الناقدة والشاعرة الليبية  نعيمة عبد الحميد تكتب عن : خصائص الرواية العراقية التجديدية، قراءة في رواية انزوريكا للكاتب العراقي سعد الساعدي

تشهد الرواية العربية تغيرات وتطورات شأنها شأن أي نوع أدبي آخر تبعا للحداثة والمعاصرة التي نعيشها؛ فبعد أن كان للواقعية نصيب الأسد في الكتابة أصبح للمخيلة مكانها أيضا، و نحن الآن أمام موجة تغيير حقيقية في الأدب الروائي، وهذا ما لمسناه في الرواية العراقية “انزوريكا” الصادرة نهاية عام ٢٠١٩ في بغداد؛ هنا عنوان يتحدث عن نفسه حسب التأويل، فما هو إلا اختصار لأسماء الدول المهيمنة على العالم في الماضي و الحاضر، ويبدو أن الوضوح هو ما اعتمده الكاتب في روايته التي تتضمن ثمانية فصول في 149 صفحة، من الحجم المتوسط، في منجز أدبي يقدم لنا انعكاس أفكار ثقافة واتجاه الكاتب حيث يثير مواضيع كثيرة وهموم مرَّ بها و يمر العالم ومشاكل بين الماضي والحاضر والمستقبل وذلك من خلال مخاطبة عالم الروح وهو الأكثر نقاءً و الأجدى أثرا. و تتضح أهداف وقصد الكاتب من تقديم رسالته بشكل يخلو من الغموض والضبابية وبأسلوب بسيط وسهل؛ حيث قدم قضايا جد كبيرة بالرغم أننا نقرأ عنها ونسمع كل يوم، إلا أن طريقة التقديم تجعلك تفكر في تغيير اتجاهك نحوها، كتأثير الرسائل الإعلامية على النفس البشرية بشكل لا محدود، فكلنا نعلم دور وسائل الإعلام البارز على الأمم والمجتمعات، وكما قدم الكاتب أهمية الانتباه لمضمون الرسالة الإعلامية وما تحتويه من إثارة رغبات وتأجيج غرائز ومحو قيم الأديان التي تنادي بالسلام و المحبة، وذلك بمتعة تنوع بين الأحداث و تسلسلها و تطورها و جمالية توظيف المخيلة العاقلة بعيدا عن شطحات لا نهائية.

ففي الرواية نجد جزئية الخيال تتمثل في شخصية مصباح ذاك الكائن النوراني الخيِّر الذي يحترق من أجل إعلاء قيم المحبة والإنسانية جمعاء، و كل هذا يتجسد في أجواء شاعرية بينه وبين رجاء التي كان يملأها حياة ويغادر قبل شروق الشمس؛ حيث تلتقي الأرواح الصافية من أجل ولادة حياة جديدة تحارب الشر المخفي وزارعيه، وكبح جنون السيطرة لديهم، محاولة إنهاء صراع أزلي منذ الخليقة.

و نحن مقبلين على صحوة روحية “البعد الخامس” وهذا الاضطراب الكوني الذي نعيشه، يؤكد (حداثوية) “انزوريكا” التجديدية التي تتوافق والتغيرات التي تتصدر الأحاديث في يومنا هذا تختلف عما نقرأه اليوم لكنها تتفق بحد ذاته، تخاطب النوايا وتتحدث إلى القيم وتظهر مدى الأهمية أثرها على الأعمال والتعامل كيفما وجهها الإنسان.

إن رواية “انزوريكا” محاكاة لواقع الإنسانية المرير اليوم، “منهم من ترك الأرض وغادر بعيدا، و منهم من أجبره الملوثون بجراثيم الشر و أسكنوه أرضا لا يعرف حدودها ومن فيها ومنهم من مات كئيبا خنقه الحزن فآثر السكن تحت التراب لا يسمع و لا يرى”، عرضت أفكارا ومواضيع بين الواقع والخيال أكملت رسالتها بين التذكير بأهمية تحليل المضمون إعلاميا الذي يمكن من التنبؤ ليس فقط بأثر هذا الهجوم الشرس بل الكشف عن أهداف المرسل من هذا التدفق وتوضيح نواياه المشوشة التي يستملها المتلقي بصور خفية تظهر على شكل ألعاب تكنولوجية تارة ورسائل إعلامية تارة أخرى تسير الفرد إلى هوة الإدمان دون إدراك ما يدور حوله، كما أنه أورد أيضا أهمية النظرية التفاعلية بين وسائل الإعلام والمتلقي والتغذية المرتدة، وكذلك الإهتمام بعلم الاجتماع والرجوع إلى الأسباب الإجتماعية المؤدية إلى كل ظاهرة لمعرفة عمق المجتمع حتى يسهل التعامل معها.

ثم يجعلنا نخلص إلى الحقيقة التي مفادها أن ما يقدمه العالم الآخر للدول “النائمة” عن طريق قواها الناعمة ما هي إلا سموم تلوث فطرة النفس التي نشأت عليها وهو أخطر أنواع التلوث، وأن المعركة بين قيم الخير و “بذور الشر” مستمرة، وكلنا ننتظر بأمل معركة الأمل الأخيرة والانتصار.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.