقع المعاصر الذي تكثر فيه الفتن، وتسود قيم الباطل والظلم والعدوان والاستكبار وعدم الاعتراف بالآخر، يشعر المسلم بالغربة والنفور من واقع الحياة، ولكن المسلم المصلح القوي بانتمائه إلى دينه يستثمر ذلك الشعور بالاغتراببشكل إيجابي محدود، حيث يبادر بإصلاح نفسه، والقرب من الله تعالى، ويتابع واجبه في إصلاح مجتمعه، ويتحمل الأذى صابراً، ويذلل الصعوبات التي تواجهه بالتعاون والترابط ووحدة الصف راجياً الأجر طالباً رضى الله تعالى والفوز في الدنيا والآخرة.

ويفسّر البعض الآخر الذين لا يراعون فقه الواقع الغربة بالجمود والانعزال، درءاً للمفاسد من الاختلاط بالمجتمع،  مما يؤدي بهم إلى الانفصال عن الواقع،  ويفقدهم الهدف والقدرة على التأثير والإصلاح وذلك هو الاغتراب السلبي المذموم.

إن الدخول في هذا الموضوع يتطلب التعرف بدور المسلم الذي يشعر بالاغتراب الديني في العصر الحاضر وتفاعله مع الواقع واحتوائه للمستجدات وفق المنهج الإسلامي الحضاري والتعرف بدور المؤسسات التربوية الإسلامية في تكوين وتمكين ثقافة الانتماء لديه.

من أبرز الأسباب التي أدت إلى انتشار واستفحال التنظيمات المتطرفة والمتعصبة وتسمين منابعها وتقوية شوكتها في العالم العربي بوجه خاص، هو افتقاد الشعوب لثقتها في أنظمتها السياسية، والثقة في المؤسسات الحكومية التي تدير شؤون المواطنين وحياتهم اليومية، الثقة في المسؤولين القائمين على تلك المؤسسات الرسمية، الثقة في الدستور والقوانين المنبثقة عنه والتي يفترض أن توجه سلوك الناس إلى ما فيه خير الوطن والمواطن بعدالة ودون استثناء

وتمييز بين حاكم ومحكوم، او بين غني وفقير، وما إلى ذلك، وكذلك الثقة في الخطط والمرئيات والتوجهات الرسمية التي تحرك عجلة التنمية والبناء والتقدم وتدفع الحاضر القائم إلى مستقبل مزدهر بكل قوة واطمئنان، الثقة في الواقع السياسي ككل، كل ذلك وغيره يدور فيما يطلق عليه او يسمى اصطلاحا بالثقة السياسية والتي ترتبط من جانبها بما يمكن أن نطلق عليه بالحكم الرشيد او المستنير.

بشكل عام تؤكد الكثير من الدراسات والبحوث واستطلاعات الرأي الدولية منها والإقليمية بان عودة التيارات والاتجاهات الدينية في العالمين العربي والغربي كانت نتيجة مباشرة لانهيار الأيديولوجيات العلمانية التي أظهرت الأيديولوجيات الدينية من جديد في أواخر القرن العشرين، لكي تؤدي دورا رئيسيا في الصراعات الدولية في بدايات القرن 21، لان شرعية الايدولوجيا تنبع من استجابة العقل إلى حاجات أخرى غير الحاجات العلمية والتقنية، لذلك نرى الناس يعملون على إحياء الجذور الدينية للحصول على دواء لمشاكلهم التي لا تستطيع الدولة القيام بأي شيء تجاهها، وفي الأحوال كافة

 كما يقول مكيافيللي: فان احترام العبادة السماوية يكون مصدر العظمة للجمهوريات، وان إهمالها يؤدي الى تدهورها وخرابها، لأنه حيث يوجد الافتقار إلى الخوف من الله، تكون المملكة إما قد أصابها الخراب او سيطر عليها الخوف من الأمير، وهو خوف يستعاض به عن الدين.

وبمعنى آخر – نجح مفكرو ومخططو تلك التيارات وحركات الإسلام السياسي او التنظيمات المتعصبة لفكرة التشدد والغلو والتعصب الديني في فهم نقطة ضعف النفسية الجماهيرية والاجتماعية العربية نحو تزايد رصيد الكراهية والحنق تجاه أساليب إدارة الحكم والثروات لتلك الأنظمة السياسية العربية التي لا زالت تنظر إليها الجماهير الغاضبة على أنها أنظمة قمعية وعميلة للغرب والاستعمار، ولا هم لها سوى ملئ بطون وجيوب أتباعها ورعاياها، حتى وان كان ذلك على حساب الشعب وقوته ومستقبله.

