الكاتب العراقى سعد الساعدي يكتب عن : سُرّاق محترفون ..

ليست السرقة فقط أن يضع أحدهم يده في جيب الآخر ويسرق نقوده ، كما أنّها لا تعني تسوّر الجدران ليلاً واقتحام البيوت، وهي ايضاً ليست التلاعب بالسجلات وتزوير الأوراق و تحويل أرصدة الغير لحسابات ثانية بأسماء جديدة ، وليست ايضاً مجموعة أشخاص وهميين يتقاضون رواتب بلا عمل ووظيفة رغم وجد الكثير من هذه الصور المتجددة في فنون النصب والاحتيال ، أو ما اصطلح عليهم بـ الفضائيين .

كل ذلك يشكّل خطورة على الفرد ، والمجتمع ؛ لكنّ الأكثر فتكاً بالناس ، هو حين يتحول الرمز المقدس لدى البعض الى الحاثّ والدافع والعامل الأشد قسوة وقوة في حث المواطن وسوقه لاتباع ممثل السرقات الاكثر فنا و حرفية في عمله ، وجعل الناس تتسوق من أماكن مغلّفة بالطوابع الروحية والعقائدية ، والتسليم والاطمئنان النفسي الكلي بذلك عبر أساليب دعائية فنية جديدة في السيطرة على اقتصاد السوق لجماعات خاصة ، وأشخاص مميّزين فقط .

نعرف ان ادوات الاعلان وفنونه وأساليبه تخاطب عواطف البشر بشكل مباشر ، ولا تدعه أحيانا يستعمل عقله للتمييز ؛ ربما العين هي التي تتأثر وتقرر اي لون هو الأجمل ؛ امّا الدعاية فهي محاولة التأثير على ذلك الكائن وأقناعه بالقدر المستطاع كي يتبنّى فكرة وعقيدة الداعية ، وهذا بشكل فعّال نجده في العمل السياسي بشكل خاص ؛ لكن حين يتحول الى ترسيخ فكرة بدوافع مباشرة تدفع الفرد والجماعة بشراء منتجات معينة ذاتها – غذائية وغيرها – لان ماركتها تحمل اسم شخصيات دينية تاريخية معروفة تنتمي لها طائفة كبيرة من البشر ؛ فهذا أسلوب جديد في الاقتصاد وخداعه وحركته ، والتفاف آخر على محتوى القيم النبيلة لعقيدة الفرد البسيط المسالم .

هل كل ذلك دوافعه ونزعاته طائفية ؟ وهل تُحفظ سلامة الطائفة بذلك ؟ أم انها مخادعات لملء الجيوب من أموال السذج المندفعين بحب فطري لذلك الرمز المقدس بإسمه الكبير؟ 
في الحقيقة هناك عوامل متعددة لانتهاج تلكم الاساليب ، لكن الشيء المهم فيها هو كسب الثروة بأية وسيلة سواء كان الدجاج برازيلي ، ام اللحوم هندية ، مادامت تغلف بعبارة :
مذبوح على الطريقة الأسلامية ، فهذا وحده يجعل القناعات ثابتة ويرسّخها في ذهن الفرد واحساسه بشعور طيب بان القائمين على ذلك العمل هم من أقرب المقربين الى الله ، وأنه حين يتبضّع من تلك الاماكن وتلك السلع ، سيكون معهم قريباً ايضاً الى خالقه ، وهذا هو طموح المؤمن الملتزم لأنّ أعظم غاية في الوجود هي رضا الله سبحانه وتعالى ..

المشكلة الاكثر تعقيداً ، والتي مازالت مهمة جداً ؛ هي ان الانسان المُستغفَل هو من يشكل الاكثرية في مجتمع المخادعات وأول من يُخدع ويصدّق الاكاذيب والحيل معتقداً ان خلاصه وحياته في اتباع ذلك المزيف بالتقوى ، والمتجمّل بصورة المقدس الذي لا يعلو على صوته صوت آخر – اي المتقي المخادع – والقطيع يسير حسب الاشارة حتى إن كانت منتجات الأغذية غير صالحة للاستعمال لقرب نفادها ، أو نهاية صلاحيتها ، ولكن المخدوعين يستمرون بأكلها ، لان فيها الخير والبركة ، والصحة والعافية مادامت صادرة عن المؤسسة المباركة الفلانية وبرعاية الشخصية المباركة الفلانية …

وليس الأمر وحده مقتصراً على الغذاء فقط ؛ بل توسع ليشمل كل المرافق الحيوية والمهمة في الحياة ، والتعامل هناك بأسعار فاقت التصور – لاسيما في المستشفيات الخاصة – حتى لا نجد مكاناً للفقير فيها ، فقط يُطلب منه دعاء الله والتوسل به من اجل الشفاء ! 
تلك الأماكن المؤسساتية أصبحت حكراً على الاغنياء واصحاب الاموال ، لانهم وحدهم من يمكنهم التعامل معها ، وتبقى الشعارات مرفوعة باسم خدمة المواطن لانها تستظلّ ببركات الرمز المقدس الذي استُغِلَّ اسمه زوراً وبهتاناً كي يصبح الحفاة ، من أصحاب المليارات برمشة عين ، في حين مازال البعض يبحث عن لقمة عيشه منذ عشرات السنين .

واضافة لذلك دخلت مؤسسات تعنى بالثقافة والادب ، والسياسة والتخطيط لتحجز مكانها ايضاً مع الآخرين ، وكأنّ الرمز الديني في المجتمع المسالم هو مصدر الثروة والجاه والكمال .
ويشهد الله لو اُعيد ذلك الرمز الى الحياة لقطّع رؤوسهم ورماها في مزابل التاريخ لانهم دنّسوا كل مقدس محترم كي تعمّ الفوضى الروحية الطائفية ، وبها يُكنز الذهب والدولار التي امتلأت منها البنوك الأجنبية .

ولكي تبقى الحقائق مستورة بالخفاء ، والغفلة باقية في عقول البشر ، ولكي تُمرر الصفقات اليومية بملايين الدولارات، نجد بين فترة وأخرى كيف تُثار قضايا هامشية صدِئة قد عفى عليها الزمن ، تارة طائفية ، وتارة بمحاربة العلمانية ، وأخرى عدم السماح لعودة الشيوعية والقومية ؛ بينما لم نجد من تصدّى من المؤثّرين الفاعلين المتأسلمين في الساحة لمن ادّعى أنه مقدّس جديد بين خمسة مقدسين أطهار ، كما لم نشاهد من تصدّى لمن سبقه من المهمّين في صنع القرار حين قال : 
نبيٌّ أنا ….!!

أمّا لِمن يقول انه اعتذر ، فلقد كان العذر أقبح من الذنب لإنه مثخن بمناخ الطائفية التي ما زالت تفتك يومياً بالأبرياء ، وتلك الاسماء التي تزين منافذ التسويق الغذائية الاستهلاكية في كل منطقة ، ما هي الاّ واحدة من صورة طائفية مخادعة باحتراف للتذكير بانك يامن تتسوق من هنا فإنك تابع لنا ؛ والأموال فقط لجيوبنا، وللفقير – ربما لاحقاً – واحدة من الحور العين أو إحدى البساتين ، رزقنا الله وإيّاكم ولو نخلة واحدة منها !!

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.