من أهم الأسباب .. بقلم: محمد عنانى

بعدما إنتشرت الجرائم بشتى صورها من قتل وبلطجة ومخدرات وسرقة ونهب وسلب بشكل غير مسبوق وليس له مثيل فى الكثرة والتكرار وكأن القتل وإزهاق الأرواح غدا من سمات زماننا والمألوف فيه فلا يمر يوم من الأيام بلا جريمة يهتز لها المجتمع وتنخر كالسوس فى أركانه ودعائمه إضافة لشتى صور الإنحلال الأخلاقى والدعارة المُقَنعة والظاهرة وتدنى لغة الحواروشيوع الألفاظ البذيئة التى تأباها الأنفس السوية وتعف عن ذكرها الألسنة القويمة بل غدت تلك الألفاظ هى الغالبة بين معظم الشباب إلا من رحم ربى وإذا نظرنا بعين الإعتبار والدراسة والتحليل لتلك الظاهرة القميئة المشينة لوجدنا أن لها من الأسباب الكثير الذى يستوجب الإهتمام والإسراع فى العلاج قبل فوات الأوان ومن أهم تلك الأسباب الإعلام الفاسد الداعر بما يبثه ليل نهار وعبر شتى محطاته وقنواته ووسائطه المسموعة منها والمرئية وكذا وسائل التواصل المختلفة فكل ما سبق يعج بأفلام ومسلسلات بل وإعلانات تحض على القتل والبلطجة والسرقة والنهب وتعتبرها من أدوات البطولة والفتونة بل وتمجد الفسق والفجور والدعارة وتشيد بأصحابها وفاعليها دون وازع من دين أو ضمير ودون خجل أو حياء بل وأصبح فاعلوها قدوة للكثير من المرهقين والشباب من الجنسين والسبب الثانى والمهم فهو البعد عن الدين وهو الحافظ للأنفس السوية والمقوم لها والمرشد لطريق الخير والرشاد ومن الأسباب الهامة أيضا التفاوت الطبقى الفاحش والظاهر للجميع وما يترتب عليه من إنتشارٍ لمشاعر الحقد والكراهية التى تُمَهد وتدفع لإرتكاب العديد والعديد من الجرائم ومن الأسباب الخطيرة أيضا التفكك الأسرى وغياب دور الأسرة الذى كان الركيزة الأساسية فيما مضى نحو بناء الأسرة وترابطها هذه أهم الأسباب إضافة لغلبة سطوة المال وغياب القدوة وإنهيار الدور الأخلاقى للمؤسسة التعليمة وكذا إنحسار دور المؤسسات الدينية من دروس وعظات تحض على الفضيلة وتنشر قيم الخير والتراحم

أَسْمِــعْ نِــــدَاءَ بِــــلَالِـــكَ الآذانــا.. مرتجلة بقلم / علي الباز-اليمن

ارفــــعْ علـى تَوحِيــدِكَ الأركانــا
بـعـقـيـــدةٍ تَـتَـصَـــدَّرُ الأديـــانـــا
وعلى جبـال الأرض أَذِّنْ صَادِحـاً
أَسْمِــعْ نِــــدَاءَ بِــــلَالِـــكَ الآذانــا
فالحَـقُّ يَسطُــعُ مُشــرِقاً مُتَهَـلِّـلَاً
طَـلْــقَ المُـحَـيَّـــا ثابِتَــــاً مُـزْدَانَـا
والباطـلُ المَربُـوكُ يَغــرُبُ وجْهُـهُ
مُتَلَـعْـثِـمـــاً لايستَـطِـيــعُ بَيَـــانــا
يَهـوِي على أنقاضــهِ في مَوقــفٍ
غَاوٍ يُلُـــوكُ الـــزُّورَ والبُـهـتــــانــا
كَصَــلاةِ عيـد المسلميـن بِمِصـرِنَـا
وِفْـقَ اختــلاطٍ يثمِــرُ البُـطـــلانَـا
مـاذا جَـرَى أمَّ الدُّنَـى مَنْ ذَا الَّـذِي
شَـرَعَ ابتـداعَ الجَاهِلِيـنَ عَيَـانـا?!
هَلْ في المُصَلِّيْنَ اللَّـذِينَ تَجَمَّعُـوا
رَجُــلٌ رَشِيـــدٌ يرتقِــي إِيمَــانَـا?!
أَمْ أَنَّ كُلَّ الــوَافِـدِيــنَ تَسَـلَّـقُـــوا
أَوهَـى شِـــرَاكٍ يُــوقِــــعُ النٍِسْوَانا
عُــودُوا إلى رُشْـدِ الأُلَى ولْتَقتَدُوا
بالمُـصـطَـفــى وتمَثَّــلُـوا الـقُـــرآنا
وارضُـــوا إِلَـــهَ العَالَمِيــنَ بِشََـرعـهِ
وَدَعُـوا انفتاحـاً يُضْحِكُ الشَّيطَانَـا

( في زمن الهرج والمرج إفتح عقلك ) ..الحلقة:2 ” إيمان أبي طالب ابن عبد المطلب ” ..بقلم وإعداد / أ.د. أحلام الحسن ..رئيس القسم الثقافي

الحقيقة التي كنّا نعتقدها وما زلنا نعتقدها هي أنّ زمن الهرج والمرج سيأتي في آخر الزمان فقط، والحقيقة أنّ أكثر أحداثه هرجًا ومرجًا ستكون في زماننا هذا، وأمّا ما بعده فستكون صورته أكثر وضوحًا وأفظع أمرا،وستستمر بطرقٍ متعددةٍ لا تسعنا هذه الحلقة البسيطة لذكرها، ولقد بدأت الإنطلاقة الأولى لزمن الهرج والمرج بعد وفاة الرسول ” ص” وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وكفى بكتاب الله شاهدًا ومبيّنًا .

