قصة قصيرة بعنوان.. القرار السريع..بقلم : محمد علي ابراهيم الجبير

عبد الوهاب موظف مستقيم في كل شيء ، مخلص في عمله ، حسن السيرة ، علاقاته طيبه بكل اصدقاءه وزملائه ، ومن عمل معه ، وجه اجتماعي معروف بخلقه العالي ، والتزامه بأمور دينه لم يترك يوما فريضة الا واداها بموعدها المقرر، مثقف ثقافة علمية ، ودينية ..

ولد عبد الوهاب في قرية من قرى الريف ، التي تسكنها معظم  العشائر العربية  والتي ينتمي الى احداها،  متأثراً بعاداتها وسلوكها المعروفه بالكرم والشجاعة ، ومساعدة الاخرين ، والمحاقظة على كلمة الشرف وحسن المعامله وجميع مكارم الاخلاق ..

في أحد الايام قال له والده :

– حان الوقت ان تتزوج يا عبد الوهاب ؟

-لامانع لدي ياوالدي من الزواج ..

– لقد اخترت لك وفاء ابنة اخي لتكون زوجةً لك ،وأود أن اعرف رأيك ؟

– انها من خيرة البنات يا أبي ؛

– سوف اكلم اخي واخطبها منه  ..

– كما تشاء يا أبي .

تزوج عبد الوهاب من وفاء  ابنة  عمه حسب رغبة ابيه،وكانت وفاء فتاة  طيبة اخلاقها مشابهةلأخلاقه ، تقرأ وتكتب ، وحافظة للقرآن ، ملتزمة بدينها محافظة على بيت زوجها ، ربة بيت من الطراز الاول ،وبعد زواجه بفترة ، توفي والده ، ووالدته ، على اثر ذلك تعرض الى ازمة نفسية كبيرة، لم يستطيع ان يتخلص منها

اشارت عليه زوجته العيش في بغداد عسى ان يكون افضل من البقاء هنا ،

– نعم افضل وسوف اقدم طلبا للنقل لانني لااستطيع نسيان والدي ووالدتي ابداً، كل شيء هنا يذكرني بهم ويزيد من همي وحزني ..

– توكل على الله ،وعندما يتم النقل  سوف لن نشعرباي ضيق في الرزق ولايفرق عندنا شيء انت موظف هنا او في بغداد..

– نعم كما تقولين لانشعر باي فرق ، ولانشعر بالغربة لوجود الكثير من عشيرتنا واعمامنا في بغداد ..

– ساقدم طلبا للنقل غداً باذن الله..

انتقلوا الى العاصمة بغداد بعد ان تمت الموافقة على نقله ..

سكن في منطقة يسكن فيها العديد من افراد عشيرته ،  واختار بيتاً كان معروض للايجار ..

 تحسنت صحته ، وشعر براحة نفسية جيدة ،  في بغداد المدينة الواسعة التي يختلف العيش فيها تماما عن العيش في قريته الريفية، لتوفر كل شيء في العاصمة،تم توزيع قطع اراضي سكنية للموظفين وكان هو احد المستفيدين بات من الضروري ان يفكر ببناء دار سكن له ولزوجته على القطعة  التي استلمها.،حصل على قرض من المصرف العقاري وباشر في البناء ، وخلال مدة قصيرة ، انجز البناء وسكن فيه مع زوجته وترك بيت الايجار..

  اصبحوا في سعادة  تامة وفرح غامر، بعد ان  رزقهم الله سبحانه وتعالى  بولدهم البكر رفعت،وبعد سنة رزقوا بالبنت الجميلة امل ..

حرص والدهما على حسن تربيتهما وتعليمهما ..

في الصباح الباكر ينهض الجميع ،  ولايبقى احد نائما في الفراش..

الام تقوم باعداد الفطور تساعدها ابنتها أمل التي علمتها والدتها كل اعمال البيت  ، من طبخ وخبز وتنظيف ، ولم يتغير اسلوب حياتهم وعلموا اولادهم  نفس العادات السابقة الذين تربوا عليها ؛؛

كل شيء يعد في البيت ، ولم تتعود العائلة شراء ماتطبخه مطاعم السوق كما هو معتاد في اغلب عوائل المدن ..

 رفعت تقدم في الدراسة وحقق اعلى الدرجات ، وتفوق على اقرانه

واكمل الاعداية الفرع العلمي  بمعدل يؤهله  الدخول في كلية الطب  اما اخته أمل فأنها اكملت الدراسة الاعدادية بمعدل عالي والتحقت بكلية الاداب الفرع الانكليزي ..

