أ.د. أحلام الحسن تواصل كتابة سلسلة مقالاتها عن : كيف أعدّ نفسي لكتابة الشعر.. شروط وأساسيات القصيدة النثرية “.. الحلقة / 5

” شروط وأساسيات القصيدة النثرية “

للقصيدة النثرية جمالياتها الأدبية التي لا تخفى , والتي يساعدها عدم التقيد بالوزن والقافية على حرية الإنطلاق والتعبير وتحتاج إلى دراسةٍ وتفهّمٍ لها ليتحقق النجاح المطلوب من هدف كتابتها .
تقوم القصيدة النثرية على عدّة شروطٍ وأساسياتٍ مهمةٍ جدًا، ولا تكتب اعتباطًا فللقصيدة النثرية شروطها الأدبية كما لغيرها من الأصناف الأدبية الأخرى، وإلاّ تحوّلت النصوصُ إلى مجرد خواطرَ عاديةٍ يستطيع الجميع كتابتها تخلو من مميزات القصيدة النثرية وتفقد قيمتها الأدبية كقصيدةٍ نثريةٍ يعتدّ بها أدبيًا.
وأشير في هذه الحلقة إلى أهمّ مقومات نجاح القصيدة النثرية والتي يجب على الكاتب الذي في بداية طريقه مراعاتها والأخذ بعين الإعتبار بها، والتعود على الإسلوب الأدبي تدريجًيا حتى يصنع من نفسه ناثرًا مميزًا تتصف نصوصه بالمكنة والجدارة وهي:

1 – الإيجاز :

ويعني الكثافة في استخدام اللفظ سياقًا وتركيبًا ، وهنا يتطلب من الكاتب قوة الحرف ، وقوة الكلمة المتدفقة التي تخرج منها الصّورة الفكرية للوجود ولا يتأتى ذلك إلاّ بالقراءة لأدباء لهم أقلامهم الجيدة والإطلاع المستمر، والحذر الحذر من قراءة النصوص الهزيلة فإنها معدية.

2 – التوهج :

وتعني الإشراق، بحيث يكون اللفظ في كافة استخداماته متألقًا في سياقه، كأنهُ مصباحٌ وضّاء، إذا استبدلناه بغيره ينطفئ بعض البريق في الدلالة العامة ، يشد ذهن المتلقي بجمال تراكيبه اللغوية وببديع ألفاظه وخصوبة لغته.

3 – المجانية :

وتعني اللازمنية ، أي يكون اللفظ غير محددٍ بزمنٍ معينٍ ، فالدّلالة متغيّرة ، حسب السّياق والرّؤية والتّركيب والتأثر ، وتكونُ قصيدة النّثر ذات دلالةٍ مفتوحة غير مقيدة ، يمكن أن تُفهمَ على مستوياتٍ عدّة، بمعنى أنّ النّاثر يكون متأثرًا بحدثٍ ما، أو بحالةٍ نفسيةٍ خاصة به تسيطر على وجدانه وأفكاره
بحيث ينطلق من الحدث المتأثر به إلى القلم والورقة فيسطره شعورًا واحساسًا، والحذر من محاولةٍ فاشلةٍ لكتابة قصيدة النثر دون التّأثر المذكور ولتكن رؤيته قائمة على أنّ لكلّ فعلٍ ردّة فعل، فقصيدته ردّة فعلٍ لموقفٍ مؤثّرٍ في نفسيته وذاته.

4 – الوحدةُ العضوية :

وتعني أن يكونَ النّصُ كلامًا واحدًا ، ومجردًا من وحدة البيت المشبهة بقصيدة الشعر العمودي ، ويكون النّصُ كلّه وحدةً واحدة في الفكرة وإن تشعبت منها أفكارٌ ثانوية داعمة للفكرة الأساسية، بمعنى أن تحمل القصيدة مضمونًا حول فكرةٍ معينة وليس مجرد كلامٍ إنشائيٍ مطرز يفتقر لقدرته على إحداث التأثر لدى المتلقي.

5 – الوزن :

لا دور للوزن بالقصيدة النثرية، ولكن للسجع دوره عادة في إحداث الإيقاع الموسيقي للقصيدة النثرية، وذلك لصالح بناء نصّ قصيدةٍ نثريةٍ يجعلها تحمل الطابع الجمالي المطلوب في قصيدة النثر .

6 – يجب تجنّب كثرة الاستطرادات وتكرار معاني المفردات التي بذات المعنى، وهي ما نجده في الأشكال النثرية الأخرى ، ومراعاة البقاء على قوة اللفظ وإشراقة المعنى.

7 – تتألف قصيدة النثر من عدّة عناصرَ من الواقع المادي المحسوس حسب الرّؤية الفكريّة للكاتب.

8 – تكوين علاقاتٍ جديدةٍ بين ألفاظ النّصّ وبين تراكيبه المتعددة ، هذه العلاقات مبنيّة على وحدة النّصّ وعلى جمالياتٍ لغويةٍ أخرى، تعتمد على رؤية النّاثر الثقافية والشاعرية ، فتنعكس على صياغة وبناءِ الألفاظ وبنية التّراكيب، وقوّة التّخييل الممزوج بالواقع .
وهذا ما يقودُ في النهاية إلى إثارة ما يُسمى بالصّدمة للمتلقّي ، هذه الصّدمة تنتجُ عن عملية التّلقي للنّص النثري ومدى اللذة في هذا التلقّي الناتج عن التّأملِ في بنية النّص، وروعةِ جمالياته، ورؤاه الجديدة .
فمصطلح الصّدمة الشّعرية هو الميزان الذي سيحدد جودة القصيدة النثرية، ومستوى نجاحها عند الجمهور .

ولهذا نعرف كيف للشّعر وللنثر وقعًا كالسّحر فنعشقه ونحبه !
وللمعلومة فقصيدة النثر تختلف عن الشّعر وتختلف عن الشّعر المنثور ” التفعيلة” ، وهذا ما سنتعرف عليه في الحلقات القادمة إن شاء الله، كذلك هنالك فرقٌ شاسعٌ بين قصيدة النثر ، وبين الخاطرة الأدبية والتي لها خصائصها المختلفة.

 
المصدر / كتاب السبيل إلى بحور الخليل ” كيف أعدّ نفسي لكتابة الشعر
أ.د. أحلام الحسن
الحقوق محفوظة

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.