“الزمان المصرى ” تحاور سيدة القصة العربية الأديبة الدكتورة سناء الشّعلان حول أدبها للأطفال

 

 

*أدب الطّفل قضية وأولوية حيوية فالمستقبل مرهون بالطّفل العربيّ لاسيما في ضوء واقع مأزوم بالتّحديات والعقبات.

* المسؤول الأساسيّ عن هذا الحال المزري عن فشل أدب الطفل العربى انقطاع الكاتب العربيّ عن اتّصاله بلغته وتاريخه

* كيف يمكن للمبدع العربيّ أن يواكب التّقدم العلميّ وهو ابن بلدان لا تنتج الحضارة في الوقت الحاضر؟!

* المؤسّسات المعنية بثقافة الطّفل في الدّول العربيّة متعثّرة ومعظمها غارق في إرباكات الشلليّة والعصابات واحتكارات تجّار المناصب

* هناك حاجة وطنيّة حضاريّة لتغير سياسة المناهج العربيّة كافّة وتقديم إبداع عربيّ ضمن مناهج حضاريّة ترفع من كفاءة الطّفل وإبداعه

* بات الطّفل العربيّ يتّجه إلى أدب الآخر الذي يسمّم فكره بأفكار غريبة عنّا وعن حضارتنا وعن مجتمعنا وقيمنا وديننا

*بعض دور النشر المتخصصة تنطلق وتُدار من قبل سمسارة وتجّار من العيّار المتكالب على المادّة والرّبح السّريع

*  الأوضاع السّياسيّة القلقة في المشهد العربيّ حطّمت الكثير من المنجزات الإبداعيّة العربيّة، لاسيما في مجال أدب الأطفال

* لابد من خطّة وطنيّة وقوميّة متكاملة للتغلب على سوء التوزيع وانعدام التّكامل العربيّ في مجال كتب ومطبوعات الأطفال

* حصة الطّفل في السّينما والمسرح هزيلة إلى درجة كارثية

*أصدقاء ديمة ، وهي رواية تطرح إشكاليّات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة

* جائزة كتارا قد غدتْ مشروعاً عربيّاً روائيّاً عملاقاً لا يكرّم المبدعين فقط، بل هو يصنع الرّواية

* سعيدة بإطلاق روايتي صوتيّاً ضمن مشروع “مشوار ورواية”

  

أجرى الحوار معها في عمان: الأديب العراقيّ عباس داخل حسن

الأديبة الدكتورة سناء الشعلان ؛أديبة أردنية معاصرة شابة من جيل كتّاب الحداثة العرب، وهي من أصول فلسطينية،و تعود أصول أسرتها إلى قرية (بيت نتيف) التّابعة لقضاء الخليل ؛تحمل درجة الدكتوراه في الأدب الحديث، وتعمل أستاذة جامعية في التخّصص ذاته في الجامعة الأردنية في الأردن. تكتب الرواية والقصة القصيرة والمسرح والسيناريو وأدب الأطفال.

 حاصلة على لقب واحدة من أنجح 60 امرأة عربيّة للعام 2008 ضمن الاستفتاء العربيّ الذي أجرته مجلة سيدتي الصّادرة باللّغة العربيّة واللّغة الإنجليزية، وحاصلة على نجمة السّلام للعام 2014 من منظمّة السّلام والصداقة الدولية في الدنمارك PEACE ANDFRIENDSHIP INTERNATIONAL ORGANIZATION “؛وحاصلة على جائزة كتارا للرواية العربية العام الماضى

وهي ناقدة وإعلامية ومراسلة صحفية لبعض المجلات العربية وناشطة في قضايا حقوق الإنسان والمرأة والطفولة والعدالة الاجتماعيّة، وهي عضو في كثير من المحافل الأدبية، وحاصلة على نحو60 جائزة دولية وعربية ومحلية في حقول الرواية والقصة القصيرة والمسرح وأدب الأطفال والبحث العلمي، كما لها الكثير من المسرحيات المنشورة والممثّلة والحاصلة على جوائز.

 حاصلة على درع الأستاذ الجامعي المتميز في الجامعة الأردنية للعامين 2007 و2008 على التوالي كما حصلت مسبقاً على درع الطالب المتميّز أكاديميّاً وإبداعيّاً للعام 2005. ولها 52 مؤلفاً منشوراً بين كتاب نقدي متخصص ورواية ومجموعة قصصية وقصة أطفال إلى جانب المئات من الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة، فضلاً عن الكثير من الأعمدة الثابتة في كثير من الصحف والدوريات المحلية والعربية، كما لها مشاركات واسعة في مؤتمرات محلّية وعربيّة وعالميّة في قضايا الأدب والنقد والتراث وحقوق الإنسان والبيئة إلى جانب عضوية لجانها العلميّة والتحكيميّة والإعلاميّة.

 وهي ممثّلة لعدد من المؤسسات والجهات الثقافيّة والحقوقيّة، وشريكةٌ في كثير من المشاريع العربية الثقافية. تُرجمت أعمالها إلى الكثير من اللغات، ونالت الكثير من التكريمات والدّروع والألقاب الفخريّة والتمثيلات الثقافيّة والمجتمعيّة والحقوقيّة.

