” قراءةٌ موضوعيةٌ في كتاب ” دائرة الوحدة في أوزان الشعر العربي ” للكاتب عبد الصاحب المختار “

من خلال جولتي في كتاب ” دائرة الوحدة في أوزان الشعر العربي ” للكاتب عبد الصاحب المختار رحمه الله، والتي عكفت فيها ليلًا نهارًا على قراءة هذا الكتاب العَروضيّ الرائع، كي أكتب فيه تحليلًا مختصرًا وبصورةٍ موضوعيّةٍ وحياديّةٍ جدًا، فالقلم مسؤوليةٌ يُسأل عنها العبد يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، ومن هذا المنطلق سأشير ﻷهمّ محورٍ في هذا الكتاب العروضيّ المتميز، وهو محور ” دائرة الوحدة العَروضيّة “، أمّا بقية محتوى الكتاب فهو كباقي الكتب العروضيّة اﻷخرى على تفاوتٍ بسيطٍ بين كاتبٍ عَروضيّ ٍ وآخر، كما أنّي لم أغفل عن فضل العالم الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدي ” رحمه الله” وما لعلمه العروضيّ من فضلٍ علينا جميعًا، ولولاه لما انطلقت أقلامٌ ورؤىً عروضيّةٌ أخرى، يتّفق معها الكثيرون، ويشدّ عنها البعض.

ومن الإنصاف أن أذكر بعض ماجاء في مقدمة عبد الصاحب المختار لكتابه هذا والذي يقول فيها:

(( لذا فإني إذ اكتفي بتقديم دائرة الوحدة من أرض الرافدين كما كانت عليه قبل قرونٍ عديدة في نظريةٍ متكاملةٍ لأوزان الشعر، لا يسعني التعبير عن

مفهومها الشامل، أو الجهد المتحصل في شتى المجالات، إلا في كتبٍ مفصّلةٍ أخرى، لذا فإني أترك للمتخصصين بدلالة مصادرها التطبيقية التي أوردتها في آخر هذا الكتاب.))

ولقد حصر عبد الصاحب المختار أوزان الشعر في سبعة أوزانٍ هي :

مفاعيلن، فاعلاتن، مستفعلن، مفعولاتُ، فعولن، فاعلن، مفعول، .

قائلا:

(( ليس من وراء هذه الموازين السبعة ميزان رئيسي آخر ﻷن اﻷلحان الأخرى مثل

متفاعلتن ومفاعلتن لا تختلف عن هذه الألحان الرئيسية إلا بالحركة الوقتية المتمثلة بحركة الفتحة على نقرةٍ خفيفةٍ كما سنرى، فهي إذن موازين فرعية وليست الحركة الطارئة عليها من الحركات الأصلية )) أنظر الكتاب ص٤٤ وماتشابه من الرأي في الهامش، كما يشير المؤلّفُ إلى أنّ أصل الموازين واحدٌ يتألف من حركةٍ فسكونٍ أربع مراتٍ دن دن دن دن ، وأنّ الموازين الرئيسية ذات النقرات اﻷربع تتولد منها بحذف السكون من نقرةٍ واحدة “.

 أنظر صفحة صفحة ٤٣-٤٤-٤٥ .

وبهذا الرأي يختلف المؤلّفُ عبد الصاحب المختار مع الخليل بن أحمد الفراهيدي في عدد أوزان الشعر العربي ” علمًا بأن ما عدّه عبد الصاحب المختار وزنًا من أوزانه السبعة يبدو غريبًا حيث ليس هناك تفعيلة ” مفعول ” قائمة وأصلية بذاتها !!.

 أمّا لدى الخليل بن أحمد الفراهيدي في دوائره العروضيّة الخمس فقد ثبت لديه بأنّ أوزان الشعر العربي الدقيقة واﻷصلية هي عشرة أوزانٍ وهي :

متفاعلن – مفاعلتن –  مستفعلن – فعولن – فاعلن – فاعلاتن- مستفع لن –

 فاع لاتن – مفعولاتُ – مفاعيلن -.

وبالمقارنة بين الرّأيين نستنتج الآتي :

١- ليس لوزن ” مفعول ” الذي ذكره عبد الصاحب المختار في أوزانه السبعة أيّ وجودٍ قويّ ٍ يذكر في الشعر العربي، فهي مهملةٌ ومقيدة، ودليل ذلك لم يرد عليها في الشعر العربي أية قصائد معتمدة الصحة يُبنى وزنها على :

مفعولُ مفعولُ مفعولُ مفعولُ ×2 .

