قصة قصيرة بعنوان:  غيرة الرجال..بقلم : محمد علي ابراهيم الجبير

توفيت الجميلة  هند زوجة وديع  ، التي احبها بجنون  ، وكان يغار عليها  بشكل غير طبيعي ،ولم يبقى احد في المنطقة لايعرف غيرة وديع على محبوبته هند؛لم يسمح لها بالخروج من البيت الابصحبته

 ولم يسمح لها بزيارة صديقاتها ،واذا جاءت صديقة لها في يوم من الايام ،لايطمئن حتى يعرفها ويعرف اهلها ؛

ضاقت هند كثيراً من تصرفات زوجها وديع ، الامر الذي دفعها بالذها ب الى والدها لتشكو همها من تصرفات زوجها:

– لقد تحملت الكثير يا أبتي من غيرة وديع؛؛

– المفروض ياابنتي تفرحي لان ذلك من محبته لك وحرصه عليك

– كل شيء يزيد عن حده يكون مردوده سلبي ؛ وغيرة وديع زادت عن حدها وسيكون مردودها سيئاً على علاقاتنا الزوجية ؛

– وهل تشكين من شيء آخر غير الغيرة ؛

– كلا انه ممتاز في كل شيء ، يصرف على البيت ولم ينقصنا شيء الا ان غيرته الزائده  التي سوف تدمر بيتنا ،وهذه الغيرة هي عدم ثقته بي ؛

– كلا يابنتي لاتفسري الامور بهذه الطريقة ، والمفروض ان تفرحي لانه يريد ان يحافظ عليك من شرور الاخرين ؛وهذه الغيرة هي بسبب حبه  لك واعتزازه بشخصيتك ؛وسكت عنها والدها ؛

رجعت هند لبيتها وهي غير مقتنعة  بكلام والدها و تعلم ان والدها لايقبل بهذه التصرفات ، ولكن جوابه  كان حرصاً على مصلحتها والحفاظ على علاقتها الزوجية مع وديع ..

 وعرفت ان من الواجب عليها الصبر على غيرة زوجها

وتصرفاته  معها من اجل الحفاظ على بيتها ..

و من جانب آخر التقى والد هند وديع ودار الحوار التالي بينهما:

-وديع كانت هند اليوم عندنا وشكت من تزايد غيرتك عليها، ولو ان هذا الموضوع  من حقك وان حبك و خوفك عليها يجعلك تغار عليها من الجميع ولكن ياولدي ارجو ان لاتحسسها بانك لاتثق بها وانت تعلم بانها عاقلة ورزينة وقد ربيتها على الاخلاق الفاضلة ؛

– عمي اني احبها واقدرها ولا اريدها تخالط الناس ..

– لاباس ولكن كل شيء يجب ان يكون مقبولا والافراط  غير مقبول وارجو ان  تخفف عنها من اجل سعادتكم  وعدم توسيع الخلاف بينكم على مسالة بسيطة بامكانك ان تتلافاها..

– انشاء الله سيكون لك ما تحب ،ولها كذلك ؛؛

وبما ان الغيرة هي من طبعه ، لايستطيع ان يتركها ، وكل اعتقاده انه يعمل الصحيح ، ولهذا فإنه لم يستطيع ان يترك تصرفاته معها

استمرت حياتها مع وديع على هذا المنوال  وهي صابرة على مرارة  معيشتها معه؛؛ ..

 وفي احد الايام  شعرت هند بالسعادة عندما علمت بانها حامل ، وقالت في نفسها عسى ان يكون ذكرا ليكون سلوى لي ،وبعد مرور مدة تسعة اشهر على زواجها من وديع ، جاء وقت الولادة تم  نقلها للمستشفى وكانت ولادتها صعبة جداً ..

 و بعد الجهود الكبيرة  المبذولة من اجل سلامتها ،ولدت بنتاً  ؛

  في غاية الجمال وتشبه امها  الى حد كبير ، ويحسبهاالذي يراها

 انها طبق الاصل من امها ؛دخل وديع على هند في ردهة الولادة 

وجدها محمومة وحرارتها  مرتفعةجداً وهي تهذي من شدة الحمى اسرع الى الدكتورة طالبا منها الحضور فوراً ، وبعد اجراء الفحص عليه ، تبين انها مصابة بحمى النفاس ،تم معالجتها  على الفور ، وعندما تحسنت صحتها ، خرجت من المستشفى ،وهي تشعر بضعف عام اصاب جسمها ،

استمرمعها هذا الضعف ، و صحتها تتدهور يوماً بعد يوم ،و لم تذق الراحة بعد ولادتها ، راجع وديع  الاطباء عدة مرات ومعه هند  لمعرفة سبب الضعف العام الذي لحق بهند ولكن بدون جدوى.

 استمرالضعف في جسمها و لم يستطيع احد من الاطباء  معرفة سببه ؛وبعد مرور سنتين من يوم ولادتها انتقلت الى رحمة الله ..

