عادل وليم يكتب عن : العملاق ابن الذوات الفنان زكى رستم

ولد العملاق / زكي رستم عام ١٩٠٣  في قصر جده اللواء محمود رستم باشا بحي الحلمية الذي كانت تقطنه الطبقة الأرستقراطية في أوائل القرن الماضي،

كان والده محرم بك رستم عضواً بارزاً بالحزب الوطني، وصديقاً شخصياً للزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد. في عام 1920 نال شهادة البكالوريا

 ورفض زكي رستم استكمال تعليمه الجامعي، وكانت أمنية والده أن يلحقه بكلية الحقوق، إلا أنه اختار هواية فن التمثيل. في عام 1924

كانت رياضة حمل الأثقال هوايته المفضلة، وفاز بلقب بطل مصر الثاني في حمل الأثقال للوزن الثقيل.

عشق زكى رستم التمثيل منذ الصغر، وكان يخرج مع مربيته لمشاهدة الموالد وعروض الأراجوز،

وعندما كان طالباً كان يذهب مع أسرته لمشاهدة العروض المسرحية التي تقدمها فرقة جورج أبيض

وفي أحد المرات شاهد ( جورج أبيض ) وهو يؤدي شخصية أوديب في مسرحية أوديب ملكاً، فعاد لمنزله وحاول استرجاع طريقة تمثيله، ولم يكتف بذلك فقط، إذ كان يجمع أصدقائه وأقاربه تمثيل الروايات معه في بدروم القصر، ولم يكن التمثيل هوايته الوحيدة

إذ كان يهوى رفع الأثقال، وحصل على بطولة هذه اللعبة عام 1923، وفي العام التالي حصل على شهادة البكالوريا

 بعد حصوله على البكالوريا

، كان من المفترض أن يستكمل دراسته لكلية الحقوق، طبقا للتقليد السائد فى العائلات الارستقراطية الذي يلزم أبنائها باستكمال دراستهم الجامعية، ولكن المفاجأة أنه رفض دراسة الحقوق، وأخبر والدته برغبته في أن يكون ممثلا

هنا ثارت الأم بشدة، وخيرته بين الفن والحياه معها، فاختار الفن وترك المنزل،

فأصيبت الأم بالشلل حزناً على عمل ابنها بالتمثيل.

 كانت بداية زكي رستم في التمثيل من خلال (سليمان نجيب )

والذي كان والده صديقا لوالد زكي رستم، فقدمه ل عبد الوارث عسرالذي نجح في ترتيب لقاء مع جورج أبيض، وعندما رآه طلب منه أداء مشهد تمثيلي، وبعد نجاحه في أداء هذا المشهد بتفوق واضح،

وافق على انضمامه لفرقته، حيث ظل يعمل فيها لمدة سنة ونصف تعلم خلالها الاندماج الكامل في الشخصية وهو الأسلوب الذي اشتهر به جورج أبيض

وقد رفض زكي رستم خلال عمله مع جورج أبيض تقاضي أي أجر، فكان حبه للتمثيل يجعله سعيدا بممارسة هوايته دون مقابل، رغم أن الأجر المحدد له كان نحو 7 جنيهات، وهو ثروة بمقاييس هذا العصر

 وقد ظل يعمل بدون أجر في فرقة رمسيس التي انتقل إليها بعد تركه فرقة جورج أبيض، إلا أن يوسف وهبي أقنعه بأهمية الاحتراف وتقاضي أجر، وبالفعل تقاضى أول أجر شهري في حياته 15 جنيها

 وكان من الأجور المميزة داخل الفرقة، حيث كان البطل الأول يحصل على 25 جنيها، وبعد عامين من عمله بالفرقة التحق بفرقة فاطمة رشدي و عزيز عيد، وكانت محطته المسرحية الأخيرة في الفرقة القومية.

 كان زكي رستم من الرعيل الأول الذي قامت صناعة السينما على أكتافهم، وقد بدأ مع السينما الصامتة، وظهر في فيلم  زينب عام 1930،

وبعد نجاحه في فيلم زينب، قدم مجموعة من الأدوار الصغيرة في أفلام الضحايا، الوردة البيضاء، العزيمة و ليلى بنت الصحراء.

