قصة قصيرة بعنوان :رمز التضحية..بقلم: محمد علي ابراهيم الجبير

حامد بائع الخبز متزوج من جليلة الطيبة الذكية،انجبت ثلاثة اولاد

اكبرهم زكي عمره عشرة سنين ، واوسطهم مالك وعمره ثمانية سنوات  واصغرهم سعيدعمره سبعة سنوات ،

يقوم حامد ببيع الخبزالذي تخبزه جليلة في السوق ،ويعود الى البيت

متهالك من التعب ، كونه مريض ولايتحمل الوقوف او القعود مدة طويلة ، دائماً يشعر بالكسل ورغبة في النوم،ولكنه لايستطيع البقاء في البيت لاعتماد معيشتهم على بيع الخبز وعلى عمله البسيط ببيع الاحجار المتنوعة التي تستعمل للمحابس اليدوية ..

تستقبله جليلة بوجههاالضاحك وكلامها الذي يشبه الشهد في حلاوته ووجهها الضاحك اللذان يذهبا بكل اتعابه ويشعربالنشوة والقوة وهي تواسيه وتشجعه ، وتهون عليه المشقة والتعب ودائما تقول له  بانك لازالت شابا قوياًوهويصدق كلامها بالرغم من شعوره بالوهن

 والمرض !

زكي  يلاحظ ضعف والده والوهن البادي عليه ، يسأل والدته عن والده ، تطمئنه وتؤكد له انه بخير !

تفاقم المرض على حامد واقعده الفراش ، ولم يستطيع الحراك وبعد مدة قصيرة انتقل الى رحمة الله  تاركاً جليلة مع اولادهاالثلاثة

 تولت جليلة مسؤولية معيشة الاولاد ولم تعتمد على احد من اقرباء زوجها او اقربائها الذين لم يسألوا عنها أو عن أولادها  وخصوصاً ايام مرض زوجها !

واستمرت في العمل تخبز وتبيع الخبز داخل البيت ، ويقوم زكي

بعمل والده البسيط بيع الاحجارالخاصة بالمحابس ،وسارت امورهم كالسابق،

جليلة كانت ذات جمال وبهاء ، وعقل راجح وشخصية قوية، نفسها  ابيّة سلوكها متزن ، متكلمه تكسب الناس بلسانها الحلو الذي يبعث الامل في الحياة والطمأنية لكل من يتكلم معها..

جاءها في احد الايام  شاب وسيم ، لشراء الخبز، وبمجرد رؤيتها لاول مرة وسمع كلامها الطيب ،واسلوبها في التعامل ؛ سلبت لبه وأخذ يتردد عليها لشراء الخبز يومياَ وهي غير ملتفته عليه ،

ان كلامها الحلو ، واسلوبها الطيب ليس معه فقط وانما مع الكل ..

لاحظت بذكائها تردد الشاب على شراء الخبزيومياً؛ كان شاباً وسيماً جميلاً يصغرها بعشرة سنوات ، يبدوا عليه الخير وان احواله المادية جيدة جداً، عرفت ذلك من مظهره الخارجي وسيارته الفارهة ..

استوضحت منه عن سبب مجيئه يومياً ! اجابها بصراحة رغبته الزواج منها ،وعرفها عن نفسه بانه موظف حكومي راتبه جيد جداً ورث عن ابيه ثروة واسعة بضمنها بيت واسع الذي يسكن فيه وسيكون البيت ملكاً لها في حالة موافقتها،حقيقة انها فرصة العمر الذي لم تتكرر أبدا ؟ الا انها فكرت في الامر وفضلت رعاية اولادها والمحافظة عليهم والتضحية بكل شيء من أجلهم ،اعتذرت منه بلباقتها المعروفة عنها وبكلامها الطيب ، ولم تحرجه ، وافهمته بانها مسؤولة عن اطفالها الثلاثة الصغار ورعايتهم وانها اوقفت حياتها لهم وهم بحاجة ماسة لها ولايوجد من يرعاهم  غيرها، ولايمكن لها ان تتزوج منه او من غيره ، لأنها المسؤولة الوحيدة عنهم ، تفهم الشاب المتقدم لها ظروفها وكبرت في عينيه اكثر واكثر وانسحب من الموضوع تاركاً جليلة في همومها ، وثقل مسؤوليتها  لتدبروحدها تربية اولادها  وتلبي احتياجاتهم وطلباتهم التي زادت عليها ،الامر الذي دفعها للعمل في البيوت تغسل الملابس واحيانا تبيع الباقلاء ، لتوفر المال الكافي لتحقيق احلامها والوصول الى هدفها والسعي لمساندة اولادها لاكمال دراستهم وحصولهم على اعلى الشهادات ورفع شأنهم بالحصول على المراكز المرموقة في المجتمع ليكونوا فخرا لها ..

