استعدوا للانطلاق، قد حان وقت الرحيل..
لم تكن تدري انها اللحظة الحاسمة في حياتها، فهي مازالت حديثة السن.. اتخذت وضعية الانطلاق وهي في قمة السعادة، ها قد جاءتها الفرصة الحقيقية لرؤية عالم مختلف عن ذلك الذي لطالما حييت فيه منذ ولادتها داخل احدى تلك القنوات.. لم تستشعر بوجود من يرقبها من بعيد ولكنها اكتفت بالحفاظ على ذلك الحماس الذي تملك منها.. اقترب منها ذلك المجهول محاولا منعها من الرحيل..
** احترسي يا عزيزتي، انتبهي لذاتك، مازال العمر في انتظارك!
مد يده الكبيرة ليمسك بها
* ابتعد عني، دعني وشأني، حان وقت الرحيل وسوف اذهب كي أرى العالم الجميل، اذ ربما أجد كل ما حلمت به ذات يوم!!
نظر لها بدهشة، وابتعد قليلا
** أهكذا تظنين يا صغيرتي؟!! خطأ ما تعتقدين!! لا يوجد عالم جميل خلف تلك الشاشة كما تحلمين، عندما تغادرين بيتك وعالمك فلن تستطيعي رؤية كل هذا الجمال، سوف تكون النهاية يا عزيزتي، حيث الذهاب بلا عودة!!
غضبت لما قال وشعرت بالسخط تجاهه وثارت لما يقول، فكيف له ان يخبرها كذبا بأنها النهاية وهي مازالت في مقتبل عمرها
* لا يعنيني ما تقول الآن، انا أثق في احساسي.. كما أن القائد الأعلى لا يمكنه الخطأ أبدا.. لقد أخبرنا منذ قليل بضرورة الاستعداد للانطلاق وما علينا الا طاعته.. وقد نُودي اسمي ضمن الآلاف من المغادرين، لذا وجب علي تنفيذ الأمر.. دعني حتى استعد!!
** انه أمر كاذب ولن يتم اليوم، فالقائد الأعلى ليس على طبيعته الآن وقراراته مشتتة مثل تفكيره الحالي، فهو يمر بحالة نفسية سيئة ويظن خطأ أن هذا القرار سوف يعيده الى طبيعته المعهودة.. انتظري قليلا وسوف تدركي صحة قولي!!
* كيف لي بالانتظار وانا أرى أصدقائي قد بدأوا بالرحيل، اتركني حتى ادركهم وابدأ معهم رحلتي نحو العالم الجميل.. فأنا لا اريد ان تفوتني تلك المتعة التي انتظرها منذ زمن!!
كم اشعر بالأسف من اجلك يا صغيرتي!!
وهنا قد جاء صوتا من بعيد ينبههم بالنداء الأخير للانطلاق..
ثلاثة.. اثنان.. واحد… انطلق
واندفعت الصغيرة وسط العديد من اصدقائها القطرات، خرجت لذلك العالم الذي كانت تظن انه عالم مثالي جميل متكامل مثلما كانت تراه يوميا من خلف الشاشة الكبيرة، تساقطت بل انهمرت على وجنتيَ ولم تستطع اللحاق بمثيلاتها من القطرات الذهبية الصغيرة، ظنت انها سوف تحيا طويلا حتى تستمتع بتحقيق حلمها المنشود ولكنني اغتصبت حقها في الحياة وحقها في الحلم، قتلتها قبل ان تدرك حلم العمر الذي عاشت من اجله، مددت يدي اليسرى لأغتال براءتها وامحو وجودها تماما، مررت يدي مرات عديدة على وجنتي حتى تأكدت من إتمام المهمة..
تمت .. نهي الصيفي