ومن ظواهر ذلك الهرج والمرج التي طالت التاريخ الاسلامي عبر العصور ظاهرة التكفير المسيسة التي تخدم مصالح أناسٍ معينين أو صاحب بلاطٍ معينٍ لخلق عملية تنفير المسلمين عن الضحية المرمي بالكفر ، ويكفينا ظاهرة تكفير أبي طالبٍ مؤمن آل هاشمٍ وبرغم كلّ الدلالات والمؤشرات التاريخية الدالة على صدق إيمانه وعظمة ثباته وعزيمته وتضحياته، فما من كافرٍ يلازم النّبيّ” ص” في الحصار المفروض عليه طيلة ثلاث سنينَ متواصلةٍ بالجوع والعذاب يصارع الويلات !، وكان باستطاعته عدم المكوث في الشُعب والنجاة بنفسه ومغادرة الشُعب لولا ثبات إيمانه وقوة عزيمته، لكنها المصالح المسيسة جعلت منه كافرًا.!

= وهاهي قصيدته اللامية  الشاهدة على إيمانه قولًا وموقفًا والتي كتبها في شُعب بني هاشمٍ أثناء حصار قريش للنّبيّ ولمن ناصره من بني هاشمٍ وبعد طلب قريش من أبي طالبٍ عم الرسول بتسليم النّبيّ “ص” لهم ،

جاءهم  ردّه الصارم وقال كلمته المشهورة :

( إمض على أمرك، فوالله لا أُسلّمك أبداً. ودعا أبو طالب أقاربه إلى نصرته فأجابه بنو هاشم وبنو المطلب، ورفض أبو لهب ذلك ، فكتب أبو طالبٍ قصيدتَه اللامية الشهيرة معلنًا إسلامه فيها، غير آبهٍ بحصار قريش الممتد لثلاث سنينَ متواصلةٍ بدءًا من السنة السادسة للبعثة إلى أوائل السنة العاشرة للبعثة الشريفة، والتي فيها توفّى أبو طالبٍ وتوفّت فيه أم المؤمنين خديجة رضوان الله عليهما، حتى أسماه رسول الله “ص” بعام الحزن ، ولكن السياسة لعبت دورها في تكفير أبي طالبٍ إبن عبدالمطلب والتاريخ يحتاج ألف مرةٍ لإعادة هيكلته وتنقيحه من شوائبه .

القصيدة اللامية لأبي طالبٍ بن عبد المطلب الشاهدة على إيمانه بالله وبرسوله ” ص” وهي من أشهر قصائده، والتي وصفت بأنها أَفْحَلُ مِنَ المُعَلَّقَاتُ السَّبْعَ، فقد قال عنها ابن كثير الدمشّقي في كتابه «الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة»: «هَذِهِ قَصِيدَةٌ عَظِيمَةٌ فَصِيحَةٌ بَلِيغَةٌ جِدًّا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَهَا إِلَّا مَنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ، وَهِيَ أَفْحَلُ مِنَ الْمُعَلَّقَاتِ السَّبْعِ، وَأَبْلَغُ فِي تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى مِنْهَا جَمِيعًا».

كما رواها محمد بن إسماعيل البخاري في روايتين إحداها عن عبد الله بن عمر والأخرى هي لعبد الله بن دينار، وجاء في «مصنف ابن أبي شيبة» روايةٌ لعائشة بنت أبي بكر”رض” ، ونسبها رواة كثر مستشهدين ببيت الشعر، «وأَبْيَضَ يُستَسقَى الغَمامُ بوَجْهِه * ثِمالُ الْيتامى عِصمةٌ لِلأراملِ».

