الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : عظات القدس

   ربما تكون هبة القدس الأخيرة فتيل اشتعال لانتفاضة فلسطينية رابعة ، فباستثناء الانتفاضة الأولى التى بدأت فى نهايات 1987 ، وكانت شرارتها الأولى من مخيم “جباليا” بقطاع غزة ، وتوقفت مع عقد “اتفاق أوسلو” وإقامة السلطة الفلسطينية المقيدة ، بعدها تحولت القدس المحتلة إلى عاصمة الانتفاضات الفلسطينية اللاحقة ، بدأت منها شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى 28 سبتمبر 2000 ، ثم  شهدت ذروة حوادث الانتفاضة الفلسطينية الثالثة من أكتوبر 2015 إلى نوفمبر 2016 ، وقد عرفت فى سيرة الكفاح الفلسطينى المعاصر باسم “انتفاضة السكاكين” .

  وقد لا يكون مهما ترقيم الانتفاضات الفلسطينية ، وما إذا كنا بانتظار الانتفاضة الرابعة أو الثالثة بحسب الكتابات السيارة ، فلم يتوقف نضال الشعب الفلسطينى عبر مئة عام مضت ، وبالذات فى العقود الأربعة الأخيرة ، التى بدا فيها انصراف العرب ظاهرا عن قضيتهم المركزية ، وتخلت عنها الأنظمة ، ثم بدا الكثير منها فى حالات تطبيع وتحالف مفضوح مع كيان الاحتلال الإسرائيلى، ثم سرى التحلل فالانقسام فى بدن الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها ، وتداعت صراعات الفصائل وحواراتها ، التى لا تنتهى غالبا إلى شئ فارق ، وبالذات فى العقد ونصف العقد الأخير ، منذ صدامات “حماس” و”فتح” فى غزة ، لكن حيوية الشعب الفلسطينى صمدت فى الميدان ، وقاومت التدهور الرسمى وبؤس الأوضاع السياسية العامة ، وكانت انتفاضة 1987 تعبيرا مبكرا عن حيوية الإبداع الفلسطينى الشعبى ، والتحقت بها وقتها فصائل كبرى ، وشهدت الميلاد الأول لحركة “حماس” ، إضافة لدعم حركة “فتح” وفصائل منظمة التحرير ، وكان رمز “الحجارة” أيقونتها الذهبية الطاغية ، كانت الحجارة و”المقلاع” سلاحها العفوى الأعظم تأثيرا فى مواجهة جيش الاحتلال ، وتفجرت حوادثها بعد واقعة بدت عادية متكررة ، فقد دهست شاحنة إسرائيلية عمالا فلسطينيين عند معبر “إيريز” بين غزة والأراضى المحتلة منذ نكبة 1948، وعبر سنوات الانتفاضة الأولى المتوهجة ، قدم الشعب الفلسطينى ما يزيد على ألف شهيد ، فى حين جرى إنهاك الجيش الإسرائيلى المحتل ، وإيقاع 160 قتيلا فى صفوفه ، ثم خبت الجذوة مع سراب “أوسلو” ووعودها العبثية ، التى لم يتحقق شئ منها مع نهاية مدة الخمس سنوات المقررة على الوصول للحل النهائى الذى كان مفترضا ، فلم تقم الدولة الفلسطينية كما وعدوا عام 1999 ، وكان ذلك سببا مباشرا فى انفجار غضب الانتفاضة الثانية ، وبالذات بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، واقتحام آرئيل شارون وجنوده للمسجد الأقصى ، وكان الراحل ياسر عرفات لايزال وقتها على رأس عمله قائدا لحركة “فتح” ، فيما كانت حركة “حماس” فى ذروة عنفوانها ، وهو ماساعد على انتقال من انتفاضة الحجارة إلى انتفاضة الرصاص ، وعبر أربع سنوات سبقت اغتيال عرفات فى “المقاطعة” بالسم الإسرائيلى ، ودارت خلالها معارك ضارية ، كان أبرزها ما جرى فى اقتحام الجيش الإسرائيلى لمخيم “جنين” وغيرها ، وجرى تدمير 50 دبابة “ميركافا” إسرائيلية ، وإيقاع 1095 قتيلا إسرائيليا من الجيش وقطعان المستوطنين ، فى حين ارتقى 4412 شهيدا فلسطينيا ، وكان رحيل عرفات ختاما للانتفاضة ، التى تورطت السلطة الفلسطينية بعد عرفات فى إيقافها أوائل عام 2005 ، لكن الحيوية المتدفقة للشعب الفلسطينى ظلت تؤتى أكلها ، وخاب رهان إسرائيل على نسيان الأجيال اللاحقة ، وعلى توريط الجهات الفلسطينية المتنفذة فى التنسيق الأمنى ، ومطاردة خلايا الفدائيين وتفكيك المنظمات المسلحة ، وجاء المدد الجديد من شبان وشابات ، ومن إلهام الدفاع عن المسجد الأقصى ، الذى حاولت فيه إسرائيل اختبار صلابة الأجيال الفلسطينية الجديدة ، ممن يظهرون بقصات شعر غريبة ، ويرتدون أزياء أغرب ، ربما لا تكون لها صلة مباشرة برمزية المسجد الأقصى الدينية ، ودار الصدام عنيفا متصلا دفاعا عن القدس ومسجدها العتيق ، وإبتكارا لطرق جديدة فى مواجهة عنف المحتلين ، وتوالت حوادث طعن الجنود والمستوطنين الإسرائيليين ، وسرى الفزع فى نفوس الإسرائيليين جميعا ، وانهارت السياحة فى كيان الاحتلال ، وعبر عام كامل بدأ فى الأول من أكتوبر 2015 ، سقط فيه 35 قتيلا إسرائيليا ، فيما فاضت أرواح 245 شهيدا فلسطينيا ، كلهم ذهبوا فداء للقدس ، ولأرواح عائلة “الدوابشة” ، التى أحرقها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون وهى نائمة فى منزلها بإحدى قرى “نابلس” ، ولم تتوقف “انتفاضة السكاكين” إلا بخطايا التنسيق الأمنى مع جيش الاحتلال .

