هَلَّا أَجبْتَ سُؤالي..قصيدة للشاعرة العراقية :اعتماد الفراتى

هَلَّا أَجبْتَ سُؤالي

يَا أَيُّهَا القلبُ

تُرى ..أَيَّهُما الحُبْ؟

أَن تقلقَ عليَّ كَما

قلقي عليكَ

أَن تَشْتاقُني كما

اشتاقُكَ ..أم أرجو أَن

لا تقلق ولا تشتاق

و أَن تنساني ؟

قُلْ لِيّ

لا عَدِمْتُكَ من خليلٍ

كيفَ بي ؟

وأنتَ كالأنفاسِ

 لا تُفارِقُنِي..أحنُّ إليكَ..

قَدْ ضاقَ صدري

لم أَذُق بعدكَ طَعْمَ الرُّقادِ

 مَهْلاً.. اخَذْتَ كلَّي

بصمتٍ وَهَلَتْ لَهُ أوصالي

 قَدْ أَزْمَعْتَ هجري   

فيا قلبُ كفَّ عن التَّذلُّلِ

 فمنْ كَلِفْتَ بهِ

 أمسى موحِشاً غيرَ آهِلِ

قَدْ كانَ لكَ

في النَبْضِ ذاكَ الودادِ

و كانَ ليّ

في مُقْلَتِي ذاكَ السوادِ

مَلأَ الْفُؤَادَ بشوكِ القتادِ

وَ فَيْضُ الحنينُ بلونِ السهادِ

أَوجَعْتَني من بعدِما وَدَّعْتَني

و ما ابقىيتَ من روحي..

 سوى الرمادِ

قُلْ لِي:

كيفَ قتلتني؟

و بفراقكَ أَعْدَمتَ كلَّ وصالِ

سألتُكَ بآهةٍ حَرّى

  و دمعةٍ عَبْرى

هَلَّا..

 أَجبْتَ سُؤالي

 حوارات وتعقيبات مطولة في الندوة الموسومة ظاهرة المثلية بين التجريم الشرعي وعدم الوضوح القانوني.

كتبت : ساهرة رشيد

تصوير: عامر اسماعيل/ محمد حسن

   برعاية معالي وزير الثقافة والسياحة والآثار الاستاذ الدكتور احمد فكاك البدراني وبإشراف وكيل الوزارة السيد قاسم السوداني اقام مركز الدراسات والبحوث في الوزارة ندوته الثقافية القانونية الموسومة: (ظاهرة المثلية بين التجريم الشرعي وعدم الوضوح القانوني) في قاعة عشتار مقر الوزارة، حاضرت فيها الباحثة الدكتورة ملاك عبد اللطيف عبد الحسين.

   بينت الباحثة في معرض حديثها أن ظاهرة المثلية من المواضيع الحديثة التي اثارت اهتمام الناس على اختلاف توجهاتهم العقائدية والفكرية، بعد أن أصبحت المجاهرة بها من ميزات هذه الظاهرة الطارئة، كما ان الأصوات التي ارتفعت تطالب بحقوقها باعتبارها حقا من حقوق الأفراد أصبحت اليوم تدق ناقوس الخطر في العالم على وجه الشمول، وفي العالم العربي الاسلامي على وجه الخصوص، فهذه الأصوات التي كانت بالأمس تتحرج من الكلام بهذه الظاهرة أمام الناس، اصبحت اليوم جهات مدافعة لحركة الانحراف والشذوذ من خلال اتخاذها الوسائل القانونية ذريعة تظهر من خلالها في المؤتمرات والاتفاقيات والمنظمات العالمية المعنية بهذا النوع من العلاقات.

   واضافت الباحثة ان الظاهرة ليست وليدة اليوم، لكن الدعوة والترويج لها، والدفاع عن حقوق التفكير بها، من الأمور التي تستحق الوقوف عليها والتصدي لها من وجهة نظرٍ قانونية وبحثية.

   وخرجت الباحثة بعد حصيلة من النقاشات المطولة بمجموعة من التوصيات والمقترحات التي تفيد موضوع الندوة وتؤكد على بناء منظومة قانونية تعالج الظواهر العارضة وتحافظ على تماسك المجتمع من الناحية الدينية والأخلاقية والسلوك العام.

   ومما تجدر الإشارة إليه أن مركز الدراسات والبحوث في وزارة الثقافة والسياحة والآثار له إسهامات ثقافية متعددة، تتركز أهمها في إعداد الدراسات والبحوث واستطلاعات الرأي وإقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات وورش العمل والتعاون مع المؤسسات البحثية بما يخدم مسارات العمل الثقافي في داخل الوزارة وخارجها.

   حوار على صفحات الزمان المصرى  مع الشاعرة التونسية جميلة بلطي..الأدب قوتنا اليومي بفضل أساتذة كرام كانت لهم بصمة التّوجيه والتّثمين

* دخلت الحياة العمليّة بعد التّخرج فخضت تجربة التدريس في المعاهد الثانويّة و تجربة تدريس بالخليج العربي

* الزّواج وإنجاب الأبناء  جعل الموهبة تقصى وإن لم تلغَ كليّاً فالأمومة تغلّبت وآثرت أبنائي على نفسي وهوايتي

*ابتلعتني المسؤوليّات زوجة و أمّاً  وأستاذة فتناسيت هوايتى

* بعد الاطمئنان على أبنائي التفتّ إلى أوراقي أنفض عنها الغبار وأسابق الزمن لعلّني أحقّق حلماً رُكِنَ.

