حكاية السيد زومر باتريك زوسكيد ..بقلم: اسمهان حطاب العبادي

يقول(باروخ سبينوزا)،

الانسان الذي تتحكم به العواطف لايرى الا جانبا واحدا من الموقف

كذلك بطل هذه الرواية كان يرى شخصا واحدا يشابهه في الانعزال والوحدة،والرغبة بالتهرب والسرعة،جعله مربطا لذكرياته الحالمة وطموحه البريء

.تنقلنا الرواية الي حياة شاب يروي لنا مذكرات خاصة بفترة طفولته،حلمه في الطيران محاولاته الكثيرة ورغبته العارمة،كان خفيف الوزن ويحمل بأن تساعده الريح وقانون غاليلو ويحقق حلمه ،تارة في منخفض الوادي وتارة فوق البحيرة، تحولت رغبته الى شكل اخر ،تسلق الاشجار اتخذها مكانا ممتعا لمشاهدة ماحوله من المدينة واتخذها مكانا للنزهة ولانهاء الفروض المدرسية وتناول وجباته المختلفة،عرف طرقا  سرية عدة للوصول الى البحيرة،بعد خروجه من المدرسة.

اعجب ذات مرة بزميلة له تدعى( كارولينا)، بالصف،طلبت منه يوما ان ترافقه في نزهته اليومية للغابة والبحيرة،لم ينم يومها من شدته سعادته وانشغاله بها اعد كل مامن شأنه ان يسعد رفيقته،وفكر فيما سيرويه لها من حكايات طريفة ومسلية وفكر في نوع الطعام الذي سيحمله،لكنها اعتذرت عن القدوم في اليوم الثاني وخاب امله.

تعلم صعود الدراجات وسياقتها والقيام بحركات بهلوانية مسلية فيها.نضج جسمه وابتعد عن تسلق الاشجار وتغيرت اهتماماته،.

اثار اهتمامه منذ طفولته جاره( السيد زومر) المسن ،يخرج منذ الصباح الباكر وقبل طلوع الفجر بمعطفه السميك وقبعته وعصاه الطويلة وبنطرونه القصير. يخرج وكأنه في امر مستعجل ،لااحد يعرف نوع عمله او وجهته،هو يخرج من البيت مهما كانت ظروف الطقس واحواله،ويرفض ان يساعده احد في نقله من مكان الى اخر،باي وسيلة نقل كانت،رياح عاتية وعواصف وثلوج وجو قارص .كانت اجابته “اذا دعوني اخيرا بسلام”

شاع امر عن انه مصاب بمرض نفسي هو رهاب الاماكن المغلقة( كلاوسترفوبيا)،لذا يستمر بالمشي اربعة عشر ساعة طوال النهار دون كلل او ملل.

كان يجد شبه بينه وبين السيد زومر ،كلاهما يرغبان بالطيران والاسراع  باشكال مختلفة ،الرغبة في الاسراع الزمني والمكاني دون هدف محدد.

تمشي عتلة الزمن ويدخل في دروس لتعليم البيانو ليحظى بالفشل وتأنيب معلمته وزجره واهانته وتوبيخه،ثم تطردة من الفصل،يشعر بالحرج والضيق والاحباط فيفكر بالانتحار لان كل من حوله سبب لتعاسته،والدة مشغولة وقاسية ودراجة قديمة ومعلمة مزعجة،يقرر الذهاب الى شجرة عالية لينفذ خطة الانتحار يستعد تماما ليلقي نفسه في لحظة ما يجد اسفل الشجرة تماما السيد زومر وقد توقف عن المسير ثم يتمدد ويستلقي على ارض الغابة ،ويخرج طعاما من حقيبته ويتناوله وهو ينظر على جهات مختلفة نظرة مترقب لخطر ما،ينهي طعامه ويعاود المسير مجددا.توقف الفتي حينها من التفكير بالانتحار وعدل عنها وضحك من نفسه على نفسه واستغرب كيف قادته قدماه للصعود ثلاثين مترا متسلقا لشجرة ضخمة.وتمضي الايام ولايعود السيد زومر شيئا ملفتا او هاما او داعيا للفضول وينتشر خبر وفاة زوجته ،ليبقى السيد وحيدا،ويزداد خرجه من المنزل وبقاءه خارجا لعدة ايام ويعاود الظهور دون ان يقلق او يثير انتباه احد.

حين يكون بطلنا خارجا في احد الايام الماطرة فيشاهد السيد زومر وهو يسير في خطا متسارعا فوق البحيرة ،ينظر اليه صامتا دون ان يساعده او يخرجه من البحيرة،يقف في حيرة حتى يختفي رأس السيد زومر في البحيرة والاجواء الماطرة،يعود الشاب الى منزله مذهولا ودون ان يذكر شيئا لعائلته ولايخبر احد من اصدقائه،بعد مرور اسبوعين تنبته الى غيابه سيده بينها وبين السيد التزام ماد ي وايجار لذا تبحث عنه،

يبقى الشاب ملتزما الصمت ولايعرف سبب صمته هل هو خوفا ام شعورا بالذنب لأنه لم يقدم له المساعدة

اجاد الكاتب بتناول ادق التفاصيل واعمق التعابير في وصف شتى حالات الشخوص الواردة في روايته،جعلنا نشعر بالبطل وهو طفل  غلبته البراءة والرغبة،وجعلنا نشعر في اعجابه بزميلته ونشعر معه باللهفة للقاءها وبالحزن لاعتذارها عن الحضور،جعلنا نبرد في الجو القارص ونتصور ونتخيل الغابة واشجارها،ولايقتصر بذلك على البطل انما لبقية الشخصيات رسم ملامحها ووصف حالتها النفسية كذلك،لغة بسيطة وسلسة مشوقة خالية من التكرار والاطالة،اسلوب السردي للقصة كان السرد في سيرة ذاتية ومذكرات تصل الى عمر الاربعين،زمن الرواية من خلال احاديث وحوار الشخصيات يظهر انها في زمن البساطة ،قبل التكنولوجيا الحديثة والعولمة، حيث ان القرية الالمانية تنتقل فيها الاخبار والاحاديث عن الافواه  وبلسان ابناء القرية الذين يعرف بعضهم بعضا.

جمع الكاتب بين الطفولة والكهولة هاتين المرحلتين المختلفتين بين شخصين، الذين جمعتهم الدروب وتقاطعت دروبهم، الخيال والرغبة والطموح والخوف والقلق والهروب والوحدة،بؤس الانسان وهربه من واقعه ،القارئ يقف في حيرة من هو البطل الاساسي في الرواية هل هو الطفل الراوي ام السيد زومر؟ومما كان السيد زومر هاربا او خائفا منه هو هو الماضي ام المرض ام الموت.؟ولما انهى حياته بتلك الطريقة ؟

 ( باتريك زوسكيند)المولود عام ١٩٤٩ في المانيافي منطقة جبال الالب،درس التاريخ في ميونخ والده كان مترجما وكاتبا ،صدرت للكاتب روايات عدة لها شأن كبير مثل الحمامة والعطر،عن الحب والموت،هوس العمق،والفطرة عام ١٩٨٥ حيث احتلت المركز الاول للمبيعات لخمس سنوات ثم تحولت فلم،

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.