خــلـيـلـي مــــا أذنــــي لأول عــــاذل

بـصـغـواء فــي حــق ولا عـنـد بـاطـل

خـلـيـلي إن الـــرأي لــيـس بـشـركة

ولا نــهــنـه عـــنــد الأمــــور الــبـلابـل

ولــمـا رأيـــت الــقـوم لا ود عـنـدهـم

وقــد قـطـعوا كــل الـعـرى والـوسائل

وقـــــد صــارحــونـا بــالـعـداوة والأذى

وقـــد طــاوعـوا أمـــر الـعـدو الـمـزايل

وقــــد حــالـفـوا قــومـا عـلـيـنا أظــنـة

يــعـضـون غــيـظـا خـلـفـنـا بــالأنـامـل

صـبرت لهم نفسي بسمراء سمحة

وأبـيـض عـضـب مــن تــراث الـمقاول

وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي

وأمــسـكـت مـــن أثــوابـه بـالـوصـائل

قــيــامـا مــعــا مـسـتـقـبلين رتــاجــه

لـدى حـيث يـقضي نـسكه كل نافل

وحــيـث يـنـيـخ الأشــعـرون ركـابـهـم

بـمفضى الـسيول مـن إسـاف ونائل

مــوســمــة الأعـــضــاد أو قــصـراتـهـا

مـخـيـسـة بــيـن الـسـديـس وبـــازل

تـــرى الـــودع فـيـها والـرخـام وزيـنـة

بــأعــنـاقـهـا مــعــقــودة كــالـعـثـاكـل

أعــوذ بــرب الـنـاس مـن كـل طـاعن *

عــلـيـنـا بـــســوء أو مـــلــح بــبـاطـل

ومــن كـاشـح يـسـعى لـنـا بـمـعيبة

ومـن ملحق في الدين ما لم نحاول*

وثـــور ومـــن أرســـى ثـبـيـرا مـكـانـه

وراق لــيـرقـى فــــي حــــراء ونــــازل

وبـالبيت ركـن الـبيت مـن بـطن مكة

وبالله إن الله لــــــيـــــس بــــغــــافـــل *

وبـالـحـجـر الــمـسـود إذ يـمـسـحونه

إذا اكـتـنـفـوه بـالـضـحـى والأصــائــل*

ومـوطئ إبـراهيم فـي الـصخر رطـبة

عــلـى قـدمـيـه حـافـيـا غــيـر نــاعـل *

وأشــواط بـين الـمروتين إلـى الـصفا

ومــــا فـيـهـما مـــن صـــورة وتـمـاثـل*

ومــن حــج بـيت الله مـن كـل راكـب

ومــن كــل ذي نـذر ومـن كـل راجـل*

وبـالـمشعر الأقـصـى إذا عـمـدوا لــه

إلال إلــى مـفـضى الـشراج الـقوابل*

وتـوقـافـهـم فـــوق الـجـبـال عـشـيـة

يـقـيـمون بــالأيـدي صـــدور الـرواحـل

ولـيـلـة جــمـع والـمـنازل مــن مـنـى

ومــــا فـوقـهـا مـــن حــرمـة ومــنـازل*

وجــمــع إذا مــــا الـمـقـربـات أجــزنـه

سـراعا كـما يـخرجن مـن وقـع وابـل

وبـالـجـمرة الـكـبرى إذا صـمـدوا لـهـا

يــؤمــون قــذفــا رأســهــا بـالـجـنـادل

وكــنـدة إذ هـــم بـالـحـصاب عـشـية

تـجـيـز بــهـم حـجـاج بـكـر بــن وائــل

حـلـيفان شــدا عـقـد مـا اجـتمعا لـه

وردا عــلــيــه عــاطــفـات الــوســائـل

وحـطـمهم سـمـر الـرمـاح مـع الـظبا

وإنــفـاذهـم مـــا يـتـقـي كـــل نــابـل

ومـشـيهم حــول الـبـسال وسـرحـه

وشــبـرقـه وخــــد الـنـعـام الـجـوافـل

فــهـل بــعـد هــذا مــن مـعـاذ لـعـائذ

وهــل مــن مـعـيذ يـتـقي الله عــادل

يــطــاع بــنــا الأعـــدا وودوا لـــو انــنـا

تــســد بــنــا أبــــواب تــــرك وكــابــل

كــذبــتـم وبـــيــت الله نــتــرك مــكــة*

ونــظــعـن إلا أمــركــم فــــي بــلابــل

كــذبـتـم وبــيـت الله نــبـرى مـحـمـدا*

ولـــمــا نــطــاعـن دونـــــه ونــنــاصـل

ونــسـلـمـه حـــتــى نــصــرع حــولــه*

ونـــذهــل عــــن أبـنـائـنـا والــحـلائـل

ويــنــهـض قـــــوم بـالـحـديـد إلــيـكـم*

نـهـوض الـروايـا تـحت ذات الـصلاصل

وحـتى يـرى ذا الـضغن يـركب ردعـه

مـن الـطعن فـعل الأنـكب الـمتحامل

وإنــــي لـعـمـر الله إن جـــد مـــا أرى*

لــتـلـتـبـسـن أســيــافـنـا بــالأمــاثــل

بـكف امـرئ مـثل الـشهاب سـميدع

أخــي ثـقـة حـامي الـحقيقة بـاسل

شـــهــورا وأيـــامــا وحـــــولا مــجـرمـا

عـلـيـنـا وتــأتــي حــجـة بــعـد قــابـل

ومـــا تـــرك قـــوم لا أبـــا لــك سـيـدا

يــحــوط الــذمــار غــيـر ذرب مــواكـل

وأبـيـض يـسـتسقى الـغمام بـوجهه

ثــمــال الـيـتـامى عـصـمـة لــلأرامـل*

يــلـوذ بـــه الــهـلاك مــن آل هـاشـم

فــهـم عــنـده فــي رحـمـة وفـواضـل

ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء

مراجع القصيدة :

1- الكرباسي محمد صادق ( 2008م -1429) معجم أنصار الحسين -الهاشميون- دار المعارف الحسينية “ط.اﻷولى” لندن، المملكة المتحدة: المركز الحسيني للدراسات،ج.الجزء اﻷول ص29.

2- العسقلاني ابن حجر تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوض ” 1415هجري، الإصابة في تمييز الصحابة “ط.الأولى” بيروت،دار الكتب العلمية،الجزء السابع ص 196.

3-البلاذري: تحقيق سهيل زكار ورياض الزركلي” 1417هجري-1996م” ،

أنساب اﻷشراف “ط.الأولى” بيروت: دار الفكر،ج.الجزء الثاني،ص23.

4- عام الحزن،إسلام ويب 2003-7-19مؤرشف من اﻷصل.

5- محمد التونجي “1414هجري-1994م ” ديوان أبي طالب عم النبي”ص” ط.الأولى” دار الكتاب العربي ص11-12.

6- أبو هشام صالح بن عوّاد بن صالح المغامسي شرح المدائح النبوية، المكتبة الشاملةج.الجزء السادس ص 1 .

7- عبد الملك بن هشام تحقيق مصطفى السقا وابراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي ” 1375هجري-1955″ سيره إبن هشام “ط. الثانية “شركه مكتبة ومطبعة مصطفى الباقي الحلبي وأولاده بمصر، ج. الجزء الأول ص272.

8-أبو الفداء إ سماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي البداية والنهاية” 1407-1986م، دار الفكر ج. الجزء الثالث، ص57.

9- محمد بن صالح العثيمين 1422-1428هجري، الشرح الممتع على زاد المستنفع، ” ط.الأولى” دار ابن الجوزي جين الجزء الثاني عشر ص،262.

10-أبي طالب في نصرة النبي “ص”، شرح وتعليق موقع نداء الهند مؤرشف من الأصل في 1 مارس 2021.

11- يوسف بن اليان بن موسى سركيس “1346هجري 1928” معجم المطبوعات العربية والمعرفة، مصر مطبعة،سركيس، ج. الجزء الثاني ص. 1366.

