انطلاق حملة تطعيم شلل الأطفال بالدقهلية فى الفترة من 16 إلى 19 فبراير

كتبت : مني الحديدي

أعلن الدكتور سعد مكي وكيل وزارة الصحه بالدقهليه عن انطلاق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال بالمجان في الفتره من 16/2/2020حتى 19/2/2020،ويأتي ذلك في إطار تعليمات    وزيرة الصحة و السكان من أجل استمرار الحفاظ على مصر خاليه من شلل الأطفال

والتطعيم لجميع الأطفال المصريين و غير المصريين المقيمين بمصر من عمر يوم حتى 5 سنوات وذلك باستخدام الطعم الفموي سابين ثنائي التكافؤ ،وسيكون عدد الأفراد المشاركين في الحمله 5 آلاف فرد وتشمل الحملة الأماكن الحضرية من خلال فرق متحركه من عمارة الى عمارة و فرق ثابته في مكاتب الصحة و الميادين الكبرى و محطات القطار و الأتوبيس و أماكن التجمعات والأماكن الريفية من خلال فرق متحركة من منزل الى منزل و فرق ثابتة في الوحدات و بعض الأماكن المميزة ذات التردد العالي

يذكر أن المستهدف التقديري لهذه الحملة هو تطعيم عدد   مليون طفل تقريبا من عمر يوم إلى 5 سنوات

وشدد على جميع العاملين بقطاع الطب الوقائي بمديرية الصحة بالدقهلية و الإدارات المختلفة بذل كل الجهد لإنجاح الحمله للحفاظ على مصر خالية من شلل الأطفال .

وزير الاتصالات يزور الدقهلية ويلتقى بمحافظ الإقليم لدعم مشروع التحول الرقمى

كتبت : مني الحديدي

استقبل الدكتور أيمن مختار محافظ الدقهلية قبل ظهر اليوم الخميس الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمكتبه بديوان عام المحافظه وبحضور هيثم الشيخ نائب المحافظ وذلك في إطار زيارة وزير الاتصالات لافتتاح وتفقد عدد من مشروعات التحول الرقمي والخدمات البريدية بمدينة المنصورة وطلخا ومشاركته مؤتمراً بجامعة المنصورة لتعظيم التعاون بين المحافظة والجامعة والوزارة في مجال الاتصالات والتعليم عن بعد .

وأكد مختار علي التعاون والدعم الكامل لمشروع التحول الرقمي الذي أطلقه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية لسرعة تقديم الخدمة للمواطنين والتعاون التام بين جميع مؤسسات الدولة .

ومن جانبه أكد وزير الاتصالات علي تطوير البنية التحتية للاتصالات بجميع مراكز ومدن محافظة الدقهلية بما يتناسب مع السرعة المطلوبة لتقديم الخدمات للمواطنين تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية بضرورة تعميم مشروع التحول الرقمي في كافة المحافظات

حضر الزيارة عدد من نواب البرلمان عن محافظة الدقهلية والقيادات التنفيذية لقطاع الاتصالات والبريد .

المستشار عدلى حسين ضيف برنامج ” طريقى ” ..السبت

كتبت : أسماء عبد العظيم
يستضيف برنامج ” طريقى ” فى الخامسة مساء السبت القادم على الهواء مباشرة ، شيخ القضاة وعمدة المحافظين المستشار عدلى حسين ، رئيس محكمة استئناف القاهرة ومحافظ المنوفية والقليوبية السابق ، فى حوار خاص عن نشأته وطريق كفاحه من طالب متقوق وحصوله على ليسانس الحقوق وماجستير فى القانون الجنائى ، وتعيينه وكيل نيابة أمن الدولة العليا ، وتحقيقه فى أشهر القضايا عام 1971 قضية 15 مايو المسماة بثورة التصحيح فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات ، وتدرج المستشار عدلى فى السلك القضائى حتى وصل رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة . ويعتبر المستشار عدلى أصغر محافظ للمنوفية عام 1993 وظل فيها 7 سنوات ، ثم تم تكليفه محافظ للقليوبية أواخر 1999 وظل 12 عاما . ويتقلد المستشار عدلى حسين فى الوقت الحالى منصب رئيس لجنة فض المنازعات بوزارة العدل ، ورئيس مفوضية الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات ومقرها ” روما ” . برنامج ” طريقى ” يذاع السبت من كل أسبوع فى تمام الخامسة مساءا على قناة مصر الزراعية ، من تقديم طه اليوسفى ، ورئيس التحرير الكاتب الصحفى مدحت محى الدين .

دور الشباب في مواجهة الفكر المتطرف..دراسة وبحث: الدكتور عادل عامر

 

الملخص: للشباب دور كبير في تنمية وبناء أي مجتمع لمواجهة أي أخطار خارجية كـالتطرف العنيف، ولا يقتصر دورهم على مجال محدد، بل يتقاطع مع جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وجميع قطاعات التنمية، أيضا لهم دور كبير في مناهضة التطرف العنيف، لذلك يعد مشاركة وإزالة الحواجز من أمام الشباب في عملية توعية ومكافحة التطرف هو أمر ضروري.

إذا هذه بعض من العوامل والأسباب الرئيسة التي توفر بيئة جذابة للتطرف العنيف والفكر المشوه، وهنا يجب التركيز على هذه العوامل والأسباب ومعالجتها لأنها تستهدف الفئة الأكبر من فئة الشباب وإيجاد حلول واستراتيجيات لمكافحة التطرف وإشراك الشباب في المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في مكافحة التطرف العنيف.

 إلا أن الشباب ليسوا شريحة مهمشة ولا يجب أن يكونوا كذلك، لأن ذلك يجعل منهم شريحة مستهدفة. الشباب يمتلكون طاقة هائلة وهم الأكثر قدرة على تغيير العالم، والعمل على توعيتهم ودعوتهم للبحث عن فرص لاستثمار طاقتهم.

وعدم توفر هذه الفرص يجعلهم يصابون بالإحباط ويسهل إنجرافهم نحو التطرف العنيف، وضرورة حماية الشباب وإشراكهم في ضل أصبح الانقياد نحو التطرف العنيف أسهل مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلية رأي الباحث أهمية تناول هذا الموضوع يمكن مشاركة الشباب في مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل دورهم كدور رئيسي وفعال في المجتمع، حيث أن بعض مؤسسات المجتمع المدني تقوم بمشاركة الشباب في العملية التوعوية عن طريق مشاركتهم بمناهضة خطاب الكراهية و إثراء الخطاب البديل لإنشاء محتوى رقمي، كإنشاء مقاطع فديو، وكتابة المقالات، والجلسات التعليمية التي تهدف الى توعية الشباب وتقبل الآخر.

 وبالتالي التصدي لجميع عوامل الدفع والجذب التي من شأنها أن تحفز على التطرف العنيف. حيث أن المشاركة الفعالة لفئة الشباب تولد داخلهم بما يسمى “الصمود” وهو أن يتمتع الفرد بالقدرات الإيجابية للمعرفة والمهارات والقدرات للحماية من العوامل التي تؤدي الى الإنجراف للعنف والكراهية.

 مما يسهل عليهم الاندماج مع الآخرين وخلق مساحات للحوار الفعال والبناء ومجتمعات تحتضن التعدديات الثقافية. هناك العديد من الأمثلة عن مشاركة الشباب في مكافحة التطرف العنيف، منها في تونس، تعمل منظمة الشباب ضد الإرهاب، وهي منظمة متخصصة للدفاع عن الشباب، على بناء مقاومة العنف والتطرف العنيف من خلال تحسين العلاقات بين المواطنين والشرطة من خلال البرامج والتدريب، أيضا قد ساعدوا في تحسين المناهج التعليمية لتحسين الفكر الناقد وتقديم مبادئ السلام الصحيحة. هذا مثال على دور الشباب الفعال في المجتمع وكيف يلعب دورا رئيسا في مواجهة التطرف العنيف، وكذلك في توعية الأفراد،

وبالتالي؛ تعتبر فئة الشباب هم وقود التنمية والتطوير المجتمعي لأي مجتمع وأنه لا بد من بذل الجهود للاستفادة من طاقة الشباب. هناك عدة مستويات من مشاركة الشباب في برامج التوعية ومكافحة التطرف في مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار.

 إلا أن مشاركة الشباب ليست عملية سهلة وبسيطة، وأن مشاركة الشباب ليست ببساطة عاملا دلالي على ما إذا كان الشباب يشاركون فعليا أم لا.

 في الواقع، قد تكون مشاركة الشباب محدودة للغاية بحيث أن تكون محبطة للشباب بدلا من تمكّينهم؛ كما اشتكى شاب من أفريقيا “نحن الشباب لا توجه لنا دعوة إلا عندما يحين التلويح بالأعلام والرايات أو وضع الملصقات، أم إذا أردنا اتخاذ قرار وعرض مقترحاتنا فلا تؤخذ بعين الاعتبار، بل تهمش”. بدلا من ذلك، يجب مشاركة الشباب في القيادة  وفي صناعة القرار أيضا وتعزيز شعورهم بالانتماء.

إذا تم تسليط الأضواء التعرف على بعض التعريفات التي  يمكن من خلالها تقديم فهم للتطرف العنيف، وما هي الأسباب التي تقود الشباب للتطرف العنيف؟، وماهو دور المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في مواجه التطرف العنيف. في البداية يجب أن نوضح معنى التطرف العنيف، حسب مجلس الأمن الدولي تم تعريف التطرف العنيف بأنه “كل ما يشير إلى معتقدات وأفعال الأشخاص الذين يدعمون أو يستخدمون العنف بدوافع أيديولوجية لتعزيز الأهداف الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية أو السياسية”.

وأيضا تم تعريف مكافحة التطرف العنيف على الشكل التالي “هو البرامج والسياسات التي تهدف إلى ثني الأفراد أو الجماعات عن نشر الفكر المتشدد والتجنيد في التطرف العنيف واللجوء إلى العنف الموجه أيديولوجيا من أجل تحقيق أهداف اجتماعية، اقتصادية، دينية أو سياسية”.

بعد التعرف على بعض المصطلحات المهمة، نأتي الآن إلى محاولة فهم ما هية الأسباب التي تدفع وتجذب فئة الشباب وهي الفئة الأكبر والمستهدفة من قبل التطرف العنيف. حيث بين مجلس الأمن إلى مدى خطورة التطرف عند الشباب وما هي تداعيات ذلك.

 حيث أن هناك مجموعة من الأسباب بشكل عام  التي تقود الشباب للتطرف مثل الفقر، البطالة، الجهل أو حتى لأسباب سياسية أو دينية وثقافية، إلا أن الأسباب والتداعيات تنقسم إلى “عوامل الدفع” و “عوامل الجذب”

 كم يتم الإشارة إليه في بعض الدراسات والتقارير. عوامل الدفع “هي مثل التهميش الاجتماعي والاقتصادي والديني والثقافي وانعدام العدالة الاجتماعية والإحباط والمستوى المعيشي المتدني كالبطالة والفقر.

 أما عوامل الجذب “هي قوى يمكن أن تكون جذابة لفئة الشباب المحتملين وتجذبهم بشكل خاص للمنظمات المتطرفة العنيفة، مثل فرصة الحصول على مكافآت مالية، فرصة الحصول على حياة ووظيفة أفضل، أيضا هناك عوامل جذب دينية كتصور الخلافة بأنها الطريق الصحيح للجنة”.

وعلية فقد بينت نتائج الدراسة أن ظاهرة التطرف الديني ظاهرة قديمة رافقت الإسلام منذ عصوره المبكرة فحركة الخوارج اعتبرت من قبل أهل السنة و الجماعة كفئة “مارقة”  كفرت المسلمين واستعملت العنف ضدهم، و قد شهدت هذه الظاهرة في الفضاء الإسلامي تناميا متواصلا مع فترات انقطاع منذ تشكل حركة الإخوان المسلمين

و تعتبر فترة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي مرحلة هامة تبلورت خلالها أدبياتها  و تنظيماتها و ازدادت فيها قدرتها على الاستقطاب و التعبئة  وتواصل هذا المسار إلى يومنا هذا. تزامن نمو هذه الظاهرة تاريخيا مع نهاية الحرب الباردة وبروز نظام دولي ذو قطب واحد يسعى للهيمنة على الشعوب واستغلال ثرواتها، تزامنت كذلك مع فشل حركة التحديث ومجهود التنمية في معظم الأقطار العربية والإسلامية

 في إطار نظام اقتصادي وثقافي تحكمه العولمة التي أفرزت تفاقما للتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الشعوب مثلما أفرزت تفاقما لمشاكل البطالة و الفقر وانسداد الأفاق أمام الشباب.

تتعدد الدوافع التي تفسر انخراط الشباب في البلدان الإسلامية أو في أوروبا الغربية في مسار التطرف، في تبني الأفكار التكفيرية الجهادية, كما تتنوع المقاربات التي اعتمدها الباحثون لفهم هذه الظاهرة ومنها بالخصوص المقاربة الاجتماعية والمقاربة النفسية  والمقاربة الدينية الصرفة.

واظهرت الدراسة ان  الشباب هم مصدر احتمالية للتغير الإيجابي وهم أيضا فاعلون، ويقدمون قيمة إضافية لجهود مناهضة التطرف العنيف، كـ وجهات نظر فريدة بشأن القضايا. أيضا العديد من الأفكار والحلول الفريدة، والقدرة على الوصول بشكل أفضل للشباب الضعفاء، إذا أن مشاركة الشباب تعزز من صمودهم بالإضافة الى تعزيز صمود الآخرين.

 ولا بد من الاشارة الى أن الدولة بمؤسساتها كافة ( الرسمية و الأهلية )  تعد الخيار الأول لمواجهة الفكر المتطرف، إلا أنها بينت أن مؤسسات الدولة التي يجب أن تعمل على تعميق رسالة الدولة الأيديولوجية ضعيفة الحضور، وبينت عمق الفجوة المتحققة من وسائل الإعلام الوطني وضعف البرامج الثقافية والدينية الموجهة للشباب لتحصينهم من الفكر المتطرف.

وخلصت الدراسة ضرورة اختيار الوجوه الإعلامية في البرامج الثقافية و الدينية وإعداد قوائم جديدة للضيوف الذين يظهرون في  البرامج الدينية على أن يكونوا من ذوي الثقة والصدق والأمانة والنزاهة،

 ايضا ركزت حول اهمية بناء معايير واضحة لبث البرامج الدينية من حيث المحتوى، وتدريب نماذج وقيادات شبابية مهيئة وقادره على تقديم برامج دينية وثقافية و تعليمية بروح عصرية، ومتابعة شبكات التواصل الاجتماعي من حيث المحتوى المنشور، والذي يتضمن لغة الكراهية والتطرف، وتفعيل دور المؤسسة الدينية ” المسجد و الكنسية ” بطريقة حضارية و تقدمية بوصفها جهة وعظ وإرشاد ديني، وبناء حملة إعلانية وإعلامية واضحة لمواجهة الفكر المتطرف تتضمن

رسائل نصية على الهواتف المتنقلة، ومضات توجيهية على وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وملصقات في الجامعات، والاهتمام بالملاحق الدينية في الصحف من حيث المحتوى والكتّاب والقائمين عليها، وإعطاء الطلبة مساحة للتعبير عن رأيهم في الجامعات وعبر وسائل الإعلام الجامعي المختلفة دون تمييز، 

وتحقيق العدالة في النهج العام  والممارسات التي تعزز الثقة بين الشباب و مؤسسات الدولة، وبخاصة فيما يتعلق بفرص العمل والتعيينات، وإعادة النظر في محتوى مادة التربية الوطنية ودراسة تاريخ مصر من منطلق الأحداث التي مرت به وسياسة الانفتاح و التسامح لدى القيادة في مواجهتها.

في ضوء ذلك يري الباحث إن مصر وهي تواجهه تحديات كثيرة على المستوى الخارجي والداخلي متعلقة بظهور التطرف والتعصب والارهاب بأشكاله المتعددة لجدير أن تتخطى هذه التحديات بقدرات أبنائه وسواعد شبابه

وأن تطور مناهجها وان يشيع فيها قواعد الحوار وتقبل الآخر وتكرس قواعد الحرية والديمقراطية في عالم متعدد الثقافات والقيم , وأن ترفد مجتمعه بطاقات شابة مبدعة تعمل على التغيير والتطوير والإبداع القائم على التخطيط والتنفيذ بكل إخلاص وتغليب مصلحة الأردن الذي يستحق أن يضحي في سبيله وأن ينهض به.

لهذا كان الهدف من الدراسة أن هناك دور مهم ومأمول من مؤسسات التعليم العالي في مواجهة الفكر المتطرف بعملية التعليم لكونها عملية متكاملة تعتمد على أربعة مقومات أساسية هي: الطالب والمنهج وعضو هيئة التدريس وبيئة التعليم.

 وهذا التعليم قائم على التفكير والإبداع وبناء الحوار المفتوح وإشباع حاجات الطلبة، وضرورة وضع خطة استراتيجية بالتنسيق مع استراتيجية التنمية الشاملة للدولة بحيث تكون الأهداف منبثقة من أهداف وحاجات المجتمع، وصياغة المناهج بعقلية منفتحة قابلة للتعديل حسب مقتضيات العصر وتقدم حلول عملية لمشكلات المجتمع.

كما لا بد من بناء برامج إعلامية مخصصة لتوعية الشباب بأمور الدين الصحيحة وتدريبهم على مواجهة الأفكار الضالة، وعقد الندوات والمحاضرات للشباب التي تضم المتخصصين، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الدوافع وراء العمليات الإرهابية.

المقدمة.

هنا يتطلب منا ضرورة ربط التعليم بين الفرصة والتحدي والمحتوى بالأعلام ، لان تأسيس جيل واعي فاهم قادر على موزانة الاشياء والتفريق بينها ،وتعزيز الثقافة التنوع قبول الآخر والحوار ، تسهم في خلق حراك أعلامي واعي يؤسس لمرحلة جديده ، يكون القادة الرأي والتفكير من جيل الشباب عندها يتغير شكل ومضمون المادة الاعلامية ، التي للأسف مازالت لهذا اليوم قاصرة عن تقديم محتوى يرتقي بالإنسان لمستوى يعزز الانسانية ويميز بل يظهر الشكل الحقيقي والواقعي لمنهاج الدين ليكون منهاج حياة .

مع تقدم المجتمعات وتسارع الأحداث، والتوجه الهائل نحو استغلال الثروات وبناء حضارة إنسانية متينة متضامنة لفائدة البشرية جمعاء، يعد الشباب نبض الحدث وقلب المجتمعات النابضة بالحياة للتوجه نحو مستقبل أفضل، إنهم العنصر الأكثر فاعلية وأهمية في عملية التخطيط لمستقبل الأمم الطامحة نحو فجر مشرق وبناء السلام الداخلي والخارجي.

ويمكن القول ان هناك حاجة ضرورية لاهتمام المراكز المجتمعية المختلفة بفتح المجال والفرص للعمل والتنفيس عن طاقات الشباب وتوسيع الاهتمام بمراكز الإرشاد النفسي، فلا بد من الاهتمام بالمعالجة التربوية المتكاملة والبعد عن الجزئية في علاج المشكلات الفكرية والاهتمام بتوفير الحماية المتكاملة لفكر الشباب في العقيدة والعبادة والأخلاق، وعليه لا بد من دعوة المؤسسات الاجتماعية، والدينية، والإعلامية والأكاديمية إلى تبني استراتيجية علمية تهــدف لمواجهة التطرف والانحراف الفكري والظواهر الأخرى ذات الخطورة على المجتمع.

نسعى من خلال هذه الورقة إلى فهم ظاهرة التطرف لدى الشباب وتستدعي هذه المسالة من كل باحث  النأي بنفسه عن كل خطاب إيديولوجي وعدم الاستناد إلى المقاربات التاريخية من قبيل ربط هذه الظاهرة بالمخططات و المؤامرات الخارجية فالقضية تتطلب الالتزام بخطاب علمي يخضع للموضوعية و التجرد و يرتكز على حجج و على دراسات ميدانية .

واعتمادا على مقاربة تاريخية منفتحة على علوم إنسانية متعددة نسعى إلى معالجة جوانب من هذه الظاهرة. المقصود بالتطرف كل فكر راديكالي  يتمايز عن الطرح الفكري الوسطي المعتدل وهو اليوم فكر ذو مرجعية دينية بالأساس.

لا تنحصر ظاهرة التطرف الديني في البلدان الإسلامية بل تمتد خارج الفضاء التقليدي للثقافة الإسلامية لتشمل كل الأديان تقريبا لكن فرادتها أنها فاعلة دوليا ذات قدرة كبيرة على الانتشار و الاستقطاب و ذات عنف غير مسبوق في صيغته الإسلامية. نحن أمام ظاهرة مُعولمة تمس أساسا الفئة الشبابية التي عرفت على امتداد التاريخ بانتفاضها و احتجاجها ومشاركتها الفعالة في الثورات.

إذا يواجه الوطن العربي الان أزمات تنتشر ظاهرة التطرف الفكري في صيغتها السلفية في معظم الدول الإسلامية وغالبية الدول الغربية التي تحتضن جاليات مسلمة، و يبدو أنها تجد رواجا لدى فئة الشباب انطلاقا من المراحل الأخيرة للمراهقة باعتبارها فترة هشاشة نفسية وفكرية.

 لئن يصعب تقديم أرقام دقيقة حول حجم هذه الظاهرة عالميا فانه من الجلي أن الفكر الديني المتطرف يعرف رواجا في صفوف شباب الدول الإسلامية أكثر من بقية الدول.

 إن صعوبة تقديم تقدير كمي لهذه الظاهرة سواء قطريا أو عالميا تعود أساسا إلى ندرة الدراسات الميدانية في الدول العربية و الإسلامية وكذلك إلى استعصاء عملية رصد الشباب المتبني لهذا الفكر باعتباره لا يفصح دائما عن توجهاته الإيديولوجية و لا يلتزم بالزي المميز للسلفية، و من المرجح أن انتشار هذا الفكر يتم على شكل “بؤر عائلية” أو “بؤر اجتماعية” تتطابق جغرافيا مع الأحياء الشعبية الفقيرة في المدن الإسلامية  والأحياء التي تعيش فيها الجاليات الإسلامية حول المدن الغربية حيث يتفاقم الإقصاء والفرز الاجتماعيين وتطرح مسألة الهوية نفسها بقوة.

 نعتقد أن دراسة التوزيع الجغرافي والاجتماعي لهذه الظاهرة إضافة إلى المسح الكمي يحتاج لمجهود إضافي من قبل البحثين ومراكز الدراسات.

لذلك فان إشكالية الدراسة: فكريا يقوم التيار السلفي على إعادة إحياء ممارسات السلف الصالح أي المسلمين الأوائل من أصحاب النبي والتابعين وأتباع التابعين، و تعتبر الوهابية إضافة إلى مؤلفات ابن القيم الجوزية  و ابن تيمية من أهم المصادر الفكرية للسلفية. يقوم هذا التيار على فكرة “التوحيد”

وهي مقولة لها وجهان، وجه عقائدي يتمثل في تنقية الدين الإسلامي من كل الشوائب ووجه سياسي يستند إلى فكرة “الحاكمية” حاكمية الله والرسول. يتفرع هذا التيار المتطرف إلى عدة اتجاهات منها السلفية العلمية والسلفية الجهادية، ولئن تشترك هذه التوجهات السلفية في مقولات التوحيد والحاكمية ومصدر التشريع،

 فإنها تختلف في قضية تنزيل الحكم الشرعي أي في العلاقة بين النظرية والتطبيق. من السلفيين من يقر بعدم إمكانية تطبيق الأحكام الشرعية بسبب العجز والضعف ومنهم من يدعو إلى تجسيم هذه المقولة عبر “الجهاد” ضد الأنظمة التي لا تلتزم “بما أنزل الله”. تشكل هذه النقطة إحدى أهم عناصر الهوية السلفية.

يحمل هذا الفكر المتطرف نظرة مثالية للماضي الإسلامي و خاصة الإسلام المبكر الذي يشكل مثلا أعلى يعمل التيار السلفي من أجل إحيائه وإعادة إنتاجه.

وتأتي أهمية دراسة لأثبات ان رفض السلفية حصر الدين في التاريخ وربط القران وآياته بأسباب النزول لأنها تعني إخراج العقيدة من حيز الواقع والمستقبل, تعنى تجريد القران من أزليته. استنادا إلى مقولاته يقسم الفكر السلفي البشر والأنظمة السياسية إلى مسلمين وكفار، وتؤدي هذه النظرة القائمة على الثنائية إلى تكفير كل ما هو غير مسلم،

وهو مسار فكري يفضي إلى العنف، لذلك يصنف الفكر السلفي مثل معظم المنظومات الفكرية المتطرفة كفكر عدمي.

 وتؤمن بعض الجماعات السلفية بفكرة اقتراب يوم القيامة، وهي مقولة مستمدة من بعض كتب الفقه و من حديث نبوي ضعيف يقول أن فرقة صغيرة من “المؤمنين” ستواجه أغلبية من المسلمين المنافقين في منطقة تقع شمال سوريا يعتقد أنها دابق وستتوسع المعركة إلى حرب ضد الكفار في الشام والقدس حيث سيساندهم المسيح، وسيؤدي انتصار “المؤمنين” في هذه الحرب إلى نهاية العالم, دابق ستكون معركة أخر الزمان.

 تسعى بعض التنظيمات السلفية مثل تنظيم الدولة الإسلامية إلى تحقيق هذه المقولة على أرض الواقع. في هذا المستوى نهتم بالظاهرة على مستوى الممارسة أي البراكسيس وهي مرحلة تتلو عملية تمثل وتبني الطرح السلفي الجهادي،

 لكن وجبت الإشارة إلى أن أوساطا واسعة من الشباب لها استعداد لتبني الأفكار المتطرفة دينيا بينما أقلية منهم مستعدة للمرور إلى مرحلة الفعل الإرهابي. ماهي الدوافع التي تؤدي إلى بلوغ مرحلة العنف؟ وماهي خصوصيات الفعل الإرهابي؟

مشكلة الدراسة

ان تناول مسألة مقاربة أخرى تاريخية حضارية تقرأ الظاهرة الإرهابية في إطار صراع الحضارات الذي أعلن عنه هنتنغتون. يقول هذا المفكر أن الصراع في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة و توقف الصراع الإيديولوجي سيكون صراعا بين الحضارات والثقافات وأن أهم صراع سينشأ بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.