* إنني محظوظة أوّلا لأن الله سبحانه منّ عليّ بالموهبة  وثانيا لأنني أستاذة لغة وآداب عربية

*علينا أن نعيد إلى النّقد اعتباره وأن نبتعد عن المجاملات والطّبل والزّمر لكلّ من هبّ ودبّ

* لدي ستة دواوين شعريّة وأربعة كتب سرديّة 

أجرت الحوار/أ.د.أحلام الحسن  رئيس القسم الثقافي

نرحب بالشاعرة القديرة جميلة بلطي من تونس الخضراء على صفحات جريدة الزمان المصري لتتحفنا بتعريف القارئ الكريم عن مشوارها في الشعر والأدب

أهلا بحضرتك دكتورة ولكم جزيل الشكر لإستضافتي بجريدتكم الغراء

*من هي جميلة بلطي ومتى كانت انطلاقة شاعرتنا القديرة الشعرية والنثرية؟

السيرة الذاتية:

بدأت رحلة الحياة من موطن الحرية والجمال، من مسقط رأسي بالشمال الغربي للبلاد التونسية، حيث تشبّعت بطبيعة غنّاء، لعلّها غرست فيّ حبّ الجمال، وفتحت عيني على الكون، ثمّ كانت مرحلة الدّراسة الابتدائيّة، تعلّمت فيها الحرف، بل عشقته، رغم صغر السّنّ، وقد كان ذلك بفضل معلّم اللّغة العربيّة، فبتنا ننهل الحرف بشوق الظّمأ مطالعة، حفظاً، إلقاء وإنتاجاً… ثم كانت المرحلة الثانويّة بالمعهد المختلط “بباجة”، عشناها بنكهة أخرى مع ثلّة من المربّين الأفاضل، مرحلة تطوّرت فيها المدارك، ونما الفكر، وتأسّست ملامح الكتابة الأدبيّة، خاطرة حيناً، ومحاولات شعر آخر…. ولمّا ارتقيت إلى الجامعة، ضمن شعبة اللّغة العربيّة وآدابها، باتت العلاقة حميمة بيني وبين الحرف، خاصّة بعد التشبّع باللّغة ومقاييسها، وبالشّعر القديم والحديث على حدّ سواء، ليصبح الأدب قوتنا اليومي بفضل أساتذة كرام كانت لهم بصمة التّوجيه والتّثمين… لكنّ دخول الحياة العمليّة بعد التّخرج، حيث خضت تجربة التدريس في المعاهد الثانويّة، بالإضافة إلى تجربة تدريس بالخليج العربي (دولة الكويت)، ثمّ  تبع ذلك الزّواج، وإنجاب الأبناء، جعل الموهبة تقصى، وإن لم تلغَ كليّاً، ذلك أنّ الأمومة تغلّبت، فآثرت أبنائي على نفسي وهوايتي، لتبتلعني المسؤوليّات زوجة، أمّاً وأستاذة… وبعد الاطمئنان على أبنائي، التفتّ إلى أوراقي أنفض عنها الغبار، وأسابق الزمن، لعلّني أحقّق حلماً رُكِنَ.

الاسم: جميلة بلطي عطوي.

الشهادات العلمية:

ـــ الأستاذية في اللّغة والآداب العربيّة، من كليّة الآداب والعلوم الإنسانية 9 أبريل / تونس.

ـــ شهادة تكميليّة في الفرنسية العصرية ولغة الصّحافة.

ـــ المهنة: أستاذة اللّغة والآداب العربية، والترجمة بالمعاهد الثانوية.

ـــ الوضع الاجتماعي: متزوّجة، أمّ وجدّة.

ـــ الهواية: الأدب بأنواعه، قراءة وإنتاجاً.

= المسؤوليات:

رئيسة نادي الأدباء الشّبّان سابقا.

نائب رئيس جمعيّة ملتقى الحرف الأصيل الثقافيّة.

المستشار الأدبي لمؤسّسة الوجدان الثّقافيّة

عضو اتّحاد الكتاب التّونسيين.

عضو نادي السّرد توفيق بكار.

عضو نادي الشّعر باتّحاد الكتّاب التّونسيين

مشرفة على نادي في رحاب قرطاج بالمكتبة الجهوية / تونس

عضو بكثير من المنتديات الافتراضية الوطنيّة والعربيّة.

= المنجزات الأدبيّة:

تقديم دواوين شعريّة لشعراء من تونس ومن الوطن العربي:

ديوان الشّاعر طاهر مشي / تونس.

ديوان الشّاعرة فاطمة محمود سعدالله / تونس

ديوان الشاعرة حميدة بن ساسي / تونس

ديوان الشاغرة الدكتورة زهيرة بن عيساوية / تونس

ديوان الشاعرة جميلة قلعي / تونس

مقدمة للدواوين المشتركة  الصادرة عن مؤسسة الوجدان اىثقافية

ديوان الشّاعر ناصر السمّان / مصر.

ديوان الشّاعرة آمنة محب / لبنان.

= النّشاط الثّقافي:

مشاركة في تظاهرات وأمسيات شعريّة:

· أيّام قرطاج الشّعريّة.

· شاعر تونس.

· الاحتفاء بذكرى وفاة شاعر تونس أبو القاسم الشّابّي.

· مهرجان القصّة القصيرة بمساكن ضمن لجنة التّحكيم.

مهرجان رائدات بلادي

عضو لجنة تحكيم في المسابقة الوطنية للمطالعة

= الإصدارات:

+ الشّعر:

– أحلام ومراكب / صدر سنة 2015.

– همس الحنين / صدر سنة 2017.

– أمواج من مداد / صدر سنة 2018.

– الأفق والنّوارس / صدر سنة 2019.

– بين نور وغسق  / صدر سنة 2021

-وشم على ذاكرة البياض /صدر سنة 2022

= تحت الطّبع:

ــ السّابح نبض والسّروج حروف

+ السّرد:

· فيوض الدّلاء / صدرت سنة 2018.

· همس المرايا / صدرت سنة 2020.

-نجوى الحروف صهيل الكايا/صدر سنة 2022

– عند غروبها أشرقت / رواية صدرت 2022

نشرت لي قصائد وقصص بالصّحف والمجلّات الورقيّة:

· المسار / مجلة اتّحاد الكتّاب التّونسيين.

· جريدة الزّمان / طبعة مصر.

· جريدة الزّمان / طبعة العراق.

· جريدة الأنوار التّونسية.

· جريدة الجديد الجزائريّة.

– المثقّف.

– صحيفة الفكر وميديا للثقافة والإعلام.

· مجلة أل مقه اليمنيّة..