 

لو أفردنا مئات الصفحات للحديث عنها فلن تكفى ؛فنحن أمام قيمة وقامة من الأديبات العرب ؛ولكن ما يهمنا هنا هو كتاباتها فى أدب ومسرح الطفل

فأدب ومسرح الأطفال عند الدكتورة سناء الشعلان وهج إبداعيّ آخر. أجوبة تختصر الواقع الحقيقيّ والمشكلة الحقيقيّة التي يعاني منها أدب الأطفال في الوطن العربيّ.

و لها الكثير من الإسهامات في أدب الطّفل العربيّ؛ فقد صدر لها كلّ من: “زرياب: معلّم الناس والمروءة:، و” هارون الرّشيد: الخليفة العابد المجاهد”، و”الخليل بن أحمد الفراهيديّ: أبو العروض والنّحو العربيّ”، “الليث بن سعد: الإمام المتصدّق”، و”العزِّ بن عبد السّلام: سلطان العلماء وبائع الملوك”، و”عباس بن فرناس: حكيم الأندلس”، و”زرياب: معلّم الناس والمروءة”، و”صاحب القلب الذهبي”، و”زينب تحبّ شعرها”، ورواية “بيت ديمة”، وعدد كبير من المسرحيّات والقصص المنشورة في المجلات المتخصّصة.

 

وللدكتورة سناء الشعلان إسهامات جليلة في مسرح الطّفل والمسرح التّعليميّ وللحديث عن تجربتها الغنية بهذا المجال كان لـ”الزمان المصرى “ الشرف فى إجراء حوار معها ويجريه الأديب العراقى الكبير عباس داخل حسن وإلى الحوار:-

 

 أثناء مجاورتي الثّقافيّة لها في عمان، وهو الحلقة الأولى من سلسلة حلقات معها تسلّط الضّوء على تجربة حفرت اسمها عميقاً في المشهد الإبداعيّ والأدبيّ بحروف ماسيّة، وتوّجت بألقاب لا تُعدّ ولا تُحصى، منها: سيدة القصّة العربيّة، سيدة أدب العشق وشمس شموس الأدب العربيّ وأميرته.

   وللوقوف على إسهامات الأديبة المبدعة الدكتورة سناء الشعلان في مجال أدب ومسرح الطّفل كان لنا هذا اللّقاء لتسليط الضّوء على أدب الأطفال واليافعين لما يشكّله من أهميّة استثنائيّة في بناء المجتمع؛ لأنّ الطّفل هو حجر الأساس لمستقبل أيّ أمّة تريد النّهوض وبناء مجتمع تنويريّ وثقافيّ يعتمد على تنشيط الخيال العلميّ والإبداعيّ والقيميّ.

 

 س1 – كيف ترين أهميّة أدب الأطفال؟

أدب الأطفال قضية أولويات حيوية، فالمستقبل مرهون بالطّفل العربيّ لاسيما في ضوء واقع مأزوم بالتحديات والعقبات، وأمتنا تتعرّض لتحدّيات مصيريّة، وعلينا أن نحسن إعداد رهان المستقبل، وهو رهان الإنسان، ثم أنّ الطّفل العربيّ له خصوصيّته شأنه شأن أيّ طفل في العالم، ومن الواجب أخذ هذه الخصوصيّة بعين الاعتبار عندما نكون في معرض تقديم أدب له.

 

س2: ما هي أسباب فشل أدب الطّفل العربيّ في استلهام الموروث الثرّ للحكايات ذات المعاني العميقة التي وردت في التّراث العربيّ الضّخم على سبيل المثال “كليلة ودمنة” وتناول شخصيات مكررة من قبل كتاب آخرين في أقطار الوطن العربيّ؟

 

أعتقد أنّ انقطاع الكاتب العربيّ عن اتّصاله بلغته وتاريخه، وتصدّي الكثير من خاملي الموهبة أو معدوميها للكتابة في حقل أدب الأطفال هو المسؤول الأساسيّ عن هذا الحال المزري.

 

س3: ما هي أسباب عدم مواكبة أدب الطّفل في الوطن العربيّ للتّقنيات الحديثة وابتكار شخصيات كارتونيّة مختلفة تستنبط البيئة والثّقافة العربيّة؟

 

كيف يمكن للمبدع العربيّ أن يواكب التّقدم العلميّ وهو ابن بلدان لا تنتج الحضارة في الوقت الحاضر؟! من ينتج الحضارة هو من يكتب عنها، ونحن الآن على ذمة التّاريخ لم نقم بثورة معرفيّة تعيدنا إلى مكان الصّدارة في الحضارة، وتحوّلنا من منتجي الحضارة، بدل واقع حالنا بوصفنا مستهلكين للمنتج الحضاريّ بأشكاله جميعها.

 

س4: ما هو دور المؤسّسات المعنية بثقافة الطّفل في الدّول العربيّة؟

     تلكم المؤسّسات في الغالب متعثّرة،ولا يقوم بالدّور المؤمل لها إلاّ القليل منها،ومعظمها غارق في إرباكات الشلليّة والعصابات واحتكارات تجّار المناصب،أو تعاني من نقص الميزانيات.والنتيجة النّهائيّة المحزنة هي التّقصير في عملها،وفيما تقدّمه من خدمه لأدب الطّفل.

 

س5: ما هو دور المناهج التّعليميّة والتربوية الجافة في نشوء تخلف القراءة عند الطّفل والتجهيل بأهمية الثقافة بسبب عدم اعتماد المختصين في هذا المجال ورسم خطط إستراتيجية مرافقة للمناهج ؟

 

    جميعها مسؤولة عن التّقصير، وهناك حاجة وطنيّة حضاريّة لأجل تغير سياسة المناهج العربيّة كافّة لتقديم إبداع عربيّ ضمن مناهج حضاريّة ترفع من كفاءة الطّفل وإبداعه، وتحرّضه على التفكير،لا مجرد مناهج مثقلة بالملل والحفظ والاستلاب.