كان يوم وفاة هند صدمة كبيرة الى وديع ، ولم يصدق بانه لن يراها بعد هذا اليوم ابداً ، واصابه الذهول وهو ينظر اليها وهي مسجاة على فراشها ، ودموعه تنزل على خديه بحرارة لم يعهدها من قبل  ؛وكانت سلمى ابنته الصغيرة بقربها وصرخت وصرخ وديع على صرختها بصوت عالي وهو يصيح هند … هند.. هند ، وهند لاتجيبه ، وسمع اخوة وديع بكاءه الشديد والصراخ  ؛

 دخلوا عليه حاملين التابوت  لنقل جثمانها الى مثواها الاخير، ودخلت معهم اخواتهم  ، كما دخل نساء الجيران ، وتعالى بكاءهن.وقام الاخ الاكبر بمواساة وديع ، وطلب منه أن يسمح لهم  بنقل جنازة هند الى مثواها الاخير..

في هذه الاجواء المحزنة قام وديع ، بحمل ابنته التي تصرخ بشدة وضعها على صدره واخذ يقبلها ويهدأها ، وهدات البنت ونامت على صدره ، ولازال هو يبكي بدموع دون صوت ..

وبعد الانتهاء  من مراسيم الدفن  ، حاولت احدى اخواته ان تأخذ ابنته سلمى عندها لرعايتها ، سلمى لاتفارق والدها وديع وكانت ملتصقة به ، ماسكة بثيابه ولم تتركه لحظة واحدة ؛وهي خائفة تبكي ترفض ان تذهب مع عمتها ؛وبعد انقضاء ايام المأتم الثلاثة اشار عليه اخوته ان يتزوج بامراة اخرى ،وقال له اخيه الكبير:

– وديع  أنا اعلم مدى حزنك على هند الطيبة ولكن هذه مشيئة الله ، ولاراد لقضاءه، واصبح زواجك ضرورياً ،اولاً لتعوضك عن زوجتك رحمها الله ، وثانياً تكون اماً حنونة الى ابنتك سلمى ؛

-لا لن اتزوج زوجة بعد هند الغالية  أبداً؛

– وهذه الطفله من يرعاها ؟وكما ترى انها ماسكة بثيابك ، وترفض ان تمسكها عمتها؛

– انا سوف اكون لها اماً واباً بنفس الوقت ؛؛

وضم سلمى الى صدره وقال لها : لاتخافي ياسلمى  انت معي ..

ولم يأخذك احد مني ابداً، ومن الان انت اصبحتي حياتي كلها.

واصبح وديع وحيداً مع ابنته ، يلبي كل طلباتها ، ويرعاها ويسهر الليالي ،ولن تغمض عينيه الا بعد التأكد من نومها ..

كبرت سلمى وادخلها المدرسة ، ياخذها بيده وينتظرها عند نهاية الدوام ، كانت ذكية جداً،يزور وديع اخواته واخوانه ويأخذ  سلمى معه ، تعلمت من عماتها فنون الطبخ ، واعمال البيت ،

استمرت في الدراسة واكملت الاعدادية، ودخلت كلية التربية وبعد اكمال دراستها ،تم تعينها مدرّسة في متوسطة مختلطة قريبة من بيتهم ،وكان وديع من اسعد الناس ، وهو يرى سلمى فتاة كبيرة

تشبه والدتها هند !  واكثر سعادته وهو يرى إبنته مدرًسة ناجحة، تذهب الى المدرسة يومياً، وتعود الى البيت وهي في غاية الفرح ..

 نسي آلام الماضي بفقدان زوجته المحبوبة ولم ينساها ، وتذكر غيرته عليها وعدم السماح لها بزيارة احد؛ وشكواها من هذا التصرف ، وكان يقنع نفسه انه تصرف معها غيرةً عليها كل ذلك بسبب حبه الكبير لها  ولايقصد ان يؤذيها؛ شعر بالندم ، واخذ يلوم نفسه ، ويقول بداخله ربما اصابها المرض من تصرفاتي معها ، ويرجع ويقول اني احبها  نعم احبها ولازلت احبها وهي في القبر كنت اخاف وأغار عليها من الاخرين لانني اشعر بانها لي وحدي  وحبها يجب ان يكون لي وحدي  ، احببتها  ولم احب سواها و ان الله عوضه بسلمى ،التي كانت السبب في تضميد جرحه الكبير بفقد محبوبة هند ..