مجلة المثقف العرفي

كما نشرت أعمالي في الكثير من المجلّات والمواقع الإلكترونيّة.

إضافة إلى مجموعة من الدّراسات لأعمالي الشّعريّة والسّرديّة.

+ أعمال مشتركة

· ديوان العرب ـــ الجزء الثاني ـــ عن البيت الثقافي العراقي التونسي ـــ 2017.

· لآلئ الإبداع عن مؤسسة “انكمدو العربي” للثقافة والأدب ـــ 2018.

· كتاب مشترك في السّرديّات، بإشراف الدكتور أنور غني الموسوي 2018 ـــ العراق.

· المدوّنة العملاقة صليل الحروف، عن الديوان وطن الضّاد: للشاعر محمد وجيه ـــ 2019 ـــ مصر.

· الديوان الجماعي الأول لمؤسّسة الوجدان الثّقافيّة 2020.

+ تحت الطّبع:

· الدّيوان الأوّل لجمعيّة الرّائدة في الثقافة والمواطنة.

· ديوان في السّرد التعبيري على المستوى العربي باللغتين العربيّة والإنجليزية.

+ النشاط على صفحات التّواصل الاجتماعي:

عضو لجان تحكيم في الكثير من المنتديات والمجلات الإلكترونية.

إذا شئنا الحديث عن الانطلاقة  فيمكن أن نعود بها إلى مراحل زمنية منوعة حديثا عن البدايات التي كانت لها علاقة  باحرف منذ الصغر وانا ذكرت في السؤال الأول أن الشغف بالكتابة كان طفوليا ونما مع المراحل العمرية والدراسية لكن المرحلة الأهم هي  الخروج من مجرّد الكتابة والتخزين إلى مرحلة التجميع والنشر  وهذه المرحلة قد كانت  متأخرة بعض الشيء بسبب قناعة بالاولويات التي ركزت فيها على عملي وأسرتي والعناية بابنائي ولما احسست ان تلك الريالة قد اتت أكلها  عدت إلى اوراقي انفض عنها الغبار وقد  ساعدني التخزين على ان اختزل الزمن بعض الشيء  فكانت هذه الانطلاقة حسب رايي الجميع موفقة .

*هل واجهت شاعرتنا مشاكل عرقلت مسيرتها الشعرية؟

 ** في الحقيقة يمكنني أن  أقول إنني محظوظة أوّلا لأن الله سبحانه منّ عليّ بالموهبة  وثانيا لأنني أستاذة لغة وآداب عربية وهذا قد مكّنني من أن  املك زادا يؤهّلني لأن تكون اعمالي مقبولة  هذا علاوة على أنّني محظوظة أيضا بأناس مقتدرين آمنوا بحرفي فكان الدّعم بتيسير عمليُة النّشر لأن اغلب ما نشرت تقريبا كان على حساب دور النشر التي تبنّت الأعمال وهي ثلاث دور نشر تونسية ومؤسسة ثقافية مصرية وهذا في حدّ ذاته يعدّ مكسبا كبيرا بالنسبة لي لأنّه يسّر عليّ عمليّة النشر التي يعاني منها الكثيرون .لذلك أقول الحمد لله على نعمه

وشكرا لمن يدعم الحرف  ولو بالكلمة الطيبة

*ما رأي شاعرتنا القديرة بمن يخلطون بين الشعر الموزون وبين النصوص المختلفة كالنثر والخاطرة ولا يميزون هذا من ذاك ؟ وما الحل برأيك لاستئصال هذه المعلومة المخلوطة ؟

 **فعلا ظاهرة الخلط هذه مستشرية في كتابات هذا الزّمن وخاصّة على صفحات الفضاء الأزرق  وربّما  انتشارها بهذه الكيفيّة يعود أساسا إلى سببين لا ثالث لهما . الأول يتمثل في غياب النّقد النّزيه الذي لا يكون موضوعيا بحيث يسجُل الإيجابيات  للتّحفيز كما يشير إلى الهنات والسلبيّات بغاية الدفع إلى التّروي قبل النّشر ومن أجل هذا الحلّ الأنسب في رايي هو أن نعيد إلى النّقد اعتباره وأن نبتعد عن المجاملات والطّبل والزّمر لكلّ من هبّ ودبّ .طبعا أقول هبّ ودبّ حديثا عن الانتاج لا عن الشّخوص  والشُاعر في نظري الذي يريد أن يكون شاعرا لابدّ أن يكون له إلمام بالأجناس الأدبية، بأنماط الكتابة حتّى تكون الحدود لديه واضحة وحينها عندما يكتب سيجيد ويقنع بالفعل لا بالمجاملة.

* كم بلغت دواوين شاعرتنا القديرة ؟

**  الحمد والشّكر لله على منّه وعطاياه إلى حدّ اللّحظة لدي ستة دواوين شعريّة وأربعة كتب سرديّة  وقد فصّلت ذلك في السّؤال الأوّل علاوة على مجموعة من الإصدارات المشتركة وقد أشرت إلى ذلك سابقا.

 * ما هو جديد شاعرتنا القديرة من قصائدَ ونصوصٍ وهل لنا ببعضٍ منها لإطلاع القارئ عليها وإمتاعه بها ؟

**الجديد والحمد لله دائما متواصل والله المستعان .

في باب الشعر أقترح عليكم نصّين :

– الأوّل قصيدة نثريّة

…….. الرّيح تعوي ……

والرّيح تعتصر كبد الورى

ألملمُ  وجلي

أنضُو عن عيني سرابيل الضّباب

والرّيح تعوي

 أعتلي قمم الهضاب

أمدّ يدي إلى الشّفق

أقتني حزمة من سحاب

أعود إلى سهلي محمّلة

ما أنا سيزيف يكابد وعده

لكنّني أجرّ الحلم الآبق

أبذر في دربي ألوان قزح

لي تفتح الأرض شريانها

يبتسم الجدب

يدحر شحّ التراب

يستجير من الرّمضاء

يسقط طيف  السُراب

عبر منافذ اليأس 

يسحب المزاهر يلغي ألوان التّرح

والرّيح تعوي

أستعير صفيرها

أُرقّمه على سلّم التّوق نوتات نوتات

يتحوّل الصّفير صَبًا

تربّت على خّد الوردة

تراقص النّخل

تَعِد الزّيتون بالخير

تعدني أن ترشّ الحزمة في كلّ درب

أن تسقي العطاشى

في كل صوب

فأنسى صفير الرّيح

أنسى الوجل

أمسكها عصاي

أهشّ على بصري

علّني ألمح الفجر يطلّ

يملأتي حبورا

أخرج كما يوسف من قعر  الحزن

ارتدي هالة الضّوء

أراقص من جديد

حلمي والفرح .