 استند بعض الباحثين إلى هذه المقاربة وفي إطار دراستهم لظاهرة الإرهاب شددوا على الصراع الحضاري- الثقافي بين الإسلام والغرب وطرحوا إمكانية بروز صراعات ثانوية بين ثقافات فرعية مثل الصدام بين السنة و الشيعة الذي ينخرط فيه التيار السلفي الجهادي.

أما المقاربة الاجتماعية فتؤكد أولا أن المسار نحو التطرف مسار لا يقتصر على الإسلام بل يشمل كل الإيديولوجيات، وأن انتشار الأفكار الراديكالية مهما كانت توجهاتها تقوم على العلاقات الاجتماعية بما فيها العلاقات الأسرية وعلاقات الصداقة لكن شرط أن يتوفر سياق معين. هذه المقاربة تفسر إقبال الشباب على تبني الأفكار الجهادية والانضمام للتنظيمات الإرهابية باعتبارها توفر الفرصة لهم للمشاركة في صنع عالم جديد يمحو تاريخهم السابق وهو تاريخ ارتبط بالتهميش و الاحتقار وانعدام الدور والثقة في النفس  وفي المستقبل.

وتتمحور مشكلة الدراسة: أن ظاهرة التطرف الديني ناتجة عن تضافر العوامل الشخصية مع السياق. على المستوى الشخصي توجد أربعة ملامح للشباب المؤهل لتبني الفكر المتطرف:

شاب يبحث له عن الهوية: لأنه يشكو من وضعية عدم الاستقرار، عدم الاندماج.

شاب يبحث عن المشاعر: تجذبه الحرب أو العنف أو المشاعر القصوى.

شاب يبحث عن العدالة: له دافع إيديولوجي لا سيما إذا ما عاش في ظل حوكمة سيئة.

شاب يبحث عن الأهمية: يريد أن يعيره الناس اهتماما.

على أن هذه الملامح لا تجعل الشاب يتبنى أليا الأفكار الدينية المتطرفة إلا إذا ما وجد في ظل سياقات مساعدة منها:

عدم وضوح الهوية الخاصة بالمجموعة التي ينتمي إليها الشاب

غياب العدالة السياسية وانسداد الآفاق الاجتماعية.

الشعور بالانتماء إلى مجموعة تتهددها أخطار معينة.

هذه الملامح الشخصية عندما تتضافر مع إحدى السياقات الواردة يمكن أن تفرز توجها راديكاليا أي توجها نحو أفكار متطرفة دينيا و حتى توجها عنيفا نحو الإرهاب.

ويمكن صياغة تساؤلات البحث في التالي:

  1. ماهي خصوصيات الممارسة الجهادية العنيفة في السنوات الأخيرة؟
  2.   الكيانات السياسيّة الّتي أفرزها الفكر الديني المتطرّف: الدولة الإسلاميّة نموذجا
  3. ضرورة تركيز قاعدة ترابية للتنظيم أي تأسيس كيان سياسي تنطلق منه عملية التغيير.
  4. إعلان الخلافة وهي نقطة خلافية بين التنظيمات الإرهابية الموجودة في المشهد على مستوى التوقيت وليس في الجوهر.

أهمية البحث: الإرهاب هو اعتماد الأساليب العنيفة لتغيير الواقع السياسي، وهو ظاهرة قديمة جدا لازمت كل مشروع إيديولوجي سياسي ذو جذور حضارية أو اثنيه أو دينية أو فلسفية، و قد وضعت العلوم السياسية نظرية حول الإرهاب

ومن ثم فأن أهمية الدراسة الراهنة تكمن في انها تسلط الضوء على موضوع يعد من اهم المواضيع التي تغيب عن الباحثين في الأقطار العربية تطرح الآتي: أفرزت الحداثة أربعة مراحل أو موجات للرعب/ الإرهاب تدوم كل موجة حوالي جيل واحد وهي الإرهاب الفوضوي, الإرهاب الكولونيالي (الاستعماري)ثم موجة الإرهاب اليساري الثوري وأخيرا موجة الإرهاب الإسلامي التي انطلقت مع حركة الإخـوان المسلمين وتواصلت في أفغانستان و الجزائر ومصر

انطلاقا من هذه الزاوية نفهم انخراط عناصر جهادية لا تنتمي للثقافة الإسلامية أي أنها قادمة من الغرب وحديثة العهد بالإسلام، نجدها تمارس أقصى أصناف العنف في سوريا   والعراق إذ تؤكد بعض الدراسات أن 5 % من المقاتلين في سوريا والعراق ينتمون للدول الغربية، حديثي العهد بالإسلام,

 فكيف اقتنعوا  بسرعة بالطرح السلفي الجهادي؟ انه شكل من الرفض لحضارة الحداثة في الغرب،  لهذا يطرح أحد المفكرين وهو أوليفي روا فكرة فصل الدين عن الثقافة بمعنى أن الانتماء الديني لم يعد مرتبطا بفضاء ثقافي بل أصبح عابرا للثقافات لهذا استنتج أن الدين اليوم محدد للهوية.

ومن ثم فأن الدراسة الراهنة  لان موجة إرهاب الخامسة هي موجة التنظيمات الإرهابية التي انفصلت عن التنظيمات الأم لتصبح أكثر راديكالية وهي تنظيمات تدافع عن مثل أعلى وتسعى لتجسيده عبر استعمال واسع للعنف.  تشكل الأساليب العنيفة التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية بالنسبة للشباب المشارك فيها أداة للخلاص، أداة لمحو الذنوب لدى الجهاديين الجدد، فهم بعنفهم الجهادي ضد الأنظمة الرسمية يثأرون للقمع الذي تعرضوا له، للإهانة  والإقصاء الذي مورس عليهم وفي نفس السياق كتب فرانز فانون  حول عنف المستعمر ضد المستعمِر فقال أن العنف يزيح حالة التسمم لدى المستعمر  وتخلصه من عقدة النقص

  وتعيد له الثقة في النفس، وبالتالي بالنسبة  للحالة التي ندرسها توفر الحركات الجهادية عبر الممارسة العنيفة التي توفرها للشباب فرصة للتخلص من الاهانة وللعلاج من التهميش، وفي نفس الوقت تتيح لهم فرصة المشاركة في صنع عالم جديد يمحو تاريخهم السابق.

لذلك إن العنف أو الإرهاب هو نتاج سنوات طويلة من الإقصاء الاقتصادي ومن العنف الشرعي الذي مارسته الحكومات. هذه السياسات وفرت مناخا مساعدا على الاحتجاج والانتفاض  وأفرزت شبابا غير متوازن نفسانيا لذلك يسهل استقطابه نحو فكر راديكالي يتضمن بل يبشر بمشروع مختلف عن النظام السائد ويمنحه دورا ايجابيا و يحقق له هويته وتوازنه. في عصر العولمة اليوم

 و في الفضاء الإسلامي يتخذ الاحتجاج و الرفض من التعبيرة السلفية أداة رئيسية، بالتالي لم يلعب التوجه السلفي الجهادي دور العامل، لم يكن سببا للإرهاب بل هو معطى ذو طبيعة توظيفية، أداة أو وسيلة للتعبير عن الرفض عن الثورة. إذا يحتل الخطاب السلفي الجهادي اليوم مكانة متميزة على مستوى “سوق” الاحتجاج مثلما كان التوجه اليساري  خلال الستينات و السبعينات.

تأتي أهمية البحث في تحقيق الأهداف التالية:

أن أزمة القيم وأزمة الهوية والهشاشة الاجتماعية  والنفسية المتأتية من منظومات حوكمة غير عادلة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى العالمي

 هي التي تقف وراء انتشار الفكر المتطرف لدى الشباب في العالم الإسلامي  وخارجه. تتطابق هذه الظاهرة جغرافيا مع البلدان الإسلامية التي فشلت فيها التنمية وغابت فيها المشاريع الوطنية وتراجع فيها التسامح الطائفي واحتدت فيها التناقضات، أما على مستوى دولي تعكس هذه الظاهرة اختلالا في العلاقات بين المركز والأطراف.

إن التطرف الديني في صيغته الراهنة هو في جوهره حركة احتجاج ورفض لمنظومات سياسية واقتصادية وثقافية تحكم العالم، هو احتجاج يرقى إلى مرحلة الثورة لفئات تمثل ضحايا الاختلالات الاجتماعية والنفسية وتطور هذا الرفض إلى السعي لتغيير الواقع باستعمال أساليب تزداد عنفا مما يؤكد تفاقم المشاكل التي أفرزته ويتزامن كل هذا مع تنامي ظاهرة العولمة السياسية  والاقتصادية والثقافية.

يبدو أن هذه الظاهرة حتى بعد القضاء عليها أمنيا وعسكريا ستتواصل  وستتخذ أشكال جديدة يصعب التكهن بها، ونعتقد أن محاصرتها و التصدي لها لا يتم إلا عبر إرساء منظومة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية بديلة تحد من الحيف وتوفر حد أدنى من العدالة الاجتماعية، توفر التوازن النفسي  والاجتماعي للشباب

 و تفتح أمامهم الآفاق لإثبات الذات منظومة من شأنها أن، تنفي السياقات المساعدة على ولادة وانتشار المشاعر السلبية وأزمة الهوية. يجب بلورة بديل سياسي واقتصادي وثقافي يقطع مع السياقات المفرزة للتطرف ويستند إلى مشروع وطني، إلى مثل عليا وطنية إلى حلم وطني يبعث إنسانا جديدا يرنو إلى المستقبل.

فرضيات الدراسة: تنطلق الدراسة الراهنة من فرضية رئيسية هي: أن أزمة الهوية و ضعف الاندماج و غياب الكرامة لدى أعداد كبيرة منهم معطيات متأكدة تساعدنا على فهم انخراطهم في الجماعات السلفية التكفيرية

وفرعية وهي

  1. أن التوجهات المتطرفة  الراديكالية الرافضة للواقع و للنسق الاقتصادي – الاجتماعي-الثقافي- السياسي سابقة للإرهاب و أن الإرهاب الجهادي ناتج عن تأثير التوجهات الراديكالية على الإسلام.
  2. تأكيد هذه الهوية الجديدة كذلك من خلال التخلي عن لهجاتهم المحلية واستعمال اللغة الفصحى واللباس واعتماد اللحية مع حلق الشارب إضافة إلى التخلي عن الأسماء الحقيقية واعتماد الكنية والانتساب إلى بلد معين.
  3.  مما ساهم في تبلور هذه الهوية تعاظم المشاعر السلبية لدي أوساط واسعة من الشباب من قبيل ضعف الشعور بالأنا والشعور بالظلم والإهانة والعيش في ظل علاقات أسرية مضطربة

منهجية البحث: من الأهمية بمكان: ان تستند البحوث والدراسات الي القواعد النظرية العملية التي تساعد الباحث علي توجيه بحثه الي الأسباب التوضيحية والعوامل المفسرة ل (موضوع البحث) كما هي في دراستنا الراهنة ومن ثَمَّ دراستها بأسلوب متعمق، وفي ضوء ذلك يتم استنباط أحكام أو قواعد؛ يمكن عن طريقها إجراء تعميمات تساعد في حل المشاكل الاجتماعية، ويشيع استخدام ذلك المنهج في العلوم الشرعية والأدبية والفقهية والاجتماعية بجميع أطيافها.

الفصل الأول: التوجه الفكري للشباب

كلمة (الفكر) والتفكير والأفكار من الكلمات الشائعة جداً على ألسنة العامة والخاصة اليوم ؛ وعند عودتنا إلى معاجم اللغة نجد أنها تعرف الفكر بأنه :

(إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول) .

ويقولون : فكّر في مشكلة : أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها [1] .

ولعلنا نعرف التفكير بأنه (إعمال الإنسان لإمكاناته العقلية في المحصول الثقافي المتوفر لديه بغية إيجاد بدائل أو حل مشكلات أو كشف العلاقات والنسب بين الأشياء) [2] .

ومن خلال هذا التعريف ندرك أن الفكر ليس شيئاً مطابقاً للأحكام والمبادئ ، ولا مطابقاً للثقافة أو العقل أو العلم ، وإنما هو استخدام نشط لكل ذلك بغية الوصول إلى المزيد من الصور الذهنية عما يحيط بنا من أشياء وأحداث ومعطيات حاضرة وماضية وتوسيع مجال الرؤية لآفاق المستقبل .

وبناء على هذا فإن العالم غير المفكر ، فقد يكون المرء عالماً ولايكون مفكراً . وقد يكون مفكراً ولايكون عالماً ، وذلك لأن الميدان الأساس للعلم هو الإلمام بالجزئيات ؛ أما ميدان الفكر فهو إبصار (الكليات) والاشتغال عليها ؛ وقليل أولئك الذين يسمح لهم الاشتغال بالجزئيات بالتوجه إلى النظر الكلي ، كما أن طبيعة الاشتغال بالقضايا الكبرى (تزهد) المفكرين في الاهتمام بالمسائل الجزئية ، حيث يرون أنها مندرجة في أنظمة أشمل تتحكم فيها

ومع افتراق الطبيعتين إلا أن هناك خطوطاً عريضة تجمع بينهما أهمها :

أن كلاً من المعطيات الفكرية العامة والجزئيات العلمية الصغيرة يميل إلى الظن والتخمين والبعد عن اليقين ؛ وذلك بسبب أن الجزئيات هي مناط الاجتهاد ، ونتائج الاجتهاد تكون في الغالب ظنية ، كما أن وفرة العناصر والمعطيات التي تساعد في تكوين الرؤى الكلية تجعلها بعيدة أيضاً عن الصلابة والجزم ؛ لكن (الإحالات الثقافية) والخبرات المتراكمة تنقلها إلى حيز اليقين أو الرفض أو التعديل بعد مدة زمنية معينة .

لكن هذا لايهوّن أبداً من شأن المعطيات الفكرية ؛ فقد أثبتت التجربة التاريخية أنه (لاشيء يضيع) ؛ فالفكرة مهما كانت ، تترك انطباعا معيناً سلبياً أو ايجابياً ؛ فقد تشكك في مسلمة من المُسلّمات ، وقد تعزز ظناً من الظنون ، وقد تنبه إلى شيء منسي ، وقد تنقذ أمة من كارثة محققة ! !

وكثيراً ما يحدث أن تأتي الفكرة قبل أوانها أو في غير محيطها ؛ فلا تحدث اضطراباً في الواقع العملي ، وهي أيضاً لا تضيع لأنها ستشكل الخميرة التي سوف تنبت يوماً ما أفكاراً أو حلولاً حين تجد المناخ المناسب [3] .

وهناك إلى جانب هذا سمة أخرى أساسية للأفكار ، وهي أن الأفكار التي نستخدمها في حركتنا الاجتماعية تكون في العادة ملائمة للظروف والأحوال المحيطة بها ، ومهمة الأفكار إحداث تغيير ناجح في تلك الظروف نحو الأفضل والأسمى ، وهذا التغيير الذي يحدث يوجب علينا تغيير الأفكار التي نحجت كما تغير الأفكار التي أخفقت ،

 وذلك لأن تغيير الأفكار للظروف يوجدها في ظروف جديدة غير ملائمة لها ، وهذا مشاهد في الأعمال الإصلاحية الكثيرة التي حدثت في العالم ؛ فحين تطرح أفكار وأساليب لتحقيق النظافة العامة مثلاً فإن تلك الأفكار تفقد وظيفتها وأهميتها حين تصبح النظافة عادة للناس ، ويصبح الحث عليها غير ذي معنى ،

 وحين تبلور أفكار في ضرورة إرسال الأولاد إلى التعليم الجامعي ، ثم تنجح تلك في تحقيق مقصدها يصبح الحديث عن تلك الضرورة غير مفهوم وهكذا .. وهذا يعني أن كثيراً من الأفكار تنتهي صلاحيته ليس في حالة إخفاقه فقط وإنما في حالة نجاحه أيضا .. وهذا مغاير بالطبع لحقيقة المبادئ والقيم العليا التي تتأبى على التحقق الكامل ، ويظل بينها وبين التمثل الواقعي هوة دائمة مما يصونه من الاستنفاد ، ويجعل الحاجة إليها مستمرة ، ويكمن مقتل النهضة الفكرية في كثير من الأحيان في التشبت بأفكار حققت غايتها ، وفقدت وظيفتها ، والزهادة في مبادئ توجب طبيعتها الخاصة وجوب المحافظة عليها ؛ لأنها تمثل محور الحياة الفكرية التي لا قوام لها بدونه .

أهمية الفكر :

صدّ تأكيد كثير من مفكري المسلمين على أهمية الفكر كثيراً من الشيوخ والشباب عن الاهتمام بمناهج الفكر وقضاياه ظناً منهم أن ذلك الاهتمام سيكون على حساب العمل والتربية والأخلاق والسلوك .. وسبب هذا الظن أننا حين نتبنى توجهاً معيناً في الإصلاح نلح عليه إلحاحاً يوهم الأخرين بأننا لا نرى سواه . ، وأننا نهمل ما عداه ؛

ومن ثم فإنني أبادر إلى القول : إن استقامة الفكر ونقاءه ليس بديلاً عن التربية ولا الأخلاق ولا أعمال الخير ولا الحركة الدعوية ، ولكنه الشرط الأساس لصوابها ورشدها ، فمهمة الفكر رسم مخطط الحركة وجعلها اقتصادية ،

بحيث تتكافأ نتائجها مع الجهد والوقت المبذول فيها ، كما أنه يحيّد كل الوسائل والأساليب التي ثبت قصورها ويكثف الخبرات والتجارب المكتسبة في بعض المقولات والمحكات النهائية ، ويساعد على طرح البدائل والخيارات في كل حقل من حقول العمل ، وهذا كله لايتأتى عن غير طريق الفكر .

 ويمكننا إلى جانب هذا أن نستجلي مسوغات أخرى للاهتمام بالفكر في المفردات التالية :

1- إن الحضارة الغربية ذات منظومات متكاملة في المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ولها تصورها الخاص في جميع شؤون الحياة ، وهي (الآخر) بالنسبة لنا ، وملاحظاتنا على أنساقها المختلفة ستظل محدودة الأهمية مالم نبلور البديل الأصلح والأنفع والأكمل في تلك المجالات كافة من منظورنا الخاص لنا [4] ،

 ولاسيما أنه الأجهر صوتاً والأكثر عتاداً وعدة ، وإذا كنا نملك قوة الحق فإنهم يمتلكون حق القوة ، ويطالبون بدفع استحقاقاتها .

وبإمكاننا أن نكون محنة وتحدياً حقيقياً لهم في حالة واحدة ، هي أن نستطيع تقديم رؤيتنا الكونية بشكل واضح ، وأن نطرح بعض الحلول الجذرية المتميزة لبعض الاختناقات الحضارية التي يعاني منها بنو البشر اليوم ، وهذا لايتم إلا من خلال فيض من الخطط والدراسات والنماذج المتقنة ؛ وهذا كله سبيله الرؤية الفكرية الناضحة والشاملة .

2- من الممكن لكل الأنشطة الحضارية أن تمضي في سبيلها إلى حد معين ؛ فالاقتصاد في أسرة ، والنشاط الزراعي في حقل ، ومساعدة ضعيف في مجتمع ، كل ذلك من الأنشطة التي يتيسر القيام بها دون الحاجة إلى عناء التفكير، لكن عندما يصل الأمر إلي تنشيط اقتصاد دولة أو التخطيط لمجتمع كبير أو حل أزمات حركة أو جماعة في ظروف حاسمة ، فإن التفكير المركز والمعقد يكون هو الآلية التي ينبغي استخدامها .

وإني أعتقد أن معاناة الأمة من بعض المشكلات لمدد تصل إلى قرون كانت بسبب إهمالها للفكر والنقد والمتابعة والمراجعة باعتبارها مبادئ أساسية في التغيير والإصلاح والارتقاء . إن من المؤسف حقاً أن بعض الإسلاميين ينعت الحديث عن الفكر بالحديث البارد ؛ حتى إذا طرحت مشكلة وطلبت حلاً لها لم تجد إلا الوجوم أو الهروب ! !

3- إن العالم الإسلامي لا يعاني من نقص في الإمكانات ولا الوسائل ، فما هو متوفر لديه إن لم يكن أكثر مما عند كثيرين لم يكن أقل ، لكن مشكلته تكمن في أن فاعلية وسائله ونجاعتها مرتكزة على الأساليب والطرق التي تستخدم تلك الوسائل ؛

 والأساليب تظل محدودة الكفاءة مالم تستند إلى قاعدة فكرية صحيحة ، ترسم خطة واضحة للعلاج والاستطباب من خلال تشخيص الداء وتعيين الأسلوب الأمثل ومقدار التداخل الجراحي المطلوب إلى جانب تحديد أولويات العلاج وتكاليفه وإفرازاته ، وفي هذا المقام نجد أن الأراضي التي تكفي لإشباع قارة لا تشبع بلداً ، وأن وفي الطاقة البشرية الهائلة صارت عبئا بدل أن تكون ميزة تماماً كجيش ضخم لم يلق التدريب ، ولم يجد السلاح ، ولا الخطة القتالية الناجعة فهو أكوام من الكتل البشرية المستهدفة للعدو !

إن قليلا من الإمكانات والوسائل مع كثير من الفكر والتخطيط والفاعلية التنظيمية والحركية أعود على الأمة بالخير والنفع من أكداس الأشياء الضائعة والمهملة .

4- عصرنا هذا هو عصر الاكتشاف ، وقد اكتشف الإنسان من الحتميات والسنن مالم يكتشفه في أي زمن من الأزمنة ، ولكنه إلى جانب ذلك اكتشف من الفرص والخيارات الشيء الكثير ، وإن كثيراً مما كان يفرض فرضا صار اليوم موضع خيار ، وإن وجود حتميات وضغوط وخيارات كثيرة يلزمنا باللجوء إلى التفكير الفعال ؛ حتى لانصل إلى طرق مسدودة ، وحتى لا نضيّع فرصاً متاحة ، إذ إن كل فرصة بحاجة إلى قرار ، وصاحب ذلك ضعفُ وضمورُ ما كان يستخدم في الأصل بديلاً عن التفكير مثل العادات والتقاليد والمذاهب التي توفر في العادة استخدام العقل [5] .

5- الاستقرار النسبي كان سيد الموقف في العصور الماضية ، وبما أن الأشياء لا تتغير كثيراً فإن التكرار كان البديل الصالح عن التفكير ، كما أن قلة قليلة من الصفوة كانت تملك اتخاذ القرارات ، وكانت تقوم بالتفكير عن الباقين ، وكان صنع القرارات الشخصية ميسوراً ومحدوداً لكن المجتمع اليوم لا ينعم بالاستقرار بسبب معدل التغيير الذي تغذيه (التكنولوجيا (والطموحات الاجتماعية [6] .

6- حينما تصاب أمة بدمار شديد أو زلزال ماحق فإنه يبقى لها بعد انهيار بنيانها شيئان : مبادئها السامية الكامنة في شخصيتها الاجتماعية ، وأفكارها وخبراتها التاريخية والحضارية ، وهي تستطيع من خلالهما استعادة كل ما فقدته عندما تتوفر إرادة تجاوز المحنة ، فقد دمرت الحرب كل شيء في ألمانيا ، ولم يبق لديها إلا مخزون الأفكار وعزيمة الانتصار ، فتمكنت من إعادة بناء مصانعها على ضوء الشموع بعد اندحار الهتلرية [7] وهكذا فإن أمة كأمتنا تستطيع بتوفيق الله أن تنجز الكثير ، وتستعيد الكثير إذا ما استطاعت صياغة أفكارها من جديد ، وتلمس سبل النجاة والفلاح .

وهكذا نستطيع القول بعد كل ما مضى : إن توسيع آفاق الفكر لدى المسلم سوف يؤدي إلى توسيع مجاله الحيوي ، ويقلل من ضرورات حركته [*] .

إذا تحول لون الاحتجاج أو التوجه الفكري للاحتجاج للثورة التي ارتبطت تاريخيا بفئة الشباب من اليسار إلى اليمين، من احتجاج له واجهة شيوعية، باعتبار أن الشيوعية شكلت خلال الستينات والسبعينات حلما، مثلا أعلى للنخب المثقفة للشباب الثائر وللفئات  المحرومة، إلى احتجاج “أسود” ذو مرجعيات غير حداثية، تتطابق جغرافيا مع البلدان التي فشلت فيها الحداثة، هذه المرجعية تشكل مثلا أعلى مستمد من الماضي التليد للإسلام، وهذا ما يفسر تنامي الحركات الجهادية في الفضاء الإسلامي.

لكن لماذا ينحصر الفعل الإرهابي المتطرف في الجماعات السنية و ليس له امتدادات لدى الشيعة؟ العنيفة التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية اليوم تناميا في درجة العنف مقارنة بفترة التسعينات، ربما يصعب تفسير هذا التحول، إلا أن المشاركين في الأعمال الإرهابية يرون أنفسهم يدافعون عن “قضية عادلة”، هذا الشعور يمكن الفرد من تجاوز كل المعوقات والمحاذير.

تهدف كذلك إلى التسويق للمشروع الإرهابي عبر الصورة، كما أن لها أبعادا رمزية. تبدو هذه المسرحة من خلال مشاهد الإعدامات في حق ضحايا تحمل شحنة رمزية ( جنود العدو- صحفيين..)

وترافق هذه العمليات طقوسية خاصة كأنها طقوسية قربانيه (حفل – سكين- نار..) ويتم إلباس الضحية اللباس البرتقالي وهو نفس الزي الذي ألبسه الأمريكيون لسجناء غوانتانامو، في هذه المشاهد نحن أما م ردة فعل على ما تحمله سجناء التيار السلفي الجهادي من إهانة، بل نحن أمام شكل لتجاوز تجربة الأسر التي تعرض لها العديد من مقاتلي وقيادي تنظيم الدولة الإسلامية.