كبر اولادها مالك وسعيد الذين امرتهم والدتهم ان يخصصوا كل وقتهم  للدراسة ،اما زكي الذي يؤلمه معاناة والدته ، اتجه الى السوق ، يعمل بعد اوقات الدوام  باعمال بسيطة  من اجل مساعد والدته بمصروف البيت، وكم مرة عرض على والدته ترك العمل ،باعتباره الاخ الاكبر لأخوته ،وعليه أن يتولى القيام بالعمل من أجل معيشة العائلة ،  وامه ترفض بشدة وتؤكد عليه بان ما يقوم به من اعمال بعد الدوام الرسمي ومساعدته لها يكفي ، ولاتريد منه سوى الاهتمام بدراسته ، ولولا اصرار زكي  على العمل ،الذي جعلها توافق مضطرة على السماح  له بالعمل، ورغبتها الحقيقية ان يتفرغ زكي للدراسة كأخوته ،ولايهتم بغير الدراسة لكنه  اصر على الاستمرار بالعمل،  حتى اكمل  اخوته دراستهم وحصلوا على شهادة  الاعدادية ..

قدما طلبا للوظيفة وتم تعينهما  بموجب شهادة الاعدادية وكانت والدتهم ترغب باكمال الدراسات العليا الا انهم رفضوا الاستمرار في الدراسة واكتفوا بالاعدادية .لغرض الاشتغال في الوظائف لرفع التعب والمشقة عن والدتهم التي اضناها عمل الخبز

وبيعه في البيت  ، والخدمة في البيوت و بيع الباقلاء في الشارع

وبعد تعينهم واستلام أول راتب ، تركت جليلة اعمالها، وتفرغت لاعمال البيت ، وتحسنت احوالهم في السنة الاولى والثانية ..

تعرف مالك على فتاة جميلة جداً ومن عائلة طيبة ، تقدم لخطبتها وحدد يوماً للزواج ، وكم كانت فرحة جليلة بهذا الزواج الذي يعتبر اول ثمرة لجهودها ولكفاحها ؛

وبعد اربعة أ شهرمن زواج مالك  طلبت زوجته  ان يجد لها بيتاً مستقلا عن العائلة  ، فوجيء مالك لطلبها ، ولم يعرف السبب ؛؛

وبعد أن طلب منها بيان  السبب اجابته بان أمنية كل فتاة تتزوج ان يكون لها بيت مستقل لها ؛ وهذه امنيتها وعليه ان يحققها؛؛

مالك متعلق بزوجته وعشقها حد الجنون بحيث لايستطيع ان يرد لها اي طلب تطلبه ، حتى لوكان الابتعاد عن امه التي ضحت من اجله ومن اجل اخوته ،

جليلة والدته بما تملكه من حكمة ومن حبها للاولادها، فانها لم تعارض الفكرة ، بل بالعكس ايدت ولدها مالك على ماتريد زوجته، المهم عندها سعادته ؛ وهي تعرف ان ابنها مالك لايرد طلبالزوجته  واصبح كالأسير عندها ،و ينفذ ما تريد !

و أمه في الحقيقة غير راضية عن سكن ولدها بعيداً عنها ،وكان بودها ان يبقى معها، ليكون عوناً لاخوته على امور  الدنيا..