تونس …9 / 1 / 2023

 ……………………………………..

– الثاني مقطوعة من الموزون

……… دنيا الرؤى ……..

ولقد زرعتُ الجُهد في دنيا الرّؤى

هل يا ترى ينمو ويُزهرُ عودُها

أمْ أنني سيزيف يُهدر عمره

والصّخرة الصّمّاء تشحذ عَوْدَها

ها أنّني بالحلم أروي رغبتي

وأبيعُ للذّات العليلة  برءها

يا دهرُ هل تاهتْ ركابي في المدى

أم أنّني  مثل الحُداة أقودُها

إني دفنتُ اليأس في دنيا المنى

وحسبتُ أنّي قد بلوتُ شرودها

فازْورّ حرفي و الأسى بشغافه

يرجو السلامة والنجاة يريدها

ويروم أرض البَوح مرْجا مزهرا

يُهدي إليّ عبيرها ووُردها

فألوحُ مثل الغيث يهْمي غامرا

وأعودُ  أروي للحياة قصيدها.

تونس …..14 / 1 / 2023

” ضيفٌ على صفحات الزمان المصري “..الأديب المغربى محمد الشيخ رئيس المنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات: الدافع الأكبر لإنشاء المنصة هو “الغيرة” على الأدب العربي وعلى المثقف العربي وعلى المجتمع العربي

*لما اشتد عودي وجدت أمامي مكتبة متنوعة من 700 كتاب وفي كل الفنون تركها لنا أخي الدكتور “يحي الشيخ

*  الجو العائلي لعائلة الشيخ ساده جوٌ ثقافي محض أثر على مسيرتى الثقافية

** كان أبي الرجل الذي لم يدرس قط يتقن أربع لغات، العربية والأمازيغية والفرنسية والعبرية

**أخي الدكتور يحي الشيخ  أستاذٌ اللغة العربية بباريس ترك لى مكتبة  التهمتها كلها قبل أن يصل عمري إلى 17 سنة

**  تعرفت على مؤلفات الروائي السوري حنا مينا  وبدات رحلتي في الرواية  

** ألفت مسرحية بعنوان أحمد العربي وهي مستمدة من أشعار محمود درويش  وقمت بإخراجها

** المنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات ..حلم كان يراودني منذ مدة طويلة

** واجب علينا كمثقفين عرب أن نناضل من أجل محاربة هذا التلوث البيئي

** نمتلك التقنية التي بواسطتها استطعنا غزو كل مواقع التواصل الاجتماعي

**عالجنا كل هموم الوطن العربي وكل ما هو مرتبط بتراثنا

** المشهد الثقافى العربى مشهد جريح وآن الأوان للملمة أشلائنا من أجل النهوض به من جديد

** نحن كفريقٍ وكلجانٍ نجحنا في النسخة الأولى ونتفوق على أنفسنا الآن في النسخة الثانية وهي مازالت في نصفها

** النصوص الملقاة ذات جودة عالية وتحترم الذوق العام واللجان كانت صارمة في ذلك

** هناك مشاريع ضخمة في الطريق، وسنعطي فيها الأولوية لقدسنا الشريف

أجرت الحوار / أ.د. أحلام الحسن رئيس القسم الثقافي

ضيفنا اليوم نموذجٌ فريدٌ من الشباب المثابر على مستوى الوطن العربي، واﻷدبي، والشعر، له باعٌ طويلٌ في التقنيات والتكنلوجيا، استطاع أن يصنع مالم يصنعه ملايين الشباب حتى ذاع صيته، ولمع نجمه فوق المنصة الدولية العالمية ” المنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات “، فهو قامةٌ متميزة يشار إليها بالأصابع لما حققه من نجاحٍ في فترةٍ وجيزة استطاع خلالها كسب إعجاب الملايين من البشر  .

وعبر منصة المنظمة الدولية المتألقة استطاع أن يستقطب المئات من اﻷقلام اﻷدبية الشهيرة، من الشعراء والشواعر العرب والمبدعين ، من أقصى المغرب العربي إلى الخليج العربي .

أرحب باﻷديب والشاعر والمهندس التكنولوجي المبدع المحترف أ.محمد الشيخ من المملكة المغربية، فأهلا وسهلا بحضرتك على صفحات جريدة الزمان المصري.

* من الفرص السعيدة والثمينة وجود المبدع القدير والشاعر المرموق الاستاذ محمد الشيخ بيننا ليحدثنا عن نفسه كأديب وشاعرٍ فمتى كانت البداية وكيف ؟

** السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وشكرًا لشاعرتنا وأديبتنا السيدة “أحلام الحسن” على استضافتها لي.

فمسيرتي الأدبية ابتدأت مبكرًا منذ طفولتي، لأنه كان لدي إخوة يكبرنني، وكانوا متفوقين في دراستهم، مما جعل الجو العائلي لعائلة الشيخ يسوده جوٌ ثقافي محض في كل اجتماع أسروي، وكان أبي الرجل الذي لم يدرس قط يتقن أربع لغات، العربية والأمازيغية والفرنسية والعبرية، ويحفظ قدرًا مهمًا من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة، فكانت تنشئتي الاجتماعية تجمع بين ما هو محافظ وما هو ثقافي متنوع، تقليدي ومعاصر.