إن طقوسية الموت من خلال المسرحة تمزج بين إحالات سياسية  وبسيكولوجية ودينية، وتشكل نوعا من الثـأر ضد معاملات مهينة في حق المساجين الإرهابيين، هي بمثابة حفل طقوسي يهدف إلى إصلاح خطيئة قام بها الرهينة/الضحية أو الطرف الذي ترمز إليه.

هنا ننتقل إلى الممارسة على المستوى التنظيمي وهو مستوى يشهد في السنوات الأخيرة تحولات هيكلية. اتخذت المجموعات الشبابية الحاملة للفكر المتطرف أشكالا تنظيمية عديدة أشهرها تنظيم القاعدة وتنظيم جبهة النصرة

ويعتبر تنظيم الدولة الإسلامية أكثرها إشعاعا وتطرفا، مع هذا التنظيم أفرزت الظاهرة الإرهابية في صيغتها السلفية الجهادية كيانا سياسيا قائم الذات، ونشوء هذا الكيان يعود لعدة عوامل منها استفادة هذا التنظيم من حالة الفراغ السياسي في العراق  وسوريا في السنوات الأخيرة ومنها كذلك الشعور بالإهانة الّذي انتشر لدى سنة العراق إثر سيطرة الشيعة على السلطة ومنها الدعم المالي والعسكري الذي توفر له من أطراف عديدة تسعى لخدمة مصالحها السياسية والاستراتيجية.

 ويتمايز هذا التنظيم على مستوى التكتيك الذي يعتمده في الممارسة العنفية عن التنظيمات السابقة فقد تخلى عن الإرهاب العابر للقارات والموجه للعدو البعيد وهو الغرب المسيحي وأصبح يركز عمله العنيف على العدو القريب.

وتطلب ذلك إنشاء قاعدة ترابية للمشروع المتطرف, فلأول مرة يسيطر تنظيم جهادي يضم مقاتلين من دول مختلفة تقدر بـ 100 جنسية على مجال ترابي ويعمل على إخضاعه وتنظيمه  وتسييره.

 نحن في الحالة “الداعشية “أمام شبه دولة تستوفي العديد من شروط الكيانات السياسية كالسيطرة على رقعة جغرافية والتحكم في مجموعة من السكان يعترفون بسلطة سياسية، وحتى اعتمادا على مقاييس ماكس فيبر الذي يعتبر الدولة كيانا سياسيا ذو طابع مؤسساتي, يستدعي تسييرها احتكار هذا الكيان للقوة والعنف المادي /الشرعي، يوفر هذا الكيان جزء هاما من هذه المعايير.

ونعتقد أن الدولة الإسلامية توفر الأشكال الثلاث للشرعية التي بينها فيبر: شرعية القائد الكاريزمي المتمثل في الخليفة أبو بكر البغدادي والشرعية التقليدية التي تتجسد في مؤسسة الخلافة والشرعية القانونية العقلانية المستمدة من تقديمها للخدمات الاجتماعية للسكان.

تاريخيا تعتبر الدولة الإسلامية كيانا سياسيا دينيا ارتبط تأسيسه بالتقاء مجموعة سلفية جهادية متطرفة بمجموعات بعثية في العراق الشيء الذي جعل منها كيانا تمتزج فيه الدوافع الثورية بالدوافع الثأرية ليمارس عنفا غير مسبوق. كانت بدايات هذا الكيان كفرع لتنظيم القاعدة إثر الغزو الأمريكي للعراق، اتخذ تسميات عديدة بين 2004 و 2006 منها “تنظيم القاعدة في بلاد العراق” ثم سنة 2006 ” الدولة الإسلامية بالعراق” وفي 2010 تم الاختيار على إبراهيم عواد البدري الملقب بأبي بكر البغدادي أميرا عليها، في 2013 أعلن البغدادي عن تأسيس ” الدولة الإسلامية في العراق والشام”

 مما عكس المشروع التوسعي لهذا الكيان ورغبته في تجميع كل القوى المقاتلة تحت نفس الراية، وتنامت قوة التنظيم و قدراته القتالية حتى سيطر في 2014 على مساحة تمتد بين العراق وسوريا تضاهي مساحة إنجلترا ثم أعلن البغدادي عن قيام الدولة الإسلامية  وتركيز نظام الخلافة.

نجح هذا التنظيم المتطرف في فترة وجيزة بفضل قدرة كبيرة على التعبئة وموارد مالية هامة ودعاية ناجعة وعصرية في التفوق على باقي التنظيمات المتطرفة المقاتلة في العراق وسوريا، ساعده في ذلك الفراغ السياسي ولعبة الاستراتيجيات الإقليمية، وتخليه عن النموذج الذي عملت به القاعدة في عملية التعبئة والذي يقوم على انتقاء دقيق للعناصر الإرهابية لتنفيذ عمليات سرية لتنتهج “الدولة الإسلامية” مبدأ الثورة الشعبية المتوطَنة.

على مستوى الممارسة كذلك، تمتع قادة الدولة الإسلامية بقدر لا بأس به من البراغماتية، إذ أنهم يقودون تنظيما متطرفا من أجل إنشاء كيان سياسي ويتخذون من أجل ذلك مواقف تكتيكية من قبيل التحالف مع البعثيين والعمل على كسب مشروعية لدى السكان عبر توفير الأمن  والخدمات الاجتماعية لهم, واستقطاب مقاتلين من جنسيات مختلفة تقدم لهم مرتبات عالية وامتيازات أخرى، هذه البراغماتية تنم عن عقلانية تكتيكية تفترض وجود عقلانية استراتيجية: من هذه الزاوية تعتبر الدولة الإسلامية منظمة ثائرة، واقعية توظف بذكاء طرحا جهاديا متطرفا، غير عقلاني لكن هدفها هو تحقيق مكاسب ترابية وسياسية، إن البعد التوظيفي للدين يجعل ممارسات هذا التنظيم في جزء كبير منها غير دينية، فهو تنظيم إرهابي، ثائر، “مدنس” له واجهة دينية. لكن من جانب آخر يظل حضور الديني قويا على مستوى الخطاب والممارسة:

فقد ركز هذا الكيان منظومة قانونية تستند إلى الشريعة وقام بمراجعة البرامج التعليمية في الأراضي الخاضعة لسيطرته إذ منع الاختلاط وقطع مع اللائيكية فأرسى تعليما دينيا غاب فيه تدريس الموسيقى والفنون والتاريخ والفلسفة، كما قام بتنقية العلوم من كل إشارة إلى داروين أو للربا أو الديمقراطية.

إذا على مستوى الممارسة التنظيمية يتميز الفكر المتطرف بإفرازه لتنظيمات جديدة انشقت عن التنظيمات الأم وأشهرها تنظيم الدولة الإسلامية وتختلف هذه التنظيمات في عدة نقاط منها:

تحديد أعداء التنظيمات المتطرفة وفيه خلاف بين القاعدة التي لا تزال تدافع عن حركة إرهابية جهادية عابرة للقارات وتستهدف العدو البعيد وتستثني الشيعة وبين تنظيم الدولة الإسلامية الذي يمارس اليوم إرهابا ضد الأعداء القريبين ويجعل الشيعة أحد أهم أعدائه ويعود ذلك لطبيعة هذه الدولة التي تعود جذورها إلى الاهانة التي تعرض لها السنة من قبل الشيعة أو الجيش العراقي الشيعي غداة الاحتلال الأمريكي للعراق.

الفصل الثاني: تحصين الشباب ضد الغزو الفكري

نعيش عصرًا تتماوَج فيه الاتجاهات الفكرية وتتبايَن، ويَشهد جيلنا اصطراعًا فكريًّا، يأخذ مدًى بعيدًا في توجيه الشباب والناشئة، وجهات شتَّى تنأَى به عن الجادة التي هدَى إليها دينُنا القويم، بل إن الساحة الإسلامية يَحتدم فيها النزاع، وتَشتد فيها المنافسة بين القنوات الإعلامية المتعددة – مقروءة، ومسموعة، ومرئية – وتَحمل الغَثَّ والسمين مما هو مبثوث من داخل المجتمعات الإسلامية،

أو ما يَفِد إليها من مجتمعاتٍ شتَّى، وهذا ما يؤكد ما ذهب إليه المختصون في دراسة الغزو الفكري، من أن (الفكر والثقافة والأيديولوجيات)، هي محور الصراع الذي تُخطِّط له القوى العالمية الغازية، التي تهدف – فيما تَهدف إليه – إلى العمل الدائب على (تحويل) التوجه الفكري الثقافي لدى شباب المسلمين إلى الوجهات العَلْمانية والمادية، التي تسود الفكر العالمي بعيدًا عن مُعطيات الإسلام؛ كي ينشأ الشباب الإسلامي مَبتوتَ الصِّلة بدينه القويم، مَفتونًا بحضارة الغرب وعوائدها، مُشرَبًا بالرُّوح المادية، مُتطلِّعًا إليها، وأن يظَلَّ على هذا الحال لا يَملِك الفكاك منه، ولا الحَيد عنه!

وعلى هذا، فإن حماية الناشئة وصيانتهم من آفات هذا المد الإعلامي الثقافي وأوضاره وخُبثه – مسؤولية على كاهل الأبوين، ثم رجال التربية بالمقام الأول.

ولقد أخذ الغزو الثقافي امتدادًا عميقًا في أوساط الشباب، وأحدث شروخًا كثيرة في بُنيان المجتمع الإسلامي، الأمر الذي يعطي دَلالات على تقصير الكثير من الآباء والتربويين في النهوض بواجباتهم ومسؤولياتهم التربوية نحو الأولاد، أو أن جهودهم لم تكنْ في المستوى المواكب المكافئ للغزو الفكري المُقنَّن.

ولنَختر – اختصارًا – ثلاثة أخطار هي في بُؤرة الغزو الثقافي الذي يعاني من أوضاره عامةُ الأولاد في البلاد الإسلامية، ويتحتَّم على الآباء إدراكُ أبعادها، والعملُ على تحصين الشباب منها، ووقايتهم:

ومن العوامل المساعدة على الوقوع فيه: الفراغ الثقافي الذي عاشه الكثيرُ من شباب المسلمين في البلاد التي بُلِيت بالاستعمار الغربي في القرن الميلادي الماضي، وأوائل القرن الحالي، حاشا الجزيرة العربية التي حماها الله – بمَنِّه وفضْله، وخَفِيِّ لُطفه – من دَنَس الاستعمار وكيده وخُبثه!

ولئن رحَل الاستعمار العسكري بعد أن استيقَظت في الدول نوازعُ التحرُّر، وصار ذلك توجُّهًا عالميًّا، فإن الغزو الثقافي – وهو الأخطر أثرًا – طفِق يمتد إلى عقول وقلوب الكثير من أولاد المسلمين، حتى تكوَّنت منهم جحافلُ تُناوئ مَن يَكشف زَيْف هذا الغزو الثقافي، فإذا هي تُلاحي عنه، وتعمل جاهدةً على إرساء دعائمه في المجتمعات الإسلامية، عبر مظاهره المتعددة المُتغلغلة في تِلْكُم المجتمعات؛ كالعلمانية، وغيرها معروفٌ مشهود.

وعليه، فإن من واجبات الآباء ومسؤوليَّاتهم التربوية:

• إدراك هذه الأخطار الثقافية، وآثار تِلكم القنوات الإعلامية التي تعمل ليلَ نهارَ لإفساد نزعة التديُّن في الناشئة، وإلهائهم بالشهوات والغرائز عن معالي الأمور.

• العمل الجاد المُثمر في توعية الأولاد وتبصيرهم بأعدائهم، وما يَكيدونهم به، وما يُعِدُّونه من خُطط وأساليبَ، وفي الوقت نفسه تبصير الناشئة بأمور دينهم على مختلف مراحل العمر؛ لتقوم بذلك الحصانة الكافية واللازمة لوقاية الأولاد وفِلذات الأكباد من الخطر الثقافي الداهم، الذي سيَشهد تناميًا مضطردًا على مَرِّ الأيام، على ما هو مُعلن من خلال مؤتمرات القوى المُعادية[6].

وهذا من آكدِ الواجبات والأمانات المُلقاة على عواتق الآباء؛ عملاً بقول الله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

ولعل من أنجع الحلول لتحصين الشباب ضد الغزو الفكري – بعد تعليمهم مُعطيات الدين الحنيف، وتربيتهم على مَعين القرآن العظيم والسُّنة النبوية الشريفة – تحصينَهم بالتزويج المبكر، فإن التزويج – كما في كتاب الله تعالى – واجبٌ شرعي، لا يتكاسل عنه إلا فاجر أو عاجزٌ؛ قال – تعالى -: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]. فإن في النكاح – عدا الإعفاف – من الفوائد ما لا يُحصى؛ كملء الفراغ على الكدِّ والكسْب، ونبْذ البطالة، وتحصيل الأجر في السعي على الزوجة والأولاد وتربيتهم. والله يَحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد.

هذا ومن القواعد والثوابت التي هي بمثابة المحاور العقَدية لإيجاد خطة الحصانة لأولادنا – ذكورًا وإناثًا – ما ذكَر الله تعالى في محكم التنزيل وبيَّنه النبي – صلى الله عليه وسلم – في سُنته المطهرة، ومن ذلك:

 • أن القوى المعادية للإسلام والمسلمين ما تَوَد أن يكون للمسلمين خيرٌ قطُّ؛ فهم يعملون للكيد لهم، وإلحاق الأذى بهم بأي طريق يَقدرون عليه؛ قال – تعالى -: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105].

قال ابن كثير: يُبين – تعالى – شدَّة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذَّر الله – تعالى – المؤمنين من مشابهتهم؛ ليقطَعَ المودة بينهم وبينهم”[7].

– أن أعداء الإسلام يعملون ليَصرفوا المسلمين عن دينهم القويم بشتَّى الوسائل والأساليب؛ قال – تعالى -: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].

وليس المقصود بأهل الكتاب: كعب بن الأشرف، أو حُيي بن أخْطَب، أو غيرهما من أحبار اليهود فحسب، وإنما الآية عامة في كلِّ مَن كان على شاكلتهم؛ كما يقول ابن جرير الطبري[8].

• أنهم لا يَقَرُّ لهم قرار؛ حتى يصيرَ المسلمون على نهْج الكافرين وطريقتهم، بترْك الإسلام – والعياذ بالله – والصيرورة إلى الإلحاد والكفر؛ قال – تعالى -: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].

فالهدى إنما هو الإسلام، فلماذا ينساق بعض المسلمين إلى أهواء الكافرين، والمعنى كما يقول صاحب الكشاف: إن هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى بالحقِّ، والذي يَصِح أن يُسمى هدًى، وهو الهدى كله ليس وراءه هدًى، وما تدعون إلى اتِّباعه ما هو بهدًى، إنما هو هوًى[9]. وهذا أمر معلومٌ، ليس يَجهله مسلم راشدٌ، وإنما هي المُفاصلة؛ فالمِلل متباينة، ومِلة الإسلام هي الحق الذي لا ريبَ فيه، ومن رغِب عنه، خرَج عن الجادة، وخسِر خسرانًا مُبينًا.

• أن اقتفاء أثَر الكفر والإلحاد، واعتناق نظريَّاتهم المناوئة للإسلام، والإعجاب بما عندهم – من أفكار ومبادئ دينهم – خروج عن منهج المسلمين، وقد يصير المسلمون بذلك من الكافرين؛ قال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]،

 وقال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149 – 150]. فلا مُوالاة بين المسلمين والكافرين مهما كانت البواعث والدوافع، ولا طاعةَ لكافر؛ فإنه يُردي المسلم في الهاوية، ويَصُده عن سواء السبيل بكلِّ طريقٍ يَقدر عليه؛ ببَثِّ الفتن تارة، وبالتشكيك في الإسلام تارَة، وبإثارة الغرائز وتوجيهها نحو الشر والإفساد تارة، والله من ورائهم مُحيط.     – أن الركون إلى الكفار والاغترار والاعتزاز بهم، والأخذ من مبادئهم – من سمات المنافقين، ومصير مَن يفعل ذلك النارُ والعياذ بالله؛ قال – تعالى -: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 138 – 139]، وقال: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113].

أي: فإنكم إذا مِلتُم إليهم، ووافَقْتُموهم على ظُلمهم، أو رضِيتُم ما هم عليه من الظلم – مسَّتْكم النار، وفي الآية تحذيرٌ من الركون إلى كلِّ ظالمٍ، والمراد بالركون: الميل والانضمام إليه على ظُلمه، وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم[10].

• إن من المسلمين مَن يتَّبع الكافرين في عوائدهم ورسومهم وأفكارهم، بل وعقائدهم؛ كما أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – في قوله: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنن مَن كان قبلكم؛ شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحر ضَبٍّ لَتَبِعْتُموهم))، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن؟))؛ رواه أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه[11].

وما أشدَّ الافتتانَ باليهود والنصارى في رسومهم وأزيائهم وعوائدهم ونظريَّاتهم، بل ومعتقداتهم، وإن هذا لمن الجهل والسَّفه! وإن دَرءَ ذلك لمن مسؤوليات المسلمين جميعًا من الأُمراء والعلماء، كل بحسَب مكانته ومَقدرته، ويَضطلع الأبوان من ذلك بالسهم الأوفر لولايتهم المباشرة على مَن تحت أيديهم من الوِلْدانِ والأغرار، الذين هم في مَسيس الحاجة إلى الكلمة الليِّنة الواعية، والأسلوب المُسترشد بنور القرآن، المُستنير بهدْي خير الأنام، والله – عز وجل – سائلٌ كل مسلمٍ عما استرعاه عليه.

لقد عرفت البشريّة عامّة والأمّة العربيّة الإسلاميّة خاصّة في هذا الزمان المتأخر، تحوّلات عميقة وجذريّة في الحضارة والفكر والسّلوك، ممّا طرح عديد الإشكالات التي لم تعهدها حضارتنا العربية الإسلامية من قبل، ذلك أنّ المسلم قد أصبح، باعتبار هذه المتغيرات الجديدة، يعيش صدمة من نوع خاصّ، صدمة ثقة، مأتاها من المفارقة التي أصبح يعيشها المسلم – بحكم الانفتاح الكبير على العالم والحضارات الأخرى – تضعه أمام مسلّمتين ذهنيّتين حقيقيّتين؛ الأولى أنّ الإسلام هو دين الحقّ، وأنّ كلّ من خالفه فهو على باطل، والثّانية، ما يراه على أرض الواقع من تقدم فكريّ وحضاريّ وتكنولوجيّ كبير لدى هذا الآخر، الذي هو على باطل طبعًا.

 فاقتضى ذلك تفسيرا معقولا واحدا من تفسيرين اثنين أساسيّين؛ هما:

– إمّا أنّ ذلك بسبب تفريط المسلمين في مبادئ دينهم وأخلاق أسلافهم وأسباب تفوّقهم وتميّزهم الحضاريّ والفكريّ الذي عرفته الأمّة الإسلاميّة منذ عهود طويلة متقادمة.

– وإمّا أنّه بسبب ضعفٍ في خصائص الدّين نفسه، وعجزه – كنظام دولة ومجتمع – عن مواكبة المتغيّرات الحضاريّة ومسايرة تطوّر العصر.

فظهرت لذلك في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة توجّهات فكريّة وسياسيّة وحضاريّة متنوّعة تتكتّل ضمن شِقّيْن كبيرين أساسيّين؛ كلّ منهما يعكس ردّة فعل واحدة عن هذه الصّدمة، تتماشى مع أحد التفسيرين المذكورين آنفا، فظهر:

– شقّ تحرّريّ حداثيّ تغريبيّ له ميولات إلحاديّة يتبنّى القول الثّاني، وهو القول بأنّ الدّين إنّما هو سبب أساسيّ في الجمود الفكريّ والحضاريّ الذي عرفه العالم العربيّ، ومعرقل مهمّ من معرقلات التقدّم والتطوّر.

– وشقّ آخر تأصيليّ إسلاميّ سلفيّ، يتبنّى القول الثّاني، ويرى أنّ أهمّ أسباب التّراجع الفكريّ والحضاريّ، إنّما هو بسبب التفريط في مبادئ الدّين الإسلامي والرّغبة في محاكاة الغرب المتطوّر، وكذلك الغفلة عن أنّ التطوّر المطلوب لا يمكن أن يتحقّق إلاّ بالتمسّك، وبمزيد التمسّك بالدّين، والحفاظ على الأصالة، والتشبّث بالهويّة، والتمثّل بالسّلف الصّالح.

ثمّ إنّ ذلك الشقّ التحرّري الإلحاديّ كان له رواج كبير في القرن الفارط (القرن العشرين)، ثمّ بدأ يتراجع إشعاعه لصالح الشقّ الثّاني، وهو الشقّ التأصيليّ السّلفيّ، خاصّة في نهاية القرن الفارط وبداية هذا القرن (القرن الواحد والعشرين)، ولعلّ السّبب في ذلك فشل التجربة الاشتراكيّة عالميّا وعربيّا.

لماذا؟ لأنّ هذه التجربة لم تستطع أن تقدّم حلولا حقيقيّة لمشكلات المجتمع العربي الرّاهن، ولم تتمكّن من أن تغيّر من واقع الفقر والجهل والتخلّف لدى الإنسان العربيّ.

 فكان الخيار التأصيليّ هو الخيار البديل الأنسب، أو على الأقلّ في عيون الغالب الأعمّ من النّاس، وإن لم يلغ هذا الخيارُ الأسبَقَ، وإنّما هَيْمَنَ عليْهِ وأخَذَ منه المبادَرَةَ فحسب. فظهرت حركاتٌ دعويّة إسلاميّة، وتنظيمات سياسيّة إسلاميّة، ورُؤى فكريّة إسلاميّة، وأنشطة جمعياتيّة إسلاميّة، وشخصيّات قطريّة وعالميّة إسلاميّة، كلّ ذلك في سياق السّعي إلى توجّه بديل عن التوجّه التحرّري التغريبي الفاشل.

ولكنّ ذلك لم يقدّم حلولاً سريعة، لذلك فإننا نرى ردّة فعلٍ واسعةٍ ومنتشرةٍ، خاصّة لدى الشّباب، وهي أنّه كلّما تأخّر الفرَجُ المنتَظَرُ إلاّ واعتبَرَ الشابُّ المسْلِمُ أنّ ذلك بسبب التّساهل في تطبيق الشّريعة، والضّعف في تمثّل ضوابط الدّين على أرض الواقع، فيُلْزِمُ نفسَهُ مزيدًا من التشدّد في تطبيق الشّرع،

ومزيدا من التضييق على نفسه وعلى غيره لتحقيق الموعود، والعودة بالواقع إلى ما كان عليه المسلمون في صدر الإسلام، فأصبح بذلك كلِّهِ سلفيًّا في فكره، سلفيًّا في توجّهه، سلفيًّا في أخلاقه، سلفيًّا في ممارساته، سلفيًّا في اختياراته كلّها، ثمّ شيئا فشيئا، بسبب مغالاته في ذلك، ومبالغته في تبنّي هذا الموقف ورفض غيره من المواقف، صار متطرّفًا دينيًّا، يقوم فكرُهُ كلُّهُ على مسلّمَةٍ واحدةٍ وهي قوله، أو قول لسان حال أفعاله: أنا على حقّ وكلّ من خالفني فهو على باطل، فإمّا أن يتراجع من يخالفني عن باطله ويدخل معي دائرة الحق، أو يصبح لي عدوّا، وعندها يصبح لي الحقّ في مواجهته وإلغائه. ولم ينتبه هذا المتطرّف دينيّا في أثناء حماسته هذه أنّه من شدّة تمسّكه بالدّين قد مَرَقَ منْهُ كما تَمْرُقُ السّهمُ من الرميّة، كما ورد في الحديث النبوي الشريف[2]، لماذا؟ لأنّه خالَفَ روحَ الدّين الإسلاميّ الّتي تقوم على معاني التّسامح والاعتدال والوسطيّة وقبول الآخر مهما كان مختلِفًا، والأدلّة على ذلك كثيرةٌ بارزةٌ ومعروفَةٌ.

هكذا برزت هذه الفئةُ المتطرّفةُ دينيًّا في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة، وإن كان هذا كلّه قد لا ينفي نظريّة المؤامرةِ التي يتبنّاها بعضُ المفكّرين، والتي تَعْتَبِرُ أنّ هذا الفكرَ، إنّما هو إحدى صنائع الغرب الاستعماريّ المتآمر على الإسلام والمسلمين؛ أي لا ينفي معقوليّة جانبٍ منها على الأقلّ، وإن كنتُ شخصِيًّا أرى أنّها مُرِيحَةٌ جدًّا إلى حدٍّ لا يمكِنُ معه أن تكون حقيقيّة.

فكان على هذه الفئة أن تجد لها مستقَرًّا في المجتمع الذي ظهرت فيه، من أجل – أولاً – حماية وجودها والمحافظة على استمراريّتها – وثانيًا – إنجاح مشروعها وتحقيق أهدافها. فكانت المواجهةُ مع الآخَرِ مواجَهَةً قائمةً على فكرةِ إلغَاءِ هذا الآخر والتخلُّصِ منهُ على جميع المستوياتِ: فكرًا، وعقيدةً، ومجتمعًا، وسياسةً، وحتى وجودًا حسيًّا جسديًّا إذا استدعى الأمر. ومن أجل ذلك، بحثوا لأنفسهم عن مبرّراتٍ شرعيّةٍ وفكريّةٍ وأخلاقيّةٍ وحضاريّةٍ متنوِّعَةٍ لتمريرِ مشروعِهِمْ والتّسويقِ لأفكارِهمْ وتبريرِ إلغاءِ كل من خالفهم (من ليس معي فهو ضدّي).

ولعلّهم قد نجحوا في ذلك إلى حدّ كبير. ولكن، تظلّ المغالطةُ مغالطةً، ولا يعدو هذا المشروع كلّه أن يكون مجرَّدَ ردّةِ فعلٍ حضاريّةٍ عَارِضَةٍ لا يُمكِنُ لها أن تدومَ.