وبعد سنة تعرف سعيد ولدها الثاني على فتاة جميلة جداً سلبت لبه هو الاخر وكان شرطها  الاول من البداية ان يكون زواجهما في بيت مستقل لهما ؛

ولرجاحة عقل جليلة فانها وافقت على زواج سعيد في بيت مستقل

وإن الذي يهمها سعادتهم ؛؛

 ومن اجل الحفاظ على العلاقة بين الاخوة  ، اعلمت ولدها الكبير زكي بانها راضية عن اولادها وسعيدة  لسعادتهم ، ولم تذكرهم بسوء ،

استمر زكي في الدراسة معتمدا على مايكسبه من عمله خارج اوقات الدوام ، واخوته يساعدون الوالدة على مصروف البيت الى ان تخرج زكي من الكلية ، وتعين براتب محترم في وظيفة ممتازة

واخذ يصرف على الوالدة وعلى احتياجات البيت ، وهو غير راضي على تصرف اخوته ، لتركهم الوالدة التي ضحت بشبابها من اجلهم ، وهي التي رفضت طلبات كل المتقدمين اليها لغرض الزواج منها،  كل ذلك من اجلهم ومن اجل تربيتهم ..

ووالدته تقول له دائما بان تصرفهم عادي ويحصل لكل الشباب وهي راضية عنهم .

وبعد سنة من تعينه في الوظيفة طلبت منه والدته ان يتزوج لترى اولاده كما تزوجوا اخوته واصبح لهم بيوت واولاد .

في اول الأمر رفض فكرة الزواج ، لكنه تراجع وقال لها : ان الزواج لابد منه  لكنني اذا تزوجت فانني لن افارقك يا أمي لاي سبب كان ؟ وسترين ذلك …

تزوج من فتاة جميلة ومن عائلة محترمة ، ومعروفة بالسمعة الطيبة ..

رزق منها طفلين( ولد وبنت) ، وهم في سعادة تامة وانسجام مع والدته لايشعر بشيء .

في احد الايام طلبت زوجته منه ان يستقل بدار لوحدها معه اسوة باخوته ،انزعج زكي لطلبها وكأن افعى لدغته ، ونهرها ورفض طلبها واعلمها بانه لايترك والدته التي ربته ابداً والتي عا ملتها بكل مودة واحترام ، ولم تختلف معها يوماًعلى اي شيء ، ومع ذلك فان زوجته  اصرت على طلبها ؛

قال لها كيف اترك الوالدة الحنونه المكافحة التي ربيتنا  وضحت بكل شيء في سبيلنا واشتغلت خادمة  في البيوت وبيع الباقلاء ورفضت خيرة الشباب الذين تقدموا لزواجها و كل هذه التضحيات التي ضحتها من أجلنا و تريدين مني تركها ! لا والف لاحتى ولوأدى ذلك الى طلاقك ، وعندما اصرت على طلب السكن  بعيدا عن والدته! قام بتطليقها رغم حبه لها الذي ارادت استغلاله ، ودفع لها كل حقوقها ، واخذ منها الاولاد وذهبت الى حال سبيلها..

تزوج زوجة اخرى ورزق منها ولدين واصبح لديه اربعة اطفال وفي احد الايام طلبت ان تسكن في بيت لوحدها فقال لها هيهات وبعد محاولات عديدة باقناعها بان ذلك من المستحيلات واذا تصرين على ذلك فالطلاق هو الحل ولاعندي غيره ؟ كما طلقت الزوجة السابقة، وعندما رفضت طلقها ودفع لها كل حقوقها وأخذ اولاده منها ، وذهبت الى حال سبيلها ..

واخيراًوبعد فترة من الزمن تعرف على فتاة من عائلة معروفة في الاصالة ومخافة الله وافقت على الزواج منه بعد أن اطلعت على ظروفه بوجود ثلاثة اولاد وبنت اضافة الى والدته ، كما عرفت ان زكي لايمكن ان يترك والدته لوحدها ويسكن في بيت مستقل عنها وقامت زوجته الاخيرة الاصيلة بتربية اولاده الاربعة ورعاية والدته وولدت له البنين والبنات وعاشوا في البيت ترفرف عليهم السعادة والافراح وكل هذا  بفضل بر زكي لوالدته  التي ضحت بشبابها من أجلهم  .. 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.