ولما اشتد عودي، وجدت أمامي مكتبة متنوعة من 700 كتاب وفي كل الفنون، تركها لنا أخي الدكتور “يحي الشيخ”، وهو أستاذٌ متمرسٌ في اللغة العربية بباريس/فرنسا، التهمتها كلها قبل أن يصل عمري إلى 17 سنة، وبعد ذلك تواصلت مع أستاذي في اللغة العربية “عبد الله رضوان”، عساه يسمح لي باستغلال ما لديه من كتب، وهناك تعرفت على مؤلفات الروائي السوري “حنا مينا”، فابتدأت رحلتي في الرواية من خلال رواياته “الشراع والعاصفة’، “المصابيح الزرق”، “حارة الشحادين”……

أذكر حينها أنني ألفت مسرحية بعنوان “أحمد العربي”، وهي مستمدة من أشعار “محمود درويش”، وقمت بإخراجها، ومثلها مجموعة من تلاميذة إعدادية/ثانوية “الحسن الداخل” بمدينة جرسيف، وتم عرضها في قاعة “ابن الهيثم” المخصصة للعروض المسرحية والاجتماعات في أواخر الثمانينات، ونجحت المسرحية نجاحا باهرا بحضور جمهور غفير. 

 * محمد الشيخ صاحب أكبر المهرجانات اﻷدبية في الوطن العربي والتي شملت شعراء الوطن العربي من المغرب إلى الخليج إلى شعراء المهجر والتي تنطلق عبر منصة ” المنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات ” هلا أخبرتنا كيف جاءت الفكرة وما هي الأجندة التي استخدمت لتحقيقها ؟

 ** “المنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات”، هي منظمةٌ مرخصةٌ من طرف وزارة الداخلية المغربية، وهي حلم كان يراودني منذ مدة طويلة، إلا أن الظروف الصحية حالت دون تحقيقه مبكرا.

عند تأسيسها رسمت لها طريق العالمية من خلال امتلاك التقنية، ومن خلال الرغبة في خدمة الثقافة العربية والإسلامية والإنسانية كافة، والدافع الأكبر هو “الغيرة” على الأدب العربي، وعلى المثقف العربي، وعلى المجتمع العربي، من انتشار “التفاهة” في مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الإنتشار المهول أثر على الذوق العام في أوطاننا العربية، فكان واجب علينا كمثقفين أن نناضل من أجل محاربة هذا التلوث البيئي. ونحن كمنظمة ونمتلك التقنية التي بواسطتها استطعنا غزو كل مواقع التواصل الاجتماعي عالجنا كل هموم الوطن العربي وكل ما هو مرتبط بتراثنا وثقافتنا وتاريخنا في 312 لقاء ثقافي وأدبي وعلمي، ولن يكتمل ذلك إلا بخوض غمار مهرجان كبير يجمع 100 شاعر، والحقيقة الرقم تعدى ذلك بكثير، ووصلنا إلى استضافة 145 شاعرا، هذا المهرجان والذي لم يكن سهلا، ساهم في إنجاحه أدباء آمنوا بالمنظمة وبأهدافها، وليس من السهل إنجاحه خاصة أن المنظمة لا تتلق أي دعم من أي جهة، فكل لقاء يكلفني ما بين 3 إلى 7 دولار، لأن المنصة مدفوعة الثمن وليست مجانية.

ففكرة المهرجان جاءت تخدم الشاعر، لأن المنصة أتاحت له الدخول إلى كل بيت، وبالتالي أوجدت له جمهورا يستمع إلى إبداعاته، فتفوقت على اللقاءات الحضورية لأنها تصل إلى عدد كبير مما يسمى ب”المتلقي”، وهذا أكبر دافع للشاعر يجعله ينتج ويبدع أكثر، فالنسخة الأولى من المهرجان وصلت إلى مليون و200 ألف متلقي، وهذا رقمٌ لا يستهان به في عالمٍ غزته التفاهة.

* ما هو الهدف المنشود لدى محمد الشيخ من وراء إنشاء هذه المنصة اﻷدبية الكبيرة والخصبة الثمار والعطاء؟

 **قد أشرت في الجواب السابق إلى كل الأهداف تقريبا، وأحب أن أضيف هنا أن المشهد الثقافي العربي هو مشهد جريح، وآن الأوان للملمة أشلائنا من أجل النهوض به من جديد، ونشر الوعي للمثقف العربي وجعله يتحمل مسؤوليته ليقوم بدوره المسؤول والواعي.

* ما هو شعور محمد الشيخ وهو يرى نجاحه بعد كل مهرجانٍ يلمّ فيه النخبة المبدعة من شعراء الوطن العربي على منصة المنظمة الدولية للثقافة وحوار الحضارات ؟

**نحن كفريقٍ وكلجانٍ نجحنا في النسخة الأولى، ونتفوق على أنفسنا الآن في النسخة الثانية وهي مازالت في نصفها، كل هذا النجاح يجعلك تنسى التعب وتنسى العراقيل التي تصادفك في مسيرتك الثقافية، وتفتخر كونك استطعت أن تحدث رجة شعرية أدبية ثقافية بدون دعم، وأن تصل إلى 85000 “متلقي” في 12 يوما فقط من المهرجان، وهذا ما نسميه “بالاكتساح الثقافي”، وأصبحت منصة المنظمة قِبلة لكل شاعر ومبدع، ومفخرة لنا ولكل من مر فيها.

 * من الملاحظات الجميلة لما تقدّمه هذه المنصة اﻷدبية الرحبة فتح المجال أمام كُتّاب النّصّ النثري الجميل ، فهل ثمّة شروطٌ والتزامات تقع على الناثر والناثرة كي يستطيع المشاركة؟

**هي الشروط كانت عامة للنثر وللموزون وللزجل، وهي أن يرسل الشاعر قصائده للجان، واللجان تتكلف برفض أو قبول مشاركة الشاعر انطلاقا من معيار الجودة.