ولكن، حذارِ كلَّ الحذَرِ من أن يذهب بِنَا الظنُّ والاعتقاد أنّ هذه الظاهرة سوف تزول وتتلاشى بشكل عفويّ آليّ دون أيِّ جهودٍ أو تضحياتٍ، أبدًا، فهي أَشْبَهُ ما تكونُ بالخلايا السّرطانيّة في الجسد الحيّ، فهي حينما لا تستطيع أن تصبحَ جزءًا منه فإنّها ستحاوِلُ قتلَهُ لتمُوتَ معَهُ. فلا بُدَّ من علاجٍ حقيقيٍّ ودقيقٍ وشامِلٍ ومدروسٍ

 لإنقاذِ جسدِ الأمَّةِ منْ هذا الدّاء العُضَالِ، ولا بدّ من تكاثفِ الجهودِ وتعاون جميع الجهات الغيورة على الدّينِ والأمّةِ والمجتمع من أجل مواجهة هذا العدوِّ ومكافحة هذه الظّاهرةِ والقضاءِ على هذه العلّة التي عشّشت في كيان الأمّة العربيّة الإسلاميّةِ اليومَ، ألا وهي سرطان التطرّفِ الدّينيِّ والإرهابِ.

ضمن هذا السّياق، ترد هذه الدّراسةُ المتواضعةُ كمساهمَةٍ بسيطةٍ في فضح حقيقة التطرُّفِ الدّينيِّ، وتسليطِ الضَّوْءِ على إشكاليّةِ الشّباب العربيِّ المسلمِ اليوم في علاقته بهذه الظّاهرة.

فما هي طبيعة علاقة الشّاب العربيّ المسلم اليوم بواقع التطرّف الدّيني والإرهاب؟

وما هي أسباب انتشار هذه الظاهرة ورواج هذا الفكر الإقصائيّ الذي يدعمها، خاصّة عند هذه الفئة العمريّة؟ وما هي آفاق هذه الأزمة في واقع المجتمعات العربية الإسلامية، والحلول التي يمكنها أن تتصدّى لهذه الظّاهرة والحدّ منها؟

وهل يمكن اعتبار أنّ تجديد الخطاب الدّينيّ، من أجل الاقتراب أكثر فأكثر من شخصيّة الشّاب العربيّ وعقله، هو الحلّ الأمثل لمكافحة ظاهرة التطرّف الدّيني العنيف؟ وإن كان ذلك صحيحا، فكيف نحقّقه؟

من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، لابدّ من تناول المسألة ضمن ثلاثة مباحث كبرى:

المبحث الأول يناقش طبيعة العلاقة بين الشّاب العربيّ وظاهرة التطرّف الدّينيّ: الأسباب والمظاهر والآفاق؛

– المبحث الثاني يتناول قضية تجديد الخطاب الدّينيّ بين الدّواعي والمقاصد؛

– والمبحث الثالث يطرح أمثلة عن مداخل لتجديد الخطاب الدّينيّ في العالم العربيّ الإسلاميّ.

المبحث الأول:

الشّباب العربيّ وظاهرة التطرّف الدّينيّ والإرهاب: الأسباب والمظاهر والآفاق

المطلب الأول: الأسباب (خيبة الأمل)

ممّا لا يختلف فيه اثنان، أنّ ظاهرة التطرّف الدّيني أصبحت تمثّل أزمة حقيقيّة وواقعيّة في العالم عامّةً وفي المجتمع العربيّ خاصّةً. وممّا لا يخفى على أحد أنّ أكثر الفئات تأثّرا بهذه الظّاهرة وهذا الفكر هي فئة الشّباب، وهذا ممّا يثير استفهامات كثيرة، منها:

لماذا فئة الشّباب بالذّات؟ ما هي طبيعة هذا الخطاب؟ ما الذي يجعل الشّاب سريع التأثّر بهذا الفكر؟

تعدّ فئة الشباب الفئة الأكثر استهدافا من طرف هذا الفكر، لسببين اثنين:

أوّلاً، لأنّ أصحاب هذا الفكر يعتقدون أنّهم يعيدون التجربة المحمّديّة على صاحبها أفضل الصّلاة وأزكى التسليم، فكما انتصر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشّباب، فهم أيضا يمكنهم أن ينتصروا بالشباب.

وثانيًا، لأنّ الشّابَّ أكثر حماسةً من غيرِهِ، وأكثرَ ثوْرِيَّةً ورغبةً في التغييرِ، وأقَلَّ خِبْرَةً وحكمةً واتّزانًا، فهو لذلك كلّه أطوع وأنسب ليكون الجوادَ الرّابِحَ في سباقِ المباغتةِ والاكْتِسَاحِ.

من أجل ذلك طوّعُوا خطابهم وشكّلوه، ليلامس ميولات الشّاب وفُهُومه وأذواقه واهتماماته وشخصيته وواقعه، ثمّ مارسوا معه أسلوب القصف المتواصل، باستعمال أهم مخترعات العصر الحديث: شبكات التواصل الاجتماعيّ. وخاصّة منها (الفايس بوك). فقد استطاعت قيادات هذا التيّار أن تستفيد تمام الاستفادة من هذه الثورة الإعلامية التي مكّنت هذه الجماعات من نشر أفكارهم عبر “الإنترنت”،

 وعبر الفضائيّات، بتشكيلِ خطَابٍ مباشِرٍ بسيطٍ وواضِحٍ يستفيد من أخطاءِ النّظام السّياسيّ القائم بفضح مظاهِرِ الظّلم الاجتماعِيِّ والتمييز الإقصائي، ويقدّم نفسه في صورة المتديّن المنقذ القادر على تغيير الواقع بالتصدّي للفساد وردّ المظالم والحقوق على أهلها. فوجدَ آذانًا مُصْغِيَةً وهوًى موافِقًا، فتمكَّنَ مِنْهُ.

 ولكنّه في الحقيقة ما هو إلاّ خطاب استقطابيّ مخادع، يظهر الشّفقة على الأمّة والدّين، ويُبْطِنُ مطامِحَ مشبوهَةً يسْعَى فيها للسّيطرة على نظامِ الحكْمِ من أجل تشكِيلِ واقِعٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ بديلٍ، ثُمَّ إنَّ الشّابَّ بِحُكْمِ جُمْلَة من الخصائِصِ التي تميّزه كان هدَفًا مناسِبًا لهذه الفِئَةِ، فالشّابُّ عمومًا يتميّزُ بأشْيَاءَ مِنْهَا:

ظاهرة التطرّف الدّيني أصبحت تمثّل أزمة حقيقيّة وواقعيّة في العالم عامّةً وفي المجتمع العربيّ خاصّةً

– شدّة الحماسِ، فبمجرد أن يقتنع بفكرة ويتبنّاها، فإنّه يصبحُ مدافعًا عنها دفاعًا مستميتًا كأن ليس هناك غيرها، وهو نوع من الوثوقيّة السّاذجة التي تكشف عن قلّة خبرة في الحياة، وكلّما كان الصّراع أشدّ صار دفاعه عن هذا المبدأ أو الفكرة أو العقيدة أقوى، حتى أنّه مستعدّ للتّصعيد والتّطويرِ في أساليبِ دفاعِهِ عمّا يتبناه بكلّ الأشكال الممكنة التي تصل أحيانا للمواجهة الدموية أو للتّضحية بالنَّفْسِ من أجل ذلكَ، خاصّةً إذا وَجَدَ دعْمًا ومساندَةً تؤجِّجُ حماسَتَهُ وتوهِمُهُ أنَّهُ على الحقِّ،

 وأن كلَّ من خالَفَهُ فهو على باطلٍ ويريد به وبمشروعِهِ الشرَّ، وأمّا رسالته فتتمثّل في تحقيق أحد أمرين: إمّا أن يستميل المخالف، فيلتحق به ويدخل في دائرته ويتبنى فكرته، أو أن يُلْغِيَهُ ويتجاوزه ويتخلّصَ مِنْهُ إذا لزم الأمرُ، لا سيَّمَا إنْ مثّلَ مُعرقِلاً أو مانِعًا من تحقيق هدفه الأسْمَى، وهو إنقاذُ الأمّةِ ممّا هي فيه، وتأسيس مجتمع إسلاميّ على شاكلة المجتمع النّبويّ على صاحبه أبلغ الصّلوات وأجلّ التسليم.

– السذاجة، وهي خاصيّة تتماشى كثيرا مع خاصيّة الوثوقيّة؛ فالشّاب عمومًا سريع الاقتناع والتّصديق، فهو غِرٌّ، سرِيعٌ ما تنطلي عليه الحِيَلُ، لأسبابٍ أهمُّهَا أنّه بعيدٌ عن العقلانيّة، فهو انفعاليٌّ عاطفيٌّ، ليس له القدرَةُ على التّحليلِ العميقِ والنّظر الاستشرافِيِّ البعيد، بل كثيرا ما يتبنى موقفا أو مبدأ لمجرّد وَهْمٍ افتراضيّ جميل يرى فيه بديلاً مناسبًا عن الواقع الرّاهن.     – الجرأة، فهو قادر على تجاوز كلّ العراقيل والصّعوبات والتّضحية بأيّ شيءٍ أو أيّا كان من أجل تحقيق فكرته ومبتغاه،

 ومستعدّ للدّفاع عن هذه الفكرة أمام أيّ شخص بأيّ شكل، وليس مستعدّا لتغيير قناعته بسهولة لشدّة وثوقيّته وثقته بصلاحِ هذه الفكرةِ التي يتبنّاهَا.

– سرعة التأثّر، فهو بحكم غلبة العاطفة عليه وطبيعته الانفعاليّة، فإنّه يتأثّر بأيّ خطاب يستطيع أن يلامس اهتماماته، وأن يملأ نقصه ويقدّم له حلولا حقيقيّة ممكنة، ولو كانت افتراضية، لأزماته النفسيّة والعاطفيّة. فبمجرّد أن تقدّم له إمكانية أو وضعيّة ما، فإنّه يرى نفسه فيها، ويتّخذ انطلاقًا مِمَّا تَشَكَّلَ فِي ذِهْنِهِ وتَصَوَّرَ لديْهِ موْقِفًا انفعاليًّا مشحُونًا عاطفيّا، في أحيان كثيرة غيرَ مَحْسُوبٍ ولا مُتَّزِنٍ، تغْلُبُ عليْهِ السّطحيةُ والسّذاجة.

– الخيالية؛ أي أنّه بعيد عن الواقع المادّي، قريبٌ من المشهد الذهنيّ الطُّوبَاوِيِّ الافتراضيّ الذي يتشكّل لديه من خلال ترسّبات نفسيّة (كالإحساس بالدّونيّة أو الإهمال أو الظّلم أو الضّعف أو غير ذلك)، وعاطفيّة (كالغضب أو الطّموح أو الأسف أو الحسرة أو الغيرة أو غير ذلك)، وذهنيّة (كالقناعات أو الأوهام أو الافتراضات أو البدائل أو غير ذلك). فمن يقترب من هذا المتصوّر الذهنيّ لديه، وينسجم معه يقبله بسهولة ويتبنّاه ويدافع عنه، ومن بَدَا له بعيدًا عن ذلك لا يتماهى أو ينسجم معه، فهو يرفضه ويتصدّى له ويواجهه.

– الإصرار: فليس من السّهل عليه أن يتنازل عن موقفه أو رأيه أو قناعته، بل إنّه يرى في ذلك ضعفا وانهزاما وفشلا لا يقبل به أبدا، فتراه أحيانا يدافع عن موقف غير مقتنع به لمجرد أنّه قد تبنّاه في مرحلة من المراحل، فلا يقبل أن يتراجع عنْهُ، لأنّ التّراجُعَ يرمزُ عنده إلى الضّعف والخيبة اللّتين لا يريدهما لنفسه، لأنّهما تفسدان جمال الصّورة الذهنيّة التي يراها لنفسه، أو يسعى أن يكون عليهَا.

هذه المميّزات كلّها جعلت من الشّاب المَحْمَل الأفضَلَ والأنسبَ لتمرير هذا المشروع، فتمّ الاشتغال عليه، وعلى الخطاب الذي ينسجم مع خصائصه، ويستطيع أن يؤثر عليه ويستقطبه لجانبهم.

المطلب الثّاني: المَظَاهِر: سرعة انتشار الفكر المتطرّف [مراحل الانخراط والتبنّي: الخيبة / النّقمة / التخلّي / التبنّي / الجهاد]

إنّ هذا المشروع، مشروع الفكر المتطرّف والسّعي للتمكين له في الواقع المعيش، كان هدفا استراتيجيا مهمّا من ضمن أهداف هذه الفئة، وقد عملت على تطبيقه وتكريسه في الواقع السّنين الطّوال، ومن أجل ذلك طوّرت في خطابها وشكّلته بما يضمن حسن استجابة النّاس لهذا المشروع، وخاصّة فئة الشّباب منهم،

 فكانت النتائج مرضيّة، بل أكثر من مرضية، بالنّسبة إليهم. وأهمّ علامة دالّة على هذا النّجاح هي سرعة انتشار هذا الفكر بين الشّباب خاصّة في أغلب الأقطار العربية الإسلاميّة، إن لم نقل في كلّها، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة، ويدعونا إلى محاولة توصيف عمليّة تبنّي هذا الفكر بإبراز أهمّ المراحل التي يمرّ بها الشّاب سيرًا نحو الانخراط والانتماء، والتي يمكن تحديدها بخمس مراحل، وهي: الصّدمة وخيبة الأمل، ثمّ النّقمة على الواقع، ثمّ مرحلة التخلّي عن المسلّمات، ثمّ تبنّي الفكر الجديد، ثمّ مرحلة الاستقطاب والجهاد.

1. الصدمة وخيبة الأمل: إنّ أولى هذه المراحل هي الخيبة؛ أي إحساس الشاب بالصّدمة وخيبة الأمل حين يتبيّن مدى التباعد بين الواقع والمأمول، بين الموجود والمنشود، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، بين الاحتياج الحاصل والقدرة على سدّ هذا الاحتياج، على جميع المستويات، سواء الفكرية، أو الاجتماعية، أو المادية، أو الأخلاقية، أو السياسية، أو غير ذلك.

فمثلا حين يبدأ الشاب في النضوج، فإنّه يبدأ في تشكيل رؤية عمّا يريده من واقعه، وغالبا ما تكون هذه الرؤية مثاليّة طوباويّة، فهو يريد العيش في مجتمع متطوّر وثريّ حتى يحقّق الرفاهيّة، ويكون ذا قيمة ومكانة مرموقة، ويعيش في عزّة ومنعة، وفي ظلّ واقع أخلاقيّ طاهر وشريف، وغير ذلك ممّا يريده الشاب لنفسه. ثمّ يبدأ في إقامة المقارنة بين ما يريده وما هو واقع فعلاً، فيلاحظ مدى التباعد بين طرفي هذه المعادلة، فيبحث عن أسباب عدم تحقّق هذه المأمولات خاصّة، وهي مطالب مشتركة بين أغلب النّاس في منطقة جغرافيّة واحدة خاصّة منهم الشّباب، فيكتشف حسب رأيه وفهمه أنّ ذلك بسبب غياب الإرادة السياسيّة للنّظام القائم، ثمّ يبحث في سبب غياب هذه الإرادة، فيجد أنّ مردّ ذلك إلى فساد القائمين على هذا النّظام وعدم كفاءتهم وقلّة الحرص على تغيير الواقع إلى ما هو أفضل، فيبدأ نوع من النقمة يشتكل لديه على هذا الواقع،

 وعلى كلّ من لم يسع إلى تغييره أو إصلاحه. وهذا يشمل الجانب الماديّ الماليّ بسبب الفقر والاحتياج والخصاصة مقارنة بأمم أخرى أو دول أخرى أو مناطق أخرى أو حتى جهات أخرى، وهو يشمل أيضا الجانب السياسيّ، لماذا ليست أنظمتنا الحاكمة أو أحزابنا السياسية أو منظماتنا أو غير ذلك، ليست بالكفاءة والنزاهة والوطنيّة المطلوبة مقارنة بغيرنا؟ وهو يشمل أيضا الجانب الأخلاقيّ الدّينيّ، لماذا لسنا كما كان الصحابة في أخلاقهم وتديّنهم وبطولاتهم وإنجازاتهم وأمجادهم وغير ذلك؟

 ويشمل جوانب كثيرة، تراه في جميعها يعاني نوعا من الإحساس بالدّونيّة والنّقص وخيبة الأمل واليأس من القدرة على تغيير هذا الواقع المرفوض. وتدريجيًّا، يبدأ في التحوّل نفسيّا وعاطفيّا إلى نوع من الإحساس بالنقمة والحقد والحنق والتبرّم بهذا الواقع الذي يعيشه، لكنّه لا يرضى به ولا ينسجم معه.[3]

2. النقمة: هنا يتحوّل هذا الإحساس إلى موقف رافض لهذا الواقع، ويقويه اتّفاق أغلب الشباب على نفس الشيء، الإحساس بالخديعة والمهانة والعجز، مع اختلافات جزئية بسيطة لا اعتبار لها، فيخلق عند الشاب إحساس بالنقمة والغضب العارم على الواقع والتبرم منه ورفضه جملة وتفصيلا، حتى يصل به الأمر أحيانا إلى النقمة على والديه، لماذا أنجبتموني مع علمكم برداءة هذا الواقع؟

لماذا لم توفروا لي ما وفره غيركم لأولادهم؟ لماذا لم تتحولوا عن هذه البلاد إلى بلاد أخرى يهنأ فيها العيش؟ لماذا ولماذا؟ أسئلة إنكارية كثيرة، لا يبحث من خلالها عن إجابة، ولكنّه يعبّر بها عن رفضه العميق لهذا الواقع ونقمته عليه.

 فتبدأ تتشكل لديه قناعة بعدم جدارة هذا الواقع وعدم قدرته على توفير مستلزمات العيش الكريم وفشله في رفع التحديات وتحقيق الأفضل، فيصبح مقتنعا بأن هذا الواقع، سواء الفكري أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو السياسي أو غيره، لا فائدة منه ولا بدّ من التخلي عنه والتسليم بحتمية تغييره والتحوّل عنه.

فيتحوّل بذلك من مجرد الانفعال النفسي والإحساس بالغضب والنقمة إلى قناعة عقلية مفادها أن هذا الواقع يجب التخلّي عنه.

3. التخلّي: في هذه المرحلة يصبح هاجس الشاب أن يظهر لا مبالاته بالواقع المتردّي واستهزائه بكل من يدافع عن هذا الواقع، فتتنوع ردود أفعال الشّباب السلوكيّة حيال هذا الواقع للتعبير عن رفضه والتخلي عنه، مثال ذلك السخرية، فتكثر الأغاني والمسرحيات والرسوم وغيرها من كلّ أشكال التعبيرات التي تكرّس السخرية والاستهزاء للتعبير عن موقفهم من الواقع، مثال ذلك أيضا العنف، سواء الجسدي أو اللفظي، العفوي أو المنظم، الواعي أو غير الواعي، السّلوكي أو الفكري، أو غير ذلك.

 ونلاحظ ذلك كثيرا في ممارسات الشباب عن وعي أو عن عدم وعي منهم. مثال ذلك أيضا السلبيّة، كالعزلة والتقوقع والانكفاء على الذات والاكتئاب النفسي واليأس والتسليم وعدم الرغبة في المشاركة في الحياة بكل أشكالها، وغيرها من ردود الأفعال في هذا الباب كثير يستحق دراسة معمقة نفسيّة واجتماعية مستقلّة ليس هذا مجالها.

ولكن هذه المرحلة لا تدوم طويلا، فسرعان ما يبدأ الشاب في البحث عن بديل فكري واجتماعي يعوّض هذا الواقع الذي تخلّى عنه، ويكون ذلك بشكلين مختلفين: الشكل الأول يحاول من خلاله الشاب مغادرة هذا الواقع والهروب منه للبحث عن بديل خارجي، ويكون ذلك مثلا عن طريق الهجرة الشرعية أو غير الشرعية نحو أي مكان أو جهة، أو محضنة يقع اختيارها على حسب القناعات والتوجّهات والاختيارات الواعية أو اللاواعية لديه.

وأمّا الشكل الثاني، فهو ليس بالمغادرة للبحث عن بديل، وإنّما هو بالسّعي إلى تأسيس بديل يقوم على أنقاض هذا الواقع المتخلي عنه، وذلك من خلال تبنّي أفكار معيّنة يعتقد أنها تستطيع أن تحقّق المطلوب، في شتّى المجالات.

4. التبنّي: وهو اتخاذ القرار باعتماد فكرة أو أفكار أو نظرية أو توجّه أو غيره كمسلّمة واعتبارها مبدأ يؤمن به ويدافع عنه. وهنا يبدو أن المتطرف دينيّا تبنّى مبدأ السلفيّة؛ أي أنّه يرى أنّ صلاح الحال لا يتحقّق إلاّ بالعودة إلى ما كان عليه السّلف الصّالح، واعتمد ذلك عاملا مرجعيا يصدر منه ويعود إليه[4] بغض النظر عن كل المتغيّرات والمستحدثات الحضاريّة التي تتطلّب فكرا جديدا، أو تموقعا حضاريا مختلفا، أو هيكلا اجتماعيا مغايرا، أو غير ذلك ممّا يختلف عمّا كان عليه الأوّلون.

وهذا المبدأ، وإن كان قابلا للنّقاش، ويؤخذ منه ويردّ ككلّ نظرية أو فكر، فإنّ أصحابه اعتبروا أنّ هذا التوجّه هو اختيار ربّاني مقدّس، لا يمكن الشكّ فيه أو مخالفته أو حتى طرحه على طاولة الجدل الفكري، ممّا خلق لديهم نوعا من الدوغمائية والوثوقية القائمة على وهم امتلاك الحقيقة، فأنتج ذلك تطرّفا فكريّا وسلوكيّا في التمسّك بهذا المبدأ وتطبيقه، وهو ما أنتج نوعا من الصّدام مع الآخر الذي لا يوافقهم في آرائهم، لماذا؟

 لأنّهم يعتبرون أنّ من خالفهم، إنّما خالف الدّين والشّرع والله، وهو أمر لا يمكن قبوله أو السّكوت عنه، عندهم طبعا، كلّ ذلك يستند إلى مسلّمة أنّهم على حقّ، وأنّ كلّ من خالفهم، فهو على باطل. من هنا بدأوا يصنّفون النّاس وفق هذا المعيار إلى صنفين فقط:

– إن كنت توافقني ومعي فيما أراه، فأنت على حق وسليم العقيدة وصحيح المذهب وصادق النيّة وعلى السّنة والمحجّة البيضاء، وأجرك ثابت، وجزاؤك الجنّة ورضا الرّحمان.

– وأمّا إن كنت تخالفني أو تعارضني، فأنت على باطل، وكلّ من يدعمك أو يوافقك أو حتى يتعايش معك أو يتغاضى عنك، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان[5]،

وليس هنالك من منكر أشدّ من فساد العقيدة والتحوّل عن وجهة الدّين. كأنّ ما هم عليه هو صحيح الدّين، وهو الذي يأمر به الله تبارك وتعالى ويدعو إليه الشّرع، ولكنّ الأمر ليس كذلك، وإنّما هو وهم يتوهّمونه، ويسعون إلى تكريسه ونشره والدّفاع عنه.

5. الجهاد: وهي المرحلة الأخيرة من مراحل تطوّر هذا الفكر وهذا السّلوك، وليس المقصود بالجهاد المواجهة العسكرية فحسب، وإن كانت منه، بل المقصود به قبل ذلك مختلف عمليّات التسويق والاستقطاب، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب شرعًا، فهم يرون أن التّسويق لأفكارهم والسّعي لنشرها هو من باب هذا الواجب الشرعيّ الذي يؤدّونه، فينقذون به الأمّة والنّاس من الضّلال والفساد الذي غلب على حياتهم في هذا الزمان المتأخّر. وإن كان هذا النّوع يعتبر عندهم محاولة أولى قد تتلوها،

 كما يرى الجهاديّون منهم، عمليات عسكرية مسلحة ينقذون بها الأمّة، مما أصبحت عليه بقوة السلاح، لأنّ الشعوب أصبحت يغلب عليها الجهل، فهي لا تعرف مصلحتها وصلاح أمرها. لذلك وجب إرغامها عليه إرغاما، حتّى وإن كانت كارهة، لأنّهم الطّائفة المنصورة والقوّامين على الحقّ، وهي مرحلة التحوّل من الدعوة إلى الجهاد.[6]

ومتى استكمل الشابّ جميع هذه المراحل، فقد أصبح عنصرا فاعلا وفعّالا في هذا الفكر وفي هذا التنظيم، يُعتمد عليه في تحقيق الأهداف وتطوير المشروع.

المطلب الثالث: الآفاق

وأمّا إن تحدّثنا عن آفاق هذا التوجّه الفكري المتشدّد، وهو ما يسمّى بالتطرّف الدّيني، فإنّه لابدّ لنا أن نذكر أهمّ وجهة يسير نحوها هذا الفكر ألا وهي التنظيم، والمقصود بها التنظيمات الإرهابيّة؛ فالمتطرّف دينيّا له غاية أساسيّة واحدة هي تغيير الواقع والدّفع نحو التأسيس لمجتمع إسلاميّ على شاكلة المجتمع النبويّ، ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ بآليّتين متكاملتين: الأولى هي نشر هذا الفكر (الاستقطاب)،

والثانية هي تطبيقه على أرض الواقع ولو بالقوّة (الجهاد). [مع العلم أنّ العمليّتين لا تتعاقبان كما ترى بعض النظريات الإسلامية الأخرى، بل هما متوازيتان تتحققان في وقت واحد، حسب الاختصاص والقدرات لدى المتطرّفين].

