الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن:نحو عالم جديد….اوروبا الصينية


كل حدث كبير يغير معه خرائط العام وتوازناته وموارد الإلهام فيه ، وحوادث الحرب ضد فيروس “كورونا” ، الذى تحول طبقا لتصنيفات منظمة الصحة العالمية ، من “مرض متوطن” إلى “وباء” ، ثم إلى “جائحة” عبرت إلى الدنيا كلها ، وأغلقت عواصم الحركة فى العالم الواسع ، الذى لن يعود عند الافتتاح بعد الإغلاق ، إلى ما كان عليه أبدا .
يعلمنا التاريخ الحديث بعد القديم والوسيط ، أن حروب السلاح والأديان والأوبئة ، صنعت المحطات الكبرى الفاصلة ، وأذلت أمما وامبراطوريات ، وقفزت بأخرى إلى صدارة المشهد المؤثر ، وأن المنتصرين يفرضون روايتهم وثقافتهم وأساليبهم فى الحياة ، وهكذا كانت التحولات المؤرخة لبداية العصر الحديث ، وبالذات فى العام 1492 ، مع سقوط “غرناطة” واكتشاف الأمريكتين ، وتدافع موجات التجديد فى أوروبا ، وزحف قواها الاستعمارية إلى تضاريس كوكب الأرض ، واحتلال أوطانه واستنزاف ثرواته وتبديد هوياته ، وتأكيد “سيادة الغرب” بالسلاح والعلم والتصنيع والكشوف الأثرية والتكنولوجية ، وإلى حد بدت معه سيرة أوروبا الحديثة ، كما لو أنها سيرة الدنيا كلها ، وحروبها الداخلية والخارجية ، كما لو أنها حروب العالم بأسره ، ونظرياتها فى الاقتصاد والسياسة والأدب والفلسفة ، كما لو أنها “فرض عين” على كل صاحب عينين ، ولم يعد لأى فرد فى الكون ، سوى أن يناصر هذا الطرف الأوروبى أو ذاك ، وهكذا فرضت أوروبا تاريخها كأنه تاريخ العالمين ، وحين دخلت أطرافها فى حروب النصف الأول من القرن العشرين ، حملت حربا أوروبا الكبيرتان صفة الحروب العالمية ، رغما عن أنوف الآخرين ، فلم يكن فى العالم سوى الغرب والباقى (the west and the rest) ، وسرت النظرة الدونية إلى هذه الدنيا الباقية خارج الغرب ، وكأنها سقط متاع ، بينما هى أغلب شعوب العالم وحضاراته المتنحية فى الشرق والجنوب ، وطغت نظرة التسيد الأوروبى ، حتى بعد دخول أمريكا على خط تسيير شئون العالم ، فأمريكا فى البدء والمنتهى منتج أوروبى تاريخيا ، وإن بغلظة وشراسة أكبر ، وبموارد لم تتوافر لقوى أوروبا المسيطرة قبلها ، ومع إدعاء نظرة إنسانية وأخلاقية ورسالية معدومة الأساس ، فقد قتلت أوروبا وجيوشها الغازية مئات الملايين من شعوب المستعمرات ، وجعلتهم مواردا لغنائمها ، التى كان طبيعيا ، أن يدب الخلاف على عوائدها ، فى حروب أوروبا البينية المتوالية ، وإلى أن دارت الحربان الأولى والثانية ، اللتان عرفتا بالعالميتين ، برغم أن أغلب شعوب العالم كانت بلا ناقة ولا جمل فيهما ، وهما حربان أوروبيتان ـ أوروبيتان بامتياز ، استمرت الأولى بين أواسط 1914 إلى نهاية 1918 ، وسقط فيها ثمانية ملايين قتيل على أقل تقدير ، ومثلها من الجرحى والمشوهين والمعاقين ، إضافة لخمسين مليون قتيل بوباء “الانفلونزا الأسبانية” المصاحب للحرب ، وهزمت فيها ما كانت تسمى “دول المركز” ، وانهارت الامبراطوريات