 * تميزت بعض النصوص النثرية الرومنتيكية الخارجة عن النسق بطرح تفاصيل عملية العلاقة الجنسية والدعارة على بساط النّص، ما موقف المنظمة من هكذا نصوص ؟ وهل فَسحُ المجال لها عبر المنظمة من صالح المنظمة لما ستتركه من ردود فعلٍ على المتابعين والمشاهدين؟

**لحد الآن كانت النصوص الملقاة ذات جودة عالية وتحترم الذوق العام، واللجان كانت صارمة في ذلك، ولم نتلق أي ملاحظة في هذا الخصوص، قد تكون هناك حالة أو حالتين لم تثر انتباهنا، ولكن لم تؤثر على المنظمة وعلى الجمهور، ومن قبل رفضت أحد المشاركات والتي كانت كلها جنسية، ولم تصعد على منبر المنظمة.

* هل هنالك من طموحاتٍ جديدةٍ ترسم استراتيجية للمستقبل القريب أو البعيد كشاعرٍ وأديبٍ عربيّ ٍ يحمل على عاتقه هذه المهمة الصعبة ؟

 **أكيد لن نقف عند هذا الحد، هناك مشاريع ضخمة في الطريق، وسنعطي فيها الأولوية لقدسنا الشريف، كما أننا سنسلط الضوء بجدية لمؤلفات الأدباء العرب كدعم لهم.

وما سنبحث عنه الآن هو جهة داعمة، وتكون جهة نظيفة ولا غبار عليها وواضحة، لأن أهداف المنظمة واضحة وشريفة، فنحن نعاني بشدة من الناحية المادية، وهذه المعاناة حالت دون التفكير في طبع كتاب خاص بأشعار الشعراء المشاركين في المهرجان، وهذا أمر كان سيعطي رونقًا خاصا لمهرجان 100 شاعر الدولي في نسخته الثانية.

بهذه الكلمات ذات الأهداف السامية الجادة في خدمة الأدب العربي، والتي قلّ نظيرها اختتم رئيس المنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات

كلماته والتي كانت تحمل همّ الشعر والأدب العربي، والحرص على جودته وأصالته وعدم تعرضه.

 ومن هذا المنبر الثقافي جريدة الزمان المصري نشكر أ.محمد الشيخ

رئيس المنظمة الدولية للثقافة والتنمية وحوار الحضارات لتلبيته دعوتنا له.

البنية التركيبية والدلالية في نص الشاعر “حميد الساعدي” .. بقلم/حسين عجيل الساعدي

يقول محيي الدين بن عربي:

وما الوجه إلا واحد غير أنه     

               إذا أنت عددت المرايا تعددا

النص//

ربما بعد حين

تتعب المرايا

ربما تكون رائقاً

بعد متاعب كثيرة

تفكر بالحب

وتملأ سلال من أمانٍ معتقة

قد يخونك النظر

حين تنظر إلى مرآتك

ولا ترى التجاعيد

ربما تكون عابراً للمشيب

تتذكر بالحركة البطيئة

فترى شاباً صغيرا

يتقافز في الشوارع

لا تزعجه منبهات السيّارت

يحمل كتبه الرّثة

التي أورثته اصفرار البشرة

وسوء التغذية

والوقاحة أحيانا…

بغواية العابرات

تمارس أمانيك

لا وقت للغواية يا صاحبي

فليلك أشدُّ عليك

من نهارك…

في المقاهي روائح الأصدقاء

وصخب الدخان

ربما في كل حين

تبتكر نساءً لقصائد

حتى تصير النساء قصائد

ربما تأخذ وقتك بالتقسيط

وتمارس الحب

على دفعات

تغوي مرآتك

تباعد بين الشغف

وبين الشبق الآني

وتلعنُ الإساءات

تسيء لي المرايا

فأصدق وجهي

وأُكذّب صورتها.

المدخل لتناول نص الشاعر “حميد الساعدي” ينبغي أن يتحقق من خلال التعامل مع النص نفسه، بهدف الكشف عن مداخله، التي تساعد على تفكيك مغاليقه.

يمكن وصف نص الشاعر “حميد الساعدي” بأنه نصاً متعدد الزوايا، ذات جمل قصيرة، تميزت بالأختزال والأقتصاد اللغوي والتكثيف الحسي. فهو من المنظور الجدلي عبارة عن تفرعات بنيوية، تحول لغة الشعر الحاملة للفكرة، إلى بنية دلالية، في تجسيد الرؤية الشعرية للشاعر الذي يريد أن يصل بها إلى الإبداع الشعري، فهو يهتم باللغة ويوظفها في النص حتى يبتعد بها عن المباشرة. وذلك بما يحويه النص من تراكيب بنيوية ونحوية ساهمت في تشكيل هيكليته، فالشاعر يوظف الرمز بدلالة القيمة النفسية والحسية له، كأن يصف بعضاً من ملامح حياته، التي تعبر عن كينونته الشخصية. وعليه لا يمكن فهم الشاعر إلا من خلال النص، لأن (النص مرآة لدواخل الشاعر، فإنه يرسم شخصيته وتضاريسيه السايكولوجية وانتماءاته الأجتماعية).

ينبغي أن نبدء بتأمل دلالة المرايا، ضمن الحيز الذي تشغله في تفكير الشاعر وأفعاله وسلوكه. فهي أيقونة النص، لابد من تحليل رمزيتها ودلالاتها المعرفية، من خلال تفكيكها لغوياً وسيميائياً، لغرض الخروج بفهم معرفي يساعد على فهم الذات من خلالها، لأنها تذكرنا بحقيقة أنفسنا.

المرآة (جمع: مرايا)، عرفها العلماء بأنها (سطح لامع يعكس الأشعة الضوئية الصادرة من أي جسم تسقط عليه لتعكس صورة الجسم)، “محمد شفيق غربال، الموسوعة العربية الميسرة”.

إن أحدى ثيمات المرايا، هو ما تحمله في سياقها الرمزي، سؤال الذات في مواجهة النفس، حيث تبلور في نفس الإنسان أنطباعات وتجيب على تساؤلات، تشكل المعنى.

الإنسان أمام المرايا لا يمكن إخفاء مشاعره، بل تراه يراقب ملامح وجهه ولغة جسده. يقول علماء النفس عن رؤية المشاعر من خلال المرايا (أن النظر في المرآة يمكن أن يساعد على تبني منظور أكثر واقعية مع عيوب الإنسان وضعفه).