 

س6: هل غدا الطّفل العربيّ أسير أدب الآخر؟ وما السّبيل للخروج به من هذا الأسر؟

 

في ظلّ غياب أدب الأطفال الجاذب للطّفل العربيّ، بات الطّفل العربيّ يتّجه إلى أدب الآخر الذي يسمّم فكره بأفكار غريبة عنّا وعن حضارتنا وعن مجتمعنا وقيمنا وديننا، بل إنّه يقدّم له النّموذج الهابط ليكون بطله وقدوته في الحياة. ولا سبيل للخروج بأبنائنا من هذا الأسر المأساويّ الذي يهدّد مستقبلنا سوى بتقديم ترسانة أدبيّة عربيّة بديلة قادرة على أن تسرق الطّفل العربيّ نحو منظومتها، وذلك لا يكون إلاّ بتقديم أدب عريق ناضج مقنع.

 

س7:  ما مدى تقصير دور النّشر المتخصصة في توظيف التّقنيات على صعيد التّصميم والطباعة ودعم الرّسامين وتطوير المنتج الإبداعيّ الخاصّ بالأطفال من خلال الأقراص المدمجة والمواقع الإلكترونيّة؟

 

   تقصيرها كبير وواضح الأثر السّيء؛ وذلك سببه أنّ معظم هذه الدّور هي تنطلق وتُدار من قبل سمسارة وتجّار من العيّار المتكالب على المادّة والرّبح السّريع، لا من قبل مفكرين أو مثقفين أو مبدعين .وهؤلاء يسعون في الغالب إلى الرّبح الكبير بأيّ شكل من الأشكال دون أن ينطلقوا من هدف تربويّ أخلاقيّ وطنيّ.

 

س8:  ما سبب تراجع المجلاّت المتّخصصة بأدب الطّفل؟ فمنذ عقود كانت هناك تجارب رائدة تراجعت لسبب أو لأخر في  العراق مثلاً. ولكن هذه المجلاّت انحسرتْ، وكثيراً منها توقّف عن الصّدور.

 

أعتقد أنّ الأوضاع السّياسيّة القلقة في المشهد العربيّ قد حطّمت الكثير من المنجزات الإبداعيّة العربيّة، لاسيما في مجال أدب الأطفال؛ ولذلك لابدّ من تدخل حكوميّ وطنيّ داعم بشكل حقيقيّ وكامل لأجل أن تقف هذه المؤسّسات على أرجلها من جديد.

 

 

س9: هل هناك خطّة للتغلب عن سوء التوزيع وانعدام التّكامل العربيّ في مجال كتب ومطبوعات الأطفال؟

 

خطّة بهذا الشّكل يجب أن تكون خطّة وطنيّة وقوميّة متكاملة، وحتى الآن لم نسمع عن خطّة بهذا الشّكل. كلّ ما نسمعه في هذا الشّأن هو محض وعود تذهب أدراج الرّيح.

 

س10: هل أنتِ راضية عن حصة الطّفل في السّينما والمسرح من مجمل الإنتاج الثّقافيّ والفنيّ في المشهد العربيّ؟

 

بالتأكيد أنا لست راضية عن ذلك؛ فهي حصّة قليلة وهزيلة إلى درجة كارثيّة تعكس مدى تقصيرنا في إعداد النّاشئة العربيّ.

 

س11 : ما هي آخر إسهامات سناء الشعلان للنّاشئة العربيّة؟ وما موضوع هذا العمل الإبداعيّ الجديد؟

 

هو رواية للفتيان بعنوان “أصدقاء ديمة”، وهي رواية تطرح إشكاليّات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتضع خطة مفترضة لدمجهم في المجتمع بكلّ عادلة. وهي تطرح فكرة انتصار الإرادة والمحبّة والعمل والعلم والقدوة الحسنة على الإعاقة والعجز والحزن واليأس؛ فهي رواية البطولة المطلقة لأطفال جميعهم يعانون من الإعاقات المختلفة. وهم يقرّرون أن يعيشوا السّعادة والحياة بتفاصيلها جميعاً على الرّغم ممّا يعانون منه من تجاهل المجتمع لهم، وإصراره الظّالم على تهميشهم في ظلّ رفضه لهم ولوجودهم المختلف عن وجود معظم أفراده ممّن لا يعانون من إعاقات.

فهذه الرّواية تسعى إلى تقديم تجربة أخلاقيّة نفسيّة اجتماعيّة جماليّة  للأطفال حول انتصار ذوي الإعاقات على إعاقاتهم، وهي تبرز هذه التّجربة تحت وضعها تحت مجهر الدّراسة والتّعامل معها ومع تفاصيل حياتها ومعاشها وظروف التّعامل معها.

وأبطال هذه الرّواية، وعلى رأسهم (ديمة)، يدرسون معاً في مدرسة (بيت ديمة). والدّكتور(عبد الجبّار السّاري) وزوجته (عفاف) والمعلّمة (نعيمة) هم من يقودون الأطفال في درب التّعلّم، والخروج من العزلة، واكتشاف مهاراتهم وقدراتهم، ويدفعونهم إلى التّفاؤل والعمل وحبّ الحياة، إلى أن ينتصروا على  إعاقاتهم، وأن يعيشوا الحياة بكلّ سعادة ومحبّة، وأن يقدّموا العون لمن يحتاجه، وأن ينخرطوا في مجتمعاتهم رافضين إقصاءهم وتهميشهم.