 برع زكي رستم في أدوار الشر، وساعدته ملامحه الحادة على إتقان هذه النوعية من الأدوار، وقد وصل درجة إتقانه أن الناس كانت تكرهه بالفعل، وتصوروا أنه فعلاً شرير

كما تميز أيضا في أدوار الباشا الارستقراطي فى العديد من الأفلام، منها صراع في الوادي مع عمر الشريف و فاتن حمامة اللذين قدم معهما دور الباشا في فيلم آخر هو نهر الحب، وقدمه أيضا في فيلم أين عمري مع الفنانة ماجدة، وفيلم أنا الماضي مع فاتن حمامة و عماد حمدي، ورغم تميزه فى أداء دور الباشا الارستقراطي،

إلا أنه جسد أيضا شخصية الموظف المطحون ببراعة ملحوظة لا تقل عن براعته في تقمص دور ابن البلد أو البلطجي أو تاجر المخدرات أو رجل القانون، ولهذا أطلق عليه النقاد لقب الفنان ذو الألف وجه.

 كان أهم ما يميز زكى رستم قدرته العالية على تقمص أي شخصية يقدمها،

وفي كثير من الأحيان عندما ينتهي من أداء مشهد معين تتصاعد موجة من التصفيق من جميع الحاضرين، بما فيهم من شاركوه أداء المشهد تعبيرا عن إعجابهم بقدرته العالية على الاندماج مع الدور

وقد صرحت فاتن حمامة فى إحدى حواراتها أنها شعرت بالرعب عندما وقفت أمامه في فيلم نهر الحب من شدة اندماجه، وعبرت بقولها ” رستم يندمج في الدور لدرجة أنه لما يزقني كنت بحس أني طايرة في الهواء”

 رغم أن زكي رستم شارك معظم نجوم السينما في أعمالهم، إلا أنه لم تكن له أي صداقات داخل الوسط الفني، وكانت علاقته بالممثل تنتهي عند خروجه من الإستوديو،فكان لا يزوره أحد ولا يدعو أحد لزيارته،

كما عاش حياته عازفاً عن الزواج،

عانى زكي رستم في أوائل الستينات من ضعف السمع، وقد أعتقد في البداية أنه مجرد عارض سيزول مع الأيام، وأنه بحفظه جيداً لدوره وقراءته لشفاه الممثلين أمامه قد يحل المشكلة،

 ولكن هذا لم يحدث، ففي آخر أفلامه إجازةصيف  فقد حاسة السمع تماماً، فكان ينسى جملاً في الحوار أو يرفع صوته بطريقة مسرحية، وعندما كان المخرج يوجهه أو يعطيه ملاحظاته لا يسمعها،

مما أحزنه كثيراً، حتى أنه في أحد المرات بكى فى الإستوديو من هذا الموقف.

 بعد انتهائه من تصوير الفيلم، هجر زكي رستم السينما والأضواء تماماً،

وكان صديقه الوحيد كلب وولف يملكه، فكان يصحبه عندما يغادر المنزل لتناول الطعام في أحد مطاعم وسط القاهرة، ثم يعود لعزلته داخل البيت،

اعتبره العديد من النقاد العالميين أحد أكثر الفنانين موهبة على مستوى العالم،

واختارته مجلة “باري ماتش” الفرنسية كواحد من أفضل عشرة ممثلين في العالم، كما وصفته مجلة “لايف” الأمريكية بأنه من أعظم ممثلي الشرق، وأنه لا يختلف عن الممثل البريطاني الكبير تشارلز لوتون،

 في عام 1962 حصل على وسام الفنون والعلوم والأدب من الرئيس جمال عبد الناصر

 أصيب في أواخر أيامه بأزمة قلبية دخل على إثرها المستشفى التي مكث فيها أياماً عديدة

 وقد توفى زكي رستم يوم 15 فبراير عام 1972 عن عمر يناهز 69 عاماً سلاما لروحه

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.