الألمانية والنمساوية والعثمانية ، فيما فازت جيهة حلفاء بريطانيا وفرنسا وروسيا ، التى كانت قد خرجت من الحرب قبل أن تنتهى ، مع نشوب الثورة البلشقية فى أكتوبر 1917 ، وكشفها لوثائق توزيع الغنائم بين بريطانيا وفرنسا ، وفيما كانت أمريكا على مقربة من وقائع الحرب الأولى ، فإنها دخلت مباشرة إلى الحرب الثانية ، نجدة لبريطانيا وفرنسا ، بعد الانتصارات السريعة لألمانيا الهتلرية ، التى صنعت محورا هذه المرة مع إيطاليا موسولينى فى الحرب ، التى دارت رحاها الأعنف بين عامى 1939 و 1945 ، وسقط فيها ما يزيد على ستين مليون قتيل ، ودخلت روسيا السوفيتية على خط القتال بعد أن غزاها هتلر ، وتمكن الحلفاء فى النهاية من قهر ألمانيا واحتلالها وتقسيمها ، لعقود طويلة زمن الحرب الباردة ، فيما تمكنت أمريكا من سحق اليابان ، التى دخلت الحرب متأخرة إلى جانب دول المحور ، وكانت النهاية باستخدام أمريكا للقنابل الذرية فى محرقة هيروشيما ونجازاكى ، وهكذا جرى فرض خرائط قوة ، سيطرت حتى قريب ، وصنعت جهاز مجلس الأمن القائد لمنظمة الأمم المتحدة ، وأعطت مقاعده الدائمة للمنتصرين ، ومنحتهم حق الاعتراض “الفيتو” بإشارة أصبع ، وحجزت لبريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا أربعة مقاعد مضمونة ، فيما تلكأ المقعد الخامس طويلا ، حتى سبعينيات القرن العشرين ، وأرادت أمريكا حجزه لحليفتها جزيرة “تايوان” الصينية ، وإلى أن جرى التسليم بأحقية جمهورية الصين الشعبية ، التى تتقدم الآن بثقة وتواضع لصناعة العالم الجديد بعد حرب “كورونا” بالذات .
وبالجملة ، يبدو دور أوروبا ، ومنتجها التاريخى الأمريكى ، إلى تراجع أكيد ، ليس فقط بسبب ما بدت عليه من عجز مخز فى حرب “كورونا” ، فى مقابل تفوق الصين الباهر ، بل لأن الحرب نفسها بدت كورقة نبات “عباد الشمس” ، التى تتحول حركتها مع نور الشمس ، وتتغير ألوانها فى حركة دائبة لا تزول ، وربما بذات المغزى الذى قصده الرئيس الصينى جى شين بينج فى اتصال هاتفى مع رئيس الوزراء الأسبانى ، كان الأخير يستنجد بالصين فى مواجهة تفشى “كورونا” المريع ، ورحب الرئيس الصينى ، وقال لمحدثه الأسبانى “غدا تمضى العاصفة وتشرق أشعة الشمس” ، وبالفعل جاءت الشمس القادمة من اتجاه الصين ، فما من دولة أوروبية كبرى أو صغرى ، تخلفت عن طلب النجدة من الصين ، التى راحت تخطو فى استعراض عظمة ذى طابع إنسانى شامل ، وتزحف طائراتها إلى مطارات أوروبا ، بمئات وآلاف الأطنان من الكمامات والبدلات الواقية والمستلزمات الطبية وأجهزة التنفس الصناعى ، فيما أغلقت أمريكا بابها عليها ، وراحت تتعثر فى المواجهة ، وتنافس إيطاليا وأسبانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا فى أعداد المصابين والوفيات المخيفة ، وتواجه مخاطر التدهور الكامل للنظام الصحى ، وتظهر انهيارا أخلاقيا كان ملازما على الدوام لدورات الصعود الغربى ، وإلى حد إعلان رئيس الوزراء البريطانى جونسون تفضيله لاختيار ما أسماه “مناعة القطيع” ، أى ترك العدوى تتفشى ، وتميت الملايين من كبار السن ، فيما لا ينجو سوى الأكثر مناعة ، على طريقة “البقاء للأقوى” ذات الأصل الداروينى، وفيما بدا أن جونسون تراجع فيما بعد عن كلماته الوحشية بصورة جزئية ، فقد واصل ترامب الأمريكى تجاهله لأوروبا الغارقة فى المصيبة ، وقطع التواصل الجوى معها ، ولم يقدم لها جرعة دواء ، بل أراد استنزافها وسرقتها على طريقة عرضه شراء شركة “كيور فاك” واحتكار “لقاح كورونا” لأمريكا بمفردها ، وهو ما ردت عليه الحكومة الألمانية بقولها “ألمانيا ليست للبيع” ، غير أن طريقة ترامب السوقية ، وبأصولها النفعية البراجماتية الداروينية ، بدت كأنها عقيدة دوائر أوسع فى أوروبا العجوز المتهالكة ، فقد عجز الاتحاد الأوروبى عن تقديم أى عون مؤثر لدوله السبع والعشرين ، وظهرت دعوات فى إيطاليا وغيرها ، تطالب بترك كبار السن للموت ، بهدف تخفيف الضغط على النظام الصحى ومنشآته المحدودة القدرة ، ولم تتراجع الدعوات غير الأخلاقية ، إلا بعد تدخل الصين بمعوناتها الهائلة عبر الجسور الجوية الذاهبة لأوروبا ، وعبر قطارات فائقة السرعة ، تحمل شحنات الإنقاذ ، من شرق الصين إلى عواصم أوروبا الغربية ، لنجدة القارة الشائخة المنهكة سياسيا وطبيا وماليا ، إضافة لبروتوكولات العلاج التى تقدم الصين أغلبها ، كذا محاولات التسريع بإنتاج لقاح تقودها الأكاديمية الطبية العسكرية الصينية ، وهكذا بدت الصين بوجه إنسانى مشرق ، تقدم المعونات بالمجان ، وتكسب نفوذا مهولا لقوتها الناعمة ، المصحوبة بتفوق تكنولوجى جبار ، وبإمكانيات وفوائض مالية فلكية .
ولم يأت التفوق الصينى المذهل من فراغ ، ولا هو محض مصادفة طبعا ، بل أتى مرتبطا بدورات التاريخ وحوادثه الكبرى ، فقد أنهكت الحرب الثانية قلب الغرب المسيطر فى أوروبا ، وكتبت نهايته فى حرب السويس 1956 ، وانتقلت القيادة الغربية إلى أمريكا ، التى أرهقها دور شرطى العالم الوحيد ، وزادت نفقاتها العسكرية على حساب قوتها الاقتصادية والإنتاجية ، فيما كانت الصين تصعد فى هدوء وسلاسة منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين ، وتحقق فى نحو أربعة عقود لا تزيد ، أكثر مما حققه الغرب كله فى أكثر من خمسة قرون ، وبدون أن تحتل أحدا ، أو أن تبيد بشرا خارجها كما فعلت أوروبا وأمريكا ، وراحت الصين تراكم إنجازاتها ، وإلى أن هزمت أمريكا فى حرب العولمة الاقتصادية ، وألجأت واشنطن إلى الاختباء وراء حواجز حمائية وتعريفات جمركية عشوائية ، لم تنجح فى إنقاذ الاقتصاد الأمريكى المدين الأول فى العالم كله ، بينما تحولت الصين إلى موقع المقرض والمانح الأكبر لبلاد الدنيا كلها ، ونفذت أكبر عرض عسكرى فى التاريخ ، تلاه أعظم عرض تكنولوجى وعلمى فى حرب “كورونا” ، وأثبتت الصين أنها الأقوى مناعة فى العالم الجديد ، الذى يتخلق اليوم ، وبحبر وختم ونفس صينى تماما ، وعلى نحو يكاد يجعل أوروبا اللاتينية كأنها “أوروبا صينية” .
Kandel2002@hotmail.com

الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن : مبادرةُ الحوثي نخوةٌ وأصالةٌ ونبلٌ شهامةٌ 

 

                         

لا يملك الفلسطينيون جميعاً إلا توجيه الشكر والتقدير للشعب اليمني العربي الأصيل، الذي انبرى بغيرةٍ عربيةٍ، وشهامةٍ رجوليةٍ، وحكمةٍ يمانيةٍ، ومسؤوليةٍ قوميةٍ، وأمانةٍ دينيةٍ، في خطوةٍ جريئةٍ كريمةٍ، وسابقةٍ عربيةٍ نبيلةٍ، تنم عن أخلاق الشعب اليمني العظيم، الذي ما انفك يحب فلسطين وأهلها، ويضحي في سبيلها وينصر شعبها، على لسان زعيم حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي، بدعوة حكومة المملكة العربية السعودية للإفراج عن عشرات المعتقلين الفلسطينيين في سجونها بتهمة الانتماء إلى حركة حماس، ودعم وتأييد حركاتٍ إرهابية، وعرض مقابل الإفراج عنهم جاهزية بلاده لإطلاق سراح طيارٍ وأربعة أسرى من الضباط والجنود السعوديين، الذين شاركوا في قتل الشعب اليمني وحصاره، وتسببوا في قتله وتجويعه وعذابه.

 

تمنى عبد الملك الحوثي على القيادة السعودية قبول العرض والمبادرة إلى سرعة تنفيذه، إن كانت تحرص على حياة ضباطها وجنودها، وتريد أن تستنقذهم من الأسر وتعيدهم إلى عائلاتهم وذويهم، وترغب في التراجع عن خطأها وتصحيح ما أقدمت عليه سلطاتها، إذ أن اعتقال الفلسطينيين بتهمة العمل من أجل قضيتهم ومساندة شعبهم جريمةٌ مقيتةٌ، وفعلٌ قبيحٌ، وعملٌ مخزيٌ، وسلوكٌ خبيثٌ، وخطأٌ فاضحٌ لا يغفر لهم بسببه، ولا يسكت عنهم من أجله.

 

إذ لا يرُضي اعتقالهم أحدٌ غير العدو الذي فرح بما قامت به السعودية تجاههم، بينما غضب العرب والمسلمون الأحرارُ لما أصابهم، وأحزنهم ما تعرضوا لها، وساءتهم محاكمتهم وسوء معاملتهم، وأعربوا عن رفضهم للسياسة السعودية الجديدة تجاه المقاومة الفلسطينية، وطالبوها بالتراجع عنها توبةً وإنابةً وندماً وأسفاً، فما قامت به عيبٌ بكل المعاني، وغير أخلاقي في ديننا، ومنافي كلياً لقيمنا، فهو فحشٌ كبيرٌ يخرم المروءة، ويخل بالشرف، ويجرد من القيم، وربما يخرج مرتكبه من الملة ويطرده من الأمة.  

 

لا أجد مبرراً قيمياً ولا مسوغاً أخلاقياً لأولئك الذين استنكروا على اليمنيين مبادرتهم، واتهموا الذي أطلقها بالانتهازية، وأن له مآرب سياسية ودوافع ومصالح خاصة دفعته لإطلاق هذه المبادرة، وقالوا بسوء نيةٍ أنه يوظف مبادرته لخدمة إيران وإرضاءً لها، وأنها هي التي طلبت منه إطلاق هذه المبادرة لتحسين صورتها والخروج من أزمتها، واعتبروا أن عرضه المقدم يسيئ إلى المملكة العربية السعودية ويشوه صورتها، ويضعها في نفس الدائرة المقيتة مع الكيان الصهيوني، الذي تجري معه المقاومة العربية عموماً صفقات تبادل أسرى على مدى سنوات النضال كلها، يجبرونه فيها مكرهاً صاغراً ذليلاً على الإفراج عن مئات الأسرى والمعتقلين العرب والفلسطينيين، مقابل بعض أسراهم أو رفات جنودهم وبقايا أشلائهم.