فهذه الرّواية تعلّم الطّفل من فئة ذوي الإعاقات أن يكون شجاعاً قويّاً متحدّياً، كما تعطي درساً أخلاقيّاً وإنسانيّاً للمجتمع كلّه ليعترف بأبنائه من ذوي الإعاقات، وأن يوليهم اهتمامه وافراً، وأن يعطيهم حقوقهم موفرة.

وقد استعارت الرّواية بعضاً من استشرافات الخيال العلميّ والفنتازيا لتقدّم استدعاءات لنماذج من العباقرة والمبدعين والموهوبين والأبطال عبر التّاريخ الإنسانيّ كلّه لتوظيف إرادتهم ونضالهم في تكوين حافز لأطفال الرّواية من ذوي الإعاقات كي يستخلصوا منهم دروساً في العمل والمحبّة والإصرار على الحياة.

 

س12 : بعد أن فازتْ روايتك “أصدقاء ديمة” بجائزة كتارا لرواية الفتيان للعام 2018، قمتِ بتوقيعها في حفل مشترك في الحي الثّقافيّ في الدّوحة. ماذا تقولين عن هذه التّجربة؟

 

إنّ جائزة كتارا قد غدتْ مشروعاً عربيّاً روائيّاً عملاقاً لا يكرّم المبدعين فقط، بل هو يصنع الرّواية من باب أنّها منتج إبداعيّ يحتاج إلى التّصنيع والتّقديم والتّرويج والتّسويق، وهي تتحمّل نفقات كبيرة لأجل خدمة جماليّة هذا الفنّ، ودعمها نحو القمّة الإبداعيّة في مشهد عربيّ يزخم بالتّجارب الإبداعيّة المميّزة التي تحتاج إلى دعم واهتمام مؤسسيّ ذكي.

 

س13 : ماذا تقولين عن فوز روايتكِ “أصدقاء ديمة” بجائزة كتارا لرواية الفتيان للعام 2018؟

 

لا يستطيع أيّ مبدع أن ينكر أنّ صناعة الرواية أصبح مركزها جائزة كتارا للرواية العربية، وأنّ المرور من هذه الجائزة يشبه الولادة الحقيقية للمبدع العربيّ؛ فكلّ الذين انطلقوا أو مروا من هنا أخذوا دفعات حقيقية في المشهد الثّقافيّ، سواء من حيث البعد المعنوي أم الإبداعيّ؛ فالفرص التي تمنحها جائزة كتارا للفائز من خلال النّشر والتّرجمة والتّوزيع والتّسويق، لا تتاح لأيّ أديب آخر، لافتة إلى أنّ كتارا  قد قدّمت صورة مشرقة ومشرفة من خلال إضفاء الحياديّة على العمل الإبداعيّ.

س14 : هل ترين في إطلاق روايتكِ “أصدقاء ديمة” في التّطبيق الإلكترونيّ “مشوار ورواية” خطوة جديدة في دعم منجزك الأدبيّ للأطفال؟

 

يأتي إطلاق روايتي “أصدقاء ديمة” بشكل صوتيّ ضمن مشروع أطلقه الحي الثّقافيّ كتارا تحت اسم “مشوار ورواية”، وهو عبارة عن تطبيق على الجوال واللوحات الإلكترونية بنظامي (أندرويد وآبل)، ويتيح الاستماع إلى الروايات العربية غير المنشورة الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية في دوراتها الثلاث، بعد أن تم تحويلها من روايات مكتوبة إلى روايات صوتية، بخصائص تكنولوجية وإلكترونية عالية.

ومن مميزات التطبيق سهولة الاستخدام، حيث يمكن استخدامه على جميع الأجهزة واللوحات الإلكترونية، كما يُمكن هذا التطبيق المستخدم من معرفة عدد الكلمات المسموعة لكل كتاب إلى جانب معرفة المسافة التي قطعها عند الاستماع (بالكيلومتر وبعدد الخطوات)، ويتيح أيضا معرفة عدد السعرات الحرارية التي تم حرقها خلال المشوار. ويحتوي كل كتاب في هذا التطبيق، على ملخص عن الرواية والسيرة الذاتية للكاتب إلى جانب الملف الصوتي للرواية.

وتهدف هذه المبادرة إلى الربط بين الرواية والرياضة، باعتبار أن قطر أول من دعا إلى تخصيص يوم رياضي للدولة من كل عام، بهدف تشجيع الجميع على ممارسة الرياضة. وتأتي هذه المبادرة لتعزز سلسلة المشاريع والمبادرات التي أطلقتها جائزة كتارا للرواية العربية في الدورات الثلاث السابقة.

وأنا شخصيّاً سعيدة بإطلاق روايتي صوتيّاً ضمن مشروع “مشوار ورواية”،  وأرى في هذا البرنامج خطوة رائدة في تقديم المنجز الرّوائيّ العربيّ بأحدث الأشكال التي تواكب روح العصر والتّطوّر. وأدعو من يحبّون قلمي لا سيما من الفتيان والفتيات إلى أن يسمعوا الرّواية عبر التّطبيق الالكترونيّ الذي يمكن إنزاله على أجهزة الاتّصال الذّكية، وعلى الحواسيب بأنواعها جميعاً.