٢ – في كتاب عبد الصاحب المختار وفي أوزانه السبعة لم يرد ذكرٌ للوزنين الأساسيين ” مستفع لن ذات الوتد المفروق، ولا فاع لاتن ذات الوتد المفروق ! ولعله ذهب للرأي القائل بأنّ : ” مستفع لن مفروقة الوتد ” هي ذاتها ” مستفعلن ” وأنّ ” فاع لاتن مفروقة الوتد هي ذاتها فاعلاتن”، والفرق شاسعٌ جدًا جدًا بين هذه اﻷوزان يدركه العروضيّون جيدًا ، ودمج كلّ واحدةٍ بمثيلتها يهدم عَروضًا وقصائد.

٣- دائرة الوحدة التي جاء بها المؤلّفُ والشاعر القدير عبد الصاحب المختار رحمه الله أشار لمثيلاتٍ لها في مصادر كتابه وهوامشه، فليراجعها من رغب بذلك .

٤- حصر المؤلّفُ كلّ الأوزان السبعة لديه ” أنظر أعلاه ” في دائرة ٍ عروضيّةٍ واحدةٍ، وبرهن على صحتها من خلال دوائر صغيرةٍ أخرى اضطر لرسمها لمزيدٍ من الشرح والتوضيح ، وبهذه الطريقة رجع لذات الطريقة التي تحاشاها في انطلاقة كتابه هذا ، مشابهًا في ذلك إلى حدّ ما طريقة الخليل ابن أحمد الفراهيدي في عمل الدوائر التوضحية الصغيرة الخمس ” أنظر صفحة ٤٥ و ٥٣ .

٥- برهن عبد الصاحب المختار على صحة نظريته وفق حصره الأوزان في سبعة أوزانٍ من خلال دوائر صغيرةٍ أخرى توضحيّةٍ في عملية التبادل العَروضيّ  بين التأخير والتقديم في اﻷوتاد واﻷسباب والفواصل، كما عمد في برهانه على عملية إخضاع الساكن للتحريك، والمتحرك للساكن كما في مفاعلتن ومفاعيلن ، كما استخدم عملية الاضمار في هذه البراهين ،إلّا أنه لم يطلق أسماءً على تلك الدوائر التوضحية الصغيرة، مخالفًا في ذلك طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي في دوائره العَروضيّة الخمس ، والتي تعتبر اللبنة اﻷولى لكلّ المستحدثين من بعده وبكافة طبقاتهم الفكريّة العروضيّة المؤيّدة له، أو المعارضة له.

٦- من الجدير بالذكر ومن الإنصاف أن نذكر بأن الخليل بن أحمد الفراهيدي قد سبق الجميع إلى رسم الدائرة الواحدة اﻷم والتي بداخلها تلك الدوائر العروضية الخليلية الخمس الصغيرة والتي أطلق عليها مسمياته الشهيرة المؤتلف، المختلف، المجتلب، المشتبه، المتفق،  إلّا أنّه وهو العالم اللغوي الذي يشار إليها بالبنان لم يحصر تلك اﻷوزان في وزنٍ واحدٍ ، بل أعطى لكلّ وزنٍ حقّه من التعريف العروضيّ واللغوي وبما توصلت إليه جهوده في التحقيق والتدقيق ومتابعة أثر الأوائل في الشعر العربي اﻷصيل.

٧- هنالك حقيقةٌ من الواجب الإشارة إليها وهي حفظ الحقوق لأيّ مبتكرٍ ، أو أيّ مستحدثٍ لنظمٍ ، أو أيّ محقّقٍ أو مدقّق أو مقدّم ، أو باحثٍ علميّ توصلت دراساته وأبحاثه لنتيجةٍ ما، وتقدير جهودهم تلك في خدمة العلم والمتعلمين .

لقد أثرى الكاتب والشاعر عبد الصاحب المختار المكتبة العربية بهذا الجهد الكبير في تأليف هذا الكتاب العروضيّ المتميز بوفرة الأمثلة وبالمصادر، إضافةً لمستحدثه دائرة الوحدة، والذي تتبع مصادرها في العديد من المراجع العروضيّة، إنكب عليها ولمدة عشر سنواتٍ متتاليةٍ ليخرج لنا بهذا الكتاب العروضيّ الحديث ،وجاهد بكل قواه لإبرازه للأجيال، ولكلّ مجتهدٍ نصيب، وما الكامل إلّا الله سبحانه وتعالى .

٨- في نهاية رؤيتي هذه في كتاب ” دائرة الوحدة في أوزان الشعر العربي “

أنصح أولئك الذين يطمحون بأن يكونوا شعراء بتعلّمِ هذا الكتاب العروضيّ الشيق وبدراسته، وبالاطلاع على غيره أيضًا من الكتب العروضيّة للراغبين بتعلّم أوزان الشعر العربي ليتحقق اﻷمل الذي تصبو إليه أقلامهم ، واللّه وليُّ التوفيق .

**كاتبة القراءة

عروضيّة معتمدة أكاديميًّا

شاعرة –كاتبة صحفية

رئيس القسم الثقافى

ومدير تحرير

موقع وجريدة

“الزمان المصرى”

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.