وتخرج الاولاد من كلياتهم ، تم تعين رفعت طبيبا في احد مستشفيات العاصمةواكملت أمل دراستها بمعدل عالي ، وتم تعينها معيدة في كليتها ،مرت الايام والسنين وتحسنت احوالهم تحسننا كبيرا ، وعاشوا في نعمة كبيرة،  قال عبد الوهاب لولده رفعت :

– حان وقت الزواج يا رفعت ؟

– نعم ياوالدي كنت عازما ان اقول لك ذلك ..

– هل تعرف فتاة تليق بك ؟

– نعم انها بنت التاجر المعروف عبد الغني .

– وهل رأيتها ؟

– نعم جاءت مع والدتها للعيادة قبل فترة واعجبتني جداً.

-وهل سألت عنها وعن سيرتها؟

-سألت عنها وعن عائلتها والكل يثني عليها وعلى اصالة اهلها ومكانتهم الاجتماعية الممتازة ..

– سوف ارسل والدتك اليهم وتكلم والدتها بالموضوع ؛؛

– على بركة الله ..

في اليوم التالي ذهبت ام رفعت الى بيت التاجر عبد الغني ، وكان بيتا كبيرا واسعا  في ارض واسعة تقدر مساحتها باكثر من الفين وخمسمائة متر مربع  اي (دونم )تحيط به الاشجار من كل جانب..

 استقبلتها زوجة عبد الغني ،احسن استقبال بعد ان عرفت انها والدة الطبيب رفعت التي راجعته بصحبة خلود،وبعد التعارف وتبادل التحيات والمجاملات :

– لم ارى المحروسة بنتكم؟ قالت لها ام رفعت..

– خلود نائمة وسوف تحضر بعد قليل ؛

– استغربت ام رفعت وقالت في نفسها الساعة الحادية عشرصباحا ولازالت نائمة! وبعد فترةدخلت عليهم خلود ، في جمالها الفاتن وقوامها الممشوق ، وكلامها الساحر الناعم ، ودلالها الواضح ، ومشيتها التي يحسبها الناظر اليها انها تتطوى ، كل ذلك انسى ام رفعت  ان تتحدث مع البنت الذي جلست بجوار امها ،ولاحظت ام رفعت وجود خادمة في البيت  تقدم واجبات الضيافة ، وخلود جالسة بقرب امها لم تعمل اي شيء انما تأمر الخادمة  بما تريد ؛

انشغلت ام رفعت بالنظر(وهي مشدوهة) الى ضخامة البيت وهندسته  ، والاثاث الفخم والسجاد الاجنبي المتنوع المفروش والثريات الكهربائية المعلقة في سقوف البيت  الثانوية الملونة ،

كل شيء يختلف عن بيتهم البسيط  ، صحيح ان بيت ام رفعت واسع وحديث ، الا انه ليس بضخامة بيت عبد الغني التاجر ..

وعند مفاتحة ام رفعت بانها جاءت من اجل خطوبة خلود،  الى ولدها الطبيب رفعت ، كانت تتوقع ان تحصل على الموافقة بعد عدة ايام اي بعد مفاتحة والدها والتداول معه بشأن الخطوبة ، الا انهاوافقت بدون تردد ،وقبل الحصول على موافقة والدها عبد الغني،فرحت ام رفعت وشكرت ام خلودعلى قبولها الخطوبة

ورجعت فرحة  الى بيتها ، واعلمت ابو رفعت بالموافقة

– بهذه السرعة تمت الموافقة ؟! قال ابو رفعت ..

– ولدنا رفعت سمعته طيبة وكل الناس تعرفه ولايحتاج الى سؤال..

– وهل عرفت تحصيلها العلمي ؟

 –  نعم عرفت انها لم تكمل الدراسة الاعدادية ..

– يعني انها ربة بيت ؛

– نعم ولكن عند وصولي لهم كانت البنت نائمة ، ويجوز انها معتمدة على الخادمة، أو انها مريضة ؛

– وهل يعقل انها تنام الى وقت الظهر ؟

-يجوز ان تكون مريضة او كما قلت لك انها معتمدة على الخادمة .

– اذا كانت ربة بيت ، اكيد انها سوف تقوم بمساعدتك باعمال البيت ؛؛

– ان شاء الله ..