ولا يتحقق ذلك إلاّ بالتّنظيم، فنجد أنّ من أهمّ مظاهر نضج هذا الفكر واكتماله هو تحوّله من مجرّد أفكار ونظريّات وأخلاقيّات وسلوكيّات وما شابه ذلك، إلى منظّمات وتنظيمات، لها اختصاصات ومهام وأهداف ودراسات وعناصر وهياكل وغير ذلك، في إطار التنظيم العامّ وهو المشروع نفسه، سواء كانت هذه المنظمات دعوية استقطابيّة تسعى إلى نشر هذا الفكر والترويج له، وهي بمثابة الخلايا النائمة، أو كانت تنظيمات جهاديّة عسكرية أو غير عسكريّة تسعى إلى استبدال نظم الحكم الوضعيّة القائمة بنظم أخرى يرون أنّها شرعيّة تستمد شرعيّتها من النّصوص الدّينية والتطبيقات الإسلامية المعروفة كالخلافة والإمارة ونظام الشورى وغيره استنادا إلى مفهوم الحاكميّة عندهم[7].

وتعتبر هذه المرحلة هي أعلى مراحل تطوّر هذا الفكر، إذ يبدأ عند الشّاب مجرّد ميل إلى التأصيل والحفاظ على الهويّة والتمسّك بالدّين، ليصبح في مراحله الأخيرة مشاركة فعّالة في تحقيق المشروع، ويصبح هو نفسه عنصرا مهمّا من عناصر هذه التنظيمات الإرهابيّة المعروفة، يدافع عن هذا الفكر،

 ويقدّم نفسه ضحيّة لتحقيق هذا المشروع من خلال عمليّات استشهادية، حسب تعبيرهم، يفجّر فيها المتطرّف دينيّا نفسه لغاية إرهاب الخصوم والنيل من الأعداء أعداء الدّين، وتحقيق الشهادة، وهي البطاقة التي تخوّل له دخول الجنّة، حسب رأيهم، كلّ ذلك في سياق تحقيق المشروع الدّيني الربّاني، مثلما فعل الرّسول – صلى الله عليه وسلّم – عند تأسيس الدولة الإسلاميّة ونشر الدعوة بالسّيف واللّسان، آملا أن ينال مرضاة الله ليدخل الجنّة، حيث ينال ما حرم منه في هذه الدّنيا الزائلة الفانية[8].

فكيف يمكن التعامل مع الشّاب الذي بدأ ينساق مع هذا التوجّه أيّا كانت المرحلة التي وصل إليها؟ وما هي الأدوات المناسبة للتأثير عليه، حتى يتراجع عن هذا الاختيار أو على الأقل ألّا يتمادى فيه بالانتساب إليه؟ وهل يمكن أن نحقّق ما يقي بقيّة الشّباب من التأثّر بهذا الفكر في سياق الحدّ من سرعة انتشاره وتغلغله في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة؟

المبحث الثاني: تجديد الخطاب الديني: المفهوم، الدوافع، والأهداف

المطلب الأول: مفهوم التجديد

1) الدلالة اللغوية:

إنّ مفهوم التجديد، لغة، هو من جَدَّ الشيءُ يجدُّ، جدَّةً؛ أي حدث بعد أن لم يكن، وجدَّد الشيء، صيّره جديدا، واستجدَّ الشيء صار جديدا، والجديد نقيض البالي المبتذل بالاستعمال، والجديد: ما لا عهد لك به. وأجدّ في الامر، اجتهد[9].

وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم ليس بلفظ التجديد ولكن بلفظ جديد، قال تعالى: “وقالوا أئذا كنّا عظاما ورفاتا أئنّا لمبعوثون خلقا جديدا”[10]

وهو يفيد بعث الشيء وإحياؤه بعد أن درس وبليَ.

والجديد ضدّ القديم؛ أي ما لم يأت عليه البلى، ولا صار خَلِقًا، والتجديد هو جعل الشيء جديدا أي أن يصبح القديم جديدا؛ ويعني ذلك أحد أمور ثلاثة، وهي:

– الإحياء: وهو إحياء شيء كاد يفنى ويبلى وينتهي، ففي بعض الأحيان يُهجَرُ الشيء حتى يشرف على الفناء، فتجديده هو إحياؤه وإعادته إلى الواقع كما كان جديدا ناصعا.

– الإضافة: أي أنّ الشيء أحيانا بحكم تقادم الزّمن يصبح مفارقا للواقع غير متناسب معه، فتجديده هو أن نضيف له ما يصبح به قادرا على مسايرة هذا الواقع منسجمًا معه.

– التعويض: وهو أن نعوّض الشّيء بما يحلّ محلّه، وينهض بدوره ممّا يكون شبيها له وأكثر منه قدرة على تحقيق أهدافه والنهوض بدوره.

2) الدلالة الاصطلاحية:

وأمّا التجديد في دلالته الاصطلاحية، في سياق الحديث عن تجديد الخطاب الدّيني، فإنّه يحمل معنى الإحياء والإضافة معًا، وفي نفس الوقت، فهو، من ناحية أولى: إحياء للخطاب الدّيني كما ظهر في أوّل عهده، حيث كان ينهض بدور الوعظ والإرشاد، فيعتني بالإجابة عن أسئلة الوجود ودور الإنسان في الحياة والحكمة من الخلق،

 وكيف يحقق الإنسان المطلوب منه وما الغاية من وجوده وغير ذلك من الأسئلة التي تحقّق الفهم وتستحث المسلم على تمثل مبادئ وأخلاق الإسلام. وهو أيضا،

 من ناحية ثانية: إضافة، ذلك أنّ من يريد تجديد الخطاب الدّيني، لابدّ له أن يستحضر الواقع الرّاهن بجميع خصائصه ومتطلّباته واستحقاقاته الفكرية والاجتماعية والحضارية، ثمّ يسعى إلى تشكيل خطاب أصيل مستحدث؛ أي لا يقطع مع الخطاب الدّيني القديم

 ولكن، وفي نفس الوقت، يتضمن معطيات وخصائص جديدة تضمن تجاوب الشّاب اليوم معه وتفهّمه له وتأثّره به.

المطلب الثاني: دوافع التجديد

1) أهمية الخطاب الدّيني في معالجة ظاهرة التطرّف والإرهاب

إذا كانت ظاهرة التطرّف الدّيني هي، بالضّرورة، ظاهرة متعلّقة بالدّين فهْمًا وتطبيقًا، فإنّ للخطاب الدّيني أهميّة عظمى في تشكيل هذا الفهم وهذه الممارسة الدينيّة، وله أيضا قدرة كبيرة على تحوير وتصحيح ما يمكن أن يطرأ عليهما من تشويه أو تبديل قد ينحرف بالدّين عن مساره ودلالاته ومعانيه ودوره.

 لذلك، فإنّ العناية بتجديد الخطاب الدّيني مثلت حتميّة وضرورة لا محيد عنها في هذه المرحلة من الزّمن، وهو ما بدأ يبرز على سطح الواقع الفكريّ والحضاريّ في هذه السّنوات الأخيرة، فكثرت الكتابات في هذا المجال، وتنوعت الدراسات التي تدعو إلى هذا الخيار الفكريّ والحضاريّ،

 وبدأت المساعي حثيثة للبحث عن بديل عن الخطاب التقليدي، أو على الأقل مقاربة تحقق توافقا وانسجامًا بين البعد التأصيليّ لهذا الخطاب وبين المتطلبات الحديثة للواقع، هذا الذي شكّلته متغيّرات كثيرة ومستجدّات متنوعة ابتعدت به كثيرا عمّا كان موجودًا في الماضي.    من يريد تجديد الخطاب الدّيني، لابدّ له أن يستحضر الواقع الرّاهن بجميع خصائصه ومتطلّباته واستحقاقاته الفكرية والاجتماعية والحضارية

2) فشل الخطاب الدّيني التقليدي في التأثير على الشّاب العربي المسلم اليوم

لذلك، فإنّه من أهمّ الدوافع التي دعتنا إلى التفكير الجدّي في تجديد الخطاب الدّيني اليوم هو ما لاحظناه من إفلاس الخطاب الدّيني التقليدي، ذلك الخطاب الذي يستمدّ وجوده من استقراء ساذج للمدوّنة الفقهية التقليديّة، فالمدوّنة الفقهية القديمة،

 وإن كانت ممتازة في ذاتها متميّزة في قدرتها الكبيرة على تشكيل واقع المسلم وتقديم الحلول المناسبة لأغلب إشكالاته، فإنّها، بشكلها القديم على ما هو عليه، لا تستطيع معالجة مستجدات الواقع الحديث الرّاهن،

 فهي تعتبر كمن يعالج نزلة البرد بدواء الجذام؛ فقد فشل هذا الخطاب الديني القديم في الوصول إلى واقع الشاب النفسي والذهني والذّوقي والاجتماعي اليوم.

وأصبح الشاب بذلك، تحت نير قصف أيديولوجي استقطابي كثيف من جانب واحد، غاب فيه من يقدّم لهذا الشاب صورة حقيقية وصادقة عن الإسلام، بمبادئه المعتدلة والوسطيّة السّمحة، وبأخلاقه الإنسانية الكريمة، وبأفكاره الحضارية المتطوّرة، التي تعبّر عن روح الدّين الإسلامي الحنيف، وتعكس قدرته الكبيرة على التعايش السلمي مع الآخر وقبول المختلف. لذلك كلّه،

 فإنّ محاولة تجديد هذا الخطاب بتنقيته من شوائب السطحيّة والسذاجة الفكرية ومفارقة الواقع، وبإغنائه بخصائص القدرة على معالجة مشكلات الزمن الراهن، إنّما هو الحلّ الأنسب والعلاج الأوفق لمكافحة الإرهاب والتصدّي لظاهرة التطرف الدّيني.

3) سرعة تأثّر الشّاب بالخطاب الدّيني المتطرّف (استغلال الحاجة والنقص لبيع الأوهام)

هذا فيما يتعلّق بالخطاب الدّيني نفسه، وأمّا فيما يتعلّق بالشّاب، فإنّه يبدو ضحيّة جناية يشترك فيها ثلاثة أطراف:

– فهو ضحيّة واقع فكريّ وحضاريّ مضطرب من ناحية أولى؛

– وهو ضحيّة خطاب دينيّ معتدل متردّد وفاشل من ناحية ثانية؛

– وهو ضحيّة خطاب دينيّ متطرّف قويّ ومؤثّر من ناحية ثالثة.

فما هي مواطن القوّة في الخطاب الدّيني المتطرّف؟ ولماذا يبدو الشّاب اليوم سريع التأثّر بهذا الفكر وهذا الخطاب؟

لقد اشتغل أصحاب هذا الفكر على خصائص الشاب واهتماماته واحتياجاته النفسية والذهنية والواقعية، ودرسوها، فوجدوا ميلا كبيرا لدى الشاب العربي المسلم ونزوعا واضحا للتأصيل واعتبار النموذج الإسلامي القديم مثالا يُحتذى لما حقّقه قديما من تميّز وبروز حضاري واجتماعي كبير، ورأوا أنّ الأمل في الجزاء الأخروي هو الدّافع الأهمّ للعمل على تغيير الواقع الفاسد، فسعوا إلى تقديم مشروعهم بشكل يستجيب لهاتين الخصيصتين، بماذا؟ بالتسويق لجملة من المسلّمات الموهومة الخادعة، منها:

– أنّهم هم الوحيدون الذين يملكون الحقيقة المطلقة الثابتة، وأنّ كلّ من خالفهم، فهو على باطل، ويجب ردّه عن باطله وإنقاذه منه.

– أنّهم هم الوحيدون الذين يطبّقون الدّين ويحيون السنّة، وأمّا الآخرون، فهم مبتدعة يسيئون للإسلام بقصد أو عن غير قصد، ومع ذلك فإنّ عدم القصد لا يشفع لنا، نحن الذين نخالفهم، ورسالتهم هم هي تطهير الأرض من مظاهر الشّرك والبدعة.

– أنّ الآخر الذي يحاربهم، إنّما يحارب الإسلام ويسعى إلى تقويض أركان الدّين من أساسه.

– أنّ الجزاء الذي ينتظر كل من أيّدهم في هذا المشروع هو الجنّة، وأن جزاء كل من عارضهم أو خالفهم هو النار.

– أنّ فهمهم للنصوص الدّينية هو الفهم الوحيد الصحيح والصّادق، وأمّا المفاهيم الكثيرة الأخرى، فهي تحريف للدّين وتشويه للإسلام وتزييف للحقيقة.

ثمّ تفرعت عن هذه المسلّمات مواقف كثيرة وآراء متنوّعة تؤصّل لهذا الفهم، وتبحث له عن مؤيدات داعمة من القرآن والسنّة وأقوال العلماء وسيَرِ السّلف الصالح وأخبار التّاريخ وشواهد العصر، حتى يكون تأثيرها النفسي والعقلي والعاطفي شديدا وعميقا لدى الشّاب. ولعلّهم قد نجحوا في ذلك أيّما نجاح، لأنّ هذه الأوهام تقدّم إجابات وتستجيب لرغبات وتعلّل النفس بالأوهام الجميلة الباطلة.[11]

المطلب الثالث: أهداف تجديد الخطاب الديني

إنّ الدور الأساس الذي يهدف إليه تجديد الخطاب الديني هو مواجهة هذه الظاهرة وهذا الفكر التكفيري المتشدّد، لأنّه لا مندوحة عن ذلك، فإنّنا إن لم ننهض نحن بذلك، فلن ينهض به أحد، فيصبح التخاذل والتكاسل عن القيام بهذا الواجب، وإن كان مضنيا مجهدا، استسلاما أمام هذا العدوّ الذي يأتينا في ثوب الصّديق، وهذا القاتل الذي يأتينا في هيئة المنقذ، وهذا الذئب الذي يأتينا في صورة الحمل.

ومن هنا تشكلت جهات كثيرة للتصدّي لهذا الدّخيل، وسعت إلى تحديد أهدافها، فاختزلت في ثلاثة أهداف كبرى، هي:

– فضح حقيقة هذا الفكر.

– تغيير القناعات لدى الشّاب المتطرّف وردّه عن تطرّفه.

– وقاية بقية الشباب ومنعهم من الوقوع في هوّة التطرف والإرهاب.

فكان الاشتغال على ذلك، ولكن بدأت تترسّخ قناعة كبرى لدى هذه الجهات المشتغلة على هذا الأمر مفادها أنّه لا يمكن تحقيق هذه الأهداف المرسومة إلاّ بمدّ جسور الحوار والتواصل مع هؤلاء، ويكون ذلك ضمن مجموعة من القنوات المعروفة كالمنابر الجمعيّة، والدروس المسجديّة، والمحاضرات، والنّدوات، والكتب، والمقالات، والدراسات، وشبكات التواصل الاجتماعي، وغيرها.

 ولكن ذلك، لا يمكن أن يحقّق أهدافه ويصل إلى التأثير المأمول إلاّ بتجديد الخطاب الدّيني نفسه، خاصّة أمام واقع فشل الخطاب الدّيني التقليدي للتصدّي لهذا الفكر وهذه الظاهرة.

فما هي المداخل الممكنة لتجديد هذا الخطاب الديني؟

المبحث الثالث:

مداخل لتجديد الخطاب الديني

المطلب الأول: مراجعة مفهومية للتصور السائد عن الدّين اليوم بين الحقيقة والزيف

إنّ أهمّ ما يمكن التركيز عليه اليوم للتأثير الإيجابي على الشّاب المسلم في ظل مواجهة ظاهرة التطرّف هو نظرته للدّين الإسلامي نفسه، فإنّ النظرة السّائدة عن الإسلام اليوم، وهي نظرة خاطئة مجانبة للحقيقة والصّواب، تراه رؤية سلبيّة تعارض ما هو عليه حقيقة:

–     فالإسلام، حسب السّائد العامّي، هو كيان منغلق، نهائيّ، لا يمكن تغييره أو تحويره أو التصرّف فيه لا بالزيادة ولا بالنقصان، فإمّا أن يقبل به كاملا كما هو، أو لا، فالدّين كلّ لا يتجزّأ، حسب رأيهم.

 ولعلّ أحدهم يقابلك بالآية القرآنية التي يقول فيها سبحانه وتعالى: “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب، وما الله بغافل عمّا تعملون”[12]،

 نقول له: إنّ ذلك يتعلّق بالكتاب وهو القرآن، دستور المسلمين، فهو كلّ متكامل لا يمكن الأخذ ببعضه وإنكار البعض الآخر. وأمّا ما نحن بصدد الحديث عنه فهو الدّين، وكثير من أحكامه ظنّيّة تقبل الاجتهاد والتأويل والاختلاف، وهي مظنّة تضارب القراءات واختلاف الأفهام والعقول. فالقول بأنّه كيان منغلق ونهائيّ ليس صحيحا،

 فالدّين وإن كان كلاّ متكاملا، على الأقلّ في أصوله، فهو أيضا، وفي نفس الوقت، باعتباره يقدّم بناء اجتماعيا وفكريّا وأخلاقيا وسلوكيا ودينيّا، دنيويّا وأخرويّا، متماسكًا ولا يمكن تجزئته، هو كيان حيّ نامٍ ومتطوّر، له روح أساسها الاعتدال والسّماحة والانفتاح على الآخر وقبول الاختلاف، وله خصائص تجعله متطوّرا ومسايرا للواقع، كالاجتهاد، والمقاصد الشرعية، وفقه الواقع،

وغير ذلك، ممّا يعني أنّ الدّين الإسلاميّ له من الليونة والمرونة والانفتاح ما يحقّق له القدرة على أن يطبّق في كل زمان ومكان، فالإسلام بمفهومه العميق لا يقدّم واقعا حضاريّا، وإنّما يقدّم منهجًا ورؤية وآليّة بها يمكن صناعة الواقع الحضاري، وفق المتطلبات الحضارية التي يقتضيها الواقع وتقتضيها المرحلة.

– كما أنّ هذه الرؤية السائدة تعتبر أنّ النموذج النبويّ هو النموذج الأمثل لتطبيق الإسلام، دون تأكيد أنّ المقصود بالنموذج النبويّ هو البعد القيميّ والأخلاقيّ والسّلوكي الاجتماعي، وليس الواقع الحضاري التمدّني ضمن مرحلة تاريخية معيّنة، ممّا يجعل التصوّر عن المنشود الحضاري عند المسلم يحمل خصائص واقع ضارب في الماضي مفارق بجميع خصائصه للموجود الحاضر، في حين أنّ المطلوب هو أن نشابه النبيّ – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في أخلاقهم وسلوكهم وقيمهم ومواقفهم، وليس أن نشابههم في نمط عيشهم وتفاصيل حياتهم ومتطلّبات واقعهم المعيش.

 فليس من التقوى في شيء أن نركب الجمل ونترك السيّارة، أو أن نكتب على الجلود بدل الكتابة على الورق، أو أن نحارب بالسّيف عوض استعمال الرشّاش. ولكن التّقوى والسنّة والتديّن هو في حفظ العهد وأداء الأمانة واحترام الآخر، وطلب العلم وبرّ الوالدين والإحسان للجار وغير ذلك، ممّا أسّسه الإسلام في المجتمعات الإسلاميّة.

لكنّهم بدأوا يميلون عن ذلك إلى قشور شكليّة من الدّين لا علاقة لها بحقيقته، ليصبح بذلك مجرد مظاهر ساذجة من مثل: إطالة اللّحية، أو حفّ الشّوارب، أو لبس الطويل، أو تعدّد الزوجات، أو وضع النّقاب، أو غير ذلك – وإن كان كلّ ذلك من الدّين – ولكنّ الإسلام أعمق وأوسع وأهمّ وأنفع من مجرّد ذلك.

فالإسلام حلّ وليس مشكلا. هذا ما يجب أن يعيه الشّاب المسلم اليوم، وهذا ما يجب أن يعيه المسلم عامّة، وهذا ما يجب أن نتمثّله في واقعنا ونتعلّمه في مدارسنا وندوّنه في كتبنا، الإسلام حلّ وليس مشكلا، كما يحاول أن يوهمنا كثير من النّاس. ولكنّه حلّ يجب فهمه جيّدا، والنفاذ إلى روحه وحقيقته حتّى نستطيع أن نطبّقه.

المطلب الثاني: البحث في عقلية الشّاب واهتماماته بما يمكننا من آليات التأثير الإيجابي عليه

ثمّ إنّ هذه المراجعة المفهوميّة لنظرة الشّاب المسلم للإسلام غير كافية لرتق الفتق وإصلاح الوضع، وإنّما هي في حاجة أيضا للبحث في عقلية الشابّ واهتماماته، عمّا يمكّننا من إنتاج خطاب دينيّ قادر على التأثير فيه التأثير الإيجابيّ المطلوب.

 فالشّاب المسلم عاطفيّ انفعاليّ، ولكنّه أيضا عقلانيّ منطقيّ، وهو قادر على تقييم الخطاب الموجّه إليه تقييما عميقا ودقيقا، حيث يتّخذ قرارًا في تبنّيه أو رفضه، لذلك يجب أن يكون الخطاب الموجّه إليه هو أيضا على جانب كبير من العمق والمصداقيّة، حتى يمكن أن يجد لديه أذنا صاغية، مثال ذلك: إذا كان الشّاب اليوم ميّالا إلى الخطاب القصير والمباشر، فلا بدّ أن يكون خطابنا الدّينيّ واضحا ومباشرا ودقيقا وسريعا ومؤثّرًا.

إذا كان الشّاب اليوم يميل إلى الأغاني والأنغام، فلا بدّ لخطابنا الدّيني أن يكون شاعريّا مبدعا يلامس العواطف والعقول في وقت واحد. إذا كان الشّاب اليوم كثير الاهتمام بشبكات التواصل الاجتماعي، فلا بدّ لخطابنا الدّيني ألاّ يقتصر على المنابر والدروس المسجديّة وبعض البرامج التلفزيّة أيّام الجمعة والأعياد الدينيّة،

 وإنّما يجب أن يلج العوالم الرقميّة ويقدّم للشّاب ما هو في حاجة إليه من الأجوبة عن تساؤلاته المختلفة والمتنوّعة. باختصار، لا بدّ أن نذهب إلى الشّاب حيث هو، وليس أن نظلّ في انتظار أن يأتينا، لأنّه لن يأتي، فهواه تحرّريّ إلحاديّ، أو تأصيليّ سلفيّ، وأمّا أن يكون معتدلا، فليس له من الحكمة ما يكفي لذلك، فهو شابّ.

المطلب الثالث: خصائص الانفتاح والتجديد في الإسلام ومسايرته للعصر والمجتمع (البعد المقاصدي في الإسلام)

كما أنّه من واجب المفكّر الحضاري اليوم، ومن واجب المشتغل على هذه المسألة مسألة التصدّي لهذا الفكر المتشدّد والمتطرّف دينيّا، أن يسعى إلى إبراز خصائص الإسلام، وإظهار معاني الانفتاح والاعتدال والسّماحة فيه، والتركيز على قدرة الإسلام على مسايرة الواقع الحضاري بكل متغيّراته وتعقيداته، وأنّ الإسلام لا يعتبر مشكلا، وإنّما هو حلّ لمشاكل الواقع بشرط فهمه وتمثل روحه ومبادئه العميقة. فالابتعاد عن الإسلام ومعاداته لا يقلّص من انتشار ظاهرة التطرّف الدّيني والإرهاب،

 وإنّما الذي يقلّص منها هو مزيد الاقتراب من الإسلام وتمثّله في الواقع، ولكن بصورة وفهم وتطبيق يلامس حقيقته وروحه. خاصّة أنّ الإسلام قد جعل لنفسه عددا كبيرا من الآليات التي يستطيع بها أن يضمن مسايرة التطوّر الحضاري واعتبار المتغيرات العديدة التي تظهر خلال الصّيرورة الزمنيّة التاريخية،

 منها خاصّة باب الاجتهاد في الفقه الإسلامي الذي يدعو إلى استنباط أحكام جديدة وفتاوى تترافق مع ظهور مسائل جديدة في الواقع والمجتمع، ومنه فقه الواقع، وفقه الاختلاف، وفقه المعاصرة، وغيرها،

 ثمّ إنّ من أهمّ الأدلّة التي يعتمدها المجتهد في ذلك علم المقاصد الشرعيّة، هذا العلم الذي يبرز أنّ الدين كلّه لم يأت إلاّ لتحقيق سعادة الإنسان في الدّارين، لذلك جعل الأصوليّون حقّ العبد مقدّم على حقّ الله، وجعلوا المقاصد الشرعية كلّها تقوم على الكلّيّات الخمس، وهي: حفظ الدّين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.

فبدا واضحا أنّ الاعتبار الأهمّ في الإسلام هو لمتطلبات واحتياجات الإنسان في الدّنيا والدّين، ولأنّ الله تبارك وتعالى أعرف بمصلحة العبد جعل له هذا الدّين شريعة تحقّق له هذه السّعادة في الدّنيا ويجازى عنها ثواب الآخرة.

وأثبتت الدراسة بأن البحث ولربّما من أبرز التجارب التي عرفتها الحضارة العربية الإسلامية، وأكثرها قدرة على التصدّي لظاهرة التطرّف ووقاية المجتمع عامّة والشباب خاصّة من مخاطر التشدّد الدّيني، هي التجربة الصّوفيّة. هذه التجربة التي تقوم على رؤية جدّ مخصوصة تجمع بين عمق الفهم لمبادئ الإسلام، ذلك أنّ أذواق أصحابها تعوم في مقام الإحسان أعلى مقامات الدّين، وبين قبول الاختلاف والانفتاح على الآخر؛

ذلك أنّهم يرون أنّ كلّ الأمّة على خير، لقوله تعالى: “كنتم خير أمّة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”[13]، فالخيريّة أصل في كلّ الأمّة، رغم اختلافهم وتباين أفكارهم وتوجّهاتهم، وحتّى غير المسلم فهو معتنى به لمقام الإنسانيّة، وحتّى الحيوان فهو معتنى به لمقام المخلوقيّة،

 وغير ذلك من الدوائر التي تجمعهم مع غيرهم، فلا يسعَوْن إلى الفرقة والتباين والاختلاف، ولا يقبلون بها. فنلاحظ على مستوى الواقع شدّة معاداة هذا الفكر المتطرّف للصّوفية وسعيهم لتبديعهم والإنكار عليهم وتشويه صورتهم لدى النّاس وكثرة التحامل عليهم بالأقوال والأفعال، لماذا؟ لأنّ المتصوّفة هم أكثر الفئات قدرة على إبطال دعواهم وردّ حججهم، لأنّهم لا يرون الإسلام مجموعة من الأعمال والأقوال والممارسات والهيئات،

وإنّما يرونه روحا وفهوما وأذواقا وتسامحا ومحبّة وتآلفا وتسليما وإيثارا وإحسانا وبرّا واجتماعا وتوحيدا وتطهيرا وتزكية وترقيات وصفاء وصلاحا، وغير ذلك ممّا يناقض مبادئ هذا الفكر القائم على الدّعاوى الباطلة أنّهم فقط من يملك الحقيقة، وأنهم الوحيدون الذين يفهمون حقيقة الإسلام والقادرون على تطبيق الشّرع وإنقاذ الأمّة ممّا هي فيه.