فكانت تلك النقطة مدخل أيديولوجي استطاعت تلك التيارات والأحزاب من استغلاله والعزف على وتره مع بعض اللمسات العاطفية والدينية لسحب البساط من تحت تلك الأنظمة القائمة، (وغالبا ما تقبل أيديولوجيا معينة بسبب عناصر نظرية خاصة تفضي الى مصالحها، –

وليس بالضرورة على عناصر أصيلة فيها، وإنما قد ينبثق ذلك الاختيار من مواجهة عرضية ولحظية -فحين تكافح مجموعة فلاحيه فقيرة مثلا ضد مجموعة حضرية استعبدتها ماليا، فقد تتجمع حول عقيدة دينية ترفع من قيم الحياة الزراعية وتلعن الاقتصاد النقدي ونظامه الائتماني بوصفه غير أخلاقي)

نستطيع أن نؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بان من أخطر التحديات التي تواجهنا اليوم في طريق احتواء ظاهرة الإرهاب والتطرف والانضمام لتلك التنظيمات التي تعمل ليل نهار على تقويض الأمن والاستقرار في العالم، والتي نجحت في استقطاب العديد من الشباب حول العالم إليها هو المعالجات الأمنية والسياسية الخاطئة لاحتوائها،

 فمن الملاحظ أن المعالجة التي بدأت توجه لظاهرة الإرهاب ـ في السنوات الأخيرة على وجه التحديد ـ هي معالجات سياسية وأمنية أساسا، واخشي أن تظل تدور في هذا الإطار الذي لن ينجح وحده في حل مشكلة جوانبها القانونية والاجتماعية والدينية، ومن ثم يجب استخدام الفكر والعقل والفن القانوني في المواجهة).

وعليه ومن منطلق هذه التحديات الناتجة عن امتداد منهجية والية البحث عن حلول منطقية لهذه الظاهرة إلى ما هو ابعد من اشكالياتها الخارجية والواضحة، فإننا نوجه عناية القائمين على صياغة القوانين وسياسات العمل في هذا الإطار، على مراعاة بعض العوامل الخفية والمهمة الناتجة عن تحديات منهجية البحث الجاد، كوجود بعض الاعتبارات العملية والعلمية والعوامل المهمة والرئيسية الموجهة والمحفزة لهذا الوباء،

 كالعامل النفسي والاجتماعي والديني، وأخذها بعين الاعتبار عند وضع تلك القوانين والسياسات الإقليمية والمشاركات الدولية في إطار التعاون الدولي للحد من انتشار واستفحال هذه الظاهرة وهذا الوباء الفتاك في بيئتنا الإقليمية والدولية.

فعلا لا مكانة وسطي بين التشبث بفكرة صناعة اعداء اي خلق الاجواء المهددة التي تجعل العالم متمسكا بخدمة اطماع الامبريالية التوسعية او من اجل احكام القبضة على الشعوب في الداخل، وبين الرغبة الملحة في الحصول على استراتيجية اجتماعية ثقافية تتميز بالموضوعية والعقلانية فارغة من اية خلفيات توسعية او استبدادية.

من شأنها ان تقوي الثقة بين الدول والمجتمع الدولي تم بين الشعوب ونظمها السياسية لتنتقل بين الفرد والمجتمع حيث توفره على حقوقه تبعده كل البعد على كل انواع التطرف والسخط على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

ولقد انتهج الشباب العربي عدد من المناهج والطرق المؤلمة للخروج من تلك الحالة من الاغتراب الوطني، فمثلت الهجرة أولى الطرق لذلك، مما أفقد أوطاننا العربية العديد من العقول والأدمغة التي استفاد منها الغرب وكان أولى بأوطانها أن تستفيد منها ومن علمها، أما الشكل الثاني فقد اتخذ حالة من العنف السياسي والعسكري المنظم، مدعوما من الخارج بالمال والأفكار المستوردة والخارجة عن تعاليم الدين الإسلامي،

 وكذلك من خلال الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة والمتعصبة والإرهابية، وليس اصدق على ذلك من التفجيرات والمواجهات المسلحة مع الأنظمة في العديد من الدول العربية، -وباختصار فان حالة الإحباط التي يعيشها الشباب العربي على الصعيد السياسي والاقتصادي نشطت حالة العنف لديهم، فتبلورت في العقل الجمعي بصفة عامة وفي عقل الشباب العربي على وجه الخصوص وباعتبارها أفضل السبل لنيل الحقوق وأفضل الطرق لحل الكثير من القضايا وتلبية العديد من المتطلبات المعيشية.