تدعيم وحدات الكلي بالدقهلية بعدد ٨٤ ماكينة غسيل كلوي جديدة.

كتب: أحمد بلال

دعمت وزارة الصحة المصرية محافظة الدقهلية بعدد 84 ماكينة غسيل كلوى ؛جاء هذابعد ان تم تدعيم وزارة الصحة لوحدات الكلي بالدقهلية منذ أيام بعدد ٣٠ ماكينة غسيل كلوي جديدة لوحدات الكلي بشربين والسنبلاوين وشبراهور …

ووصل امس الدفعة الثانية من الماكينات من وزارة الصحة وعددها ٥٣ ماكينة غسيل كلوي … تم تزويدهم لوحدات الكلي بمستشفى المنصورة الدولي وتمي الامديد و المنزلة والشوامي والاحمدية و كفر الوكالة وكفر الحاج شربيني.

كما سيصل الأسبوع القادم بإذن الله ٦٠ ماكينة أخري جديدة لوحدات ميت غمر وصهرجت وبلقاس والمعصرة والمنزلة

وسيصل خلال شهر بإذن الله ١٤٠ ماكينة اخري لتدعيم باقي وحدات الكلي بدماص واتميدة ونبروة وطناح والعزيزة وشها وسلامون ودكرنس ومنية النصر وميت سلسيل والجمالية وكفر الترعة الجديد .

يذكر ان سعر ماكينة الغسيل الكلوي الواحدة سعرها الان يقدر بحوالي ١٩٠ الف جنية

و أكد  وكيل وزارة الصحة بالدقهلية  بأن هذا يعتبر انجاز تاريخي يتحقق بوحدات الكلي بالدقهلية من حيث التوسعات وتطوير كافة البنية التحتية والتجهيزات بجميع وحدات الكلي بالدقهلية لتصبح وحدات الكلي بالدقهلية الاكبر علي مستوي الجمهورية من حيث عدد الماكينات وعدد الوحدات ومن حيث عدد المرضي التي يتم تقديم الخدمة لهم حيث يتم اجراء اكثر من ٣٥ الف جلسة غسيل كلوي شهريا.

الدكتور عادل عامر يكتب عن :  لذة الروح

في سكون الليل وهدوئه تصفو الروح، وترق المشاعر وهذه اللذة لا يشعر بها إلا من جربها؛ ففي هذا الوقت من الليل يكون الهواء أكثر نقاءً، والجو أكثر صفاءً، والنسيم العليل يملأ الدنيا بتعبيره، والسكون والهدوء يغمر الكون؛ فتشعر كأنك في عالم آخر، غير عالمنا الذي نعيش فيه، وكأن الدنيا كلها تستعد وتتزين

الروح هي ما هو غيبي وغير مرئي وغير ملموس. شيء ما يجعلك تتآلف مع إنسان. تحبه. تعشقه. تشتاق إليه ويعذبك هذا الاشتياق. إنه انجذاب هائل لا تقوى أن تنفك منه، بل لا تريد أن تنفك منه لأن يملؤك بالفرحة والنشوة واللذة.

ولذة الروح هي خبرة ذاتية جداً. خبرة سماوية. خبرة يعجز الإنسان عن وصفها ولكنه يدركها بروحه . وحتى روحه لا تستطيع أن تصفها وأن تحددها. بل هي داخل أعماقه. كل كيانه. أصل وجوده. محور حياته.

الحب ماء الحياه، بل هو سر الحياه , الحب لذة الروح , بل هو روح الوجود , و بالحب تصفو الحياه , و تشفق النفس , و يرقص القلب , و بالحب تغفر الزلات , و تقال العثرات , و تشهر الحسنات , و لولا الحب ما التف الغصن على الغصن , و ما عطف الضبي على الضبيه , وما بكي الغمام علي الأرض , و بالحب يمتلئ القلب و تصفو النفس , و بالحب تتناثر الأحقاد و يستقر الفؤاد , و لولا الحب ما زينت النجوم السماء ولا احتمل الناس البقاء

أنت تحب إنساناً آخر بروحك لأسباب ما لا تعرفها، أي بدون أسباب .. شيء ما كالقوى المغناطيسية .. فتصبح أسيراً وتسير طائعاً ومتقبلاً وراضياً.

وهناك أنواع من الحب تلعب فيه الروح الدور الأساسي، بل الدور الأول ، بل ربما الدور الأوحد ، وتحقق لك التواصل مع محبوبك ، وهو حب الله ، وحب الوطن ، وحب الأم والأب ، وحب الابن والابنة ، وفي النهاية حب امرأة ما لرجل ما ، وحب رجل ما لامرأة ما .. أو حين يتحاب رجل وامرأة .

إنه حب يشكل صميم وجودك إذ يلغَي وجودك أو ينتهي بدونه .. أي أن هذا الحب سابق علي وجودك .. أي هو الأصل، ثم خلقت أنت لتجد أنك تحب خالقك ، وإذا لم تحبه فأنت غير جدير بأن توجد ولا معنى لوجودك وأنت غير فاهم وغير مدرك لأساس وجودك ..

وخلقت لتجد نفسك .. تحب وطنك فإذا بك لديك الاستعداد لأن تموت من أجله .. إن الوطن معنى كلى متكامل فيه شيء من معنى الأمومة والأبوة ، بالإضافة إلي التاريخ والثقافة والكينونة والامتداد والحرية والكرامة .