 

ألم يكن جديراً بمن أطلق عقيرته منتقداً، وأسال حبر قلمه مهاجماً، وظهر بصورته وصدح بصوته على شاشات الفضائيات غاضباً، وسمح لنفسه بالتشكيك في صدقية أصحاب المبادرة، وطعن فيهم وأخذ يكيل إليهم الاتهامات الباطلة جزافاً، أن يعترف أن الحكومة السعودية هي التي أخطأت وأساءت، وأنها هي التي ارتكبت هذه الحماقة واقترفت هذا الجرم، وأنها التي وضعت نفسها في هذا الوضع الحرج، فأضرت نفسها وأحرجت مؤيديها، وأساءت إلى سمعتها، وصنفت نفسها بإرادتها وعن سابق قصدٍ وتصميمٍ منها حليفة للعدو الصهيوني وصديقةً له، الذي فرح لإجراءاتها وسعد بسياستها وأيدها وشجعها عليها.

 

ألم يكن حرياً بهم أن ينتصروا لدينهم وينحازوا إلى قيمه النبيلة ومفاهيمه الإنسانية الرفيعة، ويتصالحوا مع ضمائرهم ويحيوها من مواتٍ يستعيذ من عيبه الموت، ويطلبوا من الحكومة السعودية الإفراج غير المشروط عن المواطنين الفلسطينيين، الذين تشهد دوائر الدولة الرسمية أنهم لم يخالفوا قوانينها، ولم يرتكبوا جنحةً فيها، أو مخالفةً لنظمها، وأنهم كانوا مقيمين شرعيين، خدموا البلاد وعملوا في مرافقها كأفضل مما عمل أبناؤها، وكان لهم فضلٌ كبير في تنشئة أجيالهم وتربية أبنائهم، وساهموا في تعمير بلادهم ورفعة أوطانهم، وتطوير بنيتها المدنية والفكرية والثقافية، وأنهم كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي العربي المسلم للشعب السعودي العزيز، فادعوا من ناصرتم بالباطل إلى التوبة والإنابة، ولا توبة إلا بإعادة الحق إلى أهله وتعويضهم، وإبداء الندم عما اقترف بحقهم، والاعتذار منهم وطلب السماح منهم.

 

أيها السادة الغيارى على الأمة وقيمها، والأمناء على آمالها وأحلامها، كونوا شجعاناً أقوياء صادقين مخلصين، وضعوا مخافة الله عز وجل نُصْبَ أعينكم، وقولوا كلمة الحق ولا تخافوا، وقفوا مع المظلوم ولا تترددوا، وأغيثوا الملهوف ولا تقصروا، وانصروا الضعيف ولا تجبنوا، وامتازوا اليوم بمواقفكم وأروا الله عز وجل صدق نواياكم وجريء أفعالكم، وإياكم أن تساووا بين من سعى لخلق الفرح في قلوب الفلسطينيين البؤساء، وزرع الابتسامة على وجوه أطفالهم ونسائهم التعساء، وانتصر لهم وأيدهم في قضيتهم، واعتبر مقاومتهم جهاداً ونضالهم شرفاً، كمن بكاهم وأحزنهم، وآلمهم وعذبهم، واضطهدهم وحاكمهم، وصنف مقاومتهم ارهاباً، وعدّ نضالهم عدواناً، وارتضى أن يكون مع العدو ضدهم، يشبههم في فعله ويبزهم في ظلمه، ويسبقهم إلى رقابنا بسيفه.

 

أيها السادة هل تغير الزمان وتبدلت القيم واقتربت الساعة وأصبحنا نعيش في نهاية الزمن، إذ بتنا ننهى عن المعروف وندعو إلى المنكر، وأصبحنا نُقْبِلُ عن الشر ونتجنب الخير، ونحرض على الفحش ونسكت عن الشرف، ونشجع على الرذيلة ونحارب الفضيلة، فاعتقال الفلسطينيين وتعذيبهم رذيلة، والدعوة إلى تحريرهم والإفراج عنهم فضيلة، والذين يعتقلونهم يفتقرون إلى أبسط مفاهيم الأخوة ومعاني التضامن، والذين يسعون لخلاصهم ونجاتهم هم أهل الشرف والمروءة، وأصحاب السؤدد والفضيلة، وغير هذه المعايير اعوجاج وسواها انحرافٌ.