فرمزية ودلالية المرايا في النص قبل أن تكون هي الذات التي يرأى فيها الشاعر نفسه، تكون أداة تعبير فني، ننطلق منها إلى فضاء النص.

وقبل أن نستغرق في رمزية المرايا في النص الشاعر “حميد الساعدي”، نقول إن النص أنعكاس نفس الشاعر، الذي شكل شذرات أفكاره، حيث أتخذ من المرايا منطلقاً أساسياً لبنية النص وفضائه الشعري، فأستعان بها كأداة تظهر ما في حيزها. لقد وظفها كتقنية شعرية فنية سردية، للتعبير عن أفكاره، ليرصد ما يتراءى في أعماقه، وكأنه يتحدث عن أسقاطاته ومكنوناته النفسية.

فالمرايا في النص تمثل رؤية ما لا يمكن رؤيته، فالشاعر يتحدث عن نفسه، باحثاً عن ذاته، لإنه يعلم أن المرايا تمثل حيزاً واسعاً من تفكيره وأفعاله وسلوكه، وتحمل في عمقها هويته، وحدود حقيقته. لإن الحقيقة ليست بعيدة عنه، بل هو جوهر الحقيقة كإنسان، يغوص في أعماق المرايا لأنها ذاكرته، وحضوره الذهني والسايكولوجي الذي لا يستطيع نسيانه، وهذا ما يؤكده بعض العلماء أن المرايا (ذاكرة)، لإنها أكثر مساحة للرؤية، حين ينظر فيها كل مرة يرى وجهاً آخر غير وجهه الحقيقي. فهي تجسيد رمزي للأنا، ولكن الذي نراه في النص غياب (أنا) الشاعر، وكأنه يخاطب الآخر، فيصبح إنساناً مغترباً عن نفسه. فلم تعد (الأنا) صورته في المرايا، بل الذي يتحدث عنه ويحاوره صورة الآخر. فهو ينقل لنا حواراً قائماً على الذات، نرصد فيه صيغة (المونولوج)، الذي غطى مساحة النص، حواراً سيطر عليه صوت الشاعر بلغة شعرية مركزة، يجسد فيه سؤال الذات في مواجهة نفسها.

ماذا تعكس المرايا؟

المرايا لها دلالات رمزية أستثمرها الشاعر، يرى فيها (الأخر المنشق عن أناه). لإن أنشغال الشاعر بالذات، قد أخرج (الأنا) في النص من طبيعتها الفيزيائية في المرايا، إلى طبيعة تجريدية، ليترك للقارئ كشف خبايا مرآة الشاعر وما يريد بثه من أفكار ورؤى، تفتح النص أمامه على جملة من القراءات.

يحلق النص بجناحين هما (الأنا والآخر)، تتوحد فيه أنا الشاعر الأصلية مع أنا الصورة المركبة في المرآة، يكشف فيها عن علاقة جدلية بين ما هو أصل وما هو صورة، أي (أنا ناظرة) و(أنا منظوراً إليها)، ويمكن توصيفها في علاقة الأصل بالصورة. فأمام هذه الجدلية التي عبر عنها الفيلسوف الفرنسي “غاستون باشلار” بقوله: (الذات والآخر ديالكتيكية لا تنتهي) قد تساعد الشاعر على فهم وأعادة بناء ذاته من جديد، وكأنها ضميره الحي.

أنفتح النص على مشهد تصوري رسم فيه الشاعر معالم الخطاب الشعري، الذي يزيد المعنى وضوحاً، حين جعل منه مرتكزاً حوارياً يتواصل به مع المتلقي، يظهر فيه الضيق النفسي وتشظي الذات عنده.

(ربما تكون رائقاً/بعد متاعب كثيرة/

تفكر بالحب/وتملأ سلال من أمانٍ معتقة/قد يخونك النظر/حين تنظر إلى مرآتك/ولا ترى التجاعيد/ربما تكون عابراً للمشيب).

لقد أشار “أدونيس” إلى هذه الجدلية بقوله:( إن المبدع العربي يعيش غياباً مزدوجاً: عن ذاته وعن الآخر، وإنه يعيش بين منفيين: منفى الداخل ومنفى الخارج، أو بحسب تعبير سارتر بين جحيمين: الذات والآخر، ويؤكد أن الأنا ليست الأنا وليست الآخر، الغياب والمنفى هم الحضور)، “أدونيس، النص القرآني وآفاق الكتابة، ص 16”.

(فترى شاباً صغيرا/يتقافز في الشوارع/لا تزعجه منبهات السيّارت/

يحمل كتبه الرّثة/التي أورثته اصفرار البشرة/وسوء التغذية/والوقاحة أحيانا..).

تقنية التكرار في النص:

يمثل التكرار ظاهرة أسلوبية في أثراء النص، وتبين الأبعاد الدلالية والفنية  التي تساعد على فهم فكرة ما أو صورة ما. فالشعراء من خلال تقنية التكرار يحاولون تأكيد حالة شعورية معينة، أو تأكيد الذات، وتضخيمها، فتراهم في نتاجهم الشعري يكررون حروفاً أو جملاً  أو أفعالاً للتعبير عن رؤى جمالية أو رؤى نفسية يعيشونها، ونفس الوقت تحفز المتلقي للبحث في هذه الرؤى، لذلك (شكّلت ظاهرةُ التكرار سمة أدبية واضحة المعالم ومتلازمة الأفكار). لأن التكرار له علاقة بظروف الشاعر النفسية، بهدف أستكشاف المشاعر وبيان الدلالات النفسية والوجدانية لديه، وقد عبر الدكتور “صميم إلياس كريم” عن (تقنية التكرار) بقوله: (تكمن شاعرية التكرار وقيمته الإيقاعية والدلالية بخاصة في أن مبدع النص/ الشاعر يحاول الاتكاء على تقنية التكرار أن يكشف لنا عن الأمور والأشياء والنوازع التي يعني بها أكثر من غيرها، فهي عباراته لأنه تشكل مرآة صادقة تعكس ما يخالج الشاعر ويعتري وجدانه)، “صميم إلياس كريم، التكرار اللفظي وأنواعه ودلالاته قديما وحديثا”.