====================

الحلقة القادمة بإذن الله تعالى الاستفسارات والدلائل حول

الموضوع .

جدلية الموت وفلسفة النهاية في العالم الآخر وما تمثله طقوس الرحيل في رواية نهر الرمان تجربة موت ..بقلم : فاهم وارد العفريت

الرواية صادرة عن دار العرب للطباعة في دمشق ودار الصحيفة في بغداد للعام 2022 وبواقع 162 صفحة من القطع المتوسط .

قبل الخوض في قراءة الرواية وتفكيك ما إحتوته من نصوص , نتوقف عند إختيار الروائي شوقي كريم لعنوان روايته , حيث نجد أنّ هناك دلالة موحية للترابط  بين اللونين لون الدم ولون حبات الرمان الحمراء , هذه الصورة للجسد الذي خضع لمباضع الجراح ليشكل نهرا من دماء مثلّت التصادم المستمر بين الواقع والمتخيل في تناول مغامرات الولوج في حدث سيطرت عليه سلطة اللا وعي أثناء عملية التخدير داخل صالة العمليات .

الروائي هنا إستحضر مشاهد الموت في سرد الأحداث من خلال بوابات روايته السبع وهن على التوالي : عند عيون الانتهاك , عند قافلة القرمز , عند وردة الخرس , عند رحلة الاكتشاف , عند جذور الرماد , عند مجسات الملكة , عند مسار العتمة .

فعند دخوله المستشفى وفي صالة العمليات لاجراء العملية ومع فعل التخدير وما يحدثه من هذيان نقل لنا الروائي كيفية صعود الروح نحو السماء حيث العالم الآخر , ومن ثم عروجها داخل أروقة الأرض المختلفة , وهو بذلك يطوف ويتوقف عند الكثير من المحطات التي مرّت بها سنوات عمره بين مسارب حياته التي عاشها , وهي تمثل الفضاء المكاني الافتراضي للرواية وأحداثها التي عمل شوقي كريم من خلالها على محاولة إعادة جمالية الماضي وما يمثله من قيم وموروث إجتماعي كاد ان يذهب أدراج الرياح بسبب ما آلت إليه الأوضاع سياسية كانت أو إجتماعية , والتي ألمت بالبلاد والعباد .

كما أن الروائي كان يعتصر قلبه ليس مبضع الجراح فقط بل كان جل إهتمامه ما وصل إليه حال وطنه في تاويل فلسفي للواقع وما تعتريه من مصائب إزدحمت بها مخيلة الروائي لتتحول الى يأسٍ وأفكار سوداوية إستحالت الى سيوف من الشقاء حاصرت الأغلبية الصامتة وهي تشعر بفراغ حسي كبير .

لانها بلا وطن حقيقي تتبلور فيه صور الذوبان الروحي في حبه والتضحية من أجله , ولكن لم تحصل تلك النفوس إلاّ على واقع يستمد خلجاته في حزن موروث حتى أغانيه تسبح في لجج من الحزن الدائم الذي فرض سطوته على تلك البلاد منذ قرون خلت .

وهذا الخيال الفلسفي الذي استخدم صور ومعاني ودلالات في مداعبة أعماق النفس وهي تبحث عن مكامن حقيقة وجودها بذلك التجنيس بين الواقعية والخيال الذي وظفه الروائي لتكون ذات صور قريبة من القاريء والتي أجهد بها أفكاره في سبيل إظهار مضامين خصائصها وبكل ماتحمل من أبجديات رغم عدم بساطة اللغة والاسلوب الذي يتخذه الروائي في سرد أحداث الرواية وثيمتها .

إذاً شوقي كريم حملنا فوق مسميات شخوص وأحداث وحوارات وهذيان وصراع تأريخي تتداخل فيه عوالم شتى في ثيمة الحياة والدعوات الى الذوبان في مخاضات مساربها .

ومع مفردة الموت وما تعنيه من نهاية قد تكون عبثية سنين يعيشها المرء تكون خاتمتها الحتمية هو الفناء المسمى لفظاً بالموت .

في هذا الفضاء الواسع وتلك الأرض الممتدة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً نحيا في عالمٍ يسمى الحياة الدنيا , وهو عالم يحمل جميع المتناقضات والمفارقة والغرائبية والتأويل والفلسفة وأسئلة الاستفهام وتشظيات الذاكرة وإسترجاع مشاهد التناص المعبأة بالصور والإيحاء , فيه الخير والشر وفيه الجمال والقبح وفيه المواقف سلبية كانت أو إيجابية عند البوح او الصمت .

وكلما زادت تلك الإستفهامات إزدادت معها الأسئلة لماذا نحن هنا .. ؟ ولماذا تسحقنا عجلات الفناء حينما يداهمنا الموت بذلك القدر الحتمي من الفناء …؟

وكلما توغلنا او بحثنا في واقع الموت وحتمية حدوثه نجد أنّ لا فرق أبداً بين أماكن تواجده حينما يقوم بقبض تلك الأرواح إنْ كانت في جبهات القتال أثناء المعارك الرسمية حيث تلف توابيت الجنود الراحلين بعلم البلاد , او الموت الطبيعي حيث يلف التابوت ببطانية زاهية الألوان من أجل مباهاة الآخرين وصد أفواههم من أخذ غيبة المتوفي أو جلد أهله بسياط الألسن المارقة .

لذلك فالعلم أو البطانية يؤديان نفس الدور في الابتعاد عن مايمثله هذا العالم من نفاق وخداع , وللموت هذا وجوه وقسمات طالما إبتسمت لآلاف الجنود الذين ليس لهم حيلة وهم يجبرون عنوة للذهاب قسراً نحو حدود الوطن الملتهبة بمختلف أنواع الأسلحة الجوية والأرضية وكذلك البحرية .