عليه يمكننا وباختصار شديد أن نؤكد على أن الثقة السياسية بمختلف جوانبها وتوجهاتها، هي اليوم وكانت بالأمس وستبقى من أبرز عوامل استمرار الأمن والاستقرار والطمأنينة في أي وطن، واهم ركائز التنمية والديمقراطية والوفاق بين أطراف الإنتاج والعمل الوطني في أمة، وكل ذلك بالطبع يدور في إطار تحقيق ما أطلقنا عليه بالدولة المطمئنة في زمن الفوضى والاضطرابات والصراعات وفقدان المناعة الوطنية ضد كل أشكال الاختراقات الخارجية،

وعلى رأسها بث روح التعصب والتطرف بين المواطنين ضد أنظمتهم السياسية وحكوماتهم، وحتى ضد بعضهم البعض، حيث اللجوء للانتقام السياسي او العسكري، ومحاولة تدمير تلك الأنظمة والحكومات التي لم تستطع توطيد تلك العلاقة الحتمية مع مواطنيها، وما بد أبدا لأي نظام سياسي مستنير وحكومة واعية من وضع الثقة السياسية على قمة الأولويات التي تصب في إطار بناء الدولة الآمنة المستقرة المطمئنة، واحتواء الأفكار القائمة على التعصب وأشكال العنف والتطرف السياسي.

حيث يعد ضعف الاقتصاد جانب مهم للغاية في تنمية العنف في المجتمع، وهو ما يؤكده هارولد لاسكي في كتابه – الحرية في الدول الحديثة – في قوله: (انه حين يبدأ اقتصاد المجتمع بالانكماش، حينئذ تكون الحرية في خطر، فالتقلصات الاقتصادية دائما تعني الخوف، والخوف يولد الشك باستمرار، -وهو ما يجعل أفراد المجتمع-أكثر استعدادا للسماع الى أصوات الجديدة، وأنهم في الغالب يطالبون بتغييرات جديدة، وفي هذه الحالة لا تستطيع الدولة الاحتفاظ بسلطتها لذلك تلجا إما الى القمع الداخلي او الحرب مع الدول الأخرى).

هكذا نفهم أن (هناك علاقة تناسب عكسية بين التنمية الاقتصادية والعنف، -أي – كلما تزايدت مظاهر الإصلاح الاقتصادي، انحسرت مظاهر العنف السياسي ومعدلاته، -بمعنى – ان العنف ينخفض في النظم السياسية التي تعتمد الحداثة والإصلاح نظرا لوجود مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وسيطة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضبط ظاهرة الحراك الاجتماعي، فالحركات السياسية الكبرى كالشيوعية والفاشية

كما يقول ذلك – كارل بولانيي – نبعت جزئيا من ردود الفعل الشعبية على حالات انعدام المساواة التي رافقت حرية العمل التجاري، والذي هو كذلك بسبب عدم تدخل سلطة الدولة واضطلاعها بمسؤولية المساعدة والمشاركة وليس السيطرة والتحكم والتسلط في حل تناقضاته الداخلية وتحدياته النابعة من ضربات العولمة العابرة للقارات والحدود، فليس من الممكن تسويغ كل التدخلات الحكومية في الاقتصاد تحت عنوان النزعة المؤسسية، ورؤية أن المجتمع المدني لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الدولة كما أراه شخصيا.

خلاصة الأمر: بأنه وحيثما حاز مجتمع ما اقتصادا قويا ومتوسعا، شعر الناس فيه بالأمن وبإحساس بالرفاهية والرحابة وتوفر فرص العمل وإمكانية التطور والتقدم إلى الأمام، وسيكون هذا المجتمع واثقا من نفسه، فهو مجتمع لا يسيطر الشك على أفراده، فالاقتصاد القوي يجعل الناس يحسون بان الأمل موجود أمامهم، وأتصور أن الأمل هو شرط حيوي ومحفز قوي يدفع الناس لاحترام القانون،

 أما حين يفقد الأمل فان الشك يبدأ بالتغلغل إلى النفوس والأفكار، وحيث يتواجد الشك ينتشر الخوف، وبكل تأكيد فان الخوف والشعور بالقلق من الناحية الاقتصادية من أهم أسباب التحايل على القوانين والسعي لاختراقها، فالفرد منا حين يشعر بأنه مهدد من الناحية المادية والمعيشية يبدأ بالبحث عن وسائل أخرى للوصول إلى هدفه الذي حالت الظروف الاقتصادية او بعض القوانين دون الوصول إليه.