فالتكرار يكشف أهتمام الشاعر بهذه المفردة أو تلك الجملة، ويكررها في صور شعرية مكثفة ومختلفة، وهذا التكرار تكرار فني، يأثث فيه الشاعر لنص شعري أبداعي. كذلك هو عنصر من عناصر الإيقاع في النص، (يوظف لتحقيق وظائف دلالية من أجل تدعيم ثبات النص)، وهذه الوظيفة لا يمكن  أن تتحقق إلا أن تكون نسبة ورود المكرر عالية في النص الشعري. وفي نص الشاعر “حميد الساعدي” تنوع التكرار الذي حمل الكثير من الدلالات النفسية والأنفعالية المختلفة التي تفرضها طبيعة السياق، فشكلت رابط بين المعنى والرؤية معاً.

إن تكرار كلمات “المرايا” و “ربما” و “الأفعال المضارعة” في نص الشاعر “حميد الساعدي” يجعل من التكرار دلالات مهمة في سياقاتها، ومن خلالها نشخص عناصر الرؤية الشعرية لدى الشاعر.

١) أستخدم الشاعر (المرآة) مرتان بصيغة المفرد، ومرتان بصيغة الجمع (المرايا)، يولد هذا الجمع صور متناثرة تتشظى فيها الذات وكأنها أخطاء أو خطايا. البعض من الشعراء يرأى في المرايا أنها تكشف عن عيوبهم، في صور أرتدادية ما بين الشباب والمشيب. أما الشاعر “حميد الساعدي” في نصه هو دائم البحث عن (أناه) الآخر، التي تتمظهر في المرايا لتمثل له الصورة الحقيقية، وكأنه شخصاً مغترباً عن ذاته. وفي سياق رمزية المرايا في النص، ذات الدلالة المكثفة، ربما نفهم معنى أنعكاس الصورة فيها؛

(تتعب المرايا/تسيء لي المرايا) (حين تنظر إلى مرآتك/تغوي مرآتك)

٢) إن تكرار الأفعال المضارعة في النص هو تأكيد على دلالة الحركة لهذه الأفعال، فأستعمال الفعل المضارع في النص الشعري بهذه الكثافة، والذي هيمن على تراكيب النص اللغوية، يكسبه طابع الحركة أضافة الى دلالته الزمنية وتأكيد حدوثه في الزمن الحاضر.

فالشاعر أستخدام صيغة فعل المضارع الدال على التجدد والأستمرارية، والحدوث بكثافة واضحة، أستخدم الفعل في النص أربعة وعشرين مرة. إن تكرار الفعل بهذه الكثافة شكل ترابطاً وأنسجاماً في النص دلالة على أن التجدد والاستمرارية هي الحالة المسيطرة على المعنى في النص؛

(تتعب/تكون/تفكر/ تملأ/يخونك/تنظر/ ترى/تتذكر/تكون/فترى/يتقافز/تزعجه/يحمل/تمارس/تبتكر/تصير/تأخذ/تمارس/تغوي/تباعد/تلعنُ/تسيء/أصدق/أُكذّب).

٣) تكرار جملة (ربما بعد حين) التي أتت كلازمة في مقدمة النص وتوزعت على أجزاء النص الاخرى خمس مرات؛

(ربما بعد حين/ربما تكون رائقاً/ربما تكون عابراً للمشيب/ربما في كل حين/ربما تأخذ وقتك بالتقسيط)

لتحمل معنى الأحتمالية من خلال أستخدام لفظ (ربما*)، بمعنى يدل على الأحتمال غير الحادث بكثرة، ثم تأتي بعدها الأحتمالات التي يضعها الشاعر.

إن لجوء الشاعر لتكرار جملة (ربما بعد حين) الغرض منه تأكيد رغبة معينة، تحمل أمنية قد لا تتحقق. وهذا المعنى نجده في تعريف الدكتور “محمد صابر عبيد”:(يقوم تكرار اللازمة على أنتخاب سطر شعري أو جملة شعرية، تشكل بمستوييها الإيقاعي والدلالي محوراً أساسياً ومركزياً من محاور القصيدة، يتكرر هذا السطر أو الجملة من فترة وأخرى على شكل فواصل تخضع في طولها وقصرها إلى طبيعة تجربة القصيدة من جهة، وإلى تأثير اللازمة في بنية القصيدة من جهة أخرى)، “محمد صابر عبيد، القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية، ص204”. فهي على العموم تعني الأحتمال، الذي يعرف معناه من خلال سياق الجملة.

٤) كُتب النص بدلالات جعلت الشاعر يبوح بما عنده، أحتلت فيه الذات (الأنا) حيزاً واسعاً، تمحور حول وعي الأنا بنفسها، فالأنا الشعرية في النص هي (أنا مونولوجية*). أجرى الشاعر فيها حواراً داخلياً يعيد فيه تشكيل ذاته، يحاور فيه المرايا، وأنتقال الخطاب من أنا المتكلم إلى الاخر المخاطب، أستعمل ضمير المخاطب المتصل (ك) وتكرر توارده ثمان مرات، مما جعل النص متماسك، وهو يوجه الخطاب إلى نفسه لأنه هو المؤرخ لأوجاعه.

(يخونك/مرآتك/أمانيك/فليلك/عليك/نهارك/وقتك/مرآتك).

————–

* المونولوج أو حديث النفس أو النّجوى هو حوار يوجد في الروايات، ويكون قائما ما بين الشخصية وذاتها أي ضميرها، بمعنى الحوار مع النفس،

ومصدر الكلمة يوناني (مونو) يعني أحادي و(لوجوس) تعني خطاب.

* رُبَّما، كلمة وظيفية، تعني من المحتمل، وهي مركبة من (رُبَّ) و (ما) الكافة، تدخل على المعارف، وعلى الأفعال، وقد تخفف فيقال: رُبَما.