وهؤلاء الجنود منهم مَن تطوّع للدفاع عن وطنه مهما كانت السلبيات , لذلك ينتظر الجميع مَن يختاره الموت عندما يلوّح له برصاصة بندقية أو قذيفة مدفع أو صاروخ دبابة او طائرة .

وللروائي إسلوبه الخاص في توظيف اللهجة العامية الشعبية بما تحمل من مفردات غريبة قد لا يفهمها البعض لعدم التحاور بها بسبب ان بعض او أغلب تلك المفردات قد لفها النسيان لرحيل مَن كانوا يتكلمون بها , كذلك لحلول مفردات أخرى حلت مكانها فإنتفت حاجة إستخدامها مثلما كانت قبل هذا الزمان .

ونرى وفي أغلب حوارات الرواية إنْ كان حواراً مونولوجياً وكما حاور الروائي ذاته , أو حواراً دايلوجياً وهو الحوار الذي دار مع الآخرين , هنا نرى أنّ شوقي كريم إختار أسماء الشخوص بعناية حتى تكون لها دلالاتها المحملة بالمعاني الخاصة للبعد السيكولوجي لمعاني تلك الأسماء بحيث تواكب هذا التمازج بين الدلالة المعنوية والأرث الحضاري لهذا الإستخدام .

وكلما توغلنا بعيداً بين تضاريس تلك الرواية وحواراتها نرى ان الراوي أراد لتلك الحوارات أن تأخذ بعداً آخرا يحاول من خلاله أن يبعدنا بطريقة أو بأخرى عن الواقع المأزوم , فكل الكلمات التي إزدحمت

بها سطور الرواية حاول خلالها الراوي إبعاد القاريء عن شبح الموت ونوازع الشر في حياة الآخرين التافهة , بعيداً عن خضم المعارك وروائح الدم المنبعث من أجساد الجنود .

أراد أن يفيقنا من إغفاءاتنا لنرى بعين الحقيقة ماتمثله الأوطان لدى هؤلاء الحكام الذين جلبتهم عساكر المحتل كجزء من المعدات العسكرية التي عملت على قتل وتهجير وسجن الآلاف من أبناء الوطن .

لذلك فهؤلاء الذين جلبهم المحتل حكومة أو سلطة غاشمة ليس في أيدلوجيتهم مباديء او شيء إسمه وطن , لذلك تم بوجودهم البيع الرخيص للقيم وتمت المتاجرة بها بأسماء وعناوين عديدة , فمرة بإسم الدفاع عن قدسية الدين أو شرف الانتماء لوطنٍ لم يجد فيه المدافعين حتى بيتاً بسيطاً يأوي عوائلهم , او عيشة كريمة تخرجهم من ذل الحاجة الى فضاء الاكتفاء المالي والمعنوي .

من خلال التجوال بين فصول الرواية وصفحاتها نرى ان الروائي شوقي كريم إستخدم في لغة الرواية نزعة تصويرية مدّ من خلالها جسراً هيمنت عليه حيوية تلك المخاضات التي إستمد من خلالها التواصل الذي اوجده بين مقاربات الروح ككائن هلامي وبين خلجات الجسد وما يمر به من ألم العملية الجراحية .

كذلك إستخدم الربط بين جمل ومفردات ربما تكون ذات بعدٍ محوري بين المعقول واللا معقول في حوارات العقل المتزن وبين الجنون الفاضح لحركة الانسان السوية بين أفراد المجتمع .

هذا الإنكفاء في تشعب الأصابع الدامية للطبيب وهي تصافح دماء صدره تحت مغازلة مبضع الطبيب وهو يبحث عن ابرة صغيرة بين هذا القش الكثير الذي مثّل صدر الراوي وعلى مدار 72 ساعة متواصلة من العمل الجراحي الدقيق , وبين نبض ضعيف أنهكته وخزات المباضع وطغيان الشرايين بتدفق الدماء .

وبين الشراشف البيضاء وملابس الكادر الطبي وقفازات الانامل البضة للممرضة , وبين الأيام الثلاثة التي تمت خلالها عملية فتح الصدر , كان شوقي كريم باذخاً في تدوين كل اللحظات شعورياً ولا شعورياً ليقتطف الغرابة في كشف الكثير من المسكوت عنه في عالم يعيش بين تجشؤات اللا معقول في هذه الخلجات المريرة .

لذلك لم يدع وقته هذا نهباً للهواجس او للضياع بين مفازات الأشياء الغير ملموسة , فيما كانت روحه تطوف عالم المجهول اللا متناهي , وبعد هذا التطواف يعود الروائي الى العزف مجدداً بقياثر الوطن , الوطن الغير موجود حقيقة كوطن أم يحتضن أبنائه .

شوقي كريم رسم لنا بريشة كلماته ذلك الشعور الخفي بأن هذه الناس التي تعمّدت بماء البؤس والحرمان والموت المجاني والتهجير القسري ووقود الحرب الطائفية وهم مشاريع إيواء لسجون السلطة الكثيرة والكبيرة , ماهم إلاّ أشياء رخيصة مبعثرة في وطنٍ لا يعرفها , ومسؤولون سياسيون ودينيون لا يعطوهم أبسط الحقوق , لذلك حينما رسم المعلم للتلاميذ نهرين طويلين ونخيلاً كثيراً إستغربوا وأسرتهم الحيرة لأنهم لا يعرفون عن الوطن سوى الدموع والتوابيت وسواتر القتال وأخبار المعارك والإنتصارات الوهمية والدفاع عن مقدسات يعطوها الدماء في دفاعهم عنها لتعطي لغيرهم الاموال والرفاهية والمكانة المرموقة , بينما المدافعون لايحصلون إلاّ على الفقر والإذلال وعدم الاهتمام , وهم يعيشون بين اتون ليالي حزينة يحيون بين عويلها كل حين .