  وكان لافتا ، أن تكون “القدس” عنوان الانتفاضات الأبرز ، برغم إعلان إسرائيل قرارها ضم القدس كلها منذ أواسط 1980 ، وبرغم تأييد الكونجرس الأمريكى للقرار الإسرائيلى أواسط تسعينيات القرن العشرين ، وبرغم نقل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب لسفارة واشنطن إلى القدس ، وهو القرار الذى لم تتراجع عنه إدارة جوبايدن الأمريكية الحالية ، التى تتيح لإسرائيل مواصلة التوسع بالاستيطان فى الضفة والقدس ، ومضاعفة وتيرة “تهويد” القدس ، وحصار أهلها بمنعهم من البناء فى أغلب أحياء إقامتهم ، وبإقامة أطواق من المستوطنات اليهودية شرقى القدس ، وشق طرق عازلة ، ومضاعفة الحفريات المهددة لأساسات المسجد الأقصى ، وقلب التوازن السكانى لصالح اليهود المستعمرين فى المدينة المحتلة ، التى ظلت صامدة بمئات الآلاف من سكانها العرب الفلسطينيين ، وبتزايد حيوية أجيالهم الشابة ، التى والت صمودها وبسالتها فى مواجهة جيش الاحتلال وشرطته ، وهمجية حركة “لاهافا” ـ اللهب ـ اليمينية الإسرائيلية المدعومة من حكومة بنيامين نتنياهو، وفشل كل هؤلاء فى حرب شوارع عنيفة فى حى “باب العامود” وغيره على مدى أسبوعين كاملين ، أصيب فيها المئات من الشبان الفلسطينيين ، وجرى اعتقال العشرات ، ومن دون أن تلين عزيمة المقدسيين ، لا فى حى “باب العامود” ، ولا فى “الشيخ جراح” ، ولا فى “التلة” “الفرنسية” ، ولا عند مداخل المسجد الأقصى كلها ، وإلى أن انتصرت إرادتهم ، واضطر جيش الاحتلال إلى إزالة حواجزه ، وتدفق عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى ، يؤكدون عروبة القدس بإسلاميتها ومسيحيتها ، ويطلقون نداءات تحرير جمعت حولها الفلسطينيين من مدن الضفة إلى عرب الداخل إلى غزة ، التى تدافعت رشقات صواريخها الهازئة بقبة إسرائيل الحديدية ، وكأن الشعب الفلسطينى وجدها فرصة ليقول كلمته ، التى لايصح أن تعلوها كلمة أخرى ، فالشعب الذى أدار ثلاث انتفاضات ومثلها فى حروب غزة ، وقدم ما يزيد على عشرة آلاف شهيد فى العقود الثلاثة الأخيرة وحدها ، إضافة لعشرات الآلاف من الجرحى ، مثل هذا الشعب لا يقبل الوصاية من أحد ، لا من عرب التطبيع والخذلان ، ولا حتى ممن يفرضون أنفسهم عليه كزعماء وقادة فصائل ، بانتخابات أو بغير انتخابات ، لا تقدم جديدا يذكر ، سوى ادعاء الرهان على تسوية ، أو العودة لمفاوضات بليدة ، لن تنتصر أبدا للحق الفلسطينى ، ولا حتى فى حدوده الدنيا ، فالذى أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها ، وهو درس تعرفه كل الشعوب الحية ، التى لم تحفل أبدا باختلال موازين السلاح لصالح المحتلين ، فأى احتلال ، ومهما كانت طبيعته وسلطانه ، يجلو وينتهى فى لحظة فارقة ، تأتى عندما تصبح تكاليف بقاء الاحتلال أعلى من فوائده المحققة ، ودور أى شعب تحت الاحتلال ، أن يضاعف التكلفة على المحتلين ، أن يضاعف تكلفة الدم وتكلفة الأمن ، وأن يستنزف وينهك قوة العدو ، وهذا هو الطريق الوحيد لتعديل موازين القوى الشاملة ، ولدى الشعب الفلسطينى طاقات لا تنفد ، وكثافة بشرية هائلة على الأرض المقدسة ، تناهز وتفوق الموارد البشرية لكيان الاحتلال ، إضافة لمقدرة أسطورية على احتمال التضحيات ، لا يملكها كيان العدوان ، الذى يرتعب من صاروخ شارد  قرب “ديمونة” ، ومن نصل سكين فى طية ملابس شاب أو شابة فلسطينية ، فما بالك بسيول الحجارة أو برشقات الرصاص والعمليات الاستشهادية ، وبانتفاضة الناس التى تصنع المستحيل ، وقد نجحت الانتفاضة الثانية فى إجبار الاحتلال على الجلاء عن “غزة” ، وتفكيك المستوطنات اليهودية السبع التى كانت فيها ، وما من سبيل لتحرير لاحق ، سوى بالإنصات لكلمة القدس ومسجدها الأقصى ، فهى وحدها الكفيلة برد الاعتبار للحق الفلسطينى ، وبناء تصور شامل لمعنى المقاومة الشعبية ، يدمج التظاهر والاعتصام برمى الحجارة بجرأة اقتحام الرصاص ، وتتنوع فيه الأدوار ، ويؤدى فيه كل طرف ما يستطيع ، ومن دون العودة مجددا إلى أوهام “أوسلو” ومتاهاتها ، التى لم تخدم أحدا سوى الاحتلال وجيشه وقطعان المستوطنين ، ووفرت سنوات ممتدة من الهدوء لكيان الاغتصاب ، ضاعف فيها مستوطناته وحركته “التهويدية” ، وزادت من اتساع خروق التطبيع (العربى!) الرسمى مع كيان الاحتلال ، وسحبت من رصيد حماس الشارع العربى والضمير العالمى لأولوية ونصاعة الحق الفلسطينى ، بينما نداء القدس وعظاتها وانتفاضاتها ، هى وحدها التى ترد الروح ، وتعيد النجوم التائهة إلى مداراتها الأصلية .

