حالة من الفزع والرعب تصيب البيوت المصرية كل عام في مصر فقط دون غيرها من بلدان العالم ،قبيل امتحانات الثانوية العامة وخلال أيامها. الكل فاقد لأعصابه، يبدأ الأمر من الأباء والأمهات ويمتد إلي الأبناء .لماذا ؟ الله وحده أعلم !.
الأباء ينتظرون دخول أبنائهم احدى كليات القمة كالطب والهندسة والسياسة والإقتصاد وغيرها . هذا كل ما ينتظرونه . الأمر لا يختلف كثيرا عند طلاب الأزهر وأسرهم . فكلهم – طبقا لحالة التوتر- في الهم سواء ، مع أن المستقبل بيد الله والسعادة ربما جاءت من أقل الكليات مجموعاً.
تجربةً شخصية لا يمكن أن أنساها عشتها بنفسي عندما كنت إماماً،وخطيباً لمسجد القرية اليتيم، والوحيد .
حينما اقترب مني بعد صلاة العصر أحد الأباء و كان مهموماً حزيناً. تحدث معي وطلب مني أن أكون رفيقاً له لمقابلة الراحل الدكتور/ كامل ليلة رئيس مجلس الشعب وقتها ، ونائبا لدائرتنا الذي كانت تربطني به علاقة طيبة . كان هدف الزيارة محاولة لإلحاق ابن هذا الرجل كلية الشرطة بعد حصوله على الثانوية العامة بمجموع قليل .لم يكن بوسعي إلا قبول مطلبه والذهاب معه . وتم التواصل مع أحد الأصدقاء لتحديد موعد حينما يأتي النائب من القاهرة . يومها قابلنا الراحل الكريم بالبشاشة والترحاب . فقلت له الحكاية وطلبنا . لكنه رد بدرسٍ عملي في عالم الحياة حيث قال :” يا بني ،الدنيا لن تنتهي عند كليات القمة كما تقولون . واتخذني مثلاً لهذا الفكر لأني تخرجت من كلية الحقوق التي يدخلها في هذه الأيام الحاصلون علي ٥٠%. أليس كذلك ؟! ” واستطرد قائلا :” وفي هذه الجامعة أصبحت معيداً ثم مدرساً مساعداً ثم أستاذا،ووزيرًا للتعليم العالي والآن رئيساً لمجلس الشعب .”. واضاف د.كامل ليلة في أهم تعليق له قائلا : “المهم ليست الكلية التي تدخلها، المهم أن تكون الأول فيها . كثيرون دخلوا كليات ظنها البعض كليات القاع واليوم تراهم ملئ السمع والبصر ، ويشار لهم بالبنان .”
خرجنا من عند النائب ونحن في حالة أخرى وهذا الطالب الآن خريج كلية الحقوق ويعمل أستاذا بها .،وكل حياته ناجحة .
حقاً أنه درس لأولادنا الأهم أن تكون ناجحا ومتفوقا في دراستك الجامعية مهما كانت وليست الثانوية العامة . فالرعب الذي يلازم الأهالي ويطبقونه على أولادهم هو صيغة مبالغ فيها من الاهتمام . فأولى أن نعلم أولادنا أن الثانوية العامة هي خطوة على طريق المستقبل ولكنها بالتأكيد شهادة لا تحدد كل المستقبل…
* كاتب وباحث