 

بيروت في 28/3/2020

الدكتور عادل عامر يكتب عن :العالم ما بعد كورونا

إن الوباء سيدعم صعود الحركات القومية ويدعم سلطة الحكومات وقبضتها على مقاليد الأمور. وستتبنى الحكومات بمختلف اتجاهاتها إجراءات طارئة في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس ولن يتخلوا عن تلك السلطات بسهولة فور انتهاء الأزمة.

كما سيؤدي الفيروس إلى سرعة انتقال ميزان القوى العالمية من الغرب إلى الشرق وإلى دول استطاعت تدارك الأزمة بشكل سريع نسبياً ككوريا الجنوبية وسنغافورة والصين في وقت تباطأت فيه الحكومات الغربية الأوروبية ودخلت في طرق عشوائية لاحتواء الأزمة وهو ما سيؤدي في النهاية إلى زوال عصر سطوة العلامة التجارية الغربية.

إن وباء كورونا سيكون سببا في نهاية العولمة بشكلها الحالي خاصة وأنه يأتي بعد توتر تجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ومطالبات نشطاء البيئة بخفض انبعاثات الكربون وهو ما سيدفع الحكومات إلى إعادة النظر في الاعتماد على خطوط الإمداد بعيدة المدى. وستدفع أزمة كورونا الحكومات والشركات والمجتمعات إلى التكيف على فترات طويلة من الاكتفاء الداخلي والعزلة الاقتصادية.

أن العولمة ستنتقل من مركزها الحالي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين كمركز جديد لها. وهو تغيير بدأ بالفعل قبل ظهور الفيروس وذلك بعد فقدان الأمريكيين الثقة بالعولمة في وقت ازدادت فيه ثقة الصينيين بها.

وثبت الصينيون انفتاحهم الاقتصادي على العالم خلال السنوات الماضية وصارت لديهم الثقة بقدرتهم على المنافسة في أي بقعة من بقاع العالم.

إن الوباء سيؤدي إلى صعود القومية والسلطوية حتى بين أكثر الأنظمة ديمقراطية في العالم ولكنه سيكون صعوداً مؤقتاً مثل ما حدث خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي قبل أن تصل تلك الدول إلى الديمقراطيات الحقيقية التي سادت بها لعقود طويلة. أي أن ما سيحدث هو اكتشاف تلك الدول لديمقراطياتها الحقيقية عبر فترة انتقالية من السلطوية. إن وباء كورونا سيغير شكل العلاقات السياسية بين الدول وداخلها.

 وستزداد سطوة الحكومات وسيقل التحرر ولكن هذا لا يعني أن الشمولية ستسود فدول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة نجحت إلى حد بعيد في احتواء الأزمة وهي أنظمة ديمقراطية وليست ديكتاتورية.

 لكن في جميع الأحوال ستتجه الدول إلى الانغلاق والرغبة في التمحور داخلياً وسيؤدي هذا إلى عالم أفقر وأقل كرماً.

 سيؤدي الفيروس إلى خلق مرحلة جديدة من الرأسمالية العالمية ستخشى فيها الشركات والحكومات من نظم التجارة الحالية العابرة للحدود وخاصة بعدما اظهر الفيروس أن هذا الانفتاح الكبير قد يجلب معه أمراضاً مميتة في غضون أيام وساعات.

 قد تسعى تلك الشركات والحكومات – بعد الخسائر التي تتكبدها حالياً ومستقبلاً بسبب الفيروس، إلى الانطواء داخلياً وتتبع نهجا يقضي بالاعتماد على الإنتاج والتوزيع والربح الداخلي كوسيلة أكثر أماناً من الانفتاح العالمي الهش.

البداية من عند الإنسان نفسه الذي بلغ به الغرور والتكبر أن اعتبر نفسه سيد الكون، والمسيطر على الطبيعة، وجاء فيروس غير مرئي ليعيده إلى رشده من جديد، وليكسبه شيئا من الاتضاع الذي تناساه عله يعيد حساباته الأيكولوجية أول الأمر، قبل أن تثور الطبيعة  مرة جديدة وتسحقه وتمحقه إلى الأبد.