 في المتوسطة المختلطة ،كان شوقي احد مدرسيها ،  شاب طيب سمعته جيدة جداً ، اخلاقه راقية جداً ، محبوب من الجميع ، اعجبته سلمى باخلاقها الراقية وجمالها  الفاتن وهدوئها ورزانتها وحلاوة كلامها ، لكنه لم يستطيع التقرب منها لرزانتها ، وهي لاتتكلم مع احد الابالامورالرسمية ولاتتكلم مع اي شخص  بامورخاصة ،

لهذا وجد شوقي صعوبة في التقرب اليها والحديث معها بما يكنه قلبه اتجاهها،اضطر الى مفاتحة احدى اقاربه من المدرسات واعلمها بانه معجب بسلمى ويرغب بخطبتها ، وطلب منها ان تفاتحها اولاً وتأخذ رأيها بشخصه ليتسنى له مفاتحة والدها بشأن خطبتها ..

ذهبت اقاربه الى سلمى وفاتحتها  ،بمشاعر شوقي اتجاههاوانه يحبها ويرغب بزيارة  والدها لاجل خطبتها ، وهو لايقوم بالزيارة مالم يعرف مسبقاً رأيها،اجابتها سلمى بان شوقي شاب طيب

وسمعته ممتازة ولامانع لديها بزيارة والدها ويطلب يدها منه ؛؛

زار شوقي والدها ، وكان معه والديه  ، وبعد التعارف بينهما طلب والد سلمى مهلة ثلاثة ايام للسؤال عنهم ، ولهم كذلك حق السؤال عن سلمى واهلها ، وبعد ثلاثة ايام تمت الموافقة بين الطرفين ، وحضر شوقي ومعه كادر المدرسة وعددا من اعيان البلد وتمت الخطوبة والعقد حسب الاصول ،

في ايام العطلة الربيعية لتلك السنة تم زواجهما في يوم بهيج حضره المحبين من كلا الطرفين ،كانت عائلة شوقي متكونه من والديه واخوته الثلاثة المتزوجين ولديهم اولاد ، والبيت كبير، ولايسع لسكن شوقي وزوجته معهم لهذاطلب والد شوقي ان يسكن مع زوجته في دار مستقل يؤجرها  على ان تكون قربية من دار والدها؛؛ لتتمكن من خدمتة باعداد الطعام وغسل ثيابة وما يحتاج من خدمات لانه بقي في الدار لوحده ؛اختار شوقي لها داراً حديثة  قريبة من داروالدها ؛عرفت سلمي ان شوقي رجل طيب داخل البيت كما هو خارجه ، يلبي طلبات البيت ، ولم يتاخر عن اي شيء ، كما ان اخلاقه راقية جداً  بحيث سمح لها بالقيام بخدمة والدها الذي افنى شبابه من اجل تربيتها، تعلق بها شوقاً وهام بحبها ،واخذ يغار عليها ؛ حتى من اهله ، ناهيك عن زملائه ؛ ولاقت سلمى مالاقت من الضيق من غيرة شوقي لها، وكم مرة فاتحته بان يترك هذه الغيرة ، وان هذا التصرف يؤذيها ولكن  دون جدوى في كل مرة يؤكد لها انه يخاف عليها وانه يحبها ولا يرضى ان تتكلم مع احد مهما كان ذلك الشخص غريب او قريب ؛اضطرت سلمى ان تفاتح والدها ان يتكلم مع شوقي ويطلب منه الكف عن غيرته الغير مقبولة ؛رد عليها والدها :-

-ابنتي الرجل عندما يتزوج من زوجة يحبها يغار عليهامن شرور

 الاخرين ؛

– يا ابتي انت ربيتني تربية فاضله ، وارى ان غيرته مجرد شكوك في تصرفي بسبب عدم ثقته ؛؛

-ابداً ياسلمى كل ذلك من اجلك والحفاظ عليك  ، وهذا دليل حبه

الكبير اليك؛

-انني مدرًسة ويعلم هو اني لااتكلم مع احد من زملائي الا في الامور الرسمية اما الامور الخاصة فلن اسمح بذلك لاي شخص وهو يعلم  ذلك جيداً؛؛

– يا ابنتي هذه الغيرة طبيعية عند كل رجل يحب زوجته ولكن بعض الاشخاص تزداد عنده الغيرة اكثر من اللازم  لحبه الزائد وتشعر الزوجة بالضيق لانها تفسرغيرته عليها انه لايثق بها وهذا غير صحيح ابدا..

– الذي اطلبه منك يا ابتي ان تفاتحه بالموضوع بان يكف عن ذلك؛

– لقد فقدت والدتك هند بسبب حبي وغيرتي عليها ، وكل ما طلبه منك ان تأخذي الامور بحسن نية وتقدًري حبه الكبير اليك؛؛

وعندما علمت سلمى ان اباها كان يغار على امها هند ، وهي تعرف صدق كلامه من خلال حبه ووفاءه لوالدتها وهي في القبر ولم يتزوج بعدها ، وعاش هذه السنين على ذكراها .

على اثر هذا الحوار المؤثر قررت ان تعيش في سعادة واطمئنان على مستقبلها والعيش مع زوجها متنعمة بحبه الكبير وغيرتة عليها

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.