 نهر الرمان .. تجربة حياة ام تجربة موت؟؟ ..اسئلة الموت والفلسفة ..بقلم : خضر خميس

شوقي كريم  ذلك الروائي المتفرد في نسج الواقع على منوال خاص ينير لنا هذه المرة طريقا مكللا بالظلام  برواية فذة وبسبع بوابات أراد لنا دخولها كي نصطدم بحكمة مضيئة عند كل بوابة

انها رواية نهر الرمان .. وقبل أن ألج بوابتها الأولى أقف عند عتبة هذه الرواية لأرى ( اراغون ) بعد أن تكلمه الأرض ليقول … الأرض ليست نادرة أو ثمينة ….

— عند عيون الانتهاك — هذه هي البوابة الأولى  وهي تثير لنا جدلا حول فلسفة الوجود والموت وتنثر لنا حٍكَمَ التأويل ..

… كيف يمكن البقاء وسط دنيا دون أسرار ..

… كيف يمكن الوصول إلى مااريد وطرقاتي وحول ونباح كلاب وليل لايعرف كيف ينتهي ؟؟؟

شوقي كريم يهمس من خلال هذه الرواية بأن ( الحقيقة هي المشعل الوحيد الذي يضيء لنا الدرب )

هذا الروائي الحالم — الذي قادته أحلامه إلى ما يريد —  دوٌن في هذه البوابة فنا مزدانا بلحظات شعرية وصورا مشرقة  ولفظا عاميٌا يطرق كنه المواويل خيالا وتأويلا ونسقا مضمرا جاعلا من المتلقي مشاركا له في البحث والتنقيب  …

…. عند حيطان بيوتنا .. رسمت أضوية وأكفا تصفق .. كنت  أغيٌر كل  ماارسم  بشخطة فحم ….

.. جدي أوصاني أن اتخذ من السماع سلٌما من أجل الوصول إلى غاياتي … 

… المجانين أكثر الناس معرفة للطرقات …

وما اجمل هذه العبارة .. الوجوه التي كركمها كاهن الموت …

نعم نحن عند بوابة .. عند عيون الانتهاك .. التي وظفت  بيت المتنبي العظيم …

وإن تكن تغلب الغلباء عنصرها

                         فإن في الخمر  معنىً ليس في العنب

في هذه البوابة معنىً ليس في العنب

ما أن نغادر البوابة الأولى أو نكاد ؛ يطالعنا ضوء مرتبط بخيط المعرفة والبوح والحوار إذ يأخذنا بيديه المفعمتين بأنوار الحكمة إلى مباهج الأحلام وربيع التأملات لنرى امرأةً بكرسيها المتحرك جنب امرأة مخدِرة وبضٌاعا بمشرطه المتقاسم اهاتٍ مع الجسد ٠ هذا الجسد المسجى على طاولة التأوهات والمسائل عن سر غيابه

_ وهل غبت كثيرا …؟؟

_  دون ذلك الغياب ماكنت تقدر أن تعيش !!

 مع انتظارات _ وسط دوامات من الدخان والبكاء _ تبدأ حوارية القلب والجسد ، تلك الحوارية المشدودة بفلسفات تبحث عن كنه ضائع بين فجوات المستقبل …..

__ غنٌ ودعني انتشي بعذوبة مراميك .. تعال الآن .. تعال نرقص سوية نزرف بطن الوحشة التي ارعبت إنسانية البيوت،. قلت لك غنٌ  لا تركب بغل عنادك والا سأضطر لمغادرتك بحثا عن جسد ٱخر اكثر ألفة وحبورا …

هكذا هو القلب حين يجعل الجسد مذعنا ومستسلما …

وتبدأ رحلة الحوار بينهما ومن هو التابع والمتبوع .

البوابة الثانية تثير حوارا ثانيا أيضا بين تابع ومتبوع مثلما الجسد والقلب،    بين فاضل ابراهيم والضابط، وهذا الحوار عن ( خالد خلف عودة) ذلك الجندي الذي اصيب برصاصة جعلت منه شخصا مجنونا أريد له أن يكون ضحيةً عند الساتر الاول وهكذا كان

__ قال الضابط مخاطبا فاضل ابراهيم::  الحرب تحتاج حطبا وفتحَ طريق بمجنون احسن من فتحه بواحد مثلك …

( اغرورقت عينا البضٌاع بالدموع وهو يحدق في بقايا جسد خالد خلف الذي راح يثغب ….

_ فاضل ابراهيم .. لاتنسَ .. قل لأمي التي لاتعرف ماتعني الطرقات

إن خالد خلف المتهم بجنون الشظايا وعبث الوقت عَبَرَ لتكون مواجعه اكثرَ بساطةً وأشدٌَ حزنا ….

هنا نتذكر بيت المعتمد بن عباد

قالوا  الخضوع سياسة

                        فليبدُ منك لهم خضوعُ

والذ من طعم الخضوع

 على فمي  السم النقيعُ يالقسوة الايام وهي تجعل من دوائرها الملونة كوابيسَ جنون وملاذاتٍ نار تحيط بأجساد نافرة تعانق أرواحا مزدانةً بقلق فاضح فما بين بضٌاع ومخدٌرة وبين جسد وروح تقفز شخصيةّ تعيد  صياغة الجنون التي لا تقدر هذه الشخصية على العيش بدونه ..ونحن نغوص في أعماق بوابتنا الثالثة نجد هذه الشخصية المستلة من جسد الأحداث تأخذنا ( من ضحكة بلهاء إلى صراخ احمق تتحول الدنيا بين يديها إلى سخرية مرة كالعلقم)…..يالها من بوابة تعبر بنا ينابيع الأمل تارة والى ( ليل زنازين قاحل وحلم تبدد بين غرفة تحقيق وقاعة اعتقال ) …انها رواية ليس كباقي الروايات المتداولة إذ على قارئها أن يعيش تفاصيلَ مرعبةً حينا  وحواراتٍ بين جسد وروح ونفس وقلب  ومخدٌرة وبضٌاع وسيدة كرسي وانتقالات ومفاجآت حينا ٱخر ..