 كان المفروض من الطبيب رفعت، ان يتزوج بعد فترةعدة اشهر

  لمعرفة البنت والاطلاع على سلوكها واخلاقها وحتى ثقافتها ، الا انه ولشدة لهفته  وهيامه بجمالها ، حدد مع اهله موعدا للزواج ، بعد الخطوبة مباشرةً ؛؛وفي يوم سعيد زفت خلود الى رفعت ؛؛

في صباح اليوم الاول من الزواج لم تنهض خلود من الفراش لتتناول الفطور معهم ؛ واستمرت في النوم  الى الساعة الثانية عشر ظهراً  حاول رفعت معها، ان تنهض وتتناول الفطور معهم الا انها رفضت بشدة ؛ وبأسلوب  جاف ؛ تركها وتناول الفطور مع والديه واخته كالعادة ، وشعر بالاحراج لعدم حظور زوجته معه ؛؛

شعر بالندم على تسرعه في الزواج ؛ ولام نفسه كيف يتزوج بهذه السرعة وهو الرجل المتعلم ولم يأخذ فرصة  كافية للتعرف على اخلاقها وسيرتها وسلوكها،وتزوجها بهذه السرعة اعتماداً على المعلومات التي حصل عليها من الاخرين ! وتحت انبهاره بجمالها الساحر،وكلامها المعسول،وعندما لاحظت ام رفعت الغضب على وجه ولدها ، قالت له :انها معذورة ياولدي كونها عروس؛ ويجوز انها خجولة وتستحي منا ؛ وبهذا الكلام تريد ان تخفف على ولدها

في اليوم الثاني  لم توافق ايضاً ان تترك الفراش وتتناول الفطور مع العائلة ؛ ولم يسمع منها كلمة طيبة ، أواعتذار مهذب بعدم

استطاعتها القيام من الفراش ، بل اكدت له انها تبقى نائمة الى وقت الظهر، قطع رفعت اجازته والتحق بعمله وتركها نائمة ؛ وعند عودته  في الساعة الواحدة بعد الظهر وجدها نائمة ايضاً !

وعرف من والدته انها دخلت عليها وحاولت معها ان تعلمها بضرورة ترك الفراش من الصباح الباكر والمشاركة في اعمال البيت ،كونها اصبحت المسؤولة عن البيت مكانها باعتبارها زوجة ولدها البكر وخاصة بعد قرب زواج أمل  بعد ايام قليلة ،وسيكون الاعتماد عليها ، اجابتها بوضوح انها لن تخدم في البيت ابداً وهذا من اختصاصك واذا كنت لاتستطيعن العمل عليك ان تطلبي خادمة لاعمال البيت ، انا لست خادمة ، ولن اخدم احد في هذا البيت ..

ذهبت ام رفعت الى بيت عبد الغني ، لمقابلة ام خلود للأعلامها عن كلام وتصرفا ت ابنتها خلود ..

-انها ليست ابنتي ؛؛

–  اذا لم تكن ابنتك ؛ فمن تكون ؟

-انها  إبنت زوجي عبد الغني؛ والدتها مطلقة لعدم الانسجام معه طلقها بسبب عنادها وعدم قيامها بأعمال البيت..

– ومن الذي يقوم بأعمال البيت في فترة وجودها مع عبد الغني ؟

 – يستعين بأخواته للقيام باعمال البيت؛وام خلود لاتفارق الفراش في النهار نائمة وفي الليل تبقى للصباح تقضيها لمتابعة الافلام والمسلسلات التلفزيونية ؛؛

– وعبد الغني ماذا يعمل ؟

بعد ان نصحها عدة مرات  دون فائدة ،وعندما يأس من اصلاحها اضطر الرجل الى طلاقها ؛؛

-وهذه الخادمة ؟ قالت ام رفعت .

-انها ليست خادمة ، هذه ابنتى ليلى تخدم في البيت وتساعدني في كل اعمال البيت.

– لماذ لم تقولي لي ذلك عندما زرتك  لخطبة خلود ؟؟               – ماذا اقول  لك وهل يعقل ان اقف في طريق زواجها ونحن نريدها ان تتزوج  لعلها تكون زوجة صالحة ؛؛

– لهذا وافقت على الخطوبة قبل استحصال موافقة والدهاعبد الغني 

–  والدها يوافق على زواجها من اي شخص يطلب الزواج منها، وعندما خطبها ولدك الطبيب كانت فرحتنا كبيرة ، لاننا لانتوقع ان يكون نصيبها ولدكم الطبيب الناجح،عادت ام رفعت  الى بيتها وهي تلوم نفسها على تسرعها ،وتفكر بطريق الخلاص من خلود..

اعلمت زوجها وولدها بما دار بينها وبين ام خلود ، واعلمتهم بالحقيقة ؛ تيقن رفعت انه تسرع في الزواج وثبت  له فشله في الاختيار ، وتأكد بان سلوك خلود مطابق لسلوك واخلاق امها المطلقة  قررأن يتخلص منها ،

 في اليوم التالي ذهب الى المحكمة وطلقها ، وسلم لها ورقة الطلاق ووهب لها كل مستحقاتها ..

 وتخلص من هم كبير ؛ وازاح عن نفسه هم الفشل والندم والاسف

بسبب  تسرعه في  تنفيذ قراره في الزواج …

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.