ولعله من متناقضات القدر في هذه الجزئية أن الوباء البشري، قد أدى إلى تصحيح بعض أوضاع المناخ المختلة، إذ أثبتت الصور الملتقطة  من الفضاء أن الأرض تنفست من جديد بعد الهدوء الذي ساد،

وقد كانت الأجواء الصينية والأوربية في مقدمة الأصقاع والبقاع التي قلت فيها نسبة التلوث، ما يعني أن الإنسانية قادرة على إهلاك الكوكب الأزرق، وقادرة أيضا

وضع فيروس كورونا ولا يزال البشرية أمام حقيقة تضامن شعوب وتفكك غيرها، فقد نجح الآسيويون على سبيل المثال وأخفق الأوربيون ..كيف ذلك؟ .لا تنفك الفلسفة تعلمنا الدروس الجوهرية اللازمة للحياة، وما شاهدناه الأشهر الثلاثة الماضية يخبرنا بأن كونفوشيوس يكسب في مواجهة أرسطو.

أما الأول فيرى أن العالم وحدة واحدة، ولا يستعبد الاختلافات أو الخلافات كشأن بشري، لكنه يراها داخل الكل الأنطولوجي الكوني، ولهذا رأينا الصين ورغم كونها بؤرة كورونا الأولى، قادرة على  قيادة دول آسيا في مواجهة الخطر الداهم، لم تتأخر عن دعم ورعاية مواطنيها، وكذا جيرانها من بقية الدول، باعتبار أن الكل في واحد.

على العكس من هذا النموذج سقطت أوربا في الفخ الأرسطي التقليدي، ذاك الذي لا يعرف سوى ظاهرة التضاد، ويرسى للبراغماتية غير المستنيرة، ما تجلى في إعادة إغلاق الحدود بين الدول التي نظمت اتفاقية الشنغن عدم إغلاقها، وامتنع من لديه عن إنقاذ من يعيش العوز، وما شاهده العالم من تقصير في إنقاذ إيطاليا،  يؤكد ومن غير أدنى شك أن عالم ما بعد كورونا مختلف جدا.

شمس ما بعد كورونا سوف تشرق على سلم قيمي مغاير، يعيد ترتيب الأهميات بالنسبة للإنسانية، وأول ما يتوجب أن يوضع في المراتب الأولى، العلم والعلماء، أولئك الذين تتطلع إليهم العقول وتهفت إليهم القلوب في الوقت الحاضر، عل البشرية تجد عندهم الشفاء العاجل.

سوف تكون الأولوية في العقود القادمة من غير أدنى شك لصالح البحث العلمي، لا سيما المدني منه الذي يخدم الإنسان، ستكون هذه هي القضية وهي الحل، فقد علمتنا تجربة كورونا أن مخزونات الأسلحة الذرية والهيدروجينية،

 وبقية الأسلحة التي ما أنزل الله بها من سلطان، لم يقدر لها أن تهزم فيروس متناهي في الصغر والخبث معا، ولو أنفقت نسبة ضئيلة من الذي تم إنفاقه على الأبحاث العسكرية والتي امتدت مؤخرا إلى برامج عسكرة الفضاء، لربما تجنب العالم كارثة إطالة فترة البحث عن حل لهذا الفيروس القاتل.

يمكن للمرء الاستفاضة في سرد وعرض الدروس الإنسانية الناجمة عن كورونا، غير أن المشهد السياسي العالمي بدوره سوف ينقلب ولا شك رأسا على عقب بعد أن تهدأ العاصفة.

في المقدمة من الصور المتوقع إعادة تقدير موقفها، مسألة الدولة  القومية القوية،  في علاقتها مع حديث العولمة، فقد أثبتت التجربة أنه من غير اعتماد على أنظمة قومية داخلية قوية، وبنية هيكلية رصينة ومتقدمة،

 اقتصاديا واجتماعيا، عسكريا وأمنيا، تصبح الدول في مهب الريح، وما جرى في إيطاليا مثال على تخلي الاتحاد الأوربي، رمز العولمة عنها،  فيما دول أخرى استطاعت الصمود نظرا  لأن جذورها قوية وقادرة بنفسها على قيادة وريادة شعوبها إلى بر الأمان.