Kandel2002@hotmail.com

صدور رواية (أَعْشَقُنِي) باللّغة بالفرنسيّة للروائية الدكتورة سناء الشعلان

    دار لارماتون/ فرنسا: صدرتْ رواية (أَعْشَقُنِي) للأديبة الأردنيّة سناء الشّعلان باللّغة الفرنسيّة عن دار لارماتون الفرنسيّة الشّهيرة للنّشر والتّوزيع (L’Harmattan)، تحت عنوان (Je m’adore) في 262 صفحة من القطع الرّوائيّ، وقد قام بترجمتها إلى الفرنسيّة الأديب والمترجم والباحث المغربيّ محمد الطّاهريّ.

   وقد تمّ إشهار الرّواية بشكل الكترونيّ للرّواية على الموقع الرّسميّ للدّار، وسيكون هناك حفل إشهار رسميّ لها في باريس في القريب بحضور الرّوائيّة سناء الشّعلان والمترجم محمد الطّاهريّ.

  وتأتي هذه التّرجمة الفرنسيّة للرّواية بعد أنْ صدرت في أربع طبعات  متتالية باللّغة بالعربيّة، كما حصدتْ عدداً من الجوائز والتّكريمات، فضلاً عن كتابة عدد كبير من الدّراسات والأبحاث عنها، وعشرات الرّسائل والأطروحات عنها في جامعات عربيّة وعالميّة.

   وعلقّ المترجم محمد الطّاهريّ على صدور ترجمته للرّواية باللّغة الفرنسيّة بقوله: “عندما شرعتُ في قراءة رواية (أَعْشَقُنِي) لأوّل مرّة في عام 2012 وجدتني على خلاف ما قرأتُ، وما أكثر ما قرأتُ سواء بلغتنا العربيّة الأمّ الرّائعة أم بالفرنسيّة؛ وجدتني في حضرة إبداع لم يسبقْ لحواسي أن تفاعلتْ مع إبداع أدبيّ آخر غيره بنفس تلك اللّهفة والإعجاب والاستمتاع. ولعلّ جرأة المؤلّفة سناء التي ما بعدها جرأة أو تجرّؤ في التّعاطي مع الثّيمات كما في التّعبير بكلّ ما أوتيت الرّوح من قوّة شبقيّة وعنف واشتهاء، هي ما جعل هذا الإبداع الأدبيّ يسكن دواخلي، ويملؤها حبّاً ومتعة لدرجة أنّني أدركتُ أنّني لن أبرأ منه إلاّ بإعادة كتابته بلغة أخرى، بعد إذن كليوبترا/ سناء عصرها طبعاً. وهكذا نزعت رواية (أَعْشَقُنِي) ثوبها العربيّ كي تتلحّف بعد جهد مضنٍ بثوب فرنسيّ أصيل يليق بمحتواها وبروح أمّها/ سناء الحالمة دونما انقطاع. أمّا شعوري تجاه هذا الحدث السّعيد الذي يأتي في هذه الأوقات المباركة من شهر رمضان، فأقلّ ما يمكن قوله هو أنّني أحسستُ كما لو أنّني قد خُلقتُ من جديد”.

  في حين عبّرت الشّعلان عن سعادتها بهذه التّرجمة الفرنسيّة التي تعدّها بوابة لها على المشهد الإبداعيّ الفرنسيّ وعلى ذائقيّة المتحدّث بالفرنسيّة، كما شكرتْ دار لارماتون (L’Harmattan) الفرنسيّة الشّهيرة التي أخذت على عتاقها أن تقدّم إبداعها الرّوائيّ للمتلقّي المتحدّث بالفرنسيّة، كما عبّرتْ عن شكرها وتقديرها للمترجم محمد الطّاهريّ الذي بذل جهوداً جبّارة ومخلصة في هذه التّرجمة في شراكة انسجاميّة مذهلة معها استمرّتْ لسنوات كابد فيها لأجل نقل هذه الرّواية إلى الفرنسيّة في حلّة أنيقة لا تنقص منها شيئاً، أو تسقط من جماليّاتها البنائيّة أو الجماليّة أو الفكريّة، بعد الكثير من العصف الذّهنيّ المشترك بينهما حول الرّواية وأفكارها وعوالمها لنقلها إلى اللّغة الفرنسيّة بكامل محمولاتها الشّكليّة والمضمونيّة، واصفاً هذه الشّراكة الإبداعيّة بالأمومة والأبوّة الشّرعيّة لرواية (أَعْشَقُنِي).

 رواية (أَعْشَقُنِي) تقع في 8 فصول، وهي رواية جدليّة من حيث الشّكل البنائيّ السّرديّ ومن حيث الموضوع؛ فهي رواية من رواية الخيال العلميّ في سرديّة رومانسيّة، وهي تقدّم مساحات النّفس الإنسانيّة بما فيها من معضلات فكريّة ونفسيّة وجسديّة عبر منظور زمني عامودي يخترق أكثر من ألفي عام من تاريخ الحضارة الإنسانية، حتى النفاذ إلى ألف عام أخرى مستقبليّة مفترضة حيث عام 3000 ميلادي عبر توليفة استشرافيّة فنتازية لما قد يكون عليه مستقبل البشريّة في ضوء معطياتها الحاضرة،وانطلاقاً من أزماتها الرّاهنة في إزاء خيال علميّ يعد بالكثير من التّقدّم على المستوى التّقنيّ، في حين يظلّ عاجزاً عن الارتقاء بإنسانيّة الإنسان، وقاصراً عن السّمو بقلبه وعقله، ليظلّ هو الآخر حبيس أزمات الإنسان ومعضلاته وأفكاره وأسئلته الكبرى.