( أجمل الأشياء تلك المحاطة بالمفاجئات ) ( العشق سؤال لا أحد يستطيع البوح به ) ( لاأحد يعيد وجودك سوى الأمل ) تلك حِكَمّ نراها بين السطور …هل وصلنا في هذه القراءة إلى ماكان يجول في راس الراوي وهو الذي مرٌَ بتجربة كالتي مرٌ بها ابطال روايته حيث كان أيضا تحت يدي بضٌاع ومشرطه وهو صاحب القلب الكبير الذي أحاط بعالم ممتلىء بكل بذور التناقضات ، لكن هذا القلب بقي متماسكا رغم سيولات الوجع وفيوضات القهر وارتعاشات القلق … قلب تشبث بافانين البقاء ليروي لنا مانراه واقعا لاخيالا ….

بمداد الحلم وتصويبات الفنان سينتقل معنا إلى بوابة رابعة حيث  سنكون ..

عند  رحلة الاكتشاف (إن كنت حكيماً فأنت حكيم لنفسك وان استهزأت فأنت وحدك تتحمل)

انت ايها الحالم بحياة تتشاجر مع موت مدلهم لا لأجل شيء بل لأجل أن يبزغ قمر الحق في سماوات مظلمة .. ماانفكت لواعجك الطائرة نحو الغمام مضيئةً .

ايٌّ نهرٍ هذا الذي يتجه صوب ارض سادها الضمور ؟؟؟

حين تتداخل المشاهد تحت يديّ البضّاع كي نرى ساترا ترابيا ودوي رصاص ( الحروب فكرة لاختبار الرغبات المخزونة في أعماق ارواحنا) .. هكذا إذن تأتي هذه الحكمة كي تضيء لنا هذا المشهد .القلب تحت رحمة المشارط وهو يلتهم دما غريبا .. كان يضحك .. (ماذا لو كان هذا الدم الذي يعيد لك الحياة دمَ قاتل.؟؟)

( ماذا لو كان دمَ راقصةٍ تكفر عن خطاياها بفضيلة التبرع بالدم؟)

أم أن الجسد يغيره دم كاهن كنيسة؟….

وهنا تأتي هذه الجملة المفعمة بالحقيقة ..( وحدهم الفقراء من يسخون بدمهم ). .

تبدأ الروح والقلب والجسد حوارا فلسفيا .. أيّ قلب هذا الذي ينفض الأسئلة ويعيد توازن المدى وهو تحت مشرط البضّاع .. ؟؟

وأية روح تلك التي تنفث الحكمة وهي تحت سيف الموت . وأيّ روائي هذا الذي جسَّد في نهر رمانه  بوحا مكتظا لاتوقفه أعاصير البلوى وفحيحها ؟؟؟

يجعل من ( فتنة ذرب ) امرأةً بقامة رشيدة ومن ( فطيم ) سليلةَ جنوب مصادر وما بينهما كانت الأسطر تلهث حيويةً وخيالا منثالا.

يذهب بنا حيث الأوامر العسكرية وفحيح البيريات الحمراء والأمهات بأنينها الباحث عن فلذات الاكباد ..

يالهذا القلب وهو يلوّح لنا بكل نوافير الأحلام  .هل هي رحلة اكتشافه ام رحلة اكتشاف البضّاع .؟؟؟؟

( بأن يكون الشخص إنسانا أبدا مهما كانت المصائب وأن لايكتئب ولا يسقط )

يذهب بنا هذا الروائي العنيد والمتمرد إلى فضاءات الخيال محلقا بأجنحة الابداع ملامسة شغاف الاصرار على التمسك بجذوةٍ تحاول هي الخلاص منه رغم شدة لسعاتها وهو يسير في بساتين احلامٍ لايتمنى إن يعكرَ أفانينها نعيبُ غربان أو مساراتُ دخان .. عائدٌ بنا أيضا إلى حوارية الجسد والروح والقلب …

هذا القلب الذي مازال يشعر بضغط اصابع البضّاع …

أنت ايها القلب الذي يحدثنا رغم هذه الاهوال التي يمر بها بوجدانياتٍ تارةً وحِكَمٍ تارةً أخرى ..عن حوار بين مخدرةٍ وعرّافة. عن جدل بين جسد وروح وعن أسئلةٍ تتواشج مع طيّاتها..

( هل يمكن للحرب إن تصنعَ أحلاماً). وما بين حوار وحكمة يتحول المكان إلى صالة عرض مسرحي ليتحدث شكسبير مع الملكة اليزابيث عن معنى الخيانة . وهل هي حقا بأنها ( اعلان مالا يستحق في حضرة القيم والأخلاق).. كي ينبري برنادشو بمشهد تمثيلي كي يصل إلى تفسير للخيانة غير المفهوم الأعرج الذي أطلقه شكسبير..

تدخل الحكمة ضمن هذا المشهد التمثيلي الذي اقتحم لحظات البضّاع والمخدرة وسيدة الكرسي لتضيء مشهدنا الغارق بالأسئلة..

( هموم العارف تجعل افكار الغادين مجردَ تأريخ من أسئلة). ( الجدل ثوب الأفكار وطريق التكوين ) . والحذر بأن ( تبعد خطوك عن درب لايوصل إلى غير المقصلة )( التأريخ صندوق أكاذيب فاجر لاينطق بغير الاوهام )..

من خلال هذا الحوار تقفز لنا صورٌ شعريةٌ وعبارات موزونة.