ومن لا يحب وطنه فهو كالريشة في الفضاء تدفع بها الرياح بلا هدف .. عدم حب الوطن هو خيانة للذات .. هو إنكار لإنسانية الإنسان.

وخلق الإنسان ليحب أمه وأباه .. إنه أيضاً حب الوجود ، وحب أني موجود ، وحب أني منسوب إلي خلية بعينها ، وحب الأصل والمنبع والزهر بالركيزة والسند ومتعة العطاء غير المشروط والجلوس علي عرش الفؤاد والترحيب المطلق .. أحب أمي وأبي أي أحب أنا ..

أحب وجودي .. أحب الحياة .. ومن لا يحب أمه وأباه فهو كالهشيم الذي تذروه الرياح ، أو التراب الذي تبعثره نفخة هواء .. بل هو لا شيء .. امتداد للاشيء الناشئ عن عدم حب الله وعدم حب الوطن .. فيأتي التتابع كالآتي : من لا يحب نفسه لا يحب الله لا يحب وطنه ، ولا يحب أمه وأباه .

وتتواصل حلقات الحب الروحي لتصل إلي حب الابن والابنة .. وهذا هو قمة الشعور بالأنا .. هذا هو ابني أنا .. وهذه هي ابنتي أنا .. هذه هي خليتي التي جاءت من جسدي وتخلق منها هذا الابن وهذه الابنة .. أنا الأصل .. أنا المنبع .. أنا التراث .. أنا التاريخ ..

 وأحد جوانب هذا الحب هو الملاصقة والمتابعة والتتابع والمسئولية؛ فالأبناء يعيشون في حضن الآباء والأمهات .. كالزهور التي تعيش جذورها في حضن الأرض .. ويمتص الابن والابنة رحيق الحياة من الأم والأب كما تفعل الزهور وهي تعيش علي باطن الأرض .. إنها ملاصقة ومتابعة .. وأروع ما في الأمر ملاحظة تتابع النمو والمرور بالمراحل المختلفة إلي حد النضوج .. إنها رحلة طويلة وشاقة وسارة وممتعة للغاية لأولي الألباب ..

 ولذا يولد الأبناء ويولد معهم في نفس اللحظة حب آبائهم لهم .. حب يقر في القلوب .. ولا يمكن للآباء ألا يحبوا الأبناء إلا إذا كانوا منزوعي القلوب .

فهناك بشر قلوبهم منزوعة من صدورهم ولا يوجد مكانها إلا عضلة صماء تضخ الدماء في الشرايين ، أي وظيفة ميكانيكية بحتة ، ومن لا يحب ابنه أو ابنته فهو لا يحب نفسه !

ثم نأتي لأحد أشكال الحب الروحي الأخرى وهو الحب الذي يقع بين الرجل والمرأة .. سر الوجود وأصل الحياة ومبعث الخليفة ..

 لولاه لما اقترب رجل وامرأة أو امرأة ورجل إلا كما تقترب الحيوانات من بعضها ، هو الذي سما بالإنسان وارتفع به وأعلي من شأنه ، وجعله يستقبل الجمال ويهتز للفن ، ويعمل الفكر ..

 إذا اقترب رجل وامرأة تحت مظلة الحب وبفعل نشاط الروح فقد ارتفعا عن الأرض محلقين أنساً وغراماً، وفناً وجمالاً، وهذا فعل إلهي، وسر رباني ، وتوليفة من صنع الخالق لتحقيق التآلف بين روحين لرجل وامرأة ..

فيقرران أن يكونا معاً . وهو رجل محظوظ وهي امرأة محظوظة، أن أتاح الله لهما اللقاء ثم أتاح التعارف ثم أتاح التآلف الروحي، فتعانقا التصاقا روحياً وكأن كل واحد منهما وجد ضالته والتقى بما ضاع منه فاكتمل وهدأ وهنأ .. إنه حظ سعيد ..

ولا يمكن لامرأة أن تأنف الرجال إلا إذا كان بها علة .. ولا يمكن لرجل أن يزهد النساء إلا إذا كان به علة .. وهي علة العلل ..

 إنها العلة التي تُبقي الإنسان وحيداً معزولاً محروماً ، وتفقده دوره في اكتمال المعنى وإثراء الحياة .. فالميل فطرى وطبيعي ويبدأ بالروح ثم النفس .

النفس تستجيب بعد الروح .. وهو بعد إنساني هام .. النفس هي وجدان وفكر وإدراك وسلوك .. النفس هي النشاط الذي يربط الإنسان بالواقع فيجعله يستقبل فيدرك فينفعل فيفكر فيسلك .. وهذا هو العقل .. العقل الذي يعطي للإنسان كينونته الأرضية ..

العقل هو الذي يجعله يسير في مناكب الأرض ليعمل ويأكل ويتفاعل مع الناس .. العقل هو نشاط مُخي .. المخ يحتوى علي المراكز العقلية .. فهذا مركز للتفكير وآخر للإدراك وثالث للوجدان ورابع للسلوك .. وكلها تندرج تحت ما يسمي بالنفس ..فالنفس البشرية هي هذه النشاطات العقلية الأربعة .. وهي متمركزة في المخ .. أي تنبعث من المخ ..

والمايسترو لكل هذا النشاط هو الروح .. المسيطر الأعلى .. المتحكم الإحساسي .. الروح هي التي تعطي السمة البشرية لكل هذه النشاطات .. الروح هي التي تقول إن هنا إنساناً ..

