الطفلة والقمر.. ..قصة قصيرة بقلم : حافظ الشاعر

أبيض ليس كضوئنا ..أضاء الكون كله ومن حوله آلاف من أطفال لهم أجنحة من نور وحور العين بعضهن ممسك بزجاجات مختلفة الروائح والألوان ،والأخريات يضربن على دفوف.. وعصافير زاهية الألوان تصدح بأصوات لم نسمعها من قبل ..هبط الموكب بجانبها ؛فربتت حورية بيضاء جميلة على كتف الصغيرة ..لقد انتظرتيني كثيرا وتعذبتى أيضا وما من مجيب ..فلا تحزنى فإن ضاقت بكِ الأرض فإليكِ السماء لتمرحى وتلعبى مع ملايين

من أمثالك ذاقوا على الأرض مرارة الذل والهوان ..وقالت : اخلعوا عنها ملابسها القديمة وغسلوها بماء الورد واسكبوا على جسدها العطور ،وما إن فرغوا حتى أجلسوها على محفة من خشب الورد وطنافس من ريش النعام ولباسها من السندس الأخضر ،وحملتها أطفال الجنة ..وعند المساء هبت نسمة من الهواء البارد أصابت الأجساد الممدودة على الأرض ؛فأعادت الحياة إليها بعد يوم شديد القيظ نافضين عن أجسادهم ولباسهم غبار الأرض وغبار الزمان ؛إلا طفلة صغيرة أصابت العلة جسدها النحيل ؛فصدرها ما زال يعلو ويهبط باضطراب وحضرة الموت تزحف بسرعة على جسدها المريض ،وهب كل من فى القرية كالقطيع قاصدين ذاك المكان الفسيح خارج القرية يتنفسون هواءا باردا حيث يلهو الأطفال ويتسامر الرجال ،ونهضت الصغيرة من نومها ؛وصارت بخطوات بطيئة حتى  وصلت المكان واتخذت مكانا بعيدا ،وتسمرت عيناها بالقمر الذى اكتمل تمامه فى هذه الليلة والدموع تنهمر من عينيها الحالمتين حتى حفرت على وجنتيها خطاً عميقا

وما هى إلا لحظات حتى انفرج الكون عن ضوء ؛ صاعدين بها إلى السماء العلى ..وأصوات الدفوف تملأ الكون كله ..والعصافير تصدح ..وأطفال صغار ينشدون غناءا عذبا ،وتوقف الكون كله عن الحياة ،والطفلة الصغيرة تصعد بجسدها الطاهر إلى القمر بعد أن رشفتها  العصافير بحبات من الفل والياسمين ،والزغاريد تسمع دويها كل انس وجن ،وصعدت العروس إلى عنان السماء ،وكل من فى الركب يسبح بحمد الله ..وعاد القطيع مرة أخرى

إلى حظائره مخلفا وراءه سحابة من الغبار الذى التصق بأجسادهم وأرجلهم .

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.