ثقافاتٌ ورؤى ..د.أحلام الحسن رئيس القسم الثقافى تقدم قصيدة للشاعر التونسى الكبير الحضري المحمودي بعنوان : ثورة كورونا

من ريع تونس الخضراء؛ الحضري المحمودي شخصيةٌ من أبرز وأقوى الشعراء المعاصرين المتميزين في الوطن العربي تميز بقوة الكلمة وتدفق الحرف وهو صاحب الألفية النبوية ” ص” وله المئات من القصائد الموزونة العصماء الإجتماعية التي تعالج قضايا المجتمع، والعاطفية المتميزة، ومن أحدث قصائده قصيدة ثورة الكورونا التي بين يدي القارئ الكريم حيث نرى فيها جمالياتٍ فاقت التصور ودمجًا بين الصور في وصف معأناة المجتمعات المتعددة لن تفي هذه القصيدة مقدمتي المتواضعة وأدعو القارئ إلى مطالعتها بكلّ تمعّنٍ ودقة ..
ثورة كورونا

جرثومةٌ من جُنْدِ ربك تفْعلُ
في الناس مالم يسْتطعْهُ الأفضَلُ
حاشا الرّسول المصطفى خير الورى
وهو المعلّم في العقول الأوَّلُ
فيروس كورونا تفرّدَ بالنُّهَى
فأصابها رُشْدٌ وصارت تعْقلُ
إذْ أرجعَ الإنسان يعرفُ ربَّهُ
وهو الذي رغم التَّحضُّرِ يجْهلُ
هذي الأكُفُّ لربّها ممدودةٌ
بضراعةٍ من خوْفها تتَوَسّلُ
وهي التي كادتْ لِزيْفِ حضارةٍ
تنْسَى بأنَّ اللهَ مَنْ يَتقبّلُ
قد بان زيْفُ الشِّرْكِ حقًّا واضحًا
والمشْركونَ بلا رِياءٍ حوْقَلُوا
والشّرْكُ غادَرَ، نُكِّستْ راياتُه
فوق المزاراتِ التي لاتُدْخَلُ
الكلّ أيْقنَ أنّها أكذوبةٌ
ومشعوذون بها احْتَموْا وتحيَّلُوا
وإذا الخمور تبور في حاناتها
رغم الأنوف ،ومن ترى يتدخّل؟
عرفوا لماذا الله حرّْم شربها
من بعد إنكار ولم يتعلّلوا
وإذا الدّعارة غلّقت أبوابها
وكذا الملاهي والمقاهي تقفل
وإذا التّحايَا أصبحَتْ عاديّةً
غاب النّفاقُ فلا شِفاهَ تُقَبّلُ
و اسْطاعتِ الأخْلاقُ تعرفُ مجْدَها
كيف العُطاسُ وكيْفَ مرْءٌ يسْعُلُ
غَسْلُ الأَيَادي قد تبيَّنَ نفْعُهُ
ما مُمْكنٌ في الأكْلِ أو لايُؤْكلُ
وإذا الطُّغاةُ تمَسْكَنُوا وتخَبَّؤُوا
مثْلَ الأرانِبِ شُفْنَ من يَتخَتَّلُ
لزِمُوا القُصورَ ولم تعُدْ حُريّةٌ
كانت لهم حكْرًا فلم يَتَنقَّلُوا
بخِلُوا بها عن شعْبهمْ فإذا بهمْ
عنها تخلَّوْا ليْتَهمُ لم يبْخَلوا
كلُّ الوَرى عَرفُوا الحقيقةَ وانْزَوَوْا
في الدّورِ كالفئْرانِ لمَّا تجْفلُ
فإذا بكُلِّ العائلاتِ تجمَّعتْ
وبها احْتفَى بعد الفراقِ المنْزلُ
قد خيّمَ الهلَعُ الملَبَّدُ كالدُّجى
فإذا الهواجسُ كالسَّتائرِ تَسْدَلُ
أين اجتماعاتُ التَّآمُرِ والأسى
و تناحُرُ الأحزابِ؟ ضاعَ تكَتُّلُ
حتى الجواسيسُ السّماسرةُ انْتهتْ
جوْلاتُهم وانتابهمُ مُتَحوَّلُ
عجبًا لِحرْبٍ في حُمِيِّ وطيسِها
بإشارةٍ من صامِتٍ تَتعطَّلُ
لاحاملاتُ الطائراتِ اسْتعْرضتْ
عضَلاتِها، لا الرَّاجماتُ توَلْوِلُ
مَنْ ذا نَهاهَا ؟ كيف لان مزاجُها
هل حرْبُ كورونا سلامٌ مُرْسَلُ؟
هل قال أطفالُ الشَّآمِ لِرَبِّهم
أنّ الوَغى لمَّا تعُدْ تُتَحَمّلُ؟
هل في ثكالى الرافديْنِ توَسُّلٌ
نال الإجابةَ عند مَنْ لايغْفلُ ؟
هل في فلسطينَ السّليبةِ من دعَا؟
أم صرخةُ الأَقْصى؟ ،، فماذا يحْصُلُ؟
أم أن ربّ البيت في عليائه
قد شاء ما يجري ابتلاءً يَنزل
من جنده طير الأبابيل التي
رمت الحجارة للطغاة فقُتِّلوا
وكذا الضفادع والجراد تنزّلت
والآي أكّدها وثَمَّ القمّل
أيكون ربي قد أراد عقابنا
وهو المهيمن ممْهلٌ لايهمل؟
حتى المدافع كمّمت فوهاتها
وكأنها خرست وشُلَّ المعمل
كل المعامل أوقفت آلاتها
فغدا التلوّث نحو صِفْرٍ ينزل
ماذا جرى ؟ من أين جاءت ثورة
قلبت مفاهيم الورى فتبدّلوا؟
الكل لايدرى ولكن عارف
أن الجراثيم اغتدت تتغوّل
عكس ابن آدم قيّدت حركاته
فيروس كورونا بدا يتجوّل
والمال رأس المال طأطأ مذعنا
رغم الألى احتكروا الغذاء وعوّلوا
ما للبُنوكِ تنازلتْ بِربائِها
أتكونُ قد علِمتْ بما لايُعْقَلُ؟
طبعا فإنّ الأثرياء تأكَّدُوا
أنْ ليس في الأكْفانِ مالٌ يُحْمَلُ
لافرْقَ عند الموتِ في قطْفِ الوَرَى
بيْن الغَنِيِّ وبيْن مَنْ يَتسوّلُ
ماللمساجد و الكنائس أقفرت
وبكل بيت عابد يتبتّل؟
مالي أرى الحرمين قد خلَوَا كأنْ
قامت قيامتنا؟ فَلُطْفًا نسأل
فيروس كورونا يحقق ثورة
قلبت موازين القوى وتعدّل
بالموت يزحف غير أنّه لم يشأ
قتل الطفولة وهو شيء مذهل
يا للعدالة! فالطفولة لم تُسِئْ
يوما لهذا الكون،،،، من ذا يزعل؟
ذي حِكْمَةٌ والله يعلم سِرَّها
وهو الذي إن شاء شيْئًا يَفْعلُ
رحْماك ربّي فالضَّنَى بلغَ الزُّبَى
فالْطُفْ بنا إنّا ضعافٌ عُزّلُ
تجْتاحُنا الآهاتُ كلَّ دقيقةٍ
مُسْتنْفَرينَ وما سِوَاكَ الموْئِل
قد جاوَزَ السفهاءُ مِنَّا حدَّهمْ
لكن حِلْمَكَ – جلّ شأنُكَ – أجْملُ

الحضري المحمودي2020 /3/19

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.