  هذه الرّواية تهجر التّخوم لتدخل إلى عوالم الأسئلة الكبرى عند الإنسان، مثل: الموت والحياة والسّعادة والخلق والقوة والعلم والجنس والعشق والدّين والرّب والسّلطة والثّورة والنّصر والهزيمة والفرد والجماعة، وتحاول أن تقدّم تجربة عشقيّة هاربة من عالم الماديّ التقني المفترض في المستقبل في ضوء الخيال العلميّ، لتقدّم تجربة طوبائيّة للعشق والجنس والخلود والامتداد البشريّ.

الدكتور عادل عامر يكتب عن : الأخلاق الطبية في الإسلام

لا شك أن جميع الأمم والأديان قد اهتمت بالأخلاق اهتماما بالغا منذ فجر الحضارات الأولى. وكان للطب وأخلاقيات المهنة نصيب وافر لدى الحضارة السومرية والبابلية والآشورية واشتهر قانون حمورابي وكان موضوع ضمان الطبيب والعقوبات عليه تشكل : المواد من 218 إلى 222 ، وظهر في الحضارة المصرية القديمة تعليمات الطبيب امحوتب( إله الطب) ،  وذلك منذ 4800 سنة من عصرنا الحالي . 

      واشتهرت اليونان بالطب منذ عهد اسقليبوس الطبيب الذي جعلوه أيضا  إلها للطب ثم ظهر أبقراط ( القرن الخامس قبل الميلاد ) ، وتحول الطب على يديه الى علم يدرس ، وهو صاحب القسم المعروف بقسم أبقراط (Hippocrates) ، وقد استمر هذا القسم منذ ذلك العهد واستخدمه المسلمون بعد تعديله  . 

وكان لابد لمن يريد ممارسة الطب أن يقسم هذا القسم عند تخرجه من كلية الطب . ثم بدأت بعض الجامعات وكليات الطب في التخلي عن هذا القسم في الثلث الاخير من القرن العشرين . 

وعندما ظهر الاسلام قبل أربعة عشر قرنا كانت تعاليم الاسلام كلها تركز على الأخلاق 

قال تعالى :    (( وإنك لعلى خلق عظيم ))          سورة القلم:4 

         وقال صلى الله عليه و سلم : 

            ” إنما بعـثـت لأتـمـم مـكـارم الأخـلاق“ 

            ” إنمــا الأعـمــال بالـنـيـات، وإنمـا لكل امـرئ ما نوى ”        أخرجه  البخاري. 

وقال صلى الله عليه وسلم: ” من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن ” أخرجه أبو داود . 

وقال  صلى الله عليه وسلم:“ المؤمن القوي خير  وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل الخير“.  

يقول العز بن عبدالسلام في كتابه قواعد الأحكام :“ الطب كالشرع وضع لجلب مصالح السلامة والعافية ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام“. 

ومنذ فترة مبكرة قرر فقهاء الاسلام ان الشخص لا يمكن ان يمارس الطب الا اذا كان قد درس الطب على يد الأطباء المعترف بهم رسميا وسمحوا له بذلك ، ووضعوا نظام الحسبة ( مراقبة الأطباء وغيرهم ) وذكر الفقيه المالكي عبد الملك بن حبيب الاندلسي(ت 236هـ) في كتابه الطب النبوي أن على الطبيب أولا أن يأخذ إذن الطبيب المحتسب ثم يأخذ اذن العليل (Patient) أو وليه إذا كان قاصرا أو فاقد الأهلية . وإذا مارس الطب بدون هذين الشرطين كان ضامنا  وتقع عليه عقوبة اضافية يقررها القاضي . 

وكانت المبادئ البقراطية المشهورة في قسم ابقراط توجه الأطباء في سلوكهم معتمدة على: 

مبدأ الإحسان ( عمل الخير ) Beneficence 

مبدأ عدم الضرر                            maleficence Non 

ومبدأ حفظ حرمة المريض وسره          Confidentiality 

وكان الطبيب في المبادئ البقراطية يتصرف بما يراه مناسباً للزمان والمكان، وشخصية المريض الذي يعالجه، ولم يكن يُعطي اعتبارا كبيراً لرغبات المريض العاقل البالغ، بل كان هو يتولى ما يراه الأصلح وهو ما يعرف اليوم بالأبوية           Paternalism . 

ولكننا نرى منذ فترة مبكرة اتجاها مغايرا لدى فقهاء المسلمين حيث أوجبوا على الطبيب أن يحصل على إذن بممارسة مهنة الطب من المحتسب، ثم لابد له من إذن المريض أو وليه. 

وقال الأمام النووي في روضة الطالبين : ( ولو قطع السلعه أو العضو المتأكل من الشخص المستقل بغير أذنه فمات ، لزمه القصاص لأنه متعدي) . 

و لا نرى هذا الاهتمام بإذن المريض إلا في العصور الحديثة وبالذات من بداية السبعينات من القرن العشرين حيث ظهر مفهوم الإذن المتبصر الواعي Informed Consent ولم يعد يكفي إذن المريض أو وليه إذا لم يكن المريض قد فهم نوعية الإجراء الطبي أو الجراحي أو أي نوع من أنواع الفحوصات Invasive Procedures 

     اهتم الطب الحديث بمفهوم استقلالية المريض Autonomy اهتماما بالغاً، ويندرج تحت مفهوم استقلالية المريض Autonomy قدرته على اتخاذ القرار بقبول العلاج أو رفضه المبني على المعلومات الصحيحة والواضحة من الفريق الصحي، المقدم لهذه الخدمة الصحية . 

وركزت أخلاقيات مهنة الطب على جانبين أساسين في أخلاقيات المهنة وهما: 

الفلسفة النفعيةUtilitarianism (جيرمي بينثام  و جون ستيوارت ميل) ويمكن تلخيصها في المفهوم الفقهي الإسلامي “المصلحة” ، ولكن المصلحة في المفهوم الإسلامي محدّدة بمفهوم الشرع، وهي المصلحة المعتبرة شرعا، وكل مصلحة لفرد أو جماعة تناقض الشرع أو مصالح الأمة أو تضر بالآخرين فهي مصلحة مهدرة. 

فلسفة تأدية الواجب (عمانويل كانت) 

ويندرج تحت مبدأ احترام شخصية المريض مبدأ استقلالية المريض Autonomy  والإذن المتبصر الواعي Informed Consent  ومبدأ الإخلاص والأمانة Fidelity ومبدأ الصدق Veracity ومبدأ المحافظة على سر المريض Confidentiality. 

ولم يكن الطبيب في المبادئ البقراطية يلتفت إلى المجتمع بأي حال من الأحوال، وهي المبادئ التي استمرت حتى بداية أو منتصف القرن العشرين. 

وباتساع دور الطبيب والخدمات الصحية كان من الواضح أن هناك قصوراً في المبادئ البقراطية في جانب المجتمع وعدالة توزيع الخدمة الصحية. 

وقد أهتم المسلمون منذ العصر العباسي في عهد الخليفة المقتدر( القرن العاشر الميلادي ) بإرسال الأطباء والأدوية إلى الأرياف والنجوع والقرى البعيدة كما اهتموا بمداواة المسجونين والأسرى، اهتماما بالغاً. 

وشهد النصف الثاني من القرن العشرين تطورات سريعة ومتلاحقة في المفاهيم الطبية. وطالت هذه التغييرات المتسارعة المهنة الطبية. 

أصبح يطلق على المريض اسم العميل Client وعلى الطبيب اسم مقدم الخدمة الصحية Health Provider. واستطاعت أفكار السوق والعمل التجاري (Business (Consumerism، أن تغزو المهن الصحية على نطاق واسع. وكان للولايات المتحدة الدور الريادي في هذا التحول ، وازداد شراسة بدخول عصر العولمة. 

وتمكنت الشركات الضخمة في المجال الصحي وصناعة الأدوية أن تسيطر على النظام الصحي في الدول المتقدمة ، وبالتبعية دخلت جميع الدول الأخرى تحت عباءتها وتأثيراتها. 

واستطاعت  الولايات المتحدة بإيجاد نظام السوق والعمل التجاري في المهن الطبية أن تطور هذه الخدمات من ناحية ، ولكنها من ناحية أخرى جعلت أكثر من أربعين مليون مواطن أمريكي بدون أي تأمين صحي على الإطلاق. واستطاعت كوبا رغم الحصار والمحاربة أن يكون مستواها الصحي أفضل بكثير من مستوى أربعين مليون أمريكي بدون تأمين صحي. 

     ولا توجد عدالة في النظام العالمي الجديد حيث يذكر ان دخل أغنى 100 شخص أكثر من دخل 3 ألاف مليون من البشر، أغلبهم في العالم الثالث . وقصة افريقيا وامراضها المرعبة وخاصة الايدز والايبولا دليل على انعدام العدالة في توزيع الثروات والخدمات الصحية في عالم اليوم . وهو ما ينذر بكوارث متتابعة لن ينجوا منها أحد الا إذا غيرنا هذا النظام العالمي الى نظام أكثر عدالة وإنسانية . 

    و مع التطور الطبي التكنلوجي الهائل ظهرت مواضيع جديدة في تقنية الانجاب مثل مشاريع أطفال الانابيب واختيار جنس الجنين والفحص قبل الانغراز PGD والتدخل في الامراض الوراثية الجينية ، وآخرها زرع ميتكوندريا من امرأة متبرعة في بويضة امرأة اخرى تحمل في طياتها مرضا وراثيا عبر الميتوكوندريا .  

وبذلك يكون للجنين أبا وأمان ( الأم الأصلية والام التي ساهمت بجزء ضئيل من الجينات الموجودة في الميتوكوندريا ) وقد أقر البرلمان البريطاني هذا الاجراء لانقاذ الطفل . وهو موضوع لم يبحث بعد لدى المجامع الفقهية الاسلامية . 

     وهناك مئات القرارات الفقهية حول الامراض الجينية والخلايا الجذعية وزرع الاعضاء بما فيها الاعضاء التناسلية وعمليات الجراحة التجميلية Cosmetic Surgery وعمليات تغيير الجنس ، وموضوع منع الحمل والإجهاض وموضوع موت الدماغ وحالات الإنعاش الرئوي القلبي DNR ومتى يتوقف العلاج إلى غير ذلك من القضايا التي سيساهم الفقه الإسلامي  هذا في القاء الضوء الكاشف على ما جدّ منها . 

*كاتب المقال

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : قبل السحور..!؟

 عن سد إثيوبيا اقول

البعض يتساءل هل ستترك مصر إثيوبيا تكمل السد  ؟!

وبصراحة الإجابة  :  لا

 وهل مصر تأخرت ؟

الإجابة  :  لا

 فمصرمنذ فجر التاريخ الاستعماري تدرك مخطط الاشرار فى منع المياه عنا لاضعافنا. .

ولهذا فنحن نواجه هذا العمل مبكرا

ويقينى ان طول المفاوضات وعبثية  اثيوبيا ومن ورائها مرصود …!؟

ومن ثم فان الرد أيضا مخطط له

ولكن متى وكيف ؟!

 قطعا لايستطيع احد ان يعرف باعتبار ان المعركة باختصار من نوع ( حروب الجيل الرابع )

وتكتيكات هذه الحروب مختلفة وتحتاج أدوات أيضا مختلفة

فقط علينا ان نطمئن ونثق فى قائدنا ورجالنا العظماء الذين يديرون هذا الملف

وأن نقف خلفهم

لاسيما وان القائد قال :

(لايستطيع أحد ان ينقص نقطة مياه من حصة مصر)

 (وأن نهر النيل خط احمر)

 والبعض يعتقد أننا تأخرنا فى الرد …

ابدا لم نتاخر

فكل السنوات الفائتة هى تحضير لنقطة فاصلة ما باعتبار حسن النية وسوء النية  ،

ومصر حينما تنادى بإصرار على استمرار المفاوضات فذاك باعتباره حل أرباب حسنى النية الذين يبغون التنمية للجميع

أما إذا كان السد دون ذلك

فحتما الحل طبيعى باعتبار الضرر الحال ..!؟

لهذا فلنطمئن

فقط علينا ان نعى المخطط

ونتجهز لكل الاحتمالات …!؟

خطب ألمَّ به ..بقلم : زيد الطهراوي

ما زال خيط الوفا و الود معقودا

و نبعك العذب – يا أفديك- مورودا

و أنت موطن أجدادي و قد عبرت

منك الجيوش و كان النصر مشهودا

و سوف يهديك شعب الصبر مهجته

و الجسر يبقى إلى الأمجاد ممدودا

خطب ألم به من كل ناحية

و كان من قبلها بالعزم مشدودا

فثار كل نزيه كي يواسيه

و ينثر الحب و الأشذاء و الجودا