ولذلك فالنشاط العقلي عند الإنسان يختلف عن النشاط العقلي عند الحيوان .. النشاط العقلي عن الحيوان غريزي بحت .. مادي مطلق ، إدراك حسي محض .. ولذا فالحيوان لا يرتبط عن طريق الحب ولكنه يرتبط عن طريق شرطيات مادية كالطعام والجنس ..أي إرضاء الحاجة ..

وهي حاجات مادية .. أما الحب فهو أعلى لذة معنوية .. أسمى شعور إنساني .. أبهى صورة جمالية للإنسان .. والحب هو الفيض الإلهي .. المنحة الربانية .. النعمة الكبرى .. النور السماوي .. إنه التفضيل الحقيقي للبشر عن سائر المخلوقات .

وبالرغم من أن الإنسان كائن أرضي فإنه يحلق بروحه .. وارتباطاته البشرية تبدأ من عند الروح .. فيحدث إما تآلف أو تنافر .. ومن تألفه تقترب منه ومن تتنافر معه تبتعد عنه .. ومن ألفته تحبه .. وإذا كان من أحببته من جنس مختلف فإن وجدانك يتحرك نحوه .. إنه الهوى .. الميل .. الانجذاب .. وعقلك كذلك ينبهر به .. فإذا مال وجدانك وانبهر عقلك فقد سيطر هذا الإنسان عليك وامتلك كيانك فلا تستطيع أن تبعد عنه فتقرر بملء إرادتك أن تبقى معه ..

ووجودك بالقرب منه يمنحك السعادة والشعور بالأمن إنه الأمن والأمان .. إنها الطمأنينة النفسية .. وتلك أكبر مصادر اللذة والسرور ومبعث النشوة ..ولذا يصبح الزواج هدفاً للمحبين والعشاق ..

وتحت إلحاح الضغط الروحي والنفسي تتحرك الغريزة .. وهي ذلك الميل الجسدي للجنس الآخر تحت مظلة الحب .. الحب هو السابق عند الإنسان وليس الجنس ! ..

ولذا فالجنس تحت مظلة الحب له مذاق خاص إذ يتحقق فيه أقصى درجات الالتصاق والاقتراب .. هكذا يصبح معناه .. وسيلة لإشباع الروح وإرضاء النفس وليس الجسد .. الروح تشبع أكثر من الجسد حين يكون هناك جنس .. والوجدان يطرب للجنس أكثر من الجسد .. وهذا نوع مختلف من الجنس .. نوع ليس بيولوجياً بحتاً ..

 ليس احتكاكاً واستثارة للأعصاب الحسية! .. الجنس المادي أو الميكانيكي هو حركة آلية تؤدي إلي ارتعاشات أي تحقق لذة الجسد فحسب أما الجنس في إطار الحب فإنه يحقق نوعاً إخر من اللذة .. لذة فوقية .. لذة غير محسوسة علي المستوى المادي .. لذة بعيدة عن الأعضاء الجنسية ..

 لذة لا يعرفها إلا من أدركها وعاشها .. إنها لذة الروح ولذة القلب ولذة العقل .. وهي لذة لها معنى أو لها مدلول؛ وهو أن حبيبك بين يديك وفي أقرب موقع منك وأنكما معاً تؤديان فعلاً ما يحقق لكما لذة في كل الاتجاهات .

وهذا النوع من الحب أي حب الرجل والمرأة هو حلقة من ضمن حلقات دائرة التواصل الإنساني؛ تبدأ بالحب الإلهي وتكتمل بأشكال الحب الأخرى التي تشكل المعنى الحقيقي للإنسان وارتباطاته الأزلية والحيوية ، وهي حب الوطن وحب الوالدين وحب الأبناء وحب امرأة ورجل.

إنها منظومة التوازن والاكتمال. وبذلك ينعم الإنسان بالصحة .. أي يكون سعيداً ومطمئناً .. أي يكون راضياً هانئاً.

والمحروم من الحب تعيس شقي .. قاساً غليظ .. لا يأمنه أحد وهو محروم من الأمان .. معزول منبوذ وهو عاجز أن يُقرب أحداً منه أو يحتفظ بأحد .. قد يجمع مالاً كثيراً .. قد يتبوأ أعلي المراكز .. قد ينهل من البحر الملذات الحسية .. ولكنه محروم جائع عطشان قلق .. لا يحب أحد وهو يعترف تماماً أن أحداً لا يحبه .. وتلك أقصي درجات الشقاء النفسي

إن المقارنة بين لذة حاضرة مؤقتة يتبعها زهد وإعراض ولذات خالدة باقية مستمرة إلى لا نهاية مع تصور الألم الذي ينجم عن العقاب الذي يستحقه المخالف لمخالفته-والتي سنرى أنها قبيحة تستحق العقاب- يجعل المرء أقدر على اتخاذ قرار واضح بالإقلاع عن السلوكيات التي نهي عنها، والإقبال على ما يصلح به نفسه ليكون أليق بلقاء الله متى حان وقته.

 

الأديب المصرى عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب عن :  متاريس في درب الرب

 

ذات ضجر، أحضر الطفل حقيبة ظهره، وملأها بالسندويشات والعصائر، وقرر أن يذهب في نزهة في الجوار بحثا عن الإله. كان يعلم يقينا أن الله أكبر من منزله الملئ بالألعاب والهدايا والصراخ والشئون التافهة. وكان يصدق أباه الذي لم يجرب عليه كذبا قط أن الله يملك مفاتح السعادة وكنوز الراحة، وأن خزائن حبه لا تنفد أبدا. وحين أغلق الباب خلفه، شعر بإثارة ما بعدها إثارة، وملأ رئتيه بالشغف والتشوف. كان يدرك أن الله قريب جدا، وأنه حتما سيجده هنا أو هناك.

بعد أن أضناه السير، وجد الفتى نفسه بالقرب من حديقة صغيرة، فقرر أن يريح ظهره المشدود إلى الخلف بحمله الصغير، وأن يخرج قدميه للشمس والهواء حتى لا تتقرحا قبل أن يكمل مسيرته الطفوليه نحو الإله. وفوق العشب، رأى الطفل سيدة شقت التجاعيد أخاديد في وجهها الصبوح، وأشعل الشيب رأسها الصغير. كانت المرأة تحمل إرثا من جمال، وبسمة تتفتق عن أسنان بيضاء وقلب حنون.

تبادل الغريبان البسمة والنظرة، وشعر الطفل بشيء من الألفة تجاه سيدة المكان، وأخذ يقترب منها مادا يده بالطعام والعصير. فمنحته المرأة بسمة أظهرت نواجذها العتيقة، وربتت فوق ظهره بيد معروقة دافئة. ولأن الطفل أراد أن يحظى ببسمة أخرى من ثغرها الرقيق، مد يده بعلبة ثانية من العصير. وظل الهاربان من زحمة الشئون الصغيرة يتبادلان الطعام والشراب والبسمات دون أن يقول أحدهما شيئا. وحين مالت الشمس نحو الغروب، قرر الفتى أن يعود إلى قفصه المعتاد، لكنه استدار بعد بضع خطوات، وعاد ليعانق العجوز التي شاطرته طعامه وشرابه وبهجته.

ولما رجع الفتى، سألته أمه عن سبب تأخره، فقال: “كنت في معية الإله.” ولما عادت العجوز إلى منزلها منشرحة الصدر سليمة الفؤاد، سألها ولدها، “أين كنت يا أماه؟” أجابت: “كنت بصحبة الإله يا بني .. لم أعرف من قبل أنه صغير السن هكذا!”

يمكننا أن نرى الله في هذا العالم المشحون بالمعاناة والآلام والآثام في عيني طفل، ووجه عجوز. ويمكننا أن نلمسه ونحن نربت فوق ظهر يتيم أو رأس مريض. ويمكننا أن نقبله حين نلثم وجوه أمهاتنا وأكف آبائنا. مساكين هم أولئك الذين حبسوا إلههم في الصوامع والبيع والصلوات والكنائس والمساجد! ومعتوهون من أرادوا أن يدافعوا عن الإله بالقتل وهتك الأعراض وسفك الدماء. وما غاب الإله عن نوادينا إلا لارتفاع أصواتنا واختلافنا على أنبيائنا. والذين لم يجدوا الله في جلسة هادئة فوق العشب الأخضر أو نظرة راقية نحو السماء الصافية أو رقدة غافية فوق صخرة في فلاة، لن يجدوا الله في الكتب السماوية ولا في المحاريب والمعابد.

لا يحتاج الرب إلى سيوفنا الصدئة وخيولنا العرجاء لندافع عن وجوده في ساحات ملكه، ولا يحتاج إلى عقائرنا المتآكلة لتصل كلماته إلى قلوب غلف وآذان صم. فالطيبون لا ينفرون العباد من رب العباد، ولا يقنطون أحدا من رحمته التي وسعت كل شيء. لكنهم يأخذون بكل ما يجدونه في طريقهم من أيد رأفة بالناس ورغبة في إخراجهم من ظلمة البيوت وظلام النفوس وظلم ذوي القربي إلى ساحة الأنس به، وجميل الرغبة فيه. فالذين لا يجدون الله في نفوسهم، لن يجدوه في دور العبادة أو في متون الكتب.

يوما خرج بوذا كما خرج الغلام بحثا عن إله، لكنه عاد بعد سنوات من البحث العبثي، فلما سأله أحدهم: “هل وجدت الإله يا بوذا؟” أجاب: “لم أجد الإله، لكنني علمت الكثير عن بؤس الإنسان.” ومنذ عودته، قرر بوذا أن يكون يدا تربت على كتف الأطفال، وتقدم الطعام للمحتاجين والمساكين والأرامل. قرر بوذا أن يحمل هم الإنسان، فعرف الإله وعرَّف الناس به.

فأين نحن معاشر المتحدثين باسم الإله، والممسكين بصكوك غفرانه وأسواط لهيبه من عظمة تتسع لكل الخلائق، وتشمل كل الناس؟ من ذا الذي يتألى على الله، فيدخل أحدهم جنة نعيم، ويزج بالآخر في سقر؟ ومن يضمن أن يبقى المؤمن مؤمنا حتى حشرجة الموت، أو يبقى الضال بعيدا قبل خروج الروح؟ وما أفسد كنيسة العصور الوسطى وآبائها المبطلين، وصرف الناس عن ملكوت الرب ورحمته إلا الذين قنطوا الناس من رحمة ربهم وسدوا في وجوههم سبل الأوبة وطرق الخلاص. فما هكذا تورد الإبل أيها الدعاة، ولا هكذا تعرف الدواب طريق المرعى.

*كاتب المقال

 

Shaer129@me.com