وعليه، فلو تأمّلنا جيّدا في حقيقة الفكر الصّوفي والرؤية التي يحتكم إليها، بعيدا عن الممارسات الرّعناء التي لا تمتّ لهذا الفكر بصلة من قريب ولا من بعيد، لاستطعنا أن نرى نموذجا راقيًا ومنهجًا واضحًا قادرًا على تقديم عدد كبير من الحلول الحقيقيّة والعمليّة للتصدّي لهذه الظاهرة السّرطانية والدّاء العضال ظاهرة التطرّف الدّيني والإرهاب، ولكنّا تمكنّا أن نقِيَ أبناءنا من خطر التأثر بهذا الفكر الإقصائي الدّخيل علينا، والذي يقدّم لنا السمّ في الدّسم، كما يقال.

* الفكر يتعدد ويتنوع، يتنوع بتنوع بيئات الشعوب والأقوام والأمم والمجتمعات الجغرافية والسياسية وغيرها، وتنوع الثقافات والحضارات والفلسفات والديانات في هذه البيئات، ويتعدد بتعدد مجالات الحياة التي تتميز بالتنوع والتداخل داخل المجتمع الواحد والبيئة الواحدة والحضارة الواحدة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ودينيا وفلسفيا وعلميا، يتنوع بتنوع الوعي التاريخي والظروف التاريخية التي تعرفها الإنسانية عبر الحقب التاريخية المختلفة التي تمرّ بها جماعاتها، الأمر الذي جعل بحوزة الإنسان أنواعا وأنماطا وأشكالا شتى من التفكير ذات معايير شتى في تصنيفها، يعجز الإنسان عن الإلمام بها جميعا في وقت واحد.    * الفكر العربي الإسلامي نوع من أنواع الفكر التي عرفها تاريخ الإنسانية، له منظوماته وخصوصياته، ارتبط بالوجود العربي وبالوجود الإسلامي وتطوّر عبر العصور متأثرا بسائر التحوّلات التي عرفها الإنسان في حياته،

 يتحدد بالتراث الإسلامي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية – المنظومة التأسيسية – وما انبثق عنهما من منظومات فكرية وعلمية وفلسفية منذ القديم حتى الآن، كما يتحدد بالتراث العربي متمثلا في ديوان العرب قبل الإسلام،

 وفي سائر عناصر الثقافة العربية الفكرية والدينية والأخلاقية والسلوكية، التي جاءت وتطوّرت بعد الإسلام إلى يومنا هذا، ويتحدد كذلك بما أفرزه امتزاج التراث العربي بالتراث الإسلامي بالفكر الإنساني القديم والحديث والمعاصر وبمشكلات وتحدّيات العصر الحاضر وتحوّلاته.

* الفكر العربي الإسلامي المعاصر جزء من الفكر العربي الإسلامي ككل بجميع منظوماته التأسيسية والتجديدية وبما فيه من عناصر ذاتية محلية وأخرى عالمية شمولية عامة، ثوابت أو متغيرات، هو جزء من الفكر الإنساني العالمي العام، يعكس حياة الإنسان بجميع جوانبها في العالم العربي والإسلامي المعاصر، ويصور المشكلات والهموم والتحوّلات والتحدّيات، كما يعرض الجهود المبذولة والمحاولات القائمة والمواقف والاتجاهات والتوجهات في جميع مستويات الحياة، فلا سبيل للاطلاع على أي مرحلة تاريخية إلاّ بالفكر ومن خلاله.

* نحتاج في هذا البحث إلى التعرض لمدلول الفكر العربي الإسلامي المعاصر، من حيث كونه عربيا ومن حيث كونه إسلاميا ومن حيث هو منظومة فكرية عربية إسلامية فيها العناصر الذاتية المحلية وفيها الكثير من الجوانب الإنسانية المشرقة وغيرها ذات الطابع العالمي الشمولي العام،

.ونتعرض لتياراته الكبرى التي انبثقت من التواصل بين الموروث والوافد وتأثرت من دون شك بما يجري في العصر من مستجدّات ومتغيّرات في كل مستويات الحياة، ونتعرض لمدارسه الفلسفية المختلفة التي ارتبطت هي الأخرى في نشأتها واستمدادها بالتيارات الفكرية وبالموروث والوافد، ونتعرض للتحدّيات التي تواجهه وتحوّلات العصر، وللآثار والتداعيات والانعكاسات التي خلّفتها تحوّلات العصر وتوجّهاته،

 ونشير بصفة عامة ومن وجهة بعض المفكرين في العالم العربي والإسلامي إلى السبل الكفيلة بحل المشكلات وتجاوز الصعوبات وتمنع انعكاسات تحوّلات العصر الخطيرة، وتضمن معادلة متوازنة تجمع الحداثة والتحديث والتراث وتسمح للفكر العربي الإسلامي بالتطور والازدهار والإسهام في بناء حضارة عصره دون أن يتخلّى عن خصوصياته.

* تتكون التسمية من أربعة مفاهيم هي الفكر والعربي والإسلامي والمعاصر، أما الفكر فهو قدرة الإنسان على النظر العقلي في الموضوعات وتعقيلها أو تعقّلها، وإنتاج المعرفة وتداولها والاعتماد على العقل في الإصلاح ورسم التقدم وفي تنظيم حياة الفرد وتوجيه حياة المجتمع في جميع مجالاتها، والفكر هو قدرة الإنسان على التأمل والتدبر والتفكّر والتبصر والتعقّل والتنظير وإعمال العقل باستخدام كل فعّاليات الذهن ونشاطاته في الوجود الفردي الذاتي الباطني وفي الوجود الاجتماعي الموضوعي الخارجي وفي الوجود الإنساني العام وفي الوجود الطبيعي الموضوعي وفي الوجود الغيبي الميتافيزيقي،

 والفكر يختلف من فرد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر من حيث الأسلوب والاهتمامات والغايات والمبادئ والمنطلقات ودرجة الصحة ومعاييرها ودرجة العمق وشروطه ودرجة الوفرة والكفاية ومجالها ومدى الدقة وحدودها، الأمر الذي يدل على أنّ الفكر تتحكّم فيه عدة عوامل متداخلة بعضها ذاتي في الإنسان وبعضها موضوعي، بعضها داخلي وبعضها خارجي اجتماعي وطبيعي وغيره، بعضها قديم وبعضها حديث وآخر معاصر.

* نظرا لاختلاف الأفراد والجماعات والأزمنة في التفكير ونظرا لتعدد موضوعات ومجالات التفكير ونظرا لاتساع المجال الواحد بحيث لا يمكن للتفكير أن يتصدّى له كاملا دراسة وبحثا، وكلما ازداد التفكير تعمقا في تفاصيل وجزئيات مجال ما كلما ازداد المجال المدروس في آفاقه توسعا وتبحرا،

الأمر الذي جعل الفكر الإنساني في تطوّره ينتقل من العصور القديمة إلى العصر الحديث والعصر الحاضر من التوجّه الفكري النمطي الموسوعي إلى التوجّه الفكري التخصصي اللاّنمطي، ويعرف كل تخصص من التخصصات اتساعا وعمقا كلما ازداد تقدما في البحث والدراسة، لهذا عرف الإنسان أنواعا شتى من التفكير تتعدد وتختلف باختلاف مصادرها ومحدداتها وموجهاتها، ومن هذه المصادر والمحددات والموجهات تكون جغرافية ولغوية وبيئية ودينية، وهي مصادر ومحددات وموجهات الفكر الذي ارتبط بالجغرافيا العربية وباللغة العربية وبالثقافة العربية وبالسلوكيات والممارسات العربية المختلفة وبديوان العرب وبالديانة الإسلامية والبيئة العربية الإسلامية عامة وتطوّر بالاحتكاك والتواصل والانفعال والتفاعل مع أنماط التفكير الأخرى،

ومرّ بظروف ومراحل تاريخية أسهم فيها وأسهمت فيه، حتى وصل إلى العصر الحديث والمعاصر بالصورة التي هو عليها، وفيه التقت عدة أفكار وعدة ثقافات وعدة ديانات وعدة فلسفات، خاصة بالنسبة للجانب الإنساني العالمي فيه، وله من العناصر الذاتية والمحلية ما يتميز به عن غيره، هذه المكونات بقسميها الخاصة والعامة تدل بجلاء على وجود نوع من الفكر هو جزء من رصيد الفكر العالمي الإنساني العام هو الفكر العربي الإسلامي له كيانه وخصوصياته.

* أما الفكر العربي وكونه عربيا فالفكر هنا مرتبط في أساسه باللّغة العربية وبالثقافة العربية وبالعنصر العربي بالدرجة الأولى أي بالعروبة عنصرا ولغة وثقافة وجغرافيا وبكل ما يخص العرب وحياتهم في العصور القديمة وفي العصر الحديث وعصرنا الحاضر، ويشمل الفكر العربي إسهامات العديد من المفكرين الأعاجم التي جاءت باللغة العربية، على أساس أنها لغة القرآن والسنّة أسست لحضارة عربية إسلامية مزدهرة وقوية، وارتبطت قبل ذلك بثقافة عربية قوية تمثلت مظاهرها في فنون أدبية نثرية وشعرية وفي ألوان أخرى من الفكر والثقافة والديانات بعضها عربي صرف وبعضها دخيل بفعل احتكاك العرب بغيرهم من شعوب العالم، عن طريق الأسفار والتجارة والغزوات والحروب وغيرها،

 ويشمل المعطى الثقافي والفكري والديني والأدبي لدى العرب قبل الإسلام عدة اتجاهات أهمها الديانة اليهودية والديانة المسيحي ومذهب الصابئة ومعطى الثقافة العربية المتمثل في ديوان العرب بالإضافة إلى اللغة العربية والتاريخ والكثير من المعتقدات والأفكار التي استوعبها الإسلام وهذبها وأصبحت من جوهره وروحه.

* فالفكر العربي في جانبه العربي يشمل كل ما هو عربي صرف عربي، عربي يهودي، عربي مسيحي عربي صابئي، عربي بمعتقدات وأفكار ومعارف أخرى، ويظم كل ما هو عربي ممزوج بغيره استوعبته الثقافة العربية والبيئة العربية في توافق وانسجام قبل الإسلام، كما يشمل كل ما هو عربي تطوّر وامتزج بالإسلام وتطوّر بعد امتزاجه بالإسلام، وبعد امتزاجه بثقافات وديانات وفلسفات أخرى، بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية واحتكاك العرب والمسلمين واللغة العربية والثقافة العربية بشعوب وأمم غير عربية في مشارق الأرض ومغاربها،

 عن طريق الفتوحات الإسلامية والتجارة والأسفار العلمية وغيرها، ولعبت حركة الترجمة دورا كبيرا في نقل التراث الفكري والفلسفي والأدبي وغيره إلى العرب والمسلمين، فانكبوا عليه دراسة وفحصا ونقدا وتحصيلا،

 كما يشمل ما هو عربي تطوّر عبر العصور الإسلامية والعصور الوسطى، خاصة ذلك الذي ارتبط بالبيئة العربية ويحمل خصوصيات عربية، ولما دخل عليه العصر الحديث تفاعل معه في توافق ووئام وانسجام في حين وفي تنافر وتباين واصطدام في حين آخر، حتى جاء العصر الحاضر الذي أصبح فيه الفكر العربي يطلق على أي إنتاج فكري وثقافي للعرب وللغة العربية وللبيئة الثقافية العربية نصيب فيه،

في العصور القديمة وفي العصر الحديث وفي عصرنا الحاضر، سواء أكان الإنتاج الفكري والثقافي العربي صرفا في عروبته أو ممزوجا بغيره، والفكر العربي الإسلامي من إنتاج امتزاج الفكر العربي بالإسلام وبالفكر الإسلامي منذ ظهور الإسلام إلى اليوم.

* أما الفكر الإسلامي وكونه إسلاميا لارتباطه بالإسلام عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، ولاتصاله بالثقافة الإسلامية وبحياة المسلمين، وبسائر التطورات التي عرفتها هذه الحياة منذ مجيء الإسلام إلى اليوم، خاصة وأنّ قوّة الإسلام ومناعته وفي المقابل هشاشة المعتقدات والديانات والثقافات الأخرى جعل الإسلام ينتشر بسرعة

ويُقبل عليه الناس مجتهدين في تكييف معتقداتهم وثقافتهم وفلسفاتهم مع المعتقدات والتعاليم الإسلامية أو متخلين عنها مندمجين تماما في الحياة الإسلامية، وارتبط الإسلام والفكر الإسلامي باللغة العربية لكونها لغة القرآن الكريم ولغة الديانة الإسلامية ولغة التعبد في هذه الديانة، فاحتضن الإسلام الثقافة العربية التي سبقته بما في ذلك ديوان العرب وقام بإصلاحها بتهذيبها، فأصبحت الثقافة آنذاك مركبة مما هو عربي ومما هو إسلامي، والأمر نفسه ينطبق على الفكر في تلك الحقبة، الفكر الذي ازداد اتساعا وازدادت معه الثقافة غنى وثراء.

* مادام الإسلام يدعو إلى التأمل والتدبر والتفلسف في الوجود والكون والحياة عامة، ويدعو إلى إنتاج الفكر والمعرفة والاجتهاد في ذلك باستمرار، فإنّ هذه الدعوة فتحت كل الآفاق على البحث والدراسة والاطلاع، من طرف المسلمين العرب وغير العرب، الأمر الذي جعل الساحة الفكرية والعلمية والفلسفية والثقافية عامة في العالم العربي والإسلامي تشهد ازدهارا هائلا، خاصة بعد اتصال الثقافة العربية والإسلامية بالثقافات الشرقية القديمة، الثقافة المصرية القديمة والثقافة الفارسية والثقافة الهندية والثقافة الصينية، واتصالها بالفلسفة اليونانية وبالعلم اليوناني، هذه الفلسفة

 وهذا العلم اللذان يمثلان قمّة التطور الذي عرفه اليونان القديم بعد حكمة الشرق القديم، هذا التطور سنح لبعض المفكرين والفلاسفة في الغرب الأوربي الحديث والمعاصر برفع شعار “الحضارة حكر على الغرب” قديما وحديثا ومعاصرا، وهو موقف يجانب الحقيقة في كافة أوجهها،

لأنّ الحضارة لا عنوان لها والتقدم العامي لا وطن له والحكمة ليست حكرا على أحد فالحضارة عرفتها الشعوب الشرقية القديمة، والحكمة الفلسفية والعلمية اضطلع بها اليونان القديم والتقدم العلمي أنتجه المسلمون في حضاراتهم، كما نجد الحضارة في العصر الحديث والعاصر تحوّلت إلى أوربا لما توفرت شروطها، وحصا الأخذ والعطاء بين الحضارات في التاريخ.  

* يبقى التواصل العربي الإسلامي بالفكر الإنساني الذي سبقه والذي عاصره على مدى مختلف الحقب التاريخية هو الذي كان وراء ظهور الكثير من الاتجاهات الفكرية والفلسفية والعلوم والفنون والآداب وغيرها، وتبلورت تلك الاتجاهات في شكل أنساق علمية، فظهرت علوم الحكمة أو العلوم العقلية وتمثلت في الفلسفة وعلم الكلام وفرقه وفي علوم التصوف، كما ازدهرت العلوم الطبيعية والتجريبية وتطورت معها الفنون العملية والصناعات المختلفة، وظهر العديد من العلوم الدينية، مثل علوم التفسير وعلم الفقه وعلم أصول الفقه وعلوم الحديث وعلم السيرة النبوية وغيره،

 وفي خضم هذا التقدم العلمي الذي تميّز به الفكر العربي الإسلامي وتميّزت به الحضارة العربية الإسلامية تطورت علوم اللغة العربية تطورا هائلا لاحتوائها ثقافات متنوعة وتعبيرها عن حضارة الإسلام والمسلمين، هذا التطور الذي أسهم في فيه المسلمون من عرب وعجم انتهى باكتمال ظهور فكر جديد تولّد عن امتزاج اللغة العربية والثقافة العربية بالإسلام وبثقافات وديانات وفلسفات أخرى شرقية وغربية، وكانت المعايير في هذا الفكر الجديد هو ما جاء به الإسلام من معتقد وشرعة ونظام، كل منها مُثبّت في القرآن الكرم والسنة النبوية الشريفة، باعتبارها تمثل أصول العقيدة ومصادر التشريع الإسلامي. 

* أما الفكر العربي الإسلامي المعاصر وكونه معاصرا فهذا يدل دلالة واضحة على أنّ الفكر متغير ومتطور تاريخيا وباستمرار عبر العصور، فهو مرتبط بالعصر الذي يتواجد فيه وبظروفه، ويتغير بتغير انشغالات واهتمامات ومشكلات العصر، ولما كانت الغاية القصوى في صدر الإسلام التمكين للإسلام على أرض الله ونشر عقائده وتعاليمه والدفاع عنها وشرحها وتوصيلها إلى الناس خاصة لأصحاب الديانات والثقافات والفلسفات الأخرى، كالفرس والروم والإفرنج واليونان وغيرهم كثير، جاء الفكر بطابع عقلي جدالي يقوم على الحوار والمحاجة والجدل ويستخدم الاستدلال العقلي المنطقي في إثبات عقائد الإسلام ودفع الشبهات عنها، وفي الردّ على الخصوم والمعارضين الذين هم من داخل العالم الإسلامي أو من خارجه، الطابع العقلي الاستدلالي المنطقي الفلسفي للتفكير في هذه الحقبة التاريخية عكسته الفرق الكلامية والاتجاهات الفلسفية.

* بعد مرحلة استخدام الاستدلال العقلي المنطقي للذود عن الدين وفي ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وظروف فكرية وثقافية مغايرة للتي سبقتها ازدهرت حركة التصوف والمتصوفة، وازدهرت حركة العلم والعلماء والبحث العلمي ومناهجه، وانتهت إلى نتائج علمية متطورة جدّا بالقياس إلى الحركات العلمية السابقة وما تميّزت به في الشرق القديم أو في الحضارة اليونانية،

 تمثلت هذه النتائج في ظهور عدد من العلوم المزدهرة، فلسفية ودينية مثل علم الكلام وعلوم التصوف وعلم أصول الفقه وعلم الفقه وعلوم القرآن وعلوم الحديث وغيرها، وطبيعية تجريبية مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضة والفلك وغيره، وإنسانية واجتماعية من التاريخ والعمران البشري وعلم الاجتماع وغيره، بهذا ارتبط الفكر العربي الإسلامي بأوضاع وظروف ومشكلات الإنسان في المجتمع الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتى الآن، كما ارتبط بحضارة عربية إسلامية مزدهرة قائمة بذاتها انبثقت من مبادئ وقيّم ومفاهيم الإسلام عقيدة وشريعة في تفاعلها وتواصلها مع الديانات والثقافات والفلسفات والحضارات السابقة.

* لما كان الفكر نشاطا إنسانيا مرتبطا بالظروف التاريخية وحركة بشرية تمليها الأوضاع التي يعيشها الفرد وتعيشها الجماعة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا في عصر من العصور، فإنّ الظروف التاريخية والاهتمامات والانشغالات والمشكلات والتحديات والتحولات التي عاشها ويعيشها الإنسان في العالم العربي والإسلامي في العصر الحديث والمعاصر تختلف تماما عن تلك التي عرفها المجتمع الإسلامي القديم، وهي كثيرة منها الاستعمار، الاستقلال، الإصلاح، النهضة، التخلف، التحرر، الحداثة،

 ما بعد الحداثة، التجديد، التنوير، القومية، الليبرالية، الاشتراكية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المجتمع المدني، العلمنة، العلمانية، الأتمتة، والعولمة وغيرها، فالفكر العربي الإسلامي المعاصر يشمل كل البحوث والدراسات والمشاريع الفكرية والفلسفية التي تشتغل ببحث المشكلات والقضايا والانشغالات في العام العربي الإسلامي المعاصر، وهي اهتمامات المجتمع المعاصر بصفة عامة واهتمامات الشعوب المتخلفة ومنها الشعوب العربية الإسلامية، ولكونها شعوبا تراثية فإنّ الفكر لديها مرتبط بالتراث العربي الإسلامي من جهة وبالوافد من جهة أخرى،

 فهو يخضع لمحددات ثلاثة الموروث والوافد والواقع المعيش، ويتصدى لهذا الفكر عدد من المفكرين والباحثين منتشرين عبر أقطار البلاد العربية والإسلامية، كما يمثله عدد من الاتجاهات الفكرية والدينية، ويستجيب لاهتماماته عدد من المشاريع الفكرية تمثل الموقف الحضاري فيه.

* إنّ أهمّ ما تميّز به الفكر العربي الإسلامي عامة، والفكر العربي المعاصر خاصة ظاهرة التعدد والتتنوع والتركيب، ففيه الموروث المحلي والدخيل، وفيه المعاصر الوافد وغير الوافد، وبين الوافد والموروث يوجد تعدد كبير وتنوع هائل في عناصر ومكونات المنظومة الفكرية في العالم العربي والإسلامي، هذه المنظومة التي تتفاعل بداخلها سائر عناصر المظاهر الثقافية والفكرية والمعرفية فيما بينها من جهة ومع تحولات العصر وتحدياته من جهة أخرى، والتفاعل الداخلي بين عناصر المركب للمنظومة يتم في توافق وانسجام على مرّ العصور

 واختلاف ظروفها التاريخية وتجدد الأبنية المعرفية والثقافية باستمرار مع تجدد أوضاع الحياة، والذي يدل على مدى التفاعل داخل شبكة المنظومة الفكرية العربية والإسلامية عامة هو ارتباط الفكر في هذه الشبكة بالحياة الثقافية والفكرية والفلسفية والعلمية وغيرها، وبكل ما هو عربي فكرا وممارسة وتاريخا وغيره وبكل ما هو إسلامي عقيدة وشريعة وفكرا وممارسة وتاريخا وغيره، وبكل التحولات والتحديات المعاصرة في العالم بصفة عامة وفي العالم العربي والإسلامي بصفة خاصة،

 وباستجابات هذا الفكر لهذه التحديات وبآفاقه وتطلعاته، وبحكم تركيبه فهو ينطوي على ما هو ثابت وعلى ما هو متغير، فلكونه إسلاميا ففي الدين ما هو هدي إلهي أزلي خالد لا مكان للتجديد فيه، والفكر الإسلامي نتيجة للتفاعل بين المسلمين وأحكام الدين الخالدة، هذا التفاعل الذي يستمر مع أجيال المسلمين التي تضطلع بالتفكير في الإسلام يتأثر ويتكيف وينفعل بالظروف القائمة التي تحيط به، وبمطالب وحاجات الناس وبالوسائل والإمكانيات المتاحة، مما يدل على احتواء الفكر الإسلامي للمتغيرات واستيعابه للجديد وممارسته التجديد في ظل الهدي الأزلي الخالد الذي يتضمنه الوحي وبيّنته السنة النبوية الشريفة، هذه الثنائية ثنائية الثبات والتغير في الفكر الديني الإسلامي سنة كونية وحكمة إلهية قامت عليها الحياة،

والأمر نفسه مع الفكر العربي الذي يتضمن قيّما ثابتة قد تكون مشتركة بينه بين الفكر العالمي العام وقد تكون خاصة به، عرفها ومازالت تحدده ويتحدد بها، وهكذا مع كل أنواع الفكر سواء أكان الفكر مشتركا بين بني الإنسان ولهم عامة أو كان خاصا ببعضهم فهو متعدد المكونات متنوع الروافد فيه الثوابت والمتغيرات، يتّجه نحو الأوضاع التي تميّز عصره يشهد لها أو عليها، يكرسها ويبررها أو يثور في وجهها، يسكّن الواقع أو يحركه، يتميّز بالفعّالية والتأثير أو بالسكون والجمود، يُسهم في تغيير الواقع وتطوير الحياة أو يكتفي بالإتباع والنقل من موروثه أو مما يعاصره.

* ففي حقل التفكير الفلسفي وهو نوع من أنواع التفكير الذي عرف أحوالا متباينة عبر تاريخه الطويل تراوحت بين القوّة والضعف وبين العمق والسطحية وبين الدقة والعفوية وبين الكفاية والقلّة وغيرها، ارتبط هذا النوع في كل مرحلة من مراحل تاريخ الطويل بالظروف التاريخية وبأوضاع الناس المختلفة، ارتبط بعقلية الإنسان وبلغته وبمعتقداته وبنمط عيشه وبثقافته وبالجغرافيا التي يعيش فيها وبكل ما يعانيه وما يعنيه ككائن حي وكإنسان، بالمشترك الوجودي والمشترك الإنساني،

 بما هو عام في المشترك الإنساني وبما هو خاص داخل المشترك الإنساني، لذا تعددت الفلسفات وتباينت، ومنها الفلسفة التي ارتبطت بالبيئة العربية الإسلامية، وتمثل الفكر الذي انبثق وتشكّل من التوحيد بين ما هو فكري فلسفي وبين ما هو عربي وبين ما هو إسلامي، وتمّ واكتمل نموذجا من نماذج التفكير الفلسفي يطلق عليه التفكير الفلسفي العربي الإسلامي، واستمر هذا الفكر عبر التاريخ يتفاعل وينفعل في داخله وذاتيا كما يتواصل بالتحدي والاستجابة مع الظروف التاريخية التي تمرّ عليه بالتفوّق أو بالإخفاق حتى العصر الحاضر، ففي عصرنا تلتقي الفلسفة بالثقافة العربية وما شهادته من تطورات وبالثقافة الإسلامية وما عرفته من تجديد،

وذلك في الجامعات وخارجها، ففلسفة الحركة الإصلاحية الحديثة والمعاصرة روادها لم يكونوا من ذوي الاختصاص في الفلسفة الإسلامية أو العربية أو ما يُسمى بالفلسفة العربية الإسلامية، فجمال الدين الأفغاني  وتلميذه محمد عبده ومحمد رشيد رضا الذي هو تلميذ محمد عبده وهم الرواد الأوائل للفكر الإصلاحي الديني والسياسي والتربوي والاجتماعي عامة قدّموا اجتهادات في الفلسفة الإسلامية لم ترق إلى مستوى الأنساق الفلسفية التي عرفها الفكر الفلسفي في الغرب الحديث،

ولكنّها استطاعت أن تضع بذور تفكير تميّز ببعده الفلسفي في قراءته للواقع وفي تحليله ونقده له وفي تصوره لمناهج حل المشكلات و التعامل مع الأزمات ومعالجتها، كما أثرت هذه الاجتهادات الفلسفية في الجيل الذي جاء فيما بعد ومن أفراد هذا الجيل مصطفى عبد الرازق الذي يُردّ إليه تأسيس الدراسات الفلسفية المعاصرة في العالم العربي، وكذلك أحمد لطفي السيد الذي يعتبره الكثير فيلسوف الجيل الأول بعد جيل الحركة الإصلاحية بدون مُنازع، وكان لهذا التداخل بين الفلسفة والفكر العربي والفكر الإسلامي أثره البالغ  الكبير في الفكر الفلسفي السياسي المعاصر،

كما وقع تداخل الفكر الفلسفي والعلمي المرتبط بالتقدم العلمي والتكنولوجي الحديث والمعاصر مع الفكر العربي والعلماني، وأبرز رواد الفكر العلمي العلماني شبلي شميل وفرح أنطوان وسلامة موسى وغيرهم، ولم يكن هؤلاء من داخل الجامعات، التقى فكرهم مع الفكر الفلسفي العلمي من داخل الجامعة، وأبرز رواد الفكر الفلسفي العلمي من داخل الجامعة زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا، اتسع مجال الاهتمام بالفلسفة وبقضاياها ومشكلاتها العامة والخاصة بالعصر والمجتمع العربي الإسلامي المعاصر،

 فلم يعد الاهتمام بالفلسفة يقتصر على المتخصصين في الفلسفة أو في الفروع التي تقاربها وتوازيها بل ساهم في الاهتمام بها  أئمة وعلماء وقضاة شرعيون ومصلحون دينيون ومفكرون سياسيون وأدباء وصحفيون وكتاب وأصحاب أقلام، واتسع مجال الفكر الفلسفي ليشمل مجالات واسعة من الفكر الفلسفي العام الذي يظم الفكر الديني والعلمي والسياسي داخل الجامعات وخارجها، واتسع أكثر ليشمل كذلك العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل علوم اللغة واللسانيات وعلم النفس وعلوم التربية والجغرافيا والتاريخ و السياسة والأدب والقانون وغيره،

فالفكر العربي الإسلامي المعاصر بهذه الاهتمامات اندمج في العصر وشكّل ساحة فكرية بانت فيها روافده ومصادره وتوجهاته التراثية القومية والإسلامية، والمعاصرة المادية الاشتراكية والليبرالية الغربية.     

* إذا ما أردنا تصنيف الأبنية والأنساق الفكرية والثقافية والمعرفية التي تتشكل منها منظومة الفكر العربي الإسلامي منذ القديم إلى يومنا هذا ومن باب الوصف العام، لأن التدقيق والتفصيل في الموضوع يتطلب جهدا معتبرا ودراسة مطولة وبحثا عميقا، لكن هذا لا يمنع من تحديد ووصف هذه الأبنية والأنساق،

هذه المنظومة كانت عربية قبل أن تكون إسلامية، تكوّن الفكر فيها بداية وتمهيديا من الثقافة العربية التي هي بحوزة العرب قبل مجيء الإسلام، هذه الثقافة التي تضمّنت أربعة اتجاهات أساسية هي الديانة اليهودية والديانة المسيحية والصابئة ومجمل ما احتواه ديوان العرب من شعر ونثر وحكم وأمثال وأخلاق وغيرها، هذه الثقافة السابقة على الإسلام تحتاج الآن إلى دراسة وتحليل ونقد،

 لما جاء الإسلام شكّل مجالا واسعا للتفاعل مع البيئة الثقافية والفكرية القائمة، وهو يمثل المنظومة التأسيسية التي تشمل مصادر وأصول الحكمة الإسلامية متمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والعقل والإجماع وبعد ذلك جاءت أعمال واجتهادات الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والعلماء،

 وأصبحت المنظومة التأسيسية مهيمنة على الساحة الفكرية والثقافية، مُعدلة ومطوّرة للأبنية والأنساق الثقافية السابقة وذات تأثير بالغ على الأبنية والأنساق الفكرية التي جاءت بعدها، وارتبطت هذه المنظومة بالعرب تاريخا ولغة وثقافة

كما ارتبط العرب بالإسلام اعتقادا وشرعا وديانة وفكرا فحصل الاندماج بين الجانبين في توافق وانسجام، المركب مما هو عربي ومما هو إسلامي دخل في تفاعل وانفعال مع نفسه ومع الثقافات الديانات والفلسفات الأخرى الغربية والشرقية القديمة والمعاصرة له، ارتبطت المنظومة التأسيسية بالعروبة لغة وتاريخا ثقافة وبالديانة اليهودية والديانة المسيحية، وبالثقافات الشرقية القديمة والفلسفة اليونانية وبالفلسفة الرومانية وبغيرها،

وعلى الرغم من أنّ قوام المنظومة التأسيسية ثابت يتمثل في القرآن الكريم إلاّ أنّ ممارسة التدين في الإسلام تتطلب التكيّف مع المتغيرات والمستجدات والتحوّلات التي تعرفها ظروف الحياة، الأمر الذي يقتضي فهم هذه المنظومة فهما عصريا في ضوء التطور الحاصل في الحياة المعاصرة، بالإضافة إلى المنظومة السابقة على الإسلام والمنظومة الإسلامية الخالصة التأسيسية وبعد التفاعل الإسلامي الديني والفكري مع التعدد والتنوع الديني والثقافي والفلسفي والعلمي القديم

 والذي عاصره وتمّ بأساليب ووسائل عديدة أهمها الفتوحات الإسلامية وحركة الترجمة، نتج فكر تحصيلي تخصيبي يشمل المعرف المزدهرة والعلوم المتطورة وكل ما أنتجه المسلمون وارتبط بالحضارة العربية والإسلامية

 وساهم فيه كل المسلمين من عرب وعجم وساهمت فيه كل الثقافات والحضارات التي احتك بها أهل الإسلام، وتمثل الإنتاج الفكري في هذه المنظومة كل العلوم الدينية والشرعية وفي العلوم الطبيعية والتجريبية وفي علوم الحكمة، علم الكلام وعلوم التصوف والفلسفة

وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية ، التاريخ وعلم العمران وغيره، هذا الإنتاج الذي يحتاج إلى دور نهوضي وعمل يعيد قراءته والاستفادة منه، خاصة بالنسبة للإنتاج الفكري الذي يحتوي على الجوانب الخاصة والذاتية في الثقافة العربية والإسلامية،

 أما ما هو مشترك وإنساني عام يمكن قراءته في ضوء التحولات الفكرية الجارية في العالم المعاصر ككل، إلى جنب الفكر التحصيلي الفلسفي والشرعي والعلمي يوجد نظام آخر من الفكر داخل المنظومة العامة، هو الفكر التأصيلي ويشمل جميع الرؤى  ذات الأبعاد الدينية الشرعية والقواعد والأصول التي يتم الاعتماد عليها في فهم واستيعاب المنظومة التأسيسية، ومن ذلك فهو يتضمن التفكير المنطقي والمنهجي بكل أشكاله، ويمثل الفكر العقلاني الشامل في الفكر العربي الإسلامي،

 ويحتاج هذا الفكر إلى إعادة قراءة ونظم واستشراف في ضوء انتقاد كل عمليات المراجعة والتحديث المتتالية والمتعاقبة، هو الأمر الذي حدث ومازال يحدث من خلال جهود المراجعة والتحديث الأولى وكذلك مسار جهود النهضة واليقظة والدعوة إلى الاستعادة وبعد ذلك مجهود التيارات والتوجهات الفكرية المعاصرة، وفي المقابل مازالت جهود النهضة واليقظة بالدعوة إلى الاستعارة قائمة وهي جهود التيارات القومية الليبرالية،

خاصة بعد التطور الهائل الذي حققه العالم المتقدم في مجال العلم والتكنولوجيا وفي إدارة المجتمع ونظام الحكم وتنظيم الاقتصاد، كما توجد جهود أخرى تبني فكرها في المراجعة والتحديث لا على الاستعادة وحدها ولا على الاستعارة وحدها بل على الاستفادة من التراث ومن العصر معا، وهي الجهود التي تشغل الحيز الأكبر في حقل الفكر العربي الإسلامي المعاصر،

هذا الأخير الذي يعوّل أساسا على المراجعة والتحديث  من خلال إعادة قراءة وصياغة التراث العربي الإسلامي وفق ما يجري في العصر، وتوجد العديد من المحاولات في هذا التوجه تحتاج إلى المتابعة للوصول بها إلى درجة أرقى من خلال الاستفادة من الماضي ومن التجربة الإنسانية المشتركة، والإسلام لا يجد صعوبة في التعاطي مع روح العصر،

فهو دين الفطرة والعقل والعلم والحضارة، يتجاوز سائر المفاهيم  الملفقة والمعيقة لعملية المراجعة والتحديث، أخلاقه تقوم على الحوار والتسامح ومنهجه مبني على التحليل النقد للتركم الفكري والمعرفي التاريخي وللتجربة الإنسانية القديمة والحديثة والمعاصرة،

 كما يقوم على التحديد الدقيق للمشكلات القائمة والقادمة، ومن منظور إسلامي معاصر تتحقق الاستعادة والاستفادة معا بتحقق الوعي بالذات وممارستها لدورها الإيجابي.

* على الرغم من الاندماج بين الفكر العربي والفكر الإسلامي واشتمال كل منهما على الآخر وتعبير كل منهما عن الآخر وتطوير وازدهار كل منهما للآخر منذ القديم إلى اليوم، فإنّ صعوبة الجمع بين الفكر الإسلامي والفكر العربي وكون الفكر عربيا وإسلاميا في الوقت نفسه تطرح إشكالية لدى الكثير من المشتغلين بالفكر والثقافة في العالم العربي الإسلامي وخارجه، من منطلق وجود فرق ملحوظ بين ما هو عربي صرف وما هو إسلامي بحت،

 ومن منطلق وجود منظومة فكرية وثقافية سابقة على الإسلام لها كيانها المستقل وتتمتع بخصوصياتها، وتميّزت بالتنوع الفكري والثقافي والديني، والإسلام ومنظومته الدينية يختلف في عقائده وفي تعاليمه عما سبقه في البيئة العربية وفي غيرها، فالفكر العربي ينطوي على ما هو عربي غير إسلامي مثل الفكر العربي المسيحي واليهودي والصابئي وغيره، والفكر العربي القومي الليبرالي أو الاشتراكي

حينما يعالج  قضايا ومفاهيم عديدة في سياق عربي قومي بحت بعيدا عن أي سياق ديني فهو بذلك يكون منفصلا ومستقلا عن الفكر الإسلامي، والفكر الإسلامي ينطوي على ما هو إسلامي بحت وليس عربيا تماما، ويتمثل في الأفكار الإسلامية التي عولجت من غير العرب أو أفكار سادت في بلدان إسلامية غير  عربية،

 كما توجد أفكار غير عربية وغير إسلامية دخلت حقل الفكر العربي الإسلامي وامتزجت به، وارتباط هذه الأفكار والمفاهيم الأعجمية بالفكر العربي الإسلامي ومعالجته لها قديما وحديثا ومعاصرا لا يكفي بأن توصف بأنّها عربية إسلامية مثل الحداثة، الديمقراطية، اللبرالية، الاشتراكية، العلمانية، العلماوية، العولمة وغيرها كثير في عصرنا الحاضر، هذه الاعتراضات على التوحيد والجمع بين الفكر العربي والإسلامي لابد من معالجتها،

 وإن كانت لا تؤثر بشكل ملحوظ في واقع المحاولات الفكرية في العالم العربي الإسلامي الذي احتضن العروبة والإسلام في كل واحد موحد لا يقبل التجزئة والانقسام، واستمد ذلك من روح العروبة الإسلامية ومن روح الإسلام العربية، وأي ثقافة أو لغة تقوم بالدور نفسه الذي قامت به الثقافة العربية واللغة العربية تكون جديرة باحتضان الإسلام وحري به أن يحتضنها، هذا فضلا عن كون ظهور الإسلام في البيئة العربية وباللغة العربية من الحكمة الإلهية، وبغض النظر عن صعوبة الجمع بين ما هو عربي وما هو إسلامي في الفكر حسب الاعتراضات السابقة الذكر،

 فإنّ الفكر العربي الإسلامي سار في الريادة والاستكشاف والتفتح والازدهار والتنظير والتأصيل والتأسيس، وأنتج أفكارا ومعارف وفنونا وعلوما كثيرة في وقت قصير، وورث منتجات الحضارات التي سبقته، بما في ذلك ما جاءت به الأديان والفلسفات، وسقطت مقولة الدين سكون وتحجر وكتب المفكرون عن شمس العرب والمسلمين وهي تسطع على الغرب وعن الإسلام وهو ينتشر، وجعلوا نبي الإسلام أعظم عظماء البشرية قاطبة من قبل ومن بعد، استطاع الفكر العربي الإسلامي

أن يحاور مختلف الديانات والثقافات والحضارات التاريخية، وأن يناقش مختلف القضايا والمسائل  والدعاوى والاعتراضات ومعالجة سائر المشكلات التي تواجهه، فجاء فكرا جامعا شموليا وموسوعيا يغطي كل ما أنتجه من خلال فعّالياته المتواصلة.

* للتأكيد على الطابع العربي والطابع الإسلامي للفكر في العالم العربي والإسلامي ينبغي التأكيد على منظوماته الفكرية التاريخية، بالنسبة لمنظومة النسق الفكري قبل الإسلام أشاد القرآن الكريم وأشادت السنة النبوية الشريفة بالكثير ما كان للعرب فيها من أفكار وأخلاق وسجايا ومعتقدات دينية و بعض العادات والتقاليد وبعض الأفكار المنسوبة للعقل، يضاف إلى ذلك كل ما تُرجم إلى اللغة العربية من ثقافات أخرى، وجد قبولا كبيرا لدى المسلمين واستحسنه الفكر الإسلامي واستساغه على سبيل الاشتمال والتضمن لا على سبيل الإنتاج والإصدار، أي على أساس تفاعلي،

 وصارت الأفكار الناتجة عن التفاعل الإسلامي مع الحضارات والديانات والفلسفات وسائر الثقافات السابقة على العربية هي من صميم وروح الحضارة العربية الإسلامية، مما يؤكد أنّ جميع الحضارات اللاحقة والحديثة تلقت معارفها بشكل أساسي مما هو حضاري وثقافي وفكري قبل الإسلام وغير إسلامي، فضلا عن الثقافة العربية الإسلامية وبواسطة المنتج الفكري للحضارة العربية الإسلامية،

هذا المنتج الذي نهض بمهمة الحفاظ على الفكر الإنساني بشكل عام وتهيئته مجددا على نحو راق جدّا، إنّ تفاعل الفكر العربي الإسلامي ومفكروه مع توجهات الحضارات اللاّحقة الحديثة والمعاصرة ممثلة في الفكر الغربي تحديدا بتوجهه الليبرالي العلماني وبتوجهه المادي الاشتراكي

وما ينطوي عليه كل توجه من التوجهين من أفكار وقيّم تتعارض مع توجهات الفكر العربي الإسلامي هذا التفاعل الذي تمّ بالترجمة والدراسة والمحاورة  والنقد ومحاولة الاستفادة منه أو تبنّيه ومحاولة استعارته من طرف بعض الجهات الفكرية والسياسية، على العموم أحدث هذا الاحتكاك العديد من التوجهات والتيارات التي نادى بها مفكرون عرب ومسلمون محدثون ومعاصرون بصرف النظر عن مدى تطابق الفكر الغربي الحديث والمعاصر مع العروبة والإسلام أو من أية جهة صدر، كان في أغلبه موضع دراسة وتحليل ونقد ومعالجة من منظور عربي إسلامي.

* الفكر العربي الإسلامي تاريخيا لا يغطي ما هو عربي سابق على الإسلام وما هو إسلامي تأسيسي ديني شرعي وما مصدره التفاعل العربي الإسلامي مع ما هو ديني وثقافي وفلسفي وحضاري وتمّ بالمحاورة والنقد وعلى سبيل الاشتمال والاحتواء لا على سبيل الإنتاج وما كان مصدره التفتح والازدهار والتنظير والتأصيل والتأسيس والريادة والاستكشاف لدى العرب والمسلمين عموما،

بل يشتمل كذلك على ما جاء من مصادر أخرى حديثة ومعاصرة تمّ استيعاب البعض منه ومازال يبحث ويناقش البعض الآخر، ونتيجة التفاعل الفكري العربي الإسلامي  التاريخي والمعاصر صار الفكر في العالم العربي والإسلامي المعاصر ممثلا في مجمل التيارات الفكرية المعاصرة ،

 يهتم بمشكلات وأوضاع العالم المعاصر بصفة عامة وبهموم العالم العربي والإسلامي المتخلف بصفة خاصة وبمشكلة التخلف فيه، كما يعتني أيّما اعتناء بالمنظومة التأسيسية لتكون في مكان الصدارة من حيث الاهتمام في خضم التحديات القائمة والتحولات المتسارعة ولأنّها تمثل زاد الأمة الفكري والروحي وهويتها التاريخية والحضارية،

 ويعتني كذلك بالدرجة الثانية بالفكر الليبرالي الذي صار الفكر الأبرز بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والشيوعية، صار الإسلام بتوجهه الإنساني العالمي الشمولي والفكر العربي الإسلامي في العالم المعاصر هو اللاعب الأساسي إلى جانب اجتهادات ومبادرات التيارات الليبرالية ذات الاتجاه العولمي،

 وتعود العناية في الفكر الإسلامي المعاصر بالإسلام لما فيه من قوّة ويقين وقدسية وصلاحية وإنسانية، وبالليبرالية لالتقائها في كثير من الجوانب مع الإسلام، ولنجاحها في إنتاج مجتمعات حديثة ومتطورة،

 الأمر الذي دعا العديد من الدول إلى انتهاج الليبرالية سبيلا للتقدم، والفكر العربي الإسلامي مدعو الآن إلى ممارسة تجديد منتجه الفكري وتحديث محتوياته ومعالجة الفكر الليبرالي بطابعه العولمي مع العمل بمقتضى منهج نقدي ملائم للتجديد والتحديث والتعاطي مع تحولات العصر وتحدياته بإيجابية من منظور الثوابت في المنظومة التأسيسية.

* إنّ إطلاق عبارة الفكر العربي الإسلامي هكذا من غير تقييد تاريخي دلالي أو زمني تغطي كل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي  وكل ما ارتبط بالعروبة والإسلام بالاحتكاك والتواصل، ويبدأ من قبل الإسلام إلى اليوم ، كما لا نجد البتة انفصالا بين الفكر العربي والفكر الإسلامي ولم يسجل التاريخ ذلك رغم وجود اعتراضات ذُكرت بعضها من قبل، واستمر هذا التداخل والتزاوج بين الاثنين حتى الآن،

الاستنتاجات

يُطلق اسم الفكر العربي الإسلامي المعاصر في العالم العربي والإسلامي على ما يلي: مفاهيم وتصورات ومقولات بعضها تراثي وبعضها حداثي وبعضها معاصر عن الإنسان والحياة والوجود والكون والطبيعة وما بعد الطبيعة وغيرها؛ دراسات وبحوث لقضايا ومسائل ومشكلات مطروحة في البيئة الفكرية والثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للعالم العربي والإسلامي المعاصر،

وهي قضايا قديمة وحديثة ومعاصرة؛  مناهج بحث وأساليب دراسة متبعة في البحوث العلمية والفكرية والفلسفية والدينية بعضها تراثي وبعضها حداثي ومعاصر؛ تيارات ومدارس ونزعات دينية وثقافية وفكرية وفلسفية وعلمية تستمد عناصرها مما هو تراثي ومما هو معاصر؛ إيديولوجيات

ونماذج ومناهج دينية وفكرية وسياسية وغيرها مقترحة لتجاوز الأزمات وحل المشكلات المختلفة خاصة أزمة النهضة ومعضلة التخلف.

التوصيات

– نشر ا لوعي والثقافة الاجتماعية بمختلف الوسائل والأساليب والتي من شأنها إيقاظ الوعي والإحساس بالمسئولية الاجتماعية والواجب الديني والوطني مع محاولة إكساب أفراد المجتمع العادات القرائية الصحيحة وتعزيز قيم المعرفة بدل قيم الجهل المفضي للتعصب والسب والإقصاء والانتقام في بعض الأحيان من المخالف.

– إكساب أفراد المجتمع مهارات تقويم المعلومات وتمييز الغث من السمين من خلال القاعدة القرآنية الذهبية (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين).

– تدريب أفراد المجتمع على البحث العلمي وإكسابهم مهارات استخدام تقنيات المعلومات وإطلاق الفكر في التصور والبحث والاستقراء، مع تنمية المهارات الإبداعية النقدية عوض منهج الولاء للشيخ او المذهب أو الانتماء الضيق.

– تقديم الأنشطة المتنوعة التي تعمل على تنمية شخصية أفراد المجتمع و غرس مفاهيم الحوار والوسطية والمعرفة المتبادلة لتقبل الرأي الآخر.

– بث القيم الأخلاقية والاجتماعية بما يؤثر على تصرفات المغايرين في الانتماءات الفكرية أو السياسية أو الحزبية أو المذهبية وحمايتهم من الانحراف النفسي بتحصين الأمن الفكري ووقاية المجتمع من الأفكار الشاذة المتعصبة.

– معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وتقليص الفجوة الآخذة بالاتساع بين أغلبية مقهورة ومسحوقة في المجتمعات العربية، وبين أقلية متنفذة تسيطر على الثروات والمقدّرات والمداخيل. لا سيما أن قناعة تسود لدى أوساط شعبية واسعة بأن الفساد واستغلال المناصب والمواقع للإثراء غير المشروع هي التي تقف وراء ما تتمتع به نخبة مهيمنة محدودة من مكتسبات.

– إعطاء استقلالية حقيقية لمؤسسات التوجيه الديني، كي تكون قادرة على ممارسة دورها بفاعلية في التوعية والتثقف الديني والتصدي لبعض مظاهر التعصب المذهبي والفهم الخاطئ للإسلام.

– التوقف عن وضع جميع توجهات الصحوة الإسلامية في كفة واحدة ومناصبتها جميعها العداء بشكل أعمى، ودون وعي أو تمييز، وإدراك أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الواعية في مواجهة الفهم الخاطئ للإسلام.

– المذاهب الأساسية الإسلامية تلتقي حول عناوين الإسلام الكبرى، ولكنها تختلف فيما بينها حول مسائل أخرى أساسية لبنائها المذهبي وقد تتعاظم في بعض الظروف لتشكل عوائق حائلة أمام التواصل السليم فيما بين أهلها. فكل مذهب له مصدره الخاص في تلقي الروايات الدينية، ولكل منها قراءته الخاصة للتاريخ السياسي للإسلام، وكل منها يرى في مخالفه “فرقة” تحيد عن الإسلام أسسا وبناء.

فكيف يتم تجاوز هذه الأحكام المهددة لسلامة الأمن الفكري داخل الأمة؟

– تعزيز التقريب بين المذاهب الإسلامية يحتاج حقيقة إلى قفزات جريئة تستدعي تعارف صريح وواضح بعيد عن لغة المجاملات لأن الأحكام التي، بنيت وقرئت وفق أسس تاريخية وبنيت عليها “حقائق دينية” تراكمت لقرون، وتتعلق بالاجتماع والسياسة والاقتصاد والعادات والتقاليد وبكل مناحي الحياة، لا يمكن أن توفر جوا من الأمن الفكري، لأنها قد تجعل في كثير من الأحيان تعاليم المذهب نفسه عائقا أمام التقريب.

– الأمر الذي يستدعي تعزيز دور أهل الرأي والفكر داخل هذه المذاهب ليقدموا خطابا إسلاميا عاما يمنح الأولوية والأهمية للجوامع الدينية والوطنية والقواسم السياسية المشتركة في مواجهة دعوات الانغلاق والتكفير والتوظيف السياسي المشوّه للخلافات الدينية والمذهبية.   – الحذر من دعم مظاهر “التطرف العلماني” في مواجهة “التطرف الديني”، فكلا التطرفين نتائجه خطيرة على المجتمعات العربية والإسلامية، وتنامي الواحد يستفز الآخر ويعمل على تفعيله.

– وقف التصريحات المعادية للإسلام والمسلمين في الغرب، سواء من قبل بعض وسائل الإعلام، أو بعض النخب السياسية والفكرية والدينية، لأن من شأن هذه التصريحات العدائية أن تستفز غضب المسلمين، وتولّد مشاعر الرغبة في رد الفعل غير المحسوبة عواقبه.

خلاصة القول: إن رفض المنهج الوسطي هو رد فعل على منهج عنف مقابل. فالعنف لا يولّد إلا عنفاً مضاداً، وسرعان ما يتحول الأمر إلى حلقة مفرغة لا نهاية لها. وما لم تتم معالجة الأسباب التي تشكل أرضاً خصبة لانتشار الأفكار المتشددة في العالم العربي الإسلامي، فإن أي معالجات أمنية أو مجاملاتية ستكون قاصرة عن مواجهة الظاهرة، بل قد تشكّل سبباً إضافياً لتناميها. ومن الأهمية بمكان أن تدرك كل الأطراف الطور الجديد الذي تمرّ به ظاهرة تبني الإسلام الفكري في ظل المعطيات والأوضاع القائمة.

إن البحث عن السلام والأمن الفكري غاية سامية لم يحتكرها فرد أو عصر بذاته عبر تأريخ البشرية، فالبحث عنها أزلي ارتبط برغبة الإنسان في اكتشاف أمن ذاته وحياته والكون الذي يعد هو جزء منه،

وللوصول إليها علينا ان نوفر مستلزمات الحصول عليها متمثلة: بتحرير تفكيرنا من سيطرة عواطفنا، وبنبذ التعصب الفكري الذي يغذي أهواءنا لا عقولنا، وبتأهيل فكرنا عن طريق إزالة كل المعوقات التي تحجمه كالجهل والتعصب والغلو والفقر وقداسة الذات والاستبداد بكافة الوانه، وأن نسلك طريق الموازنة بين أفكارنا والحريات الفردية والعامة، فلا نتخذ من الأشخاص أصناما تعبد ،ولا من التوجهات والسياسات والإيديولوجيات والمذاهب أديانا تزهق في سبيلها أرواح الأبرياء لمجرد مخالفتهم لهؤلاء الأشخاص أو لتلك التوجهات والانتماءات.

المراجع

________________________

(1) المعجم الوسيط ، مادة فكر .

(2) انظر تعريفا آخر في : الأزمة الفكرية المعاصرة : 27 .

(3) كثير من أفكار ابن تيمية وابن خلدون جاء في غير أوانه وفي غير محيطه ، وقد وجد الآن كثيرا مما افتقده ، وأصبح يؤتي أكله أشكالاً وألواناً .

(4) ما تصادمت حضارتان إلا كانت كل منهما محنة للأخرى .

(5) انظر تعليم التفكير : 28 .

(6) السابق : 28 .

(7) مشكلة الثقافة : 61 .

(*) هذا الموضوع للكاتب الكريم هو جزء من كتاب جديد تحت الطبع ، بعنوان : (مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي) ، وهو جزء من السلسلة التي أصدرها الكاتب تحت عنوان : (المسلمون بين التحدي والمواجهة) ، والتي صدر منها : (نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي) ، و (من أجل انطلاقه حضارية شاملة) مجلة البيان .

الراديكالية توصيف لكل مذهب سياسي يهدف إلى إحداث تغيير جذري و شامل, كما يشير المصطلح إلى التمسك بالجذور أو الأصول بدرجة متشددة خاصة عندما يتعلق الأمر بالدين, عندها تصل التوجهات الفكرية إلى درجة التعصب التي يمكن أن تتطور إلى التطرف و الإرهاب.

كان لتنظيم الإخوان المسلمين جهاز شبه عسكري يسمى “الجهاز السري” .

اعتبرنا الفكر السلفي فكرا راديكاليا متطرفا بسبب تشدده وعدم اعتداله. في هذا المستوى يجب الفصل المنهجي بينه و بين الإرهاب رغم العلاقة العضوية التي تجمعهما.

طوماس هيغامر, مؤسسة البحث التابعة للجيش النرويجي. انظر الندوة العلمية العاشرة التي نظمتها مؤسسة البحث حول الإرهاب التابعة لجامعة ليدن في نوفمبرhttp://www.societyforterrorismresearch.org/conference-2016

Keppel (G), la fracture, Gallimard, Paris, 2016

   Huntington (S.P.), Le Choc des civilisations, Paris, Éditions Odile Jacob, 2000, 545 p

Orsolini (G),l’Etat Islamique et l’application de la théorie du « choc des civilisations », dans quelles mesures l’Etat Islamique est-il le reflet de la déstabilisation de l’Irak et de la Syrie ?, Université catholique de Louvain, 2015, p 68

http://global-initiativ.weebly.com/uploads/4/8/0/4/48042567/orsolini_15-16_m%C3%A9moire_etat_islamique.pdf

Tajfel,( H.) ,Human groups and social categories: Studies in social psychology. Cambridge, UK: Cambridge university press.1981

من منظور داخلي هي جماعة تتمسك بما كان عليه السلف الصالح من عقيدة و عمل و جهاد, تنتهي هذه الجماعة في سعيها لإرساء فكرة”التوحيد” إلى تصنيف الناس بين “مؤمنين موحدين” و”مشركين” الشيء الذي يفرز فكرا تكفيريا. انظر أكرم حجازي’ دراسات في السلفية الجهادية’ نشر مدارات للأبحاث و النشر ’القاهرة 2013’ ص 33

يمكن توجيه البحوث الميدانية نحو دراسة العلاقة بين تعرض الشباب للإهانة الجنسية وانتسابهم للتيار السلفي الجهادي.

بعض الأسر تلتزم بتوجه فكري يميني أو يساري يرافقها أحيانا على أكثر من جيلين. ربما يعود ذلك إلى تأثير التوجه الفكري/ السياسي للأب أو للأخ الكبر, هي ظاهرة يمكن رصدها في عدة مجتمعات وهي جديرة بالدرس.

يمكن أن نجازف بتقديم بعض التقديرات منها في تونس حيث يقدر عدد أتباع التيار السلفي بجميع تلويناته بحوالي 80 أو 90 ألف في مجتمع يعد 11 مليون نسمة.

للتوسع في الطرح الفكري للتيار السلفي يمكن العودة الى أهم منظري هذا التيار مثل أبو محمد المقدسي و جهيمان العتيبي (نظم الهجوم على مكة سنة 1979) و أبو بكر ناجي, انظر أيضا محمد عمارة السلف و السلفيون, القاهرة 2008’, حافظ دياب, السلفيون و السياسة’ القاهرة, 2014.

البراكسيس مصطلح فلسفي يشمل كل الأعمال التي تهدف إلى تغيير الأوضاع الاقتصادية  و الاجتماعية و السياسية.

Rapoport (d.c.),” the four waves of modern terrorism”, in Cornin(A.K.)Ludes (J.M.),attacking terrorism; elements of a grand strategy,washinghton, 2004, pp46-73

Kaplan(J),”terrorism’s fifth wave”, in perspectives on terrorism, vol2, N°2, 2008. http://www.terrorismanalysts.com/pt/index.php/pot/article/view/26/html

فانون (ف): معذبو الأرض، ترجمة: سامي الدروبي و جمال الاتاسي، بيروت- الجزائرة،2004، ص 20.

زيلين (ه.ي.): المقاتلون الأجانب يتسللون للانضمام للثورة السورية، معهد واشنطن، جوان، 2012. http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/foreign-fighters-trickle-into-the-syrian-rebellion

روا(أو), الجهل المقدس’ زمن دين بلا ثقافة، بيروت، 2012، ص ص 19-33.

Society of terrorism research,10th annual international conference, Leiden university, november 2016

أحيل القارئ على مشاهد الفيديو التي بثتها الدولة الإسلامية منها مشاهد إعدام الطيار الأردني, و إعدام الصحفي الأمريكي جيمس فولي.

LUIZARD(P.J.), Le piège Daech: L’État islamique ou le retour de l’histoire, Paris : La Découverte, février 2015, 186 p. FELLOUS( G), Daech – “État islamique”: Cancer d’un monde arabo-musulman en recomposition: Un conflit international long et incertain, Paris : L’Harmattan, 2015, 269 p. FILU(J-P), From deep  state to islamic state: The arab counter-revolution and its jihadi legacy, London : Hurst & company, 2015, 311 p. Qui est Daech?, avec Edgar Morin, Régis Debray, Gilles Kepel, Michel Onfray, Olivier Weber, Jean-Christophe Rufin et Tahar Ben Jelloun, Philippe Rey, 2015

انظر حول الأبعاد السياسية و الإستراتيجية المرتبطة بهذا الكيان Bauchard(D), «  le Moyen-Orient face à Daech, défi et ripostes », in notes de l’IFRI, Pais, 2014.

weber(M),économie et société, t1, les catégories de la société, Paris, pocket, 2003

Fellous(G), Daech-«Etat Islamique » : cancer d’un monde arabo-musulman en recomposition : un conflit international lent et incertain, Paris, 2015

*****

أكرم حجازي: دراسات في السلفية الجهادية، نشر مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة، 2013.

أوليفي روا: الجهل المقدس، زمن دين بلا ثقافة، بيروت، دار الساقي، 2012.

حافظ دياب: السلفيون والسياسة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتب، 2014.

فرانز فانون: معذبو الأرض، ترجمة سامي الدروبي وجمال الاتاسي، بيروت-الجزائر،2004.

محمد عمارة: السلف والسلفيون، القاهرة، وزارة الأوقاف المصرية، 2008.

هارون ي.زيلين: “المقاتلون الأجانب يتسللون للانضمام للثورة السورية“، معهد واشنطن، جوان، 2012.

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-return-of-sunni-foreign-fighters-in-iraq

Bruno  Etienne, L’islamisme radical, Paris, Hachette, 1987

David C. Rapoport,” the four waves of modern terrorism”, in Cornin(A.K.)Ludes (J.M.), attacking terrorism; elements of a grand strategy, Washington, 2004, pp46-73

http://international.ucla.edu/media/files/Rapoport-Four-Waves-of-Modern-Terrorism.pdf

François Burgat, L’Islamisme en face, Paris, La Découverte, 2008

Gérard Fellous, Daech-«Etat Islamique » : cancer d’un monde arabo-musulman en recomposition : un conflit international lent et incertain, Paris, l’Harmattan, 2015

Gilles  Kepel, La fracture, Gallimard, Paris, 2016

Gonzague Orsolini, l’Etat Islamique et l’application de la théorie du « choc des civilisations », dans quelles mesures l’Etat Islamique est-il le reflet de la déstabilisation de l’Irak et de la Syrie ?, Université catholique de Louvain, 2015

http://global-initiativ.weebly.com/uploads/4/8/0/4/48042567/orsolini_15-16_m%C3%A9moire_etat_islamique.pdf

Henri Tajfel ,Human groups and social categories.  Studies  in social psychology. Cambridge, UK, Cambridge university press,1981

Jean-Pierre FILU, From deep state to islamic state: The arab counter-revolution and its jihadi legacy, London : Hurst & company, 2015

Jean-Pierre  Luizard , Le piège Daech. L’Etat islamique ou le retour de l’histoire, Paris, La Découverte, 2015

Jeffrey   Kaplan, ”terrorism’s fifth wave”, in perspectives on terrorism, vol2, N°2, 2008.

John Horgan and Kurt Braddock eds., Terrorism Studies ,London, Routledge, 2012

Julien Théron, « Funeste rivalité entre Al-Qaïda et l’Organisation de l’Etat islamique », Le Monde Diplomatique, N° 731, mars 2015

Max Weber, Economie et société, t1, les catégories de la société, Paris, pocket, 2003

Mohamed  El-Adraoui, Du Golfe aux banlieues. Le salafisme mondialisé, Paris, Puf, 2013

Myriam Benraad, Irak, la revanche de l’histoire. De l’occupation étrangère à l’Etat islamique, Paris, Vendémiaire, 2015

Samuel P. Huntington , Le Choc des civilisations, Paris, Éditions Odile Jacob, 2000

Society of terrorism research,10th annual international conference, Leiden university, november 2016

http://www.terrorismanalysts.com/pt/index.php/pot/article/view/26/html

 [1] متفق عليه؛ رواه البخاري في كتاب الوضوء، حديث (242)، ومسلم في كتاب الأشربة، حديث رقم (2001).

 [2] رواه أبو داود في كتاب الأشربة، حديث (3686)، وأحمد في مسند الأنصار، حديث (25416).

 [3] رواه النسائي في كتاب الأشربة، حديث (5607)، وابن ماجه في كتاب الأشربة، حديث (3394)، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، حديث (6271).

 [4] رواه البخاري في كتاب الدعوات، حديث رقم (6363)، وأبو داود في كتاب الصلاة، حديث (1541)، والترمذي في كتاب الدعوات، حديث (3406)، والنسائي في كتاب الاستعاذة، حديث (5453).

 [5] رواه البخاري في كتاب الرقاق، حديث (6412)، والترمذي في كتاب الزهد، حديث (2304)، وابن ماجه في كتاب الزهد، حديث رقم (4170).

 [6] ومن أخطرها: مؤتمر كلورادو بالولايات المتحدة سنة 1415هـ، انظر: كتاب (التنصير)، وهو خلاصة لأعمال ذلك المؤتمر التبشيري.

 [7] تفسير ابن كثير (1/ 159).

 [8] انظر: تفسير الطبري (2/ 50).

 [9] الكشاف؛ للزمخشري (1/ 308).

 [10] تيسير الكريم الرحمن (3/ 219)، بتصرُّف طفيف.

 [11] متفق عليه؛ رواه البخاري في كتاب الاعتصام، حديث (7320)، ومسلم في كتاب العلم، حديث (2669).

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/53319/#ixzz680rqFuAk

1. كتاب: السلفية الجهادية في تونس الواقع والمآلات، مجموعة دراسات تمّ نشرها من طرف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 2014، مراجعة وتحرير د. محمد الحاج سالم

2. الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي في تونس. تأليف د. طارق الكحلاوي

3. دراسة من أجل مقاربة نفسية اجتماعية للظاهرة السلفية في تونس. تأليف الدكتور محمد الحاج سالم.

4. دراسة ميدانية للظاهرة السلفية في حي شعبي، معتز الفطناسي

5. كتاب تجديد الخطاب الديني في ضوء الواقع المعاصر. تأليف محمد منير حجاب. القاهرة. دار الفجر للنشر والتوزيع 2004

6. أقنعة الإرهاب: البحث عن علمانية جديدة. الدكتور غالي شكري. صدر عام 1990

7. ظاهرة التطرف: الأسباب والعلاج. المحامي منتصر الزيات. من موقع الكاتب نفسه: http://www.alzayat.com

8. ويكيبيديا. الموسوعة الحرة

مقالات:

– التهميش مدخلا لتفكيك ظاهرة الإرهاب. الدكتور سامي براهم

– التطرف الديني ومظاهره الفكرية والسلوكية. محمد ياسر الخواجة. نشرت المقالة ضمن منشورات مؤسسة: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث. قسم الدين وقضايا المجتمع الراهنة. بتاريخ 18 فبراير (شباط) 2015

– التطرف الديني لبعض الشباب. بحث مقتطف من رسالة ماجستير للباحث: كمال بن مختار بن إسماعيل محمد. نشر بالمنتدى العربي. بتاريخ 20 مارس(آذار) 2014

[1] نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 51

 [2] صحيح البخاري ج3/ص 1321: {عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ رضي الله عنه: إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلأن أخرّ من السّماء أحبّ إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم، فإنّ الحرب خدعة. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: أُتِي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البريّة يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة، لا يُجاوِزُ إيمانُهُم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإنّ في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة}.

 [3] التطرف الديني ومظاهره الفكرية والسلوكية. محمد ياسر الخواجة. (نشرت المقالة ضمن منشورات مؤسسة: مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قسم الدين وقضايا المجتمع الراهنة. بتاريخ 18 فبراير 2015) ص ص 19/20

 [4] [تتوافق المعاينة الميدانيّة المباشرة للظّاهرة المدروسة مع ما أقرّته مباحث علم اجتماع الظّاهرة الدينيّة من تصنيف للمؤثّرات والمعطيات التي تساهم في تشكّل الظّواهر الدّينيّة وذلك من خلال قاعدة منهجيّة صاغها عالم الاجتماع الدّيني روبارت ميرتون في بحوثه عن “البنية الاجتماعية بين الانتظام والانحراف (Robert Merton structure sociale anomie et déviance)

، حيث يقسّم العوامل المحدّدة في الظّاهرة السوسيولوجيّة إلى قسمين: قسم الانتماء المتعلّق بالانتماء الطبقي والجهوي والعائلي … وقسم المرجعيّة المتعلّق بالخلفيات الثقافيّة والمعرفيّة، ويعتبر أنّ القسم الثاني محدّد في تشكّل الظّاهرة الدّينيّة سوسيولوجيّا، لذلك نميّز بين العوامل الاجتماعيّة والنفسيّة والاقتصاديّة من جهة، وبين العامل المرجعي (Référentiel) المتعلّق بكلّ ما هو مضمون فكري معرفي عقائدي من جهة أخرى، وفي كلا المستويين هناك استراتيجيات للاستقطاب والجذب الآسر ما قبل الالتحاق بالدّولة]

مقتطف من دراسة قام بها الدكتور سامي براهم بعنوان: التهميش مدخلا لتفكيك ظاهرة الإرهاب ص 8

 [5] صحيح مسلم: كتاب الإيمان. حديث رقم 73: (حديث مرفوع) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيع، عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة – كلاهما – عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، وهذا حديث أبي بكر، قال: أوّل من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصّلاة، مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصّلاة قبل الخطبة، فقال: قد تُرِك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أمّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.

 [6] نفس المرجع. بحث: من أجل مقاربة نفسية اجتماعية للظاهرة السلفية في تونس. د. محمد الحاج سالم صص 138/139

 [7] نفس المرجع. بحث: من أجل مقاربة نفسية اجتماعية للظاهرة السلفية في تونس. محمد الحاج سالم 139/140

 [8] نفس المرجع. بحث: السلفية الجهادية في تونس بعد الثورة وفشل تجربة الانتظام. سامي براهم

 [9] ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، د.ت، ج3/111-112، مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، د.م، دار عمران، ط3، 1985م، ج1/114

 [10] سورة الإسراء الآية 49

 [11] دراسة بعنوان: التهميش مدخلا لتفكيك ظاهرة الإرهاب. الدكتور سامي براهم

 [12] سورة البقرة الآية 85

 [13] سورة آل عمران الآية 110

1- راجع سمير نعيم احمد في «المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني»، الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الاولى 1990، ص 215.

2- مصطفى محمود منجود : الأبعاد السياسية افهوم الأمن في الإسلام ، سلسلة الرسائل الجامعية ( 26 ) المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة، 1996 ص 44-45.

3- نادية رمسيس فرح، نقلاً عن المحددات الاقتصادية والاجتماعية، ص 218 – 219.

4- التداعيات النفسية والاجتماعية لظاهرة التعصب(التطرف)(2001)اسعد الامارة،مجلة النبأ ،العدد ( 56 ) بيروت

5- ثامر عباس: ظاهرة العنف وأزمة الثقافات الفرعية مجلة الاسلام والديمقراطية منظمة الإسلام والديمقراطية، العدد 6، السنة الأولى، 15 أب 2004.

*جميع الحقوق محفوظة للدكتور عادل عامر
*كاتب البحث

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي

محكم دولي معتمد

خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

رواية التانكي للعراقية عالية ممدوح في القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2020

كتب: حافظ الشاعر

وصلت رواية “التانكي” للكاتبة العراقية عالية ممدوح (منشورات المتوسط 2019)، إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” لعام 2020، وقد جاء في تقديم لجنة تحكيم الجائزة أثناء الإعلان عن القائمة القصيرة: «إذا كان كلُّ عملٍ إبداعيّ استثناءً فإنَّ “التانكي” رواية عالية ممدوح التاسعة، هي أعجوبة صغيرة. ليس بفعلِ موضوعها على أهميته ومركزيته في الوجدان العربي المعاصر، وليس فقط من خلال الملحمة التي تخوضها البطلة عبر المكان والزمان متلبِّسةً بطاقية الإخفاء، شاهدةً على العنف والفقد والضياع، وليس بقوَّةِ إحالاتها فحسب؛ بل بأسلوبها قبل كل ذلك بحكمِ مغامرتها السرديّة.

هذا النص الذي يسكن مُكعَّب معاذ الألوسي مشتغلاً على تراكب العمارة والكتابة يترك القارئ في منطقة اختلال التوازن. إنّه نصٌّ يصعب ولوجه بالوسائل التقليدية، فإذا تورَّطتَ به/ تورَّطتِ به، ستلهثُ/ ستلهثينَ خلف سردٍ مُكثَّف يقطع الأنفاس، يختزل الزمن، ويحرق من خلفنا كل الجسور.

أيُّ هستيريا؟ أيُّ شغفٍ؟ أيُّ وجعٍ؟ أيُّ لهفةٍ؟ أيُّ أسىً؟ أيُّ جنون؟ أيُّ تشبُّثٍ باسترجاع الأمل كما يسترجعُ آخرونَ الزمن السعيد؛ يجعلُ هذه الكاتبة العراقية تركض هكذا عبر تمزُّقِ الخرائط واستحالة الأوطان وضيق المنافي وتشظّي الحكايا، حاملة في جسدها، في لغتها جراحَ المكان المبتور بتعبير محمد الأشعري حتى الاضمحلال.

التانكي روايةٌ يصعب أن تُحقِّق الإجماع، وهذا طبيعيٌّ بالنظر إلى فرادتها في المكتبة الروائية العربية. روايةٌ مسرَحُها حيُّ النُّخبِ البغدادية الحالمة بالمستقبل في المنتصف الثاني من القرن العشرين، نعود إليه الآن بعدما تغيّر العالم، وعبرت من هنا انهيارات ورِدَّات وحروب، لنقيس هول الخسارة وحجم الهزائم الفردية والجماعية.

تعالوا إذًا، تعالوا، نقف مع عالية ممدوح بمتعةٍ مشبوهةٍ على أطلال أوطاننا المُخرَّبة وأعمارنا المنهوبة».

عن التانكي:

والتانكي، حسب بيان الصدور: رواية تنشغل بعلاقة الإنسان بالمكان المسلوب، وكيف يمكن بعد أربعة عقود من الزمن في المنافي، أن تتخيَّل الكاتبة عودتها إلى العراق، لتبدأ رحلتها في رصد التحولات الكبرى التي مرَّ بها البلد والتغيّيرات التي حدثت في المجتمع، عودة أدبية، لكنها تلامس حدود التراجيديا، بنسج حياة تتشارك فيها مع أبطالها، ما طال المكان من تحوّلات.

وقد عدَّ محمد الأشعري الروائي والأديب الكبير الحائز على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية؛ الرواية من أهم ما النصوص الأدبية التي كُتبت حول بتر الأمكنة منّا، واستيلابها قصراً، حيث قال عن الرواية وأهميتها: «إنني متأكد أن رواية التانكي هي من أجمل وأعمق ما كُتب في أدبنا العربي الحديث عن بتر الأمكنة منّا، أو بترنا منها، حتى يصبح الوطن يمشي وحيداً، ونحن نمشي وحيدين بعيداً عنه. لقد شعرت أثناء قراءتي للرواية بأثقال الطوبوغرافيا التي صارت خريطة دواخلنا، ومجالاً مستباحاً بالعنف والحسرة والموت البطيء. ثم هذا المكعب الذي يشبه سفينة الطوفان، نغلقهُ على ما تبقى من خراب المدينة، ونبحر على متنه طلبا للنجاة منه، ومن أنفسنا.

روايةُ ألمٍ لا تروضه سوى متعة الكتابة».

الرواية في الصحافة العربية:

التانكي ومنذ صدورها بداية عام 2019، حظيت باهتمامٍ لافت من القرّاء والنقاد والمشتغلين بالصحافة الثقافية. تقول الكاتبة في حوارٍ مطوَّلٍ لها عن التانكي: «إنها رواية الخسرانين المتلعثمين في لسانهم الأصلي وعبر ألسنتهم الهروبية أيضاً». وهذا ما استدعى كتابةً غير نمطية حسب تأكيد الكاتب طالب الرفاعي: «التانكي ليست رواية نمطية، بمعنى حدث يتنامى وأبطال يشتبكون مع مصائرهم وحبكة تأخذ بالسرد إلى نهايته، فقد كتبت عالية روايتها بتهاويم وتيار الوعي واللاوعي، وكتبتها كأجزاء صغيرة متناثرة للوحة كبيرة». فيما ذهبت الصحفية بديعة زيدان إلى القول: «أنّ الروائية العراقية عالية ممدوح تنحو نحو سردٍ مختلف، قد يتخذ شكل المكعب الذي قال عنه “معاذ الألوسي” للشخصية المحورية “عفاف أيوب” بأن سنُصممه “معاً وندعو من نغرم بهم إليه”». أما الصحفية لنا عبد الرحمن، فأكدت تقمّص شخصيات الرواية للمكان، ذلك أنّنا: «نلحظ العلاقة المتميزة بين الشخوص الروائية والفضاء المكاني ضمن انعكاس لا يمكن معرفة أيّ منهما ترك أثره على الآخر أكثر (المكان أو الإنسان)، انطلاقًا من هذا يلحظ القارئ كيفية إدراك الأبطال وتمثّلات وعيهم للعالم».

وعن سؤال كتابة التانكي ومصادر الإلهام، تقول عالية ممدوح في حوارٍ قصير لموقع الجائزة العالمية للرواية العربية: «بدأت الكتابة بالرواية في نهاية العام 2013. كل رواية كتبتها كان الإلهام يحضر من مدينتي الأولى، بغداد، ومن الحي الذي يقع فيه التانكي».

عن الكاتبة:

عالية ممدوح كاتبة وروائية عراقية، مواليد بغداد ١٩٤٤. خريجة علم النفس من الجامعة المستنصرية عام ١٩٧١، شغلت وظيفة رئيسة تحرير جريدة (الراصد) البغدادية الأسبوعية لأزيد من عشر سنوات. غادرت بغداد منذ ١٩٨٢، وتنقلت بين عواصم ومدن شتى، تقيم حالياً في باريس. أصدرت عام ١٩٧٣ مجموعة قصصية بعنوان: «افتتاحية للضحك»، ومنها توالت أعمالها الأدبية؛ ثمانُ روايات منها: «ليلى والذئب»، 1980. «المحبوبات» الحائزة على جائرة نجيب محفوظ للرواية، 2004. و«الأجنبية»، سيرة روائية، 2013. تُرجمت بعض رواياتها إلى الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، أشهرها رواية «النفتالين» التي تُرجمت إلى سبع لغات، ودُرست لمدة سنتين في جامعة السوربون.