حين تنجلي غيمة كورونا المخيفة ستعيد كثير من التجمعات الدولية قراءة أوراقها، وهل ستتمكن من الاستمرار على  نفس المنوال، أم أنه وقت تغيير الأوضاع وتبديل الطباع، كما كان يقول المؤرخ الجبرتي في كتاباته.

لذلك بات على العالم أن ينحى طريق التعقل والروية في مجابهة مرض الكورونا، أو غير معضلة قد تطرا عليه، والدعوة إلى عدم المبالغة والتهويل والذي لا يمكن أن يساعد في القضاء على المرض، بل بالعكس ستزداد الخسائر وستسارع الدول إلى الاسراف في الإجراءات والتي قد يرافقها تجاوزات على حقوق الآخرين،

او توظيفها من قبل البعض لمصالح سياسية، وتبدو الصورة أوضح في اهتزازات كارثية باقتصاديات دول عديدة، وربما الخروج بأزمات مالية وتجارية لم يسبق لها مثيل، والحل يكمن بتضافر الجهود الدولية، ومساعدة الدول التي تحتاج إلى مساعدة، وتوحيد الجهود نحو لقاح فعال، مع سريان همس في السر والعلن، عن أطراف تنتفع من وراء استمرار بقاء المرض، وتسببها في تمدد مرض الكورونا بالصورة التي نراها اليوم.

عاجلا أم آجلا سيتلاشى المرض بإذن الله، وسيكون على عاتق حكومات العالم، الالتفات إلى النتائج التي تركها ظهور فيروس كورونا، وكما حدث في السابق مع انفلونزا الطيور والخنازير والسارس.

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

وزيرة الصحة المصرية تكشف عن ميعاد ذروة فيروس كورونا بمصر

كشفت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد، عن موعد بدء ذروة وباء فيروس كورونا المستجد في البلاد، مشيرة إلى أن المعلومات تستند إلى بيانات الدول التي شهدت انتشار الفيروس قبل مصر.

وقالت زايد، في مداخلة هاتفية لبرنامج “الحكاية”، الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب، عبر قناة mbc مصر، إنه “بحسب المعلومات المتوفرة عن الدول التي سبقتنا في انتشار الفيروس، فإن الذروة عادة ما تبدأ خلال الأسبوع السادس أو السابع، من انتشاره”.

وأضافت أن ذروة انتشار الفيروس لم تبدأ في مصر حتى الآن، على الرغم من أن غدا هو بداية الأسبوع السابع، وذلك نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة في وقت مبكر.

وأوضحت أن “الدولة اتخذت هذه الإجراءات منذ يناير الماضي، بالإضافة إلى أنه تم التقصي بشكل دقيق عن كل المخالطين للحالات المصابة، مما قلل انتشار المرض بشكل كبير”.

المصدر: وسائل إعلام مصرية

فرنسا ترسل مواطنيها للعلاج بألمانيا

أقلعت اليوم السبت أول مروحية عسكرية فرنسية من مدينة ميتز وعلى متنها فرنسيان اثنان مصابان بفيروس كورونا المستجد قاصدة ألمانيا، وفقا لما أفادت به صحيفة “لوفيغارو”.

ونشرت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، تغريدة على “تويتر” أكدت فيها أن “طائرات كايمان المروحية التابعة للجيش ستتكفل بنقل العديد من المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد”، مضيفة أن المصابين سينقلون إلى مستشفيات ألمانية قادرة على استقبالهم.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن الأربعاء، عن إطلاق عملية عسكرية لكبح انتشار الفيروس في فرنسا بعد ارتفاع نسبة الوفيات الناجمة عنه.

وقال إن “هذه العملية ستكرس بالكامل لمساعدة ودعم السكان، وكذلك لإعطاء دفعة للخدمات العامة لمجابهة الوباء، في العاصمة وخارجها”.

المصدر: “لوفيغارو” + وكالات