( الليلة صمتٌ ..وانا ودعت حياتي لضباب) .(في رأسك حلمٌ مجنونٌ ياعطار .) .. وما بين شكسبير وبرنادشو وبين بضّاعٍ وقلب تتشابك الأحداث أمام جسد يحلم بأرجوان جديد لمواصلة المسير وما بين انزياح وتأويل وفكرة وحكمة تكون ( الايام ساذجةً بسيطةً لأنها خالية من الرفض والاحتجاج)..

ٱه .. أنها كريات الارجوان المنسابة ..  ويالهذا القلب الحالم تحت يديّ البضّاع  …وأنت أيها الرائي .. مالقلبك وهو بين يديّ البضّاع يتجشم كل هذه المعاناة بصبرٍ لاينضب وبرؤيا لاتنقطع ؟؟هذا القلب الذي يعيد تكوين ايامٍ مضت وأيامٍ تلمع بمفترقاتها .. يصرخ بالاحتجاج تارةً وبالحكمة تارةً أخرى .. هاهو يلبط عند مجساتٍ شارعةٍ بالأغواء. يتكلم بلسان سان جون بيرس( وانا ساهرٌ على شاطئها يمزقني كوكب عذب)

ياه … ( من أوصلنا إلى مانحن عليه ولماذا.. لاأحدٌ يستطيع الإجابة حين يكون المتهم حاكما والحاكم متهما)…

صالةٌ تتشح بالبياض ومابين بضّاع ومخدرة ينمو القلب بعناده الذي يريد إعادة الحياة .. ها هو يقاوم كما تقول الروح وتردُّ النفس ويحسب الجسد الفَ حساب . وما بين دمية عسلية الشكل ودمية ثانية وثالثة تتأرجح العبارات كي تعلنَ بثبات ( إن الجلوس على الدرب لايوصل إلى غاية ومطلب) وما بين هذه وتلك تقفز اصابع البضّاع كي تعيدَ الأمل مع رجل مصاحبٍ للأرجوان مثلما تنشر أشرعتَها الحكمةُ وتثير لواعجها فلسفة الجنون ….

( من يمنح جنوني بعضَ ماتسمونه عقلاً .. من يدفع أحلام الفقراء إلى حدائق الرضا .. من يلوك الصمت ليلةَ زفاف الخراب .؟؟؟)..

هنا يشرأب الحرف اللامع لصريع الغواني مسلم بن الوليد..

بكاءٌ وكأسٌ كيف يتفقان

           سبيلهما في القلب مختلفان

هكذا إذن .. قلب موضوع في إناء فضي يقاوم الانكسار ويعاند الموت كي يرى أمَّه تدوف حزنها بماء العينين.. تلك هي (فطيّم) درة البوح الجنوبي عندما تتكلم بلغتها العامية البسيطة عن هذه الحياة التي ( تبدي بضيم وتنتهي بضيم) وحين يحدثها القلب بأنها تفكر افضل من ماركس وانجلز وماو وسارتر تبدأ تسأل عن ( عزيز علي ) كي تغني .. عشنا وشفنا وبعد نشوف.. قرينا الممحي والمكشوف .

حين اومأ البضّاع إلى رجل الارجوان بأن يقتربَ منه شعر أن الخشبة المسجاة (الجسد) بدأت تتحسس وجودها العابث وتهمس الروح..(فطيّم .. كل مااحتاجه منك ليلةَ احزان طويلة … غنّي فطيّم.. اريد تضميد ماتبقى مني ..

انتقل بنا ايها الرائي المتمرد من سان جوها أنت ايها الرائي وأنت تريد أن تنتهي هذه الرحلة التي بدأتَها بعيون الأنتهاك مخترقاً صباحات الأسئلة وتفاهات الحروب ماراً عبر لعبةٍ فريدة اسمها (الموت) راسماً بفيوضات ابداعك جداولَ احاديثٍ من عالم اللاوعي كي ترتقي سلالمَ الحقيقة الواعية هاشاً بعصا الحروف أيامَ الهذيانات واللياليَ المبلولةَ بالخيانة . متخذاً من ( فطيّم وحيلي) قدوةَ النواح الجنوبي وهدير الخلجات الإنسانية..

تلك المرأةُ التي نسجت بفطرتها هديلَ أحلامٍ لم تتحققْ وصباحاتٍ عذبةً رغم قهر السنين..

لقد قبلتَ لعبة التحدي هذه بكل أشواطها مع بضّاعٍ ماهرٍ أراد لك الوصول إلى عربةٍ ستأخذك إلى عوالمَ مضيئةٍ بعد كل مسارات  العتمة.. يالهُ من قلبٍ خاض غمارَ الاحلام مثلما صهلَ بين مدن الهواء وغرفٍ مسوّرةٍ بالشبق.. من يحتضنك بكل هذا الرفق ليحاول اعادةَ ايامك وتجربة لعبة الحياة بعد كل هذا العناء ؟؟ وأيةُ امرأةٍ تلك التي تأخذك إلى فضاءاتٍ عذبةٍ بعد رحلة كان اجملها هذه التجربة التي أفضت بك وبخيالاتك إلى مسلات الدرر وشهقات الحنين؟؟

أيُّ قلبٍ هذا الذي يهمس بكلّ قنواته ليرى (خالد خلف) ذاك الذي أهدته الحربُ رصاصةً في رأسه وهو يعيد تلويحتَه محذرا (من  الطرقات التي لا تقدر على معرفة وجودها) ؟؟؟

ايها العارف بكل ادوات اللعبة والماسك بجواهر المفردات والصانع الماهر والباسق كنخيل العراق .. نراك لامعا بحروفك الندية وأنهارك العذبة التي ارتوينا منها شهداً برحلة ملونةٍ (ينبجس منها سؤالٌ واحدٌ لاغير.. مالموت.. ولماذا يتحتم علينا أن نمارسَ لعبتَهُ طوال حياتنا ؟؟؟)

انتهى