أحمد محمد شريف يكتب عن : أفيقوا يرحمكم الله.. فمصر صانعة وحاضنة الفكر والثقافة

إن تطور المجتمعات وتقدمها أمر حتمي، ولكي تؤتي ثمارها لابد وأن تتم بضوابط معينة من أهمها:المحافظة على الوعاء القيمي والإرث الثقافي، حتى لا يفقد المجتمع صبغته المميزة. فالفكر والثقافة والقيم هي أغلى ما تملكه المجتمعات، فإذا مزجت وعاؤها القيمي برواسب وشوائب من هنا أو هناك بدون إدراك أو وعي لأصبحت مسخاً النظر إليه والتعمق فيه قطعة من عذاب.

 وللأسف- وآمل ألا أكون محقاً- نلاحظ أن المجتمع تدريجياً يفقد هويته وتسيطر عليه ظواهر عشوائية في شتى مناحي الحياة. وتلك الموجات العشوائية تظل تتراكم لتصبح سمات وسلوكيات مشروعة لدى البعض، بل والأغرب من ذلك أن بعضاً ممن يدعون الطبقة المثقفة يحاولون تقنين تلك الظواهر بداعي الحرية الفكرية أو الثقافية، وغرضهم من ذلك استمرار الجدلية والنقاش لإلهاء المجتمع. فأصبحت العشوائية تعشش في كل ركنٍ من أركان حياتنا، في المنزل والشارع والتعليم والسياسة والصحة والإدارة والإعلام والثقافة والفن والرياضة ، فاستشرت حتى في النفوس.

فأصبحنا دوماً نجد حالة من الهياج والتشنج والتعصب بين فريقين تنتهي غالباً بعراكٍ لا تُحمد عواقبه، مع كم هائل من الاستقطاب الجماهيري لكل فريقٍ دون وعي أو إدراك. وما شاهدناه ولمسناه أخيراً سواء في الرياضة أو الفن كمثالين استرشاديين لهو مثير للاشمئزاز. فكيف بمباراةٍ لكرة قدمٍ تتحول لساحة أقل ما توصف بمصارعة للثيران، مع أفعالٍ وتصرفاتٍ مشينة دون مراعاة لأسرٍ أو أفرادٍ أو قانون أو حتى صورة وطنٍ أمام الآخرين، بل والمؤكد أن العقاب لن يكون على قدر الجرم.

 وبالتوازي مع ذلك ، تجد إقامة مهرجانٍ فني في إستاد القاهرة ليتخلله سقطة شاكوشية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لتنسف البقية الباقية من ملجأ الثقافة ، ليس هذا فحسب بل وانحدار المستوى الثقافي والذوق العام لدى عامة الشعب، دون وعيٍ من أن تلك العشوائية سيولد من رحمها الفوضى ليختلط الحابل بالنابل ويعم الفساد وتختلط القيم فلا يستطيع البعض التمييز بين ما هو ضار أو نافع ، بالإضافة إلى ذلك فإن غض الطرف عن تلك الممارسات والسلوكيات لهو نذير شؤم على أي مجتمع بإفقاده هويته، بل يتعداه بتهديد السلم والأمن المجتمعي . لذا يجب على أصحاب القرار والفكر والرأي عدم الإستهانة بتلك الظواهر العشوائية أو التقليل منها، فكما أكد James Gleick في كتابه نظرية الفوضىChaos Theory والذي آمن فيه بأنه إذا حركت فراشة جناحيها في البرازيل فإنها قد تسبب إعصاراً في تكساس!

وصدق الله العظيم (  فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

أفيقوا يرحمكم الله قبل فوات الأوان، فمصرنا على مر الزمان هي صانعة وحاضنة الفكر والثقافة.

 

٢٧ جمادي الثاني ١٤٤١هـ

٢١ فبراير ٢٠٢٠م

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.