أحمد محمد شريف يكتب عن : فلسفة ٌ حول الواقع الكوروني…فَهَلَّا تعلمنا الدرس؟!

 

 

الحياة ما هي إلا سلسلة متتابعة من التجارب والمواقف تَمُدُّنا بالخبرات التي من المفترض أن تصقل الشخصية الإنسانية. فالحياة ليست على وتيرة واحدة بل هي مزيج من السعادة والألم والمعاناة والتضحية، وهذا التنوع هو سر من أسرار متعتها، وترياقٌ يسري في شريان البشرية فيؤدي إلى التطور المستمر في نمط الفكر والحياة لها، وَيُمَكِّنُهَا من استمرار دورتها الطبيعية. والعجيب أنني حينما أنظر إلى موجات البحر أجدها صورة هولوجرامية للحياة الإنسانية من حيث البناء والهدم وإعادة البناء وهكذا دواليك، فيستمر التدفق ومن هنا تأتي قيمة الحياة. وبالرغم من أن هذه فلسفتي التي تشربتها ونُسِجَت في وصلاتي العصبية، إلا أنني لم أكن أتخيل حتى في أسوأ كوابيسي أن أمر بهذه التجربة المؤلمة التي ما زلت أشاهد حلقاتها المرعبة، وهذا القاتل المتسلسل الذي يختال بين البشر فنرى ومباشرة فيلم رعب حقيقي ليس له نهاية حتى الآن. حيث باغت فيروس كورونا الجميع وتفشى كما النار في الهشيم، فغزا العالم وقَطَّعَ الأوصال وحصد الكثير من الأرواح وأصاب البشرية بالهلع والفزع، وأظهر الضعف والخوف الإنسانيين في أَجَلِّ صوره، والذي حاولنا خداع أنفسنا بالسيطرة عليه بحجة امتلاكنا للمعرفة والتقنية. فطالت الصدمة الجميع دولاً وحكوماتٍ ومؤسساتٍ ومنظماتٍ وأفراد. فأصبحت أخبار هذا الغازي وآثاره هي الشغل الشاغل والحدث الأبرز. وأكثر ما آلمني في تلك المحنة أن أحداثها مباشرة وتأثر بها الجميع، حتى لم تسلم دور العبادة منها فَأَبَتْ استقبال مُرِيديها حتى لطلب العون الإلهي وكأن الأرض ضاقت بما رحبت، والسماء أُغْلِقَتْ في وجه هؤلاء المتملقين الذين لا يلجأون إلى خالقها إلا إذا اشتدت بهم المحن وعجزوا بعلمهم وفكرهم القاصر على مجابهتها. فأصبحت البشرية تتخبط في بحرٍ لُجِّيْ، أسيرة لهذا المتطفل الذي نغص عليها عيشتها وحولها إلى كابوس مخيف لا تدري متى الإفاقة منه. والمضحك المبكي أن هذا الفيروس لم يكن عنصرياً ولا متنمراً على فئة دون أخرى أو جماعة دون غيرها، فلا يوجد من هو بمنأى عنه(وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)، فأصيب به الجميع بلا تمييز ولا رحمة ولا هوادة، فتجد وزراء وأمراء ورؤساء يصابون، ومنهم من يبكون ويهلعون. ومن المضحكات أن أحد أصدقائي أرسل لي أنه وجد ما سيحكيه لأحفاده من قصص ليست كحكاوي الخيال كَالْجِنِّي وحوريات البحر وسندريلا، وليست كأفلامٍ هوليودية، فتبسمت وشردت قليلاً وتساءلت: وهل نضمن اللحظة المقبلة حتى يطول بنا الأمر للأحفاد؟ فعجبت من الإنسان وفلسفته كيف له أن يفكر في طول الأمد، وهنا أستعير من المشكاة النبوية ما يخفف ألمي وعذابي، فلقد روي عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ – وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).

فهل آن الأوان للبشرية أن تتعلم من هذا الدرس الكوروني؟ وأن تدرك أن هناك مدبرٌ  للكون الأمر كله بيده، فتكون دوماً في رحابه وتسير وفقاً لتعليماته وشرعه، فهل يعقل أن تتبع تعليمات كَتَلوج يتضمن معلومات وصفية لمنتج معين ، ولا تتبع الكَتَلوج الرباني الذي يحتوي على ما ينفعك وما يضرك.وما يؤكد ذلك تقرير صحيفة نيوزويك الامريكية المنشور بتاريخ ١٧ مارس ٢٠٢٠والذي كتبه الطبيب كريغ كونسيدين، والذي قال فيه “هل تعلمون من أيضا اقترح النظافة الشخصية والحجر الصحي خلال انتشار وباء؟ محمد، نبي الإسلام قبل ١٤٠٠ عام أو يزيد .. ففي الوقت الذي لم يكن (النبي محمد) وبأي شكل من الأشكال خبيراً ’تقليدياً‘ بشؤون الأوبئة المميتة، محمد قدم نصائح لمنع ومواجهة تطورات مثل كوفيد-19”.

وأضاف التقرير: “محمد قال: إذا ما سمعتم بانتشار الطاعون بأرض ما لا تدخلوها، أما إذا انتشر الطاعون في مكان خلال تواجدك فيه فلا تغادر هذا المكان.. وقال أيضا: المصابون بأمراض معدية يجب إبقاءهم بعيداً عن الآخرين الأصحاء”.

وألقى التقرير الضوء على أن “النبي محمد أيضاً شجع وبقوة البشر الإلتزام بالنظافة الشخصية التي ستبقي الناس في مأمن من العدوى.. انظروا للأحاديث هذه: النظافة جزء من الإيمان.. اغسل يديك بعد استيقاظك من النوم فلا تعلم أين تحركت يداك خلال نومك.. بركة الطعام تكمن في غسل اليدين قبل وبعد الأكل..”

واستطرد كاتب التقرير قائلا: “لعل أهم شيء هو أنه (النبي محمد) علم متى يوازن الدين والأسباب. إنها روعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وروعة هذه التعاليم الربانية لخالق البشر(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى). وهل آنت اللحظة أن يكون لدينا مفهوم العقل الجمعي للبشرية والعمل المشترك والتوافق المبني على التفاهم ووحدة الهدف نحو تنمية الإنسان والمحافظة عليه أياً كان وفي أي مكان، وأن نخرج من حالة الأنا المسيطرة علينا إلى مبدأ التعايش والتكافل، وأن يكون لدينا فلسفة شاملة لمعنى الحياة ، وأن نبتعد عن الجزر المنعزلة والدول المتباعدة ، ونوقن أن الأرض يجب أن تكون وطناً للجميع نحتويها وتحتوينا ونحافظ عليها لكي نسلم وتسلم الأجيال من بعدنا. هل تعلمنا أن نراجع أولوياتنا واهتمامتنا ، وأن نرتكز على أسس جديدة من الفضيلة والعلم، وأن ندرك أن البشرية جسد واحد يجب أن تتوافق أجهزته حتى يظل القلب ينبض والعقل يفكر للوصول إلى نمط حياة يراعي الجميع. هل أدركنا أن اللحظة قد حانت لإعادة صياغة الهرم المجتمعي ليكون في قمته العلماء والأطباء والمعلمون والأدباء والمفكرون، وينزوي التافهون والمتنطعون وأشباه الرجال.آمل أن تكون البشرية قد تعلمت من